ماذا لو لم يعتنق الآشوريون المسيحية ؟؟؟.

بقلم سليمان يوسف
الموضوع;
 ماذا لو لم يعتنق الآشوريون المسيحية ؟؟؟.
shuosin@gmail.com

28 / 08 / 2023
https://nala4u.com

” العبرانيون اليهود” ، ليس لهم إرث حضاري مهم ، تشتتوا خارج مناطقهم التاريخية (اسرائيل) لقرون طويلة مع(السبي البابلي الآشوري) للكثير منهم في القرن السادس قبل الميلاد ونقلهم إلى بابل و آشور و اربيل ونينوى ومناطق آشورية أخرى في بلاد ما بين النهرين. رغم التشتت والويلات التي حلت بهم ، (العبرانيون اليهود) نجحوا في العودة إلى موطنهم وإعادة بناء دولتهم (اسرائيل) ، بعد أكثر من 2500 عام من الضياع والتشتت. هنا أشير إلى حقيقة تاريخية، وهي أن (يهود الشمال العراقي) هم بقايا اليهود المسبيين ، وليسوا أكراداً ولا صلة عرقية لهم بالأكراد ، كما يزعم القوميون الكرد، وإن تحدثوا الكردية. اليهود المسبيين كانت لغتهم الثانية بعد العبرية هي الآشورية لكن مع الغزو العربي الإسلامي لبلاد مابين النهرين و استيطان العرب المسلمين فيها تعلم اليهود العربية ، لا حقاً ومع التغلغل الكردي في الشمال العراقي تعلم اليهود المسبيين الكردية .
الآشوريون، كونوا إحدى أقوى الأمبراطوريات ،توسعت شرقاً وغرباً هزمت الكثير من الجيوش ، قدموا للبشرية أعظم حضارة عرفها العالم القديم . لكن مع سقوط (الدولة الآشورية) على يد الفرس في عهد الملك ( قورش ) عام 612 قبل الميلاد ، خرج الآشوريون من التاريخ السياسي للعالم . فرغم المحاولات الكثيرة والتضحيات الكبيرة ، أخفق ( الآشوريون) في التغلب على الظروف الصعبة والتحديات التي واجهتهم في إعادة بناء دولتهم ولو على جزء من وطنهم التاريخي (بلاد ما بين النهرين- بلاد آشور) .. لا قيمة سياسية كبيرة لظهور(مملكة الرها) الآشورية الصغيرة في شمال بلاد ما بين النهرين على أيدي (السلالة الأبجرية) في نهاية القرن الثاني ق.م واستمرارها حتى أوائل القرن الثالث الميلادي(336)م. هذه المملكة كانت تتمتع بنوع من الحكم الذاتي تحت حكم الرومان . بعد حرب ضروس بين الفرس والروم، أنهزم فيها الروم ، سقطت مملكة الرها بيد الفرس وتم ذبح الآشوريين وتهجير من تبقى حياً منهم. الروها أو ( أورهي) ، تعرف اليوم بـ(أورفا ) وهي من المدن الآشورية العريقة التي ضمتها تركيا العثمانية .
السبب الأساسي لنجاح العبرانيين اليهود وإخفاق الآشوريين المسيحيين في( إعادة أمجادهم القومية والسياسية) ، يعود إلى الاختلاف الكبير بين (العقيدة الدينية) لليهود الموسويين، و ( العقيدة الدينية) للآشوريين المسيحيين، طبعاً من غير أن نتجاهل اختلاف الظروف التاريخية لكل شعب. أنبياء وحاخامات اليهود بشروا بـ”الوعد الإلهي” لشعبهم ، أي العودة إلى أرض الميعاد ( اليهوذا والسامرة) وإعادة بناء هيكل سليمان بن داود في أورشليم القدس(بيت المقدس) . ربطوا مصير اليهود بمشروع “العودة إلى أرض الميعاد” وإقامة دولة إسرائيل . وقد أصبحت تعاليم موسى أساس الحياة القومية والروحية والاجتماعية لليهود .. بل أكثر من هذا ، إنهم نجحوا في توظيف بعض (النصوص المسيحية) لصالح مشروعهم السياسي ” العودة إلى ارض الميعاد وإقامة دولة إسرائيل ” ، ذلك من خلال الترويج لفكرة (عودة المسيح) ثانية إلى أورشليم (بيت المقدس) وربط هذه العودة بإعادة بناء هيكل سليمان بن داود تمهيدا لظهور السيد المسيح. هذا الربط أكسب اليهود، دعم وتعاطف الكثير من أتباع الكنائس الأمريكية والأوربية في الغرب، خاصة الكنائس الإنجيلية .
صحيح، أن (الدولة الآشورية) سقطت قبل قرون من ظهور (المسيحية) واعتناق الآشوريين لها ، وصحيح أيضاً، أن المسيحية ليست مسؤولة عن “الإخفاقات السياسية” للآشوريين . لكن بدخول الآشوريين المسيحية ، فقدوا الكثير من خصالهم وسماتهم القومية ، بسبب ” القطيعة التاريخية” التي أحدثتها الكنيسة بين الشعب الآشوري وبين تراثه الحضاري العريق، من فكر وثقافة وعادات وتقاليد ومفاهيم وغيرها، استبدلوها بمقولات ومفاهيم “أحبوا أعدائكم.. سامحوا لاعينكم..” تعزز روح الاستسلام والهزيمة لدى الإنسان الآشوري… “. الكنيسة ،ممثلة بـ”طبقة الإكليروس”، بمحاربتها ونبذها ودفنها للتراث الآشوري ما قبل المسيحية بحجة أنه يعود الى (المرحلة الوثنية) ، قتلت الروح القومية لدى الإنسان الآشوري، الكامنة في ذاك التراث . المسيحية ، شوهت شخصية الإنسان الآشوري وقتلت فيه(روح المقاومة) بسلخه عن تراثه وتاريخه و إعادة تشكيل وعيه وتكوين شخصيته وفق (العقيدة المسيحية) المسالمة المستسلمة ،بعيداً عن (الهوية الآشورية )، بل على النقيض منها تماماً.. يتساءل البعض: لماذا المسيحية لم تكن عائقاً أمام تحرر واستقلال شعوب وأمم مسيحية كثيرة ؟؟. لهؤلاء نقول: ثمة فارق كبير بين شعوب، كـ( الآشوريين والسوريين والأقباط الفراعنة)، اعتنقت المسيحية وهي منهكة جراء الحروب والصراعات الطويلة و بلدانها محتلة مستعمرة من قبل الغزاة ، وبين شعوب اعتنقت المسيحية وهي تمتلك قرارها وحريتها وتحكم نفسها في دول وكيانات سياسية خاصة بها ، كما هو حال الشعوب والأمم المسيحية في الغرب . الآشوريون المضطهدون المعذبون ، وجدوا في ” المثل والقيم الإنسانية النبيلة للمسيحية ” نوعاً من العزاء والخلاص الروحي لهم. الآشوريون المسيحيون عملوا للآخرة أكثر من العمل لحاضرهم ومستقبلهم ، عملاً بمقولة “مملكتي ليست من هذا العالم. “.
عبر التاريخ ، عشرات بل مئات الآلاف من الآشوريين المسيحيين (سرياناً كلداناً) تنسكوا (أصبحوا رهباناً)،عزوفهم عن الزواج سبب انخفاضاً كبيراً في تعداد الآشوريين وانحسار وجودهم . مع اعتناق الآشوريين للمسيحية زادت التعديات والمظالم والحروب عليهم من قبل الشعوب والأقوام الأخرى ، خاصة مع مجيء الإسلام وبدء الغزوات والحروب الإسلامية ..(الانشقاقات المذهبية)، حولت الشعب الآشوري إلى ملل وطوائف ومذاهب كنسية متباعدة بل متخاصمة . كل طائفة تنظر لنفسها اليوم على أنها قومية وأمة بذاتها (الأمة الآشورية .. الأمة السريانية .. الأمة الكلدانية . الأمة الآرامية . الأمة المارونية . الأمة البابلية) ، ناهيك عن الدور الخبيث والخطير الذي لعبته الكاثوليكية والبروتستانتية من خلال الإرساليات التبشيرية التي غزت بها المجتمع الآشوري المسيحي. الإرساليات التبشيرية أحدثت مزيد من الشرخ في البيت الآشوري و جزأت المجزأ منه، أنها كانت بمثابة (غزو ثقافي-فكري للمجتمع الآشوري) .. توحيد أتباع المذاهب الكنسية، التي يتوزع عليها الآشوريون ، تحت التسمية أو (الهوية الآشورية) أو تحت أية تسمية أو هوية أخرى جامعة، بات حلماً صعب المنال. في الماضي، الانقسامات المذهبية وإشكالية الهوية القومية أعاقت وأضعفت نضال(حركة التحرر الآشورية) واليوم باتت من التحديات الكبيرة التي تواجه العمل القومي الآشوري. القول: بأن الكنيسة حافظت على (الاسم الآشوري) وعلى اللغة الآشورية ( السريانية)، ليس دقيقاً ، ينطوي على مغالطات كثيرة . الكنائس ( السريانية، الأرثوذكسية والكاثوليكية.. الكلدانية.. المشرق الآشورية ) تحمل تسميات طائفية مذهبية . كنيسة المشرق الآشورية في السابق كانت تسمى (كنيسة فارس) ثم ( الكنيسة النسطورية). عودة الكنيسة إلى (التسمية الآشورية) حصل مع بروز (التيار القومي) في الأوساط الشعبية الآشورية. هذه العودة لا تعني “بأن كنيسة المشرق الآشورية حافظت على الاسم الآشوري و”الهوية الآشورية” العابرة للطوائف والكنائس . فيما يخص اللغة ، الآشوريون (سرياناً كلداناً) الذين التجأوا الى الجبال وتحصنوا بها وعاشوا شبه معزولين عن حياة المدن والمدنية هم من حافظ على اللغة الآشورية(السريانية) وليست الكنيسة . والدليل أن الآشوريين الذين سكنوا المدن غالبيتهم فقدوا لغتهم الأم ولم يعد يتحدثون بها ،رغم احتضان المدن لكثير من الكنائس ومراكز الأبرشيات. معلولا السورية وقرى أخرى في جبال القلمون،( المسلمون الآراميون) أكثر تمسكاً بلغتهم الأم ( الآرامية) من المسيحيين الآراميين .. تعريب (الطقس الكنسي)، ساهم وإلى حد كبير في عملية تعريب الآشوريين(سرياناً كلداناً) وفقدانهم لهويتهم القومية . قد يقول البعض إن هذا كله مسؤولية رجال الدين القائمين على الكنائس وليست مسؤولية(المسيحية) . لهؤلاء نقول: ومن الذي ألبس هؤلاء (ثوب الكهنوت) وجعلهم وكلاء الله وأوصياء على الشعب الآشوري، أليست المسيحية ؟؟؟ . علينا أن لا نكون كالمسلمين الذين يبرؤن( الإسلام) من (التنظيمات والمجموعات الإرهابية الإسلامية ). جواباً على التساؤل الإفتراضي: ماذا لو لم يعتنق الآشوريون المسيحية ؟؟؟. أقول وباختصار ومن منظار (قومي): مع اعتناق الآشوريين للمسيحية أخذ وجودهم بالإنحسار، والمسيحية أعاقت نهضتهم القومية …

تنويه (nala4u) ; الموقع يتبنى التسمية الاشورية كقومية , تاريخ ولغة وغير ملزم ما تسمى بكردستان

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.