مَحْو الأُمِّيَّة

بقلم شذى توما مرقوس
مَحْو الأُمِّيَّة ………..

07 / 05 / 2016
http://nala4u.com

مِنْ مُذكَّرات إِنْسَانَة ………                                                                 
  ــ مُجْتمع ــ / 5                                                                               

”  مَحْو الأُمِّيَّة  “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : شذى توما مرقوس
السبت 9 /4 / 2011  ــ الأربعاء 17/ 8 / 2011

أُقارِعُ بِشِدَّةٍ وتَحَسُّرٍ وأَلَمٍ تَسْمِيةِ الشَخْصِ الَّذِي لايَعْرِفُ القِراءَةَ والكِتابَةَ أَوْ الشَخْص المُتَخَلِّف عَن قِيمِ العَصْرِ الحَالِيَّة بِالـ  ” أُمِّيّ ” ، وتَوَسَّعَ مَدْلُول هذِهِ الكَلِمَة في المُجْتَمَعِ وصَارَتْ تُسْتَعْملُ لِلدَلالَةِ على المُتَخَلِّفِ ، وغَيْرِ المُتَحَضِّرِ ، والمُتَصَلِّبِ ، والعَنِيدِ مِمَّنْ لايَقْبَلُ جَدِيداً في الحَيَاةِ ويَتَمَسَّكُ بِالقَدِيمِ حَتَّى وإِنْ كَانَ بَالِياً ، ولايَقْبَلُ رَأْيَاً غَيْرَ رَأْيهِ ولايُعِيدُ التَفْكِيرَ في مَواقِفِهِ بِاعْتِبارِ إِنْ هذا يُشِينهُ ، ويَتَصَرَّفُ بِخُشُونَةٍ ، ورُبَّما بِرُعُونَةٍ وبِدُوْنِ تَخْطِيطٍ ، أَوْ تَفْكِيرٍ ولايُسَيطِرُ على انْفِعالاتِهِ وتَقُودهُ رُدودُ أَفْعالِهِ المُنْفَلِتَة …… إلخ ، بَلْ صَارَتْ هذِهِ الكَلِمَة تُسْتَعْملُ كَشَتِيمةٍ وإِهانَةٍ ، بَيْنَما نَحْنُ كُلَّ يَوْمٍ في وَاقِعِنا وفي أَحْلامِنا نَقُولُ لأَرْوعِ إِنْسَانَة ” أُمّي ” ، نَتَحَسَّسُ هذه الكَلِمَة بِسَعادَةٍ وعُذُوبَةٍ لاتُضاهِيها أُخْرَى ، ونَتَذوَّقها بِأَعْمَقِ خَلايا كَيانِنا وذَواتِنا .                                   

 أَعْتَرِضُ على هذِهِ التَسْمِيَةِ ، فهي مِنْ وجْهَةِ نَظَرِي تَطَالُ الأُنْثَى والأُمُومَة بِإِهانَةٍ وإِنْ كَانَت غَيْر مَقْصُودَة وإِجْحاف لَغوِيّ بَالِغ بِحقِّهنّ ،  حَتَّى وإِنْ قَالَ المُدافِعُون أَوْ تَحَجَّجَ المُتَحجِّجون بِتَقَارُبِ الكَلِمَتينِ لَفْظاً وتَبَاعُدَهُما مَعْنَىً .                                         
 إِنَّهُ لَمِن الإِنْصافِ والعَدَالَةِ إِنْ يَتِمَّ الفَصْم التَّام بَيْنَ لَفْظَة ” أُمِّي ” الَّتِي تَمُتُّ لِلأُمُومَةِ الجَلِيلَةِ بِصِلَة ، وبَيْنَ غَيْر العَارِفِ ، أَوْ الجَاهِلِ ، أَوْ الَّذِي لايَلُمُّ بِأُمُورِ الكِتابَةِ والقِراءَةِ ، أَوْ ظَلَّ على ما وَلَدَتْهُ أُمُّهُ عَلَيْهِ ( كما وَرَدَ في القَامُوسِ )  ، وأَنَّ يَتِمَّ اخْتِيار لَفْظَة أُخْرَى لِلاسْتِدلالِ على غَيْرِ العَارِفِ ذاك …… هذا الفَصْمُ التَّام يَجِبُ أَنْ يَكُون ……….           
طُوبَى ونِعْمَةً لأُمّي وكُلِّ الأُمَّهات فهُنَّ لايَسْتَحِقنَّ غَيْرَ التَكْرِيمِ .                               
كَانَت أُمّي إِنْسَانَة بَسِيطَة ، جَادَّة ، طَمُوحَة ومُثَابِرَة …… لَكِنْ كُلّ طُمُوحاتِها ذَهَبَتْ لِلتَلاشِي بِفِعْلِ العَيْشِ في مُجْتَمَعٍ رَسَمَ لِلأُنْثَى دَوْرَها وحَدَّدَ خُطُواتَها ، مُجْتَمَعٍ لايُسَاعِدُ الأُنْثَى بَلْ يَقْمَعُها ويَدْحَرُها ، مُجْتَمَعٍ يَنْكُرُ لِلأُنْثَى كُلَّ حُقُوقِها ويُساوِمُها على حَقِّها في الحَيَاةِ والكَرَامَةِ ، المُجْتَمَع بِأَعْرافِهِ وتَقالِيدِهِ وعَشائِرِيتِهِ وطَائفِيتِهِ …… إلخ .           

رَافَقَتْ أُمِّي سنينَ عُمُرِها الرَغْبَةُ الجامِحَة نَحْوَ العِلْمِ والدِرَاسَةِ والتَعْلِيم ولكمْ تَمَنَّتْ لَوْ تَخَرَّجَتْ مُعَلِّمَة ( وأَنا أَعْتَبِرُ التَدْرِيس عِلْماً وفَناً ، عِلْم التَدْرِيس ، فَنُّ التَدْرِيس ) ، وكَانَ هذا أَوَّلُ طُمُوحِها مُنْذُ صِغَرِها حَتَّى إِنَّها ولِعُمْقِ رسُوخِهِ في نَفْسِها قَوِيَّاً تَضَرَّعَتْ دائِماً لَوْ وَرَثَتْ هذا الطُمُوح عَنْها إِحْدَى بَنَاتِها ، ( وكَانَت هذِهِ المِهْنَة في حِيْنِها كَبِيرَة جِدَّاً وعَالِيَة في المَرْكزِ والمَكَانَةِ ولَها مَرْتَبة مُجْتَمعِيَّة جَلِيلَة ، نَافَسَتْها فيما بَعْد مِهنٌ أُخْرَى في علُومٍ مُغايرَة المَكانَةَ والرِفْعة ) ، لَكِنْ أُمْنِيَّة أُمّي لَمْ تَتَحَقَّق لأَنَّ في زَمَنِ طُفُولَتِها حَيْثُ كانَتْ تُقيم لَمْ تَكُنْ هُناكَ مَدارِس يَذْهَبُ إِلَيْها الأَطْفَال ، وحِيْنَ انْتَشَرَتْ المَدارسُ في وَقْتٍ لاحِقٍ كَانَتْ والدتي قَدْ تَجاوَزَتْ العُمْر الَّذِي يَسْمَحُ لَها بِالذِهابِ إِلى المَدْرَسةِ ، بَلْ إِلى مَحْوِ الأُمِّيَّة .                                                                                   
أَذْكُرُ في وَقْتِها أَنَّني كُنْتُ في مَرْحَلةِ الدِراسَةِ ، وكَانَ البَثْ التلفزيوني العِراقيّ يَعُجُّ بِالتَمْثِيلِياتِ ( بِالأَسْودِ والأَبْيضِ ) عَنْ مَوْضُوعِ مَحْوِ الأُمِّيَّة مِنْ خِيرَةِ الفَنَّانِين والفَنَّانات حِيْنَها .                                                                                                 
أَذْكُرُ الفَنَّان راسم الجُميلي حِيْنَ كَانَ يَعُودُ في إِحْدَى تَمْثِيلِياتِهِ مِنْ مَرْكَزِ مَحْوِ الأُمِّيَّة ويَسْتَلْقِي على الأَرْضِ وهو مُنْهَمِكٌ بِتَعَلُّمِ الحُرُوفِ والقِراءَةِ …… كَمْ امْتَعنا هو وغَيْرُهُ مِن الفَنَّانِين والفَنَّانات …….. .                                                                     
في طُفُولَتي كَانَت أُمِّي تَأْخُذُني مَعَها حَيْثُ تَذْهَب ، رُبَّما لأَنَّني كُنْتُ هَادِئة جِدَّاً وقَرِيبة إِلى نَفْسِها ، وفي مَرَّاتٍ كَثِيرَة حِيْنَ تَذْهَبُ إِلى السُوقِ الكَبِيرِ لاقْتِناءِ حَاجاتِ العَائِلَةِ مِن الكِساءِ والمَلابِسِ والأَغْطِيةِ ومَواد الخِياطَةِ وغَيْرِها ، كَانَ عَلَيْها أَنْ تَسْتَقِلَ الحَافِلَة ، وبِما أَنَّها لم تَكُنْ تَتَعَرَّف على الأَرْقامِ فكَانَت تَحْتَاجُ إِلى مُساعَدَتي لِتَسْتَقِل البَاص ذُو الرَقْم الصَحِيح حَتَّى لايَذْهَبُ بِنا إِلى جِهَةٍ أُخْرَى( حَيْثُ كَانَ البَاص رَقْم تسْعَة يَتَجه بِخَطِ سَيْرٍ آخَر )  ……..                                                                                   
كَانَت أُمّي تَسْأَلُني :                                                                                   
ــ كَمْ رَقْمُ هذا البَاص يا ابْنَتِي ؟                                                                     
ــ إِنَّهُ البَاص رَقْم سَبْعَة يا أُمِّي .                                                                   
ــ إِذَنْ عَلَيْنا أَنْ نَسْتَقِلَهُ .                                                                             
والِداي تَعَلَّما لُغَةَ المَدِينة لَدَى انْتِقالِهما إِلَيْها نَتِيجَةً لِظُرُوفِ عَمَلِ والِدي ، ولِهذا واجَها تَحدِيات كَبِيرَة مُماثِلَة لِلتَحدِياتِ الَّتِي تُواجِهُ أَيَّ مُهاجِرٍ أَوْ مُنْتَقِلٍ لِلعَيْشِ مِنْ مَكانٍ إِلى غَيْرِهِ كتَحدِياتِ اللُغَةِ ، التَكيُفِ مَعَ البِيئَةِ الجَدِيدَةِ ، المَناخِ ، طَرِيقَةِ التَعامُل مَعَ النَاسِ ، الأُمُور المُتَعارَفِ عَلَيْها المَقْبُولَةِ والأُخْرَى المَرْفُوضة ….. إلخ ، كَانَت بِيئَةً جَدِيدَة عَلَيْهما لَكِنَّهُما نَجَحَا في التَغَلُّبِ على التَحدِياتِ وكَافَحَا لأَجْلِنا .                               
كَانَت الحَافِلَة رَقْم سَبْعَة كَغَيْرِها مِنْ حَافِلاتِ النَقْلِ الَّتِي انْتَشَرَتْ في المَدِينَةِ حِيْنَها تَتَمَيَّزُ بِتَقْسِيمِ المَقاعِدِ ، هذهِ المُلاحَظَة لَفتَتْ انْتِباهي وكَانَ هذا التَقْسِيم في نَفْسِي مَرْفُوضاً لأَنَّهُ يَجْعَلُ النَاس في وَضْعِينِ مُتَباينينِ ولَيْسَ في وَضْعٍ واحِدٍ مُسْتَوٍ مُتَساوِي ، الصُفُوفُ الأَمامِيَّة في الحَافِلَةِ عِبارَة عَن مَقاعِد جِلْدِيَّةٍ مُرِيحَةٍ تَكْلِفَة بِطاقَةِ الجُلُوسِ فيها هو عَشْرَة فِلْس ، أَمَّا النِصْفُ الثَاني مِنْها فكَانَ مَقاعِدَ خَشَبِيَّة خَلْفِيَّة وتَكْلِفَة بِطاقَةِ الجُلُوسِ فيها خَمْسَة فِلْس ، والوَاقِفين مِن الرُكابِ كَانُوا يَقْطَعُونَ بِطاقَةً بِخَمْسَة فِلْس .                           
كُنْتُ في كُلِّ مَرَّة أَسْأَلُ أُمّي :                                                                       
ــ ماما ….. لِماذَا المَقاعِد الخَشَبِيَّة بِخَمْسَة فِلْس والجِلْدِيَّة بِعَشْرَة ؟                       
كَانَت أُمّي تُجِيب :                                                                                   
ــ لأَنَّ الجِلْد أَغْلَى سِعْراً وتَكْلِفَةً مِن الخَشَبِ لَدَى الصُنْع .                                     
أَمَّا أَنا (  وبِالتَأْكِيدِ أُمّي أَيْضاً رَغْمَ أَنَّها لَمْ تَبُحْ لي بِذلِك عَلانِيَّة خَوْفاً على مَشَاعِرِي الغَضَّة مِنْ عَالَمٍ قَاسٍ وقَبِيح ) فكُنْتُ أَشْعُرُ بِأَنَّ المَقاعِدَ الخَشَبِيَّة صُنِعَتْ لِلفُقراءِ والمَقاعِدَ الجِلْدِيَّة لِلمُتَمَكِّنِين مَادِيَّاً والأَغْنِياءِ ، وكَأَنَّهُ لايَكْفِي الفُقراء عَذَاب مايُقاسُون وما يُحْرَمُون مِنْهُ ، وحَتَّى في الحَافِلَةِ يُزِيدُ العَالَم آلامَهم بِجَعْلِهِم يَجْلُسُون على مَقاعِد غِيْر مُرِيحَة هذَا إِنْ اسْتَطاعُوا تَغْطِيَة تَكالِيفِ التَنَقُّل بِالبَاصِ ، ويُسِيءُ لِعَضَلاتِهِم المُتَصَلِّبَة بِفِعْلِ مايُقاسُون أَذَىً وأَلَماً ولِعِظَامِهِم المُتَخَشِّبَة ويُزِيدها تَخَشُّباً ، وعلى العَكْسِ يزِيدُ المُتَمَكِّنِين مَادِيَّاً رَاحَةً فَوْقَ رَاحَة ، ويُضْمِنُ الصِحَّة لِعَضَلاتِهِم اللَيِّنَة بِفِعْلِ امْكانِياتِ الرَاحَةِ المُتَوَفِّرَة لَهم ، ويُغْرِقُ مُؤْخِرَاتهم في مَقاعِدٍ وَثِيرَةٍ ومُرِيحَةٍ فتَزْدادُ لِيْناً ، فيَزْدادُ الأَغْنِياء تَكَبُّراً على الفُقراء ويَحْتَقِرونَهُم ( في حِيْنِها لم تَكُنْ السَيَّارات الخُصُوصِيَّة مُنْتَشِرَة بَعْد في هذهِ المَدِينة إِلا فيما نَدر )  .                                     
كُنْتُ أَقْرأُ كَطِفْلَةٍ في عُيونِ الجَالِسين في المَقاعِدِ الجِلْدِيَّة زَهْوَهُم وتَرَفُّعَهُم بِيْنَما تَتَكَسَّرُ النَّظَراتُ خَجَلاً في عُيونِ الجَالِسين في المَقاعِدِ الخَلْفِيَّة الخَشَبِيَّة ، وما كَانَ يُزِيدُ التَمْييز حِدَّةً إِنَّ البَابَ الأَمامِيِّ لِلحَافِلَةِ أَصْبَحَ تِلْقائِيَّاً لِمَنْ يَجْلُسون في المَقاعِدِ الجِلْدِيَّة بِيْنَما تُرِكَ البَاب الخَلْفِيِّ لِلحَافِلَةِ لِمَنْ يَجْلُسون في المَقاعِدِ الخَلْفِيَّة الخَشَبِيَّة ، وأَيْضاً قَاطِعُ التَذاكِر ( الجَابي ) إِذْ كانَ يَمُرُّ على الجَالِسين في المَقاعِدِ الأَمامِيَّة لِقَصِّ البِطاقاتِ يَفْعَلُ ذلك بِاحْتِرامٍ يَتلاشى بَغْتَةً حِيْنَ يَصِلُ إِلى المَقاعِدِ الخَشَبِيَّةِ الخَلْفِيَّة والوَاقِفين في البَاصِ ، وكُنْتُ أَسْمَعُ في أَحْادِيثِ الكِبارِ عِنْدَما يَتَلاقُون عَنْ مَخَاوِفِهِم وتَحَرُّجِهِم مِنْ أَنْ يَمْسِكَهُم أَحَدَ مَعَارِفِهم بِالجُرْمِ المَشْهُودِ وهُم في البَاصِ بِبِطاقَةِ الخَمْسَة فِلْس ولَيْسَ العَشْرَة ، لَيْسَ هذا فَقَطْ فلَقَدْ كَانَ الفُقَراء يَتَحاشون اللِقَاء في البَاصِ بِمَنْ يَعْرِفُونَهُم تَجَنُّباً لِلحَرَجِ مِنْهُم ، وحَتَّى أُعَبِّرُ عَن سُخْطِي على هذا التَمْييزِ كُنْتُ وبِطَرِيقَةٍ طُفُولِيَّة أُصِرُّ على الوُقُوفِ في الحَافِلَةِ .                                                                                 
لِماذَا يَلْجأُ الإِنْسَانُ إِلى التَمْييزِ ، هَلْ كَانَ ضَرُورِيَّاً تَصْنِيعُ الحَافِلاتِ بِهذا الطِرازِ ( الحَافِلات على ما أَعْتَقِدُ كَانَت مُسْتَورَدَة مِنْ بريطانيا ) ، إِنْ كَانَت غَايَةُ المَصانِعِ حَصْرَ التَكْلِفَةِ وتَقْلِيلَها لِلحَافِلَةِ الوَاحِدَةِ فلِماذَا لم تُفَكِّرْ العُقُولُ المُدْبِرَة في حَلٍّ أَبْسَط ، كَأَنْ تَجْعَلَ بَعْض الحَافِلاتِ كَامِلَةً بِمَقاعِد جِلْدِيَّة وأُخْرَى بِمَقاعِد خَشَبِيَّة ، وكَانَ لِلدَوْلَةِ المُسْتَورِدَةِ تَحْدِيدَ خَياراتِ اقْتِناءِ هذا النَوْع أَوْ ذاك أَوْ كِلا النَوْعَين ، مَعَ الاحْتِفاظِ بِتَسْعِيرةٍ وَاحِدَةٍ لِلبِطاقَةِ لِلجَمِيعِ ، أَمَّا أَنْ تَكُونَ الغَايَة إِنْسَانِيَّة مِنْ تَواجُد المَقاعِدِ الجِلْدِيَّةِ كَخِدْمَةٍ لِلمَرْضَى والمُعاقِين وكِبارِ السِنِّ ….. إلخ ، فاخْتِلاف تَسْعِيرَة البِطَاقَة يَخُونُ هذه الغَايَة ولايُراعِيها ويَجْعَلُ الشَكَّ مَشْرُوعاً وقَائِماً ويَقِيناً وكذلِك الوَقَائع ، نَاهِيك عَن اسْتِحْقاقِ الفُقَرَاءِ أَيْضاً لِشمُولِهم بِهذِهِ الغَايَةِ الإِنْسَانِيَّةِ أُسْوَةً بِالمَرْضَى والمُعَاقِين وكِبار السِنِّ ….. إلخ .                                                                                       
هذا التَقْسِيمُ في المَقاعِدِ لَهُ جُذُورٌ في نَفْسِ الإِنْسَان ، تِلكَ الجُذُور المُنْتَمِية إِلى خَلِيطِ المَشَاعِرِ مِنْ التَكَبُّرِ والأَفْضَلِيَّةِ والعَداءِ والرَغْبَةِ في التَمَيُّزِ والاسْتِعلاءِ والفَوْقِيَّة ….. …. إلخ ، تِلكَ الجُذُور البَعِيدَةِ عَنِ الرَغْبَةِ في السَلامِ والاحْتِرامِ والتَسَاوِي والحُقُوقِ المَكْفُولَةِ لِلجَمِيعِ …….. إلخ .                                                                       
إِنَّها بَعْضٌ مِنْ قِصَةِ الإِنْسَانِيَّة .                                                                     
إِنْ كانَ هذا النَمَط مِنْ التَمْييزِ في الحَافِلاتِ الآن قَدْ انْمَحَى ، فالمُسَلْسَل لازالَ مُسْتَمِرَّاً في القِطاراتِ حَيْثُ الرُّكابُ دَرَجَة أُولَى ، أَوْ ثَانِية  ….. إلخ ، وفي صَالاتِ السِينما ، وفي المَسارِحِ والفَنادقِ وحَتَّى في أَنْواعِ أَنْظِمةِ التَأْمينِ الصِّحِّيّ ….. إلخ .                 
بَعْضُ الأَدْيانِ سَانَدَتْ وشَدَّتْ مِنْ أَزْرِ الطَبَقِيَّةِ أَوْ التَعَدُّدِ الطَبَقِيِّ في المُجْتَمعاتِ بِطَرِيقَةٍ سَلْبِيَّة وعَمَّقَتْ تِلك الهُوَّةِ مِنْ خِلالِ نَظْرَتِها الحَيَاتِيَّة .                                         
خِتَاماً أَشْكُرُ لأُمّي صَبْرَها ورِعايِتَها لَنا جمِيعاً الأَبْنَاء والبَنَات ، أَشْكُر لَها لَيالي السَهَر وحِمْل الهمُوم والتَفْكير فيما نَابَنا مِنْ أَحْوال ، أَشْكُر لَها ولِوالدي مُرافَقَتهُما لِمسِيرَةِ حيَاتِنا والأَخْذِ بِأَيَادِينا إِلى بَرِّ المُسْتَقْبَلِ الأَمين ، أَشْكُر لَهُما حِمايَتَهُما لَنا مِنْ كُلِّ شرُورِ الحيَاةِ وبِقَدْرِ اسْتِطاعتِهما . ما وفَّرَاهُ لَنا قَدْ لا نكُونُ قَادرِين على تَوْفِيرَهُ لِمَنْ بَعْدَنا .   

لأُمّي المَحَبَّة والذِكْرَى العَطِرَة في نَفْسِي ، ولِكَلِمَةِ ” الأُمِّيَّة ” اسْتِنْكارِي القَاطِع ورَفْضِي ، ولِلتَمْييزِ بِيْنَ البَشَرِ الفَنَاءُ التَامّ وكُلّ الجُهُودِ لِمَحْوهِ .                             
ولكُم مِنِّي ، قَارِئات وقُرَّاء ، خَالِصَ الودِّ والمَحَبَّة .                                             

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                             

هَامش :                                                                                         
عن قاموس لسان العرب : ـ                                                                 
الأُمِّيّ : الذي لا يَكْتُبُ                                                                         
قال أَبو إسحق : معنى الأُمِّيّ المَنْسُوب إلى ما عليه جَبَلَتْهُ أُمُّه أي لا يَكْتُبُ ، فهو
في أَنّهُ لا يَكْتُبُ أُمِّيٌّ ، لأَنَّ الكِتابة هي مُكْتَسَبَة فكأَنه نُسِب إلى ما يُولد عليه أي
على ما وَلَدَته أُمُّهُ عليه .                                                                   

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, ثقافة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.