الحرب ورحيل والدي..ذكريات كي لا ننسى

بقلم جان يلدا خوشابا
الحرب ورحيل والدي ….. ذكريات كي لا ننسى

04/ 09 / 2016
http://nala4u.com

♰ اخوتي الاعزاء ♰
تحياتي
في بداية الثمانيات كان العراق في حرب مع الجارة ايران حرباً استمرات ثماني سنوات ولم تتوقف ولم تنتهي حتى يوم 8/8/1988 .
كانت حرباً مجنونه وقذرة وطاحنة خسرنا فيها احلى الشباب وضاعت علينا اجمل الأحلام كنّا شباباً ولم نرى غير الحرب والحصار والنار والخوف والدمار .
كنّا لا ندري متى تنتهي هذا الحرب ومتى نعود الى بيوتنا ومتى ترجع الفرحة الى وجوهنا .
كنّا في حالة ضياع وخوف وقلق وحرمان وقهر وبكاء على من رحلوا واستشهدوا ولم يتهنوا بحياتهم وشبابهم وهم صغار مثلي .
في هذه الحرب خسرت اقرب أصدقائي ( كنت قد كتبت عنهم سابقاً في هذا الموقع ) .
خسرت من كان معي منذ الصغر في الابتدائية والمتوسطة والإعدادية .
خسرت اصدقاء كانوا يلعبون معي الكرة في شوراع الدورة والكرادة الشرقية وشوارع كراج الأمانة وفي الفرق الشعبية الاثورية خسرت من كان يذهب معي ويتعلم في الكنيسة .
خسرت من كان معي في منتخب النادي الاثوري الرياضي .
خسرت من كان يصفق لنا ونحن نفوز على الفرق الاخرى الشعبية والاتحادية .
خسرت من كان يأتي ايام الخميس ويحظر الأمسيات الفنية المشهود لها في النادي الاثوري الرياضي .
كانت تمر علينا ايام صعبة فالمنطقة التي نعيش فيها كانت يوماً من أجمل وأحلى وأنظف المناطق في بغداد .
كان الناس والشباب فيها قبل الحرب يتواجدون في الاندية الاثورية الرياضية والاجتماعية والثقافية وفي شوراع المنطقة يتبادلون الأحاديث وكنا نعرف كل صغير فيها وكل كبير ونعرف المنطقة وشوارعها وأهلها رجالها ونساءها بل حتى اسماء ساكينيها .
كنّا نعرف الخباز وصاحب الخضرة وبايع اللحم ومن يؤجر البسيكلات ( دراجات هوائية ) ومن يصلح المبردات والتلفزيونات والثلاجات وكل العطلات .
كنّا نعرف من يلتقي في المقاهي وملاعب البليارد والمنضدة ومطاعمها
كنت واحداً من شباب المنطقة والشاهد على ما جرى لنا وكيف تغيرت أمورنا وتبدلت حياتنا وتبعثرت أحلامنا.
كانت الكنيسة وبشطريها قد اشترت قطعة ارض للمقبرة الجديدة على طريق بعقوبة القديم وتسمى منطقة المعامل وصدقوني في اول سنتين امتلات واضطرينا لشراء أرضاً اخرى واُخرى واُخرى.
كانت هذه الحرب اقسى تجربة وأسوء ذكرى ومرحلة صعبة كنّا فيها نحاول تجنب اهوال الحرب كنّا نخاف على بَعضُنَا كنّا نريد البقاء احياء والتواصل في المدرسة عسى ولعل نسمع يوماً انتهاء الحرب لكن الحرب طالت وحرقت الأخضر واليابس وقست علينا نحن من كنّا في عز الشباب والامل يراودنا والاحلام تلاحقنا .
قد دفنت بيدي أعز أصدقائي ممن استشهدوا في هذه الحرب .
ولكن كان لي أناوإخوتي في هذا الحرب اكبر نكبة وأقسى ذكرى وأول نكسة الا وهي

خسارة المرحوم والدي العزيزواسمه بالكامل ( يلدا خوشابا يوخنا شمعون عوديشو يوخنا كيوركيس المنيانش ) اللذي توفى في اول ايام الحرب العراقية / الإيرانية أيضاً .
كان والدي أكثر انسان أحببته في حياتي حيث كان لي الأب والمعلم والأخ وكان لي صديقاً وفياً وكنت أنا له أحب وأقرب ابناءه وكنت له المرافق الأقدم ( كما كان يسميني) .
المرحوم أبي جلب لي اول حذاء لكرة القدم من الكويت ( عمل في الكويت كمقاول في شركة أمريكية ) وجلب لي فانيلة المنتخب الألماني من السعودية ( حيث عمل ايضاْ ) .
رافقت والدي مع اخي الاكبر جوني وأناصغير في كل أعماله ( كان يعمل مقاول إسمنت وكونكريت ) .
وكان والدي مشهود له بالخبرة والشهامة والعمل الصالح الجيد وكان والرب يشهد لا يجاريه أحداً في هذا المضمار .
رافقته في أعماله الى الناصرية وكربلاء والنجف وسامراء والمحمودية ومطار بغداد واليوسيفية والرمادي والفلوجة والتي تعلمت فيها الكثير حيث كان الناس هنالك يحبون والدي وياخذون له التحية عندما كنّا نتسوق في محلاتها قبل العودة الى بغداد والى عرين الاثوريين الاشوريين في كراج الأمانة .
كان ابي يعرف الكثير من الاكراد وكان له مجموعة تعمل معه تقريباً العمر كله تعرف عليهم في الحبانية ايام الصغر والشباب وبقوا يعملون معه .
وكان ابي يحترمهم ويقدرهم ويهتم بهم واينما يذهب وينتقل للعمل ينتقلون معه ( ابي من مواليد الحبانية ) وكان يتكلم الكردية بطلاقة حتى أن الناس في الخالدية والرمادي كانوا يعتقدون انه كردي من أربيل .
كما كان أبي يتكلم بعض من اللغة ألالمانية التي تعلمها من خلال عمله مع الشركات الألمانية ( شركة لوكس ) في اليوسفية والخالدية وبعقوبة .
اما اللغة الانكليزية فقد كان يتكلمها وبإطلاقه .
لا زلت اتذكر يوم دفنت والدي وبيدي في ذلك اليوم الحزين المرعب القاسي فقد كان من احزن أيامي حياتي واقساها وبالضبط
كان التاريخ هو الرابع من أيلول 9/4/1980 اي بنفس تاريخ هذا اليوم قبل 36 سنة .

لقد اشتقت إليك يا أبي ولازلت واقفاً صامداً على قدمي. أسير وأطبق ما علمتني .
الرب يرحم والدي وأصدقائي وكل من غادرنا وأسفي عليهم فقد رحلوا شباباً وتركوا فراغاً في قلوبنا وحياتنا لا ولن يتغير ولا يتبدل
مهما ابتعدنا ومهما قُلْنَا وكتبنا .

رحل ابي ورحل أصدقائي وستكون تكملة عن بعض ذكرياتي عن الحرب في المقالات القادمة  أنشاالرب 

والبقية تأتي .
جان يلدا خوشابا
في 4 أيلول / 2016
ويظهر والدي في الصورة الاولى في احد المشاريع وهو في وسط الصورة مع بعض الشخصيات الاخرى .
وفي الصورة الثانية وهو في سهل نهلة مع أمي واحد أقاربي واسمه ابراىيل ولا زال يعيش في قرية كشكاوا / نهلة

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.