علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (6)

بقلم د.جميل حنا
علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (6)

10 /04 / 2017
http://nala4u.com

(آشورالوطن حقيقة تاريخية وأزلية في الكون,كما الشعب الآشوري حقيقة تاريخية وأزلية.بلاد آشور والشعب الآشوري عنوان ورمز أرقى حضارة وثقافة عرفها تاريخ الإنسانية.التي بنت أعظم حضارة مزدهرة على أرض بلاد ما بين النهرين.والحقائق التاريخية تنطق بها الحجارة والآثار وفن العمران والكتابات المكتشفة على أرضه.والمكتشفات العلمية والأدبية والفلكية والفلسفية وكافة العلوم الأخرى,التي منحت للبشرية جمعاء أعظم الخدمات الجبارة في سلم الرقي الثقافي والحضاري للإنسانية.والعلوم المزدهرة بكافة مجالاتها الأجتماعية والعسكرية وبناء الدولة والسلطة والقوانين والتعليم والفلسفة والآداب والفنون والعمران والعادات والتقاليد والأعياد والعائلة وعلوم البيئة والزراعة وأمورأخرى كثيرة كل هذه الأسس الحضارية فخر للإنسانية.وهذا الموروث الحضاري والثقافي لبلاد آشور فخروكنز وزينة مملوء به أشهر المتاحف ومعاهد الأبحاث التاريخية والجامعات العالمية العريقة)
التاجر والمصرفي
(تجارك كانوا أكثر من نجوم السماء)
خراب نينوى وجميع الإمبراطورية الآشورية
( 3 التوراة: النبي ناحوم16)
تداول النقود ومنح القروض الاستيراد والتصدير.
ملكية الأرض,المنتوجات والأعمال الزراعية.
بني الأقتصاد في بلاد ما بين النهرين على هاذين الفرعين الرئيسيين , وأرتبطت الحياة الأجتماعية بمدى نجاحهما في تأمين السلة الغذائية للسكان وتوفيرالأموال في إدارة شؤوون الدولة.ومن هذا المنطلق نجد منذ العهود القديمة أوعطيّ الأهتمام الفائق بهما, وسنّت القوانين الناظمة لتأمين التقدم والعمل المستمر الجيد وخلق الضوابط الملزمة لمن يعملون في هاذين القطاعين الهامين بتحديد الواجبات والمسؤولية التي تقع على عاتق من يعملون في القطاع المالي والزراعي.
بلاد ما بين النهرين مارس العمل التجاري الداخلي والخارجي منذ القدم حاله كحال بقية الدول في أصقاع العالم. وذلك من أجل تلبية حاجات الناس الماسة لبعض السلع الضرورية, ومنها سلع كمالية ايضا لم تكن متوفرة محليا,او تلك التي لم يتمكنوا من صناعتها ,بل كانوا يستوردونها من الدول المجاورة ومنها البعيدة أيضا.
مما دفع بالناس إلى مزاولة النشاط التجاري القائم على أساس التبادل أو المقايضة التجارية، وبالمقام الأول تم تبادل الفائض من المنتوجات الزراعية مع الجوار ببضائع أخرى فائضة عن الحاجة. أثناء إجراء الحفريات الأثرية في بلاد الرافدين تم العثور على آوان وأشياء أخرى مصنوعة من السبخ (زجاج بركاني أسود عادةً) نسب إلى العصور القديمة الأولى، هذه المواد تم جلبها من مناطق بحيرة وان.وعثر في موقع تل حلف على صدف المحار الذي يعيش في شواطىء المحيط الهندي، ومن عصر العوبيد وجدت آثار أختام اللازورد وتلك الأحجار نصف الكريمة يعود مصدرها إلى ريف منابع أوكسوس، نقلت من بادهستان – أفغانستان عبر إيران. وتعود إلى تلك الحقبة الزمنية، العثور في جنوب بلاد ما بين النهرين على آثار نحاسية، ويعتقد أنها جلبت من تيلمون .
هذه القطع الأثرية التي عثر عليها تؤكد بأن العمل التجاري الخارجي قد تأسس منذ عصور قديمة جداً في بلاد ما بين النهرين . ولكن بالتحديد كيفية ونوعية وماهية ذلك التبادل التجاري الحاصل الجواب على هذا السؤال تعطيها الكتابات الأولية لذلك العصر. والدليل الأول تقدمها الملاحم السومرية القديمة، عنوان نشيد تنافس “انميركار” مع سيد” أراتا” يقرأ عن ملك سومري، الذي بدل القمح بالذهب والفضة، واللازورد مع ايران .ونشيد” انكي” وترتيب العالم (انكي والنظام العالمي) في مؤلف سومري أخر يتحدث عن نقل باخرة محملة بالذهب والفضة واللازورد من ميلوحا إلى نيبور. وقبل عهد سلالة أغادي تتوفر معطيات كثيرة بخصوص تجارة البلاط ومعابد لاغاس إضافة إلى تجارة الحبوب تم تصدير الأسماك والأقمشة.
الطرق التجارية ووسائل النقل
يعتبر الفرات بطيء الجريان والدجلة سريع الجريان من أقدم طرق الشريان الحيوية التجارية.الوثائق المكتوبة التي عثر عليها بخصوص وسائل النقل النهري بالسفن في الفرات من عصر ما قبل السلالة الثالثة لـ أور.
“السفينة تقدمت من لاغاس – غيرس بحمولة مقدارها 18 طن وطاقم مؤلف من 15 شخصاً نحو اتجاه النهر بالصعود إلى نيبور، وقطعت مسافة 150كم خلال أسبوعين. وتقطع هذه المسافة خلال خمسة أيام بالاتجاه المعاكس أي الاتجاه نحو الأسفل. وتنظيم النقل النهري نجدها في قوانين” اسنونا”، والتي تحدد أجرة السفينة حسب أطنان الحمولة والأجرة اليومية للقبطان.و في حال غرق السفينة نتيجة اللامبالاة، يلزم القبطان بدفع الخسارة ويغرم بغرامة مالية كل من يحاول حجز السفينة بدون أسباب مقبولة. شريعة حمورابي تتطرق إلى تسعة بنود بخصوص النقل النهري. يتكفل باني السفينة بجودتها، ويتحمل الكابتن حماية السفينة المستأجرة ونجد بين هذه القوانين(240 )أسس نظام النقل أيضا.
السفن كانت وسيلة النقل الرئيسية،و تنقل بضائع مختلفة تسير في رتل كبير وراء بعضها البعض. وكانت العوامات المائية(كلاك) منتشرة بكثرة كوسيلة نقل هامة. ما زالت موجودة في العراق والعبارة” كالاكو” (أكادي). وكان يربط بالعبارة جلود الأغنام منفوخة بالهواء التي تساعدها على الطفو وعدم الغرق نتيجة الحمولة الزائدة.وهذه الأشكال من العوامات تشاهد في مناظر المنحوتات التي عثر عليها. إضافة إلى العبارة، تم بناء السفن ذو حمولة كبيرة وسفن كانت مقدمتها عالية وأنواع صغيرة، وقوارب وعوامات مختلفة. وتطور بناء السفن في بلاد الرافدين تؤكدها الأشكال والوظائف المختلفة حسب حجم الحمولة ونوعيتها أطلقت عليها تسميات مختلفة.
جهزت سفن خاصة لنقل الحبوب، البلح، الخشب، القرميد، المواشي، الصوف…الخ
حركة النقل النهري للفرات تعبر عنها وثيقة التعليمات التي وجهها حمورابي، إلى” شماش – حاسير” حاكم لارسا.
“كتبت إلى” إيغميل- سين” بخصوص بناء سفينة، وأمرته:( احضر إلى عندي لأبلغك، بالذي قررته) بما أنه لم يأتي أرسلت إليه رسالتي هذه بالرغم من ذلك بدون أي إعاقة أعطه حبوب وتمر، بالكمية التي يطلبها، ليكون لديه عمال كافين لغزل القصب. جدير بأن نفكر ملياً بكم سيكلف إلى حين قبل إنهاء العمل! أعطي للعمال الحبوب والتمر المخصص لهم، لكي لا يتأخروا في بناء السفينة ويتقاعسون عن العمل”.
الميناء النهري ” كاروم ” لم يكن يقصد به فقط ضفة النهر التي ترسى فيها السفن، بل يضم الطرق المؤدية إلى مركز المدينة التجاري أيضاً، ومساكن عمال النقل، والمستودعات والحراس ومقر جميع مسئولي النقل المائي والقضاة الذين يحسمون الخلافات التجارية والنقل.
المدن التي شيدت على ضفاف نهر الفرات أسست وكالات تجارية وأحيانا كانت لها هيئة قضائية تابعة لها تدافع عن مصالحها. كان لـ” سيبار” وكلاء تجاريين في ماري وميسلانو.
لم تفقد الطرق المائية من قيمتها أبدأ في مختلف العصور. وكان سكان بلاد الرافدين في البداية يستعملون النقل النهري فقط، وفيما بعد بدأوا بالنقل البحري، انطلاقاً من الخليج باتجاه المحيط الهندي، والمياه المحيطة بالجزيرة العربية. والبحر الأبيض المتوسط تحول في الألف الأول قبل الميلاد إلى طريق بحري تجاري هام، منتوجات بلاد الرافدين انتشرت في العالم بفضل البحارة الفينيقيين وفيما بعد الإغريق.
الطرق البرية لم تتطور كالطرق المائية التي كانت أكثر فائدة اقتصادية،وآمنة وغير مرهقة. وأحيانا تم ربط طريقي النقل البري والبحري مع بعضهما البعض لتتابع الحمولة المائية نقلها بالطرق البرية ويعلم من إحدى رسائل بلاط ماري تعليمات السلطات بخصوص الجمع بين طريقة النقل المائي والبري.
“مواد الخشب الذي يجب نقله إلى مدينة سوبات – إنليل، في مدينة ماري حملها على الباخرة، وأنقلها حتى مدينة كاتومان. في حال وصولك بالسفينة إلى هناك،ليضع عمال النقل الكاتوميين الحمولة في عربات وأنقلها إلى عندي، في مدينة” سوبات- إنليل”.
الموقع الجغرافي المميز لبلاد الرافدين ربط بين طرق التجارة العالمية الهامة بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب,و تحول إلى نقطة التقاء طبيعية لكافة المسافرين. وأشار الأكاديون إلى كلمة طريق (حارانو) برسمة تصالب طرق، وكلمة “حارانو” عنيت بنفس الوقت –السفر- واستخدم بمعنى -بعثة تجارية- أيضاً
شبكة طرق المواصلات البرية في بلاد ما بين النهرين لم تكن كثيفة، كانت المدن والتجمعات السكنية متصلة مع بعضها بواسطة قنوات مائية لذلك كان النقل المائي سائداً. الطريق البري الرئيسي كان يربط مدينة سوزا ومدينة افسس في أسيا الصغرى.
الطرق البرية لم تكن معبدة في أغلب الأحيان،لأن الحجارة لم تكن متوفرة بسهولة وكان القرميد يستخدم لتغطية الجدران ويصب او يدهن بالإسفلت.كانت هناك حالات استثنائية لبناء طريق نقل جيدة مثال ذلك الطريق الذي شيد من أجل نقل تمثال الإله مردوخ من بابل إلى آشورفي أجواء إحتفالية.حيث يذكر الملك ” آشور بانيبال”ويكتب بالتفصيل عن الطريق البالغ طوله 350كم، وكل عشرة كم منه كانت النيران والمشاعل تضيء الطريق.
وقد أوكل صيانة الطرق للعاملين في خدمة المعابد والبلاط الملكي.و كتابة أحجار الحدود تبين بان الذين منحوا أراضاً للملك، كانوا يحصلون على عفواً من واجبات صيانة الطرق والجسور.
السفر لم يكن خالاً من المخاطر، لذلك كانت الطرق التجارية الهامة، وطرق قوافل الدبلوماسيين ترافقهم حراس مسلحين، وأحياناً بالرغم من ذلك كانوا يتعرضون لهجوم قطاع الطرق.
تقرير قائد إحدى القوافل التي هوجمت يكتب على الشكل التالي
وكان يحصل بسبب حوادث طبيعية أن يعاق (قطعوا طريقنا، لذلك لم استطع اليوم أن أعطيك خبر)
تقدم المسافرين.
يقرأ في إحدى رسائل مكتبة ماري (سقطت عليهم عاصفة مطرية، والوحل الجارف بسبب غزارة الأمطار أوقفهم، وعندما كتبت لك حسب حديثنا الأول، لم أغادر الموقع. الآن عندما اكتب لك رسالتي الثانية بدأنا بالانطلاق نحوك). وكانت تحصل أثناء السفر أمور مفاجئة ومخاطر مثل قطاع الطرق، حيوانات مفترسة كانت تهجم على القوافل، كسر عجلات العربات أو سقوط العربات، والإنسان في بلاد ما بين النهرين حاول تجنب المخاطر بالتوسل والدعاء إلى شماش شفيع الراحلين، الإله شماش الذي كان ينير طريق القوافل.
” تساعد المسافر في طريقه الشاق,
تشجع البحارة في خضم الأمواج,…
تتضرع إليك القافلة، في طريقها المحفوف بالمخاطر، آه شماش!
التاجرالجوال,التاجر الحقائبي ,
يتضرع إليك شاكراً صياد السمك آه، شماش”
كان التجار في بلاد ما بين النهرين يدونون ملاحظاتهم أثناء السفر، ولذلك يمكن معرفة المدة الزمنية التي يمضونها في قطع المسافات وطول الطرق بين مختلف المناطق. وتعد بعض الملاحظات التي تم تدوينها على شكل يوميات السفر بمثابة كتاب دليل سياحي.إحدى تلك الوثائق التي عثر عليها ويعتقد بأنها تعود إلى عهد حمورابي، يكتب فيها المسافر عن سفره من لارسا إلى بابل وعبر سيبار إلى نينوى وبعد ذلك بمحاذاة الفرات إلى توتول، ومن هناك عبر حران وإلى أراضي آشور اليابسة إلى سيبار وبعد ذلك عبر بابل عائداً إلى لارسا ومن هذه الوثيقة المسجلة يقدم المسافر وصف لمحطات توقفه فيه وكم استغرق قطع الطريق. حيث يتبين من الوثيقة بأنه قطع مسافة 2000 كم خلال ستة أشهر وأربعة عشر يوماً . إذا أخذنا بعين الاعتبار أثناء انطلاقه ذهاباً قضى فترة أربعة عشر يوماً في بابل وأثناء العودة ثلاثة عشر يوماً وفي سيبار وأشناك عشرة أيام، وفي سونا ستة وعشرون يوماً إذًاً هذه قدرة فائقة جديرة التفكير بها.
كما عثر على بيانات الشحن والبيع: تأكد أحدى وثائق التاجر الآشوري التي تمت في كانيس بيان شراء البضائع.” سلعة القافلة التي اشتريتها وجب عليها نقلها إلى آشور.وحسب البيان أن مسئول القافلة استلم مبلغ ” 32 مانوم و 42 ونصف شيقلوم فضة.و يورد في الوثيقة السلع التي تم شرائها (مثل، الملابس، والرصاص،والحمير)، وبعد ذلك يسجل مصاريف القافلة (الحرس المرافق، ثمن الملابس، كلفة أعلاف الحمير والمصاريف الضرورية لنفقتها والأدوات اللازمة، الجمارك، أجرة رئيس القافلة والتي كانت تشكل جزءاً يسيراً من مجموع قيمة الصفقة) ولم يغب بند مصاريف مستجدات طارئة أو مصاريف إضافية أخرى.
من المقايضة إلى التجارة بالنقود
بالتأكيد لم يكن الطريق قصيراً للوصول إلى مرحلة التعامل التجاري بالعملة , إذاً ما قبل مرحلة أخذ العملة المعدنية تلعب الدورالعام في تحديد القيمة للمواد المطروحة للبيع والشراء مرت التجارة في مراحل تطور لتبلغ إلى هذا المستوى.
في لاغاس وسوباراك كانت عقود العقارات تحدد قيمة العقار بمقدار قيمة المعدن, حيث كان قيمة العقار تقيّم على أساس قيمة وحدة الحبوب بالنحاس او الفضة في اليوم الذي يوقع على العقد .
قطع الأرض كانت تحدد قيمتها اولاً بالحبوب وفيما بعد بالفضة حسب كتابة مسلة” مان – إشتوشو” 1كوروم حبوب= 1شيقلوم فضة. وبقية المواد المباعة يظهر ثمنها بشيقلوم الفضة فقط وفي قوانين” اور – نامو” كان القضاء يحدد عقوبة الغرامة المالية بالفضة بحق من يرتكب الجرم ويتعدى على ممتلكات المالك ويعوض عن الخسائر التي ألحقت به, وبقيت هذه القوانين سارية في العهود المتأخرة أيضا.ً
قوانين” إشنونا” يذكر الفضة في المقام الأول بتحديد السعر وقيمة الإيجار يحدد قيمة وحدة الفضة محسوبة على قيمة بضائع مختلفة (مثال 1شيقلوم فضة قيمتة يساوي 1كوروم حبوب، 6مانوم صوف، 3 مانوم نحاس، 1 سوتوم 5 قوم دهن خنزير, 2 كوروم ملح الخ…) وبعد ذلك يعدد البضائع المختلفة وفق قيمتها ووحدة القياس(الكمية) الحبوب وحسب البيع بالمفرق (مثال يمكن شراء 30 قوم حبوب بـ 1 قوم زيت.
تم تحديد أجار العربة، وسائق العربة، وحيوانات اجر العربة بالحبوب والفضة بآن واحد: قيمةالإيجار بـ 100 قوم حبوب أو3/1 شيقلوم فضة. وبنفس الطريقة المشابهة حددت الأجرة اليومية لعمال الحصاد أيضا ورواتب العمال الزراعيين الشهرية حددت بالفضة فقط ،إضافة على ذلك كان يستلم 1 شيقلوم فضة و 60 قوم حبوب أيضا.ً
بقايا العلاقات القديمة في تبادل الإنتاج الطبيعي دام عصوراً طويلة، وتنعكس الازدواجية في عملية تبادل المنتوجات في الكلمات السومرية أيضاً، عندما يستخدم فعل الدفع بمعنى مدادوم أي يقيس (الحبوب) أو شاقالوم يزن المعدن.
الدفع بالحبوب كان يلحق الأذى بالمشتري: إذا ما تم الدفع بالحبوب لأجل شراء الدهن، إذا حسب قائمة الدفع في قانون” إشنونا “يحصل على أقل 3 ب قوم دهن خنزير، ما إذا كان الدفع بالفضة.
الكثير من ملوك بلاد ما بين النهرين ، أصدروا لوائح الأسعار،والتي لم ترتقي إلى مستوى القوانين. ولكن كانت تصدر قرارات مختلفة تلائم الظروف السياسية والاقتصادية لفترة زمنية محددة.
عثرالمنقبون على وثيقة من القرن التاسع عشر ق.م من” سين – كاشيد” ملك أوروك القرار الصادر يحدد أسعار السلع الضرورية (الحبوب، الصوف، الزيت، النحاس) وتوحيد أسعارها، والقرار يحدد كمية السلعة بقيمة 1 شيقلوم فضة، يتضح من ذلك، بأن أخصب الأراضي في بابل كانت في آوروك لذلك كانت قيمة الحبوب أرخص بثلاثة أضعاف منه في” مان- إشتوشو أغاديا أو في إسنونا. الملك يعلن بثقة تامة في نهاية القرار الصادر،بأنه وفر لمرؤوسيه حياة مزدهرة. بينما وثائق أخرى تؤكد بان الأسعار كانت أعلى مما ذكر في هذا القرار.
قوانين حمورابي لا تتضمن لوائح أسعار السلع, كان الملك يصدر قررارت خاصة تتعلق بالأسعار وكما ورد في شريعة حمورابي اجرة بعض الحرفيين والعمال المياومين.
“إذا شغل أحد المواطنين أجير، من بدء العام حتى الشهر الخامس من السنة ليدفع له مقدار 6 سيوم فضة فضة في اليوم، ومن الشهر السادس ولغاية آخر العام يدفع 5 سيوم فضة في اليوم (-$-273)
في أيام الصيف حسب تقويمنا الحالي بدءاً من نهاية شهر آذار حتى نهاية شهر آب كان العمال الزراعيون يحصلون على أجرة أعلى بمقدار الخمس، بما أنه كانت تجري خلال هذه الفترة عمليات الحصاد وجمع المحصول, وكانت الأيام أطول، وحسب لائحة الإيجار كان العامل يكسب مقدار 10 شيقلوم سنوياً، إن عمل على مدار السنة.
بقي من عصر حمورابي وثيقة كتابية صادرة من الملك الآشوري” شمشي – أداد الأول”، يحدد فيها القيمة العظمى للسلع الضرورية. قيمة 2 كوروم حبوب تساوي 1 شيقلوم فضة، هذا كان يعادل نصف السعر الذي تم تحديده بواسطة” مان – اشتوشو”، ولكنها كانت أكثر بالثلث من لوائح أسعار” سين – كاشيد”. إذا نظرنا ألف عام إلى الأمام نجد في كتابات الملك “آشور بنيبال” لوائح أسعار الحبوب، التمر الزيت…الخ. وإذا قورنت مع السابقات يتضح بان الحبوب مقارنة مع لائحة أسعار” شمشي – أداد “قد ازدادت بمقدار الثلث.
ارتفاع الأسعار في بلاد الرافدين استمرت بهذا الاتجاه وسبب ارتفاعها لم يكن نتيجة سوء المحصول فقط وإنما بسبب الحروب أيضاً عندما حاصرالملك” أشور بانيبال” بابل ارتفعت أسعار الحبوب ستون مرة ضعف الأسعار الرسمية. وارتفاع الأسعار استمرت في العهد البابلي الجديد أيضاً حيث بلغ قيمة 3/2 كوروم من الحبوب 1 شيقلوم.
وأثناء الحكم الفارسي لبلاد ما بين النهرين ارتفعت الأسعار بسبب الإقبال على حبوب بلاد ما بين النهرين في بلاد فارس، كان يشتري بـ شيقلوم واحد 15 ل. حبوب فقط وفي أحسن الأحوال ونادراً 40ل. مقابل شيقلوم واحد ، أي خمس الكمية ما قبل احتلال بابل. وفي العهد السلوقيديين تناقصت الأسعار إلى حد ما.
الفضة كعملة للدفع ودور الذهب

في بابل عندما أخذ المعدن دور أداة التبادل العام، بينما كان النحاس لزمن طويل أداة الدفع الأساسية، وفي العهد الآشوري القديم كان القصدير الوسيلة المستعملة في التبادل التجاري, والفضة كأداة دفع انتشر متأخراً. من إحدى الرسائل التجارية السومرية من بداية الألف الثاني قبل الميلاد يحدد قيمة النحاس مقابل الفضة.
(“لو– ميس كا لمتا- أي, و نيغ – سيسا – ناب – سا الشركاء التجاريين استلموا من أور – نيمار – كي 1500 ل.زيت و30 قطع قماش ملابس وقيمة 1 كغ فضة، لكي يشترون في تيلمون… في حال العودة من السفر سالمين وبصحة جيدة سيدفع لصاحب الطلب مقابل 1كغ فضة 190 كغ نحاس”.
تحول الذهب في العهد الكاشي إلى قيمة عامة مرادفة، متكافئة ولكن الفضة حافظت على دورها حتى العهد الفارسي.
كان يقاس المعدن بكتلة فضية،او سبائك أو في حلقات. وحدة القياس كانت مانوم (=0.5كغ) وشيقلوم =8.4غ)
القطع الموزونة في غالب الأحيان كانت تختم برمز معين لتثبيت نوعيتها. (كما استخدم في روما القديمة عندما كانوا يدفعون المعدن مستطيل الشكل الذي كان أداة دفع، ما يسمى أياز سيغناتومو.
ظهور الفضة كعملة نقدية معدنية في عهد سنحاريب نصف شيقلوم (= تقريبا 4 غ فضة) .
ظهر في النصف الثاني من الألف الأول ق.م في الوثائق المكتشفة كلمة إستاتيرو أي باليونانية ستاتيروس على غرار العملة النقدية الفارسية، صنعت من الذهب، وزنها كان 1شيقلوم بابلي
وحدات الوزن البابلية تحولت إلى قياس جميع أنظمة تقسيم العملة متأخراً والعملة اليونانية التي أخذتها على أساس نظام القسمة الستينية.
ظهر الذهب في عصر السلالة الملكية الأولى لـ أور في سومر كسلعة مالية كما تشهد على ذلك بقايا المقبرة الملكية لـ أور من الواضح كان الذهب من السلع المتداولة بكثرة كما نجد في شريعة حمورابي الفقرة (112) حيث كان يسلم للذين يعملون في مجال نقل الفضة والأحجار الكريمة وفي حال اختلاس الذهب يعاقب بدفع غرامة تعادل خمسة أضعاف الكمية المختلسة.
تم تأشير الذهب بطرق مختلفة: الأبيض، الأحمر، النقي..الخ ويعتقد بأن الذهب كان يستورد إلى بلاد ما بين النهرين من ميلوحا بلاد الهندوس أو من مناطق حاحو الواقعة في جبال طوروس عبر الطرق التجارية. وفي عهد السلالة الثالثة لـ أور جلب الذهب من عيلام، وفي العهد الكاشي استلم من الملوك المصريين كهدية. وبعض السجلات من العهد الآشوري القديم تذكر بأنهم استخلصوا الذهب في كبادوكيا بطريقة الغسل.
قيمة الذهب ارتبطت بعوامل مختلفة. في عهد السلالة الثالثة لـ أور كانت نسبتها مقابل الفضة 1:10 كقيمة متداولة عامة.
في عهد حمورابي كانت قيمة الذهب مقابل الفضة 1:6، وفي العهد البابلي الجديد 1:12 وفي عهد الاحتلال الفارسي 1:15. تذكرعقود توزيع الورثة في العهد البابلي الجديد على أهمية الذهب ودوره في التعامل التجاري.يعلن في وصية الورثة بتوزيع كل ما يملكه بدءاً من القش حتى الذهب. في سوزا كان يوزع على الورثة كل ما كان يملكه الفرد من الحبوب والفضة والذهب وكل الأشياء التي منحها الإله للإنسان.وكان يلزم كل فرد لا يلتزم بتنفيذ بنود العقد التجاري او يخالفه بدفع الغرامة المالية بالذهب.
في عهد حمورابي أصبح الذهب مغريا للسارقين لذلك كان يعاقب بشدة كل من يقوم بسرقة الذهب.
ولذا قوانين حمورابي كانت تفرض عقوبة قاسية على كل فرد يختلس من آملاك غيره.
“إذا أراد شخص ما شراء فضة أم ذهب، أو عبيد، أوعبيدة، أو بقر، أو غنم،أو حمار، أو أي شيء بأي اسم يسمى ,من شخص ما أو من عبيد بدون عقد أو بدون شهود, ذلك الشخص يعتبر لص, اقتلوه”(7)
من قضايا تلك العصر التي بحثت في المحاكم لم يبقى أي ملف ولكننا نعرف رسالة موجهة إلى الملك آشور– أهدين يخبر فيها عن سرقة صفيحة من الذهب لقد أخذت أو سرقت من المعبد، وجدت في يد أحد صانعي الأختام الاسطوانية.
ومن العهد البابلي الجديد أيضاً سجلت حالة سرقة: لقد سرق من معبد شمش ذهب وفضة ومن الوثيقة يتضح إعطاء أمر البحث عن المسروقات.
التاجر العامل الرئيسي في التجارة
التاجر المتجول كان ينتقل من مدينة إلى أخرى يعرض بضائعه على الناس إما مشياً على الأقدام أو على دابته. وفي حوانيت الخمر كانت النساء تبيع بالمفرق ما تنتجه، وحول نشاطها تكتب قوانين حمورابي في البند (188-111) .
الفلاحون ومربي المواشي كانوا يبيعون منتجاتهم الزراعية ومواشيهم بشكل مباشر إلى المستهلك بدون وسطاء، كأصحاب الحرف اليدوية الصغيرة. وطريقة البيع هذه كانت تتم بيسر بعقود بسيطة، كما تأكدها إحدى الوثائق الباقية من العهد البابلي القديم:
(“الباب الذي بحوزة مردوخ – موباليتي هي لصاحبها ابن شمش-بيل- إلي نابيوم اشتراها من مردوخ – موباليتي. المشتري دفع مبلغ ا شيقلوم فضة. مدققه بحضور إيبكات -آبيل ابن– إليشو. يوم11 آيار في ذاك العام، الذي نصب الملك أبي – أيشوح تمثال إينتين”.
هؤلاء البقالين، وأصحاب حوانيت الخمر والحرفيين اليدويين والصناعيين الصغار لم يكونوا تجار (تامكاروم). التاجرالفعلي بكل معنى الكلمة كان يطلق على الذين يقومون بنشاط منح القروض المالية إلى جانب بيع وشراء السلع التجارية. إن النشاط المالي-المصرفي وفر الإمكانية اللازمة أمام التجارلأنشاء مؤسسات تجارية كبيرة, ونتيجة نجاح العمل التجاري تكدست لديهم رؤوس الأموال. لذلك كان الملك وكهنة المعابد، يقدرون عالياً عمل التجار، وكانوا غالباً ما يمنحوهم امتيازات خاصة.
لقد عثر الباحثون في موقع كانيش على أجزاء من ألواح مكسورة من العهد الآشوري القديم، ومن هذه البقايا يتبين أقدم نظام سوق معروف حتى الآن. وقوانين حمورابي في العديد من فقراته يتطرق إلى مكانة التجار (تامكاروم) في المجتمع.وحسب القوانين كانت تشترط على من يمارس العمل التجاري أن يكون نشاطه التجاري متنوع وله عقود تجارية و شبكة التسويق والشراء.
الشروط الرئيسية لهذه القوانين إنشاء شبكة واسعة ومتشعبة من النشاطات التجارية المختلفة, بدأً من مكاتب تسجيل العقود التجارية، والنقل، والزبائن. هذه القوانين نظمت العلاقة بين التاجر والوكيل التجاري” شامولوم” (أكادي) حامل كيس النقود كان الساعد الأيمن للتاجروكانت مهمته تقوم على إيصال الطلبات إلى التاجر. كما يقوم بمهام التنقل من مكان إلى آخر لتأمين صفقات تجارية، ويؤمن شراء المواد الخام، ويبيع البضائع.
يقرأ في الفقرة (104-107) من شريعة حمورابي ” إذا سلم التاجر للبائع الجوال حبوب، زيت ,صوف أو أي بضاعة أخرى بهدف البيع, يجب عليه تسجيل المبلغ أي ثمن البضاعة وعلى التاجر الجوال إعادة قيمة البضاعة للتاجر. وفي حال تسليم النقود عليه أن يستلم وصل الدفع مختوم من قبل التاجر.و إذا لم يأخذ التاجر الجوال من التجار وصل تسليم النقود بسبب إهماله, النقود غير الموثقة بوصل مختوم لم تدخل في الحساب. إذا سلم التاجر البائع الجوال مبلغ من النقود، ونكراستلامه المبلغ على التاجر أن يبرهن أمام الإله والشهود بإعطائه المبلغ للتاجر المسافر، وفي حال التأكيد عليه دفع ثلاثة أضعاف المبلغ. إذا كلف التاجر الجوال، وأعاد للتاجر بما كلف به، ولكن إذا نفى التاجر باستلامه من التاجر الجوال ما عهد إليه عليه أن يبرهن أمام الإله والشهود بأنه أعاد المعهود إليه للتاجر،وبما أن التاجر اتهم باطلاً التاجر الجوال عليه إعطاء ستة أضعاف ما أخذه”.
نلاحظ بأن العقوبة الممنوحة للتاجر أكبر من عقوبة التاجر الجوال (شامالوم) إذا كان شخص ما في مكانة اجتماعية أرقى، بسبب الخداع وعدم الأخلاص تكون عقوبته أكبر ( (المسؤولية تلزم صاحبها التقيد بالقوانين وفي حال خرقها تكون العقوبة المستوجبة كبيرة بحجم المسؤولية الموكله إليه))”.
تعليمات قوانين حمورابي نظمت طريقة تأمين القروض أيضاً يعدد بعض الحالات العامة المتعلقة بالقروض والأراضي الزراعية الخصبة وذلك بسبب ارتفاع قيمتها.
” إذا أقترض رجل مالا من تاجر واععطى إلى التاجر حقلا جاهزا لنتاج الشعير او السمسم وقال له (للتاجر)أزرعالحقل واجمع ( أحصد) وخذ الشعير او السمسم الناتج,فإذا انتج الفلاح الذي استأجره التاجر لزراعة الحقل شعيرا او سمسما. في الوقت الحصاد يستلم صاحب الحقل الشعير او السمسم ,وعليه ان يعطي غلى التاجر الحبوب مقابل النقود التي استلمها منه,”أي القرض القرض الذي حصل عليه من التاجر”وعليه كذلك ان يعطيه تكاليف الزرع, اي المصاريف التي انفقها أثناء عملية الزرع”
وكذلك الحال ان كان الحقل الذي أخذه التاجر من الفلاح مزروعا بالحبوب او السمسم, وهذا ما نصت عليه المادة (50) في قانون حمورابي وعلى الشكل التالي((فإذا اعطى رهن رجل حقلا مزروعا بالشعير او السمسم , فإن صاحب الحقل هو الذي يستلم الشعير او السمسم الذي نتج في الحقل, وعليه أن يدفع النقود المقترضة مع فائضها للتاجر”
كما منح القانون للفلاح المدين ان يدفع دينه بالحبوب او السمسم الذي ينتجه في حقله, والذي اكدته المادة (51)والتي تنص على “إذ1 لم تكن لديه أي لدى الرجل الذي رهن حقله النقود ليدفعها, فعليه ان يدفع للتاجر شعيرا او سمسما قدر قيمتها المتداولة في السوق بالسعر الذي قرره الملك بدل نقوده التي اقترضها من التاجر مع الفائض” فان لم ينتج حقله حبوبا او سمسما فلا يجوز له ان يغير عقده مع الدائن, وهذا ما نصت عليه المادة (52) وعلى النحو التالي”” إذا لم ينتج الفلاح , المستأجر, شعيرا أو سمسما في الحقل , فلا يجوز له أن يغير العقد”
أن قوانين حمورابي تطرقت إلى مختلف أنواع التعاملات التجارية والاستثمار في الأراضي الزراعية وأنواع الأذى والأضرار والتجاوزات التي تحصل وتحديد مسؤولية كافة الأطراف المشاركة في الصفقة التجارية.
ليست كل المعاملات التجارية كانت تدر الأرباح على التاجر، التاجر الجوال او المسافر خارج بلاد ما بين النهرين والعائدين إلى وطنهم، الذين اشتروا خلال سفرهم عبيد أو عبيدة، والتي كان يتعرف عليها صاحبهم وجب إعادتها حسب قوانين حمورابي البند 280 (تمنح لهم الحرية بدون دفع أي فضة إذا كان العبيد ليس بابلياً الإنتماء، ألزم صاحب العبيد او العبدة بدفع فدية للتاجر لكي يحرر عبيده -$-281).
التاجر في خدمة البلاط الملكي

كان التاجر إضافة إلى قيامه بنشاط التجارة الخارجية الهامة، تناط إليه مهام استخباراتية أيضاً. لا نعرف الكثير عن طبيعة المهام،والخدمات المحددة التي قام بها التاجر،حيث كان تواجد الشخص التاجراعتيادي في كل الأماكن وليس غريبا ولم يكن يلفت الإنتباه والحذر من نشاطه.كان التاجر أثناء سفره إلى المناطق والبلدان البعيدة، كان يراقب الظروف والأحوال المحلية، مثال هل كانت تجري في البلد المجاور التحضيرات للحرب، إذا كان الجواب نعم، إذاً ما هي حجم ودرجة الاستعدادات الحربية، وما هي الحاجات الحربية الضرورية، والطلب على المواد الخام والسلع المطلوبة، هل تجري في البلاط الملكي منازعات أو أي حدث، الملك يمنح التجار امتيازات خاصة على خدماتهم التجسسية التي يعطونهم عن العدو أو الخصم. ويصدر القرارات بهذا الشأن، ولكي لا تكون القضية مكشوفة في نفس القرار يمنح بعض رجال الدين أيضاً امتيازات معينة، وممثل عن أحد الفئات الاجتماعية.
وقوانين حمورابي إضافة لذلك تطرقت في البند 40 إلى إمكانية بيع التاجر عقاراته حتى ولو كانت محملة بأعباء الخدمات، كانت هذه الأعباء تنقل إلى المشتري الجديد بعد تبيانها. .
الحياة التجارية كانت تتم في الميناء، حيث السفن تحمل وتنزل البضائع، هنا تكونت المراكز التجارية – كاروم- حسب مرسوم أمي – سادوقا في جنوب بلاد الرافدين كان يوجد إحدى عشرة مركزاً تجارياً أي في جميع المدن الكبيرة. في كل ميناء (كاروم) كانت تعمل غرفة التجارة، والتي كان على رأسها كبير التجار (فاكيل تاماري) أي وكيل التجار، كان هو ممثل التجار لدى السلطات المعينة والبلاط الملكي ومع الزبائن ويمثل مصالحهم.

البداية القديمة لتكوين نظام البنك

اكتشف في بلاد الرافدين خلال إجراء الحفريات الأثرية آلاف الألواح الطينية، المكتوب عليها معاملات تجارية تمت بين أفراد أو جماعات تشهد على بدء النظام البنكي وتشبه إجراء الصفقات البنكية في عصرنا هذا، وكانت تمنح قروض للأشخاص أو مؤسسات ويأخذون عملة نقدية أو فضة أو أي ثروة أخرى رهينة.هذه الوثائق الاقتصادية دفعت بالمهتمين في شأن تاريخ الاقتصاد أن يبحثوا بعمق عن بداية الصفقات التجارية والمعاملات البنكية في بلاد ما بين النهرين ,وليس لدى الإغريق, لأن التعامل البنكي أنتقل إليهم عبر التجار الفينيقيين.الذين كانوا تلاميذه التجار البابليين الآشوريين.وكان يعمل لدى البلاط الملكي رجال المعابد والأعمال والمال المقتدرين الكفئوين أو في مؤسسات خاصة مستقلة.
وفي عصور مبكرة جداً تم تحديد الفائد ,وفي قوانين اشنونا وحمورابي نجد الحد الأقصى للفوائد أيضاً: 20 بالمائة دفع نقدي (فضة) في حال منح قروض الحبوب 33 3 |1 ,إلى هذا الحد لم يعتبر استغلال أما إذا تجاوز الدائن هذه النسبة حسب قوانين حمورابي تأخذ كافة النسبة المئوية للأرباح المطلوبة
(إذا طلب (أخذ) التاجر نسبة فوائد أكثر من (100قوم حبوب) بعد كل كوروم 6/1 شيقلوم وستة سي اوم فضة (شيقلوم فضة واحد) على كل فضة أخذها.
إن القوانين المكتوبة على الألواح الطينية أو المحفورة على الحجر، لم تطبق في كل الأحيان في الحياة العملية. لقد تم تجاوز هذه القوانين في أوضاع إستثنائية و حسب الظروف السائدة في المجتمع آنذاك
كان التجار بحكم وضعهم المالي كانوا أقوياء ومؤثرين، وحتى الملك كان بحاجة إلى مساعداتهم، كما حافظوا على استقلاليتهم، وحتى البلاط لم يستطع أن يتدخل في شؤونهم.
ومن بين التجار ظهر رجال مال أغنياء جداً بعد أن كدسوا أموال طائلة من العمل التجاري، وقد زاولوا أخيراً مهنة منح القروض أي إنشاء بنك أو”بيت المال” بعد أن تراكم لديهم رأسمال كبير. وبهذه الطريقة استطاع كسب شهرة فائقة” بالمو- نامحي” من جنوب بابل في لارسا الذي مارس العمل المالي في القرن التاسع عشر قبل الميلاد. لقد بقي جزءاً من دفاتر حساباته ولكنها كافية لتعطي صورة عن حقيقة هذا الشخص الذي أصابه الغرور بسبب النجاح الذي حققه في حياته المالية، لم يسكن في حي التجار في لارسا وإنما بعيداً عن أعين الناس، كان يعامل مدينيه بشدة، ويطلب كفيل لضمان حصوله على القرض الذي يقدمه.لم يكن” بالمو- نامحي “الوحيد من رجال المال ما قبل عهد حمورابي الذي اكتسب شهرة بسبب صفقاته المالية وسياسة منح القروض التي اتبعها.
وفي آشور القديمة في مدينة كانيش ازدهرت الحياة المالية والمعاملات البنكية والمكتبة المحلية لمدينة ماري تبين وثائق المعاملات المالية. المدين (تاجر آشوري أو من اسكان المدينة) تعهد بأن يدفع القرض وفائدته ضمن الفترة الزمنية المحددة، ومن خلال الوثائق المكتشفة يمكن معرفة المؤسسات التجارية المانحة للقروض، فضة، قصدير، أو الحبوب إضافة للتجار الأشوريين كان بعض سكان المحليين أيضاً يمارسون العمل المالي
وفي مكتبة ماري عثر على كثير من وثائق المعاملات المالية هذه الوثائق قريبة جداً من إيصالات المالية (شيك) الحالية أو شبيهة بأوراق الاعتماد. يكتب الملك شمشي – أداد الأب العطوف من آشور لأبنه في ماري،” ياسماح– اداد، الذي احتاج لتزويده بمبلغ من النقود ليتزوج من خطيبته.
“أنا شخصياً من اليد باليد أستطيع منحك (إعطائك) 3 بيلتوم فضة (1بيلتوم=3 ,30كغ) أما ما يتعلق بالباقي سوف أعطي لوحة لـ” لامو” بمقدار 1 بيلتوم فضة” بلا شك هذه أوراق اعتماد مالية لنقل كمية 30كغ من الفضة من آشور إلى ماري..
حيوية العلاقات التجارية دفعت لتطور الإنتاج ومن البديهي احتاج ذلك إلى وسائل التشغيل الملائمة، هكذا نشأت البنوك الشركات والتي كانت تلعب دورهام في الحياة الاقتصادية وكان قطاع مربح. وفي حالات عديدة كانت هذه المؤسسات المالية عائلية تنتقل ملكيتها من أفراد العائلة عبر أجيال كثيرة بالوراثة. هذه لوحة شركة مالية (بنك) الشركات في بابل (أجبي وأولاده) أو في نيبور(موراشو وأولاده). إذا أردنا التعرف على أوراق البنكين التجارية، وجب دراسة مئات الألواح التي تضم المعاملات المالية والصفقات المالية التي قام بها. تلك المؤسستين الماليتين سجل بدقة متناهية كل القروض الممنوحة والتعهدات: السهم المالي أو الحصة المستلمة، والودائع المالية (فضة) والعينية..الخ كلفة إنشاء المؤسسات المالية كان عالياً جداً. ولكن العائدات الواردة من القروض والرهائن (عربون) المودعة من أرض وغيرها والكفالات المالية، كانت تؤمن ربحاً وافراً لهذه المؤسسات المالية.
البلاط الملكي لم يكن في وضع يحسد عليه في حال حصول خلافات بين رجال المال.كان عليه أن يضع أمام نظره الوضع الذي يمر به البلد والمصلحة العامة للمجتمع، والمحافظة على التوازن الاقتصادي للبلد، بما أن الأعباء الكبيرة كانت يتحملها السواد الأعظم من أبناء المجتمع. ولكن كان لرجال المال أيضاً دورهام للإسهام والتأثير في خزينة الدولة, وتمكينها من مواجهة القلاقل الداخلية وتكاليف حماية البلد والحروب.
الملوك العادلين في مختلف العهود التي حكموا بلاد ما بين النهرين وبغض النظر عن الظروف السائدة في البلد سنّ قوانين لتنظيم الحياة المالية، ووضع حداً لجشاعة رجال المال، وتحديد سقف الفوائد..الخ
حسب تشريعات “اشنونا “كانت تحرم على البنوك منح القاصرين والعبيد قروض مالية، كما كانت تمنعهم باستلام أي وديعة مالية أو عينية منهم.
وشريعة حمورابي (-$-116و117) صياغة تشريعاته في هذا المجال جاءت للتخفيف من العبء القاسي المفروض على الكفلاء، في حال عدم الإيفاء بالتزاماتهم، بتحديد فترة العبودية بثلاث سنوات، ومنع التعذيب أو الموت وأما إذا حصل من هذا القبيل فكان الدائن يُعامل بالمثلز
الحياة الزراعية في بلاد آشور.
كانت الحياة الزراعية مزدهره في بلاد آشور وذلك بسبب خصوبة الأرض الزراعية ووفرة المياه والأمطار عكس الجنوب من البلاد مع بعض الإستثناءات.وكانت الأراضي الزراعية هي الشائعة التي تأخذ حيزا واسعا من مساحات الأرض. وكانت المدن الكبرى في شمال البلاد محددة كآشور ونينوى وآربيل (أربخاإيلا) كالح (أطلال نمرود )العظيمة, كرخ سلوخ (كركوك) كاليزي وكوريال وشيبانيا.
كان المجتمع الزراعي يتكون من الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين والعبيد والملاكين الكبارويضاف إليهم الآسرى الذين كانوا بمرتبة مماثلة للآشوريين الفقراء من أهل البلد , والملوك يوضحون ذلك في بعض الأحوال حين يقولون عنهم “لقد جعلتهم مثل شعب بلاد آشور” .وكان هناك توثيق دقيق لملكية الأرض وأحدى هذه الوثائق التي عثر عليها يبين الملكية الزراعية لأحد الفلاحين في مقاطعة حران.
“أداد-دوري , فلاح.
نشوح –ديليني,ابنه في سن المراهقة.امرأة واحدة, الأجمالي ثلاثة.
ثلاثون واحدة من الأرض, منها خمس عشرة واحدة محروثة.
بستان واحد.
وهذا مجمل العقار الزراعي أريزو
في المقاطعة الإدارية حران”
كان الملوك الآشوريون على دراية تامة بأهمية الإنتاج الزراعي, حيث نجد أكثر من واحد يتحدث عن زيادة المنتوجات الزراعية والحيوانية بوصفه احد انجازاته ارائعة. مثال على ذلك نرى بأن تغلات بلاصر الثالث (1115-1077) يخبرنا بالتالي:
” لقد أدخلتُ المحاريث إلى حيز العمل على امتداد الأرض في كل بلاد آشور, وبذلك جمعتُ بيادر من الحبوب أكثر من كل أسلافي. لقد أسستُ قطعانا من الخيل والدواب والحمير بفضل الغنائم التي أخذتها, بمعونة سيدي الآله آشور,من البلاد التي كسبتُ السيطرة عليها”
كما نرى في وثيقة أخرى من سرغون الثاني (722-705) يطري فيه على نفسه قائلا:
“لقد حزم أمره…وأعدّ الأراضي المراحة وزرع البساتين. لقد صمم أن يجني محاصيلاً على المنحدرات الحجرية المائلة التي لم تكن في السابق قد أنتجت زرعا.لقد قرر من كل قلبه أن يجعل الأخاديد في الأراضي البور التي لم تعرف المحراث قط, على زمن الملوك السابقين, وذلك لكي يغنيّ الناس من الفرح” هذه السياسة كانت لها إنعكاسات اجتماعية وإقتصادية على حياة الناس “فلأجل انقاذ البشر من الجوع والعوز… يجب أن لا يكون الزيت – وهو راحة للإنسان يهدىء عضلاته – غالبا في بلادي ,ويجب أن يكون من الممكن شراء بذور الكتان في السوق بسعر رخيص كسعر الشعير”.
لقد عمل الملوك على بناء قنوات الري وخاصة حول المدن الكبرى نينوى وبابل ولتأمين مياه السقي للمزروعات الزراعية.
وبالرغم من كل الأهتمام الذي بذله الملوك من أجل تأمين الغذاء اللآزم لسكان الأمبراطورية إلا أن التغيير المناخي والجفاف الذي ضرب بلاد ما بين النهرين أدى إلى تدهور الحياة الزراعية وسبب مجاعة حقيقية وهذه التغيرات في الأحوال المناخية قادة إلى كارثة مدمرة لحياة الناس في بلاد ما بين النهرين.للموضوع تتمة قادمة.

د.جميل حنا

للمزيد; انقر على الرابط ادناه

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.