التباهي والتفاخر الكاذب بالأنتساب الى إبراهيم

بقلم مسعود هرمز النوفلي
التباهي والتفاخر الكاذب بالأنتساب الى إبراهيم

27 / 08 / 2012
www.nala4u.com

يفتخر الكثير من الناس بأنهم من نسل إبراهيم وذريّته، ويتباهون بأنهم من المؤمنين التابعين الى جد أجدادهم. الأفتخار بالأصل أمراً رائعاً وجميلاً، ولكن ما يكتبهُ البعض في كتاباتهم يعطي لنا الصورة المعكوسة التي تُبرهن لنا بأنهم يعملون عكس ما يقولون ويكتبون. في كل الأمور التي يتحدثون فيها عن صفات أبو المؤمنين نراهُم على النقيضِ تماماً، يفعلون من أعمال ما لم تكُن من صفات إبراهيم أبداً، يعملون ويتبجّحون ويتفاخرون ويخدعون الناس ويُقيمون الدنيا بأنهم الأصل، وعند مقارنة صفاتهم مع الصفات التي كان يتحلّى بها إبراهيم نرى العجب. لماذا هذا التناقض وعدم الصدق مع النفس؟

صفات إبراهيم معروفة، الأيمان الحقيقي بالله وليس الكاذب مثل ما نرى هذه الأيام عند البعض. الطاعة الى أمر الله بالخروج والتوجّه الى المجهول الذي كان ينتظره في كلِّ شيء. الوفاء للخالق في إيمانه الذي لم يتزعزع حتى في الوقت الذي أراد ذبح أبنه، ومن ثم تنفيذ كل المُخطط الذي وضعهُ الله في خُطة التدبير والأستقرار في أرضٍ غريبة لم يعرفها من قبل.

أولاد إبراهيم أم أولاد الشيطان؟

يقول الأنجيل “لو كُنتم أبناء إبراهيم، لعمِلتُم أعمال إبراهيم” (يوحنا 8 : 39)، هذه الآية قالها يسوع لليهود لأنهم أرادوا قتلهِ. لقد إفتخر اليهود بأن أبيهم هو إبراهيم، ولكن أعمالهم كانت عكس أعمال إبراهيم، ذلك الأنسان الوفي لأوامر الله. تتطرّق المُحاورة والجدال بين الرب واليهود في الأنجيل الى أن قال لهم عندما لم يسمعوا الى كلامه “فأنتم أولاد أبيكم إبليس” (يوحنا 8 : 44). الرب جعلهم أولاد ألشيطان، والسبب هو لأنهم كانوا يعملون لقتلهِ ويتبعون كل أوامر الشيطان من أجل القضاء على يسوع وأفكاره، لقد كان الرب يعرف جيداً نياتهم وما يجري في عروقهم ومُخططاتهم في قتلهِ. هل يستحق أولئك اليهود أن يكونوا أولاد الله وأبيهم إبراهيم وهُم يخططون الى قتل وذبح إبن الله؟ عندما نُقارن الأحداث نراها تتكرر الآن، يقتلون بأسم الله وإسم إبراهيم، يقتلون الجسد ويقتلون الكلمة الحقّة، ويقتلون كل النيات الصافية من أجل الشر الكامن في قلوبهم.

نحن والأفتخار الكاذب

اليهود آنذاك كانوا يفتخرون بأبيهم إبراهيم، بالضبط كما يفتخر البعض الآن، وجاءهم الجواب القاتل ليقول لهم أنتم لو كُنتم حقاً أبناء وأحفاد ذالك الأنسان الوديع والمتواضع، ما كُنتم تبحثون عن قتلي. نلاحظ كيف نسبهُم الرب الى الأبليس. من أعمالهم تعرفونهم، وهكذا الآن الكثيرين، هُم من أولاد الشيطان، للأسف ينسُون حديث يوحنا المعمدان الذي قال “ولا تقولوا لأنفسكُم: إن أبانا هو إبراهيم. أقول لكم: إن الله قادرٌ أن يجعل مِن هذه الحجارة أبناء لإبراهيم” (متى 3 : 9). علينا أن نفهم بأن الرب قد قسّم الشعب الى أبناء الملكوت، أي الله وأبنائهِ، وأبناء الشيطان، أي الشيطان وأبنائه، لا يُمكِن أن نكون أولاد الله والشيطان في نفس الوقت، لأن المجموعتين على نقيض، الواحدة تُقاتل الأخرى. لهذا، علينا أن نُجاهد لنكون أبناء المملكة الحقيقية السماوية الخالدة، وليس أن نُناضل من أجل المملكة الشيطانية الزائلة في تصرفاتنا وأخلاقنا. أغلب الّذين يتطرّقون الى إبراهيم، يكتبون من الناحية البشرية والتاريخية الأثنية، وقلّما نجد أحداً يتطرق الى الأمور الروحية والرموز الرائعة الموجودة في قصة إبراهيم. لم يكُن إبراهيم قاتلاً أو كذاباً، والذي يرغب أن يقتدي بهِ عليه إظهار صفاتهِ الحقيقية الروحية والأيمانية. إبراهيم ليس بحاجة الى هؤلاء، لأن الله كما لاحظنا قادرٌ أن يخلق له أولاد وذرية من كل الأحجار الموجودة في العالم ومن العدم يخلق له أولاد صالحين.

الكذب من صفات الشيطان، لأنه كذّاب وأبو الكذب كما يقول يسوع. للأسف نرى الآن مَنْ يُصدِّق الكذب ويُدافع عنه ويتكلّم بالسوء على مَنْ يقول الحق، ولا يُصدّقون الحق بقدر ما يُصدّقون الكذب، وكأنهم ليسوا أولاد إبراهيم الذي يتباهون بهِ، وهنا نلاحظ الفروق الشاسعة بين التباهي الكاذب والأفتخار الأصيل البعيد كل البُعد عن الخداع والظلام. إحدى الوصايا تتحدث عن الكذب ويبدو أن الذي لا يؤمن بها لا مانع لديه من تسطير أكاذيب متنوعة بين فترة وأخرى لكي يغش الشعب المسكين وخاصة غير المُتطلّعين والذين لا يعلمون كيف تحصل وتُقيّم الأمور هنا وهناك. يقول يسوع ” لو كان الله أباكم لأحببتموني” ( يوحنا 8 : 42). الكذب والأفتخار بدون حق تُبعدنا كثيراً عن الأخلاق ورغبات الله في المحبة وبالتالي سنصبح من أولاد الشيطان، ومملكته الزائلة التي لا يُمكن أن تثبت، ويكون إنهيارها سريعاً ووقوعها عظيماً، ومهما طال الزمن يسقط المجد الكاذب الذي يبتغيه الأنسان لأنه مبني على الكذب والغش والمصلحة والظهور والمال وأساسه رمل.

لقد أخذ اليهود الحجارة ليرجموا يسوع عندما نبّهَهُم على أخطائهم وعندما قال لهم : “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائنٌ”. هكذا، وبالضبط، وبنفس المستوى يأخذ البعض الكلمات المُهينة ليطعنوا ويرجموا بها مَن يقول الحقائق ويبرزها الى العلَنْ، وهُم ينسون أن الحقائق لا يُمكن حجبها وهي التي تنتصر في النهاية، كما أنتصر يسوع الذي تآمر عليه اليهود وبقيَتْ كلماته نوراً وطريقاً للعالم، في الوقت الذي كانت مكروهة عندهم وكانوا يُريدون التخلّص منهُ بشتى الطرق، منها الكذب وشهادة الزور والتلفيق من أجل القضاء عليه وصلبهِ. هل نتعظ من درس إبراهيم حتى لا نبقى أسرى الى الماضي في التزوير والتشويه؟

ألمجد الحقيقي والمجد المُزيّف

هل نعمل بمشيئة الله ووصاياه؟ إذا نحن فعلاً أولاد إبراهيم، هل نُفكر ونتأمل قليلاً كي نُقارن حياتنا مع حياتهِ؟ فإذا وجدنا بأننا نسير وفق تلك الخُطى التي خطاها أبينا إبراهيم نحو المجد الحقيقي، عندها من حقِّنا أن نفتخر بقوّة أمام كُل العالم، ولكن إذا وجدنا العكس، علينا أن نتراجع وندرس أخطائنا من أجل تصحيحها، ولا نبقى في دوامّة بناء المجد المُزيّف والعناد والتكبر، علينا أن نقرَّ في أنفُسنا بأننا نبحث عن المجد الكاذب الذي يُمكن إعتباره بمثابة العصيان الى أوامر الله، الى متى يبقى البعض لا يفهمون ولا يُميّزون الصح من الخطأ؟ لقد إتهم اليهود المسيح بأن فيه شيطان ومجنون، وهُم أولاد إبراهيم التقي، وإنه حاشاه أي المسيح أبن شيطان. ماذا كانت النتائج؟ مَن أصبح لهُ المجد الأزلي؟ ومَنْ أصبح لهُ المجد المُزيّف؟ هذه الأمثلة تُعتبر تجارب حيّة لنا كي نتّعض ونقوم بتصحيح مسيرتنا ولا نذهب وراء الأوهام والسراب والخيال.

العبد والخطيئة

يقول الرب مَنْ يعمل الخطيئة هو عبداً لها، والعبد لا يبقى في البيت دائماً، القول الرائع يشملنا وسوف لا نبقى في بيتنا، وهذا الذي يحصل الآن مع الأسف، كلَّ شيء خاص بنا يُنتهك، وإذا داومنا على هذا النهج ولم نتعظ، سوف نُقلع من جذورنا لأننا أصبحنا عبيداً. لنُفكّر كيف نصبح أحراراً وكيف نأخذ حقوقنا. البعض مشغولون بإثبات نسبهُم الى إبراهيم، وكأن إبراهيم سيأتي ليعطيهم الأرض التي تركها وخرج منها بلا رجعة، يتوقعون بأن إبراهيم سيمنحهم كل الطبيعة والحياة في الأرض التي لا يوجد فيها مسيحياً واحداً، لأننا نعيش في الخطيئة فإننا نعتقد بأن العلاقة مع إبراهيم ستُنقذنا وتُفتح لنا أبواب الملكوت، لو نعيش روحية إبراهيم لكان كلّ شبرٍ من أرض بيث نهرين لنا، ولكن للأسف، أعمالنا وأفعالنا ينكرها إبراهيم نفسهُ قبل أن يحتقرها الغير، الويل لنا لأن أغصاننا بدأت تذبل فيما تبقى من أرضنا.

وفي الختام يتحمّل المسؤولية كل من يعمل بإرادة الشيطان ولا ينتقد الأخطاء، وكذلك كل مَن يُبارك الغشاشين والمُتلونين والمُنافقين، وكل الذين لا توجد في أنفسهم بذور كلمة الحق والمحبة التي يطلبها ربّ إبراهيم.

مسعود هرمز النوفلي
27/8/2012

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, دين. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.