مَنْ يعمل لنفسهِ فقط لا يستطيع أن ينكُرها

بقلم مسعود هرمز النوفلي
مَنْ يعمل لنفسهِ فقط لا يستطيع أن ينكُرها

04 / 07 / 2010
http://nala4u.com

المقدمة
إنْ أرادَ أحدٌ أن يأتي ورائي فلينكر نفسهُ ويحمل صليبه ويتبعني. لقد وردت هذه الكلمات العظيمة في الأنجيل المقدس ويُشير اليها متى ومرقس ولوقا ، ومن يرغب بتحليل هذه الآية يستطيع وبكل سهولة تجزئتها كلمة كلمة ويرى المغزى والمعنى والهدف ، وفي الحقيقة يلاحظ بأنها تنطبق على حالنا اليوم ، ببساطة سأتطرق باختصار عنها وأربطها مع الواقع.

المَغْزَى والهدف ومعاني الآية

الكلمات التي نطق بها الرب لا تنطبق على الجميع ، انها فقط الى الأشخاص الذين لديهم الرغبة والأستعداد والأرادة الصلبة القوية في الذهاب وراء الرب بحرية واندفاع ، لأن الملاحظ هنا وجود الجملة الشرطية ” إنْ أراد أحدٌ أن يأتي ورائي ” وهي ما تُسمى جملة فعل الشرط ، والثانية تسمى جملة جواب الشرط وجزائه ، بعبارة اخرى فان التكملة تنطبق وترتبط بانكار النفس والتضحية ولا تنطبق على الذي لا يريد أو ليست لديه رغبة بالذهاب خلف يسوع. هناك من يعمل لنفسه وليست له حاجة بالذهاب والعمل مع الآخر ومن هنا ليس لديه استعداد أن ينكر نفسه ويُناضل ويتعب ويسهر ويقاتل لكي يتلقّى الأهانات والطلقات والأشواك التي قد تدخل في جسمه ، بالتأكيد فان الشخص المؤمن بالعمل الأنفرادي بوحده لا يستطيع أن ينكر ذاته ويخسر حياته لكي يربحها في النهاية لعدم ايمانه في بذل ذاته وتعاونه مع الغير. مِنْ هؤلاء من يرغب الآن في العمل لنفسهِ غير مُبالي بالتضحية في سبيل الأخر وآذانهِ مسدودة عن الأستماع والمناقشة ، من امثال هؤلاء لا نترجى أن يعملون لصالح الشعب بحمل الصليب . أمّا من لا يريد العمل لنفسه فقط ولديه الرغبة الصادقة بالعمل المشترك مع الغير ، وهم كثيرون والحمدلله ، فعليهم أن ينكروا أنفسهم ويتحملوا كل العذابات من أجل الآخر وبذلك سوف يكون تطبيقهم الكامل وغير المنقوص للجملة الشرطية التي جاء بها الرب.

الذي يؤمن بعقيدةٍ ما عليه ترجمة ايمانه بالسلوك اليومي المباشر مع البشر ، وبسلوكه وتصرفاته يعطي الصورة عن النهج والفكر الذي يناضل من اجلهِ على ارض الواقع وليس في الخيال ، وعندما يُشاهد زميله ويراقب سلوكه الحي الغير مُصطنع والعمل الأنساني الهادف لخير المجموع الذي يعمل من اجله عندئذٍ سوف ينجذب اليه مثل ما يجذب المغناطيس القطب المخالف له ، أما عندما يقوم حامل الفكر بالتهجم على هذا وذاك والأنتقاص من فلان وفلان وهمّه الوحيد التصيّد والتجريح ووصلت عند البعض حد الأهانات والشتائم ، فلا يترجى من الناس أن يقتدون به ويحذون حذوه أو يُساندوه!! من امثال هؤلاء لا نستطيع تسميتهم بأصحاب مبدأ او رسالة ، لأن العقيدة منهم براء ، حسناً عملت ادارة موقع عنكاوا في حذف بعض المقالات في الفترة الأخيرة لأن الكلمات التي وردت في بعض المواضيع كانت مُقزّزة ، وللأسف كان القسم منها صادراً مِنْ أشخاص يدّعون بالتجمعات ، كُنت اتمنى من مدير الموقع حذف البعض الآخر المقابل لها ايضاً التي قد نُشرت سهوا والتي كانت السبب وراء ردّة الفعل عند الآخرين المخالفين لهم بالرأي ، رُبّما لم يطّلع عليها المسؤول وعَبَرَتْ. المثل يقول ” الباديء أظلم ” ، هؤلاء يُمثلون انفسهم فقط حتى لو تكون اسمائهم ضمن قوائم الأتحادات أوالتجمعات أوالأحزاب ، انهم لا يستطيعون مخاطبة الآخرين لتوضيح مبادئهم وشرح رسالتهم والمجتمع يعلم جيدا من هُمْ هؤلاء حتى لو جاؤا باسماء مستعارة ، فكيف يدّعون بانهم سيقودون الشعب ويمثلون الشعب؟ لو كتبنا جملة تتشابه مع الآية المذكورة في بداية الموضوع لقلنا ” إنْ أراد أحد أن يتبع التجمع الفلاني ، عليه أن ينكر نفسه لكي يستحق ان يكون في صفوفه ” ، ولكن عندما ننظر الى بعض الأسماء في القسم من التجمعات نلاحظ العكس ، حيث ثبت بالملوس وجود مَنْ يعمل لنفسهِ ومن أجلِ مركزهِ وكيسهِ ومنتمي الى هكذا تجمع ( بالطبع لا اقول أو أعمّم للكل وإنما البعض منهم) ، طيب أيها الأخوة من لا ينكر مصلحته وذاته وحياته من اجل الآخرين فكيف سيعمل من اجل الشعب بكل تفاصيل الحياة وتشعباتها؟ يسوع يقول اترك كل شئ ، بمعنى آخر اترك الفكر المشبوه واترك رسالتك الأرضية التي تهدم ولا تبني واترك كل ما تقوم به ضد أخيك القريب ، اترك الأنانية والطمع والجشع والمال واترك كل ما هو غير مشروع ، حتى تستحق أيها الأنسان ان تكون ضمن الصفوف الخاصة بتجمُعّك النظيف ، عليك التطبيق حتى الرمق الأخير بكل طاعة وتفانٍ ومحبة واخلاص لتصبح نوراً مُضيئاً أمام الآخرين برسالتك واعمالك الجماعية وليس الفردية.

صفات من يعمل لنفسه

1- من يعمل الى نفسهِ وشخصيته يُكافح بقوّة ليكون هو الأول والمسؤول والناهي في كل شئ ، ويكون تفكيره مُنصباً الى حياته الذاتية ليكون في المقدمة ، هذا الشخص لا يستطيع أن ينكر نفسه ليصبح قائداً ، عندها سيرفضه الشعب.

2- من يفتخر ويُعظم نفسه ويجعل من آرائه الوحيدة كقوانين ودساتير تخدم مصلحته فمن غير الممكن له أن يقود المجتمع لأن محور عمله يتركّز لخدمة سخصيته وتنفيذ برامجه غير مُبالياً بالّذين حوله من ابناء شعبه.

3- الذي يتحدث عن حُبْ المال ويكتب عن ارباحه وماذا سيجني عند تقسيم الحصص ولُعابه يسيل عندما يُشاهد الغير إما بالحسد أو الطمع أو لغاية اخرى ، فان مثل هذا لا يصلح لأن يكون قائدا أو مُمَثلاً لأخوته وعند التصويت أو الأنتخاب لأختيار الأصلح سيكون نصيبه الخذلان والهزيمة.

4- من لا يحب قريبه مثل نفسه ولا يرغب للغير بأن يكون مثله أو افضل منه ، مثل هذا لا يستطيع أن ينكر ذاته ويتبع قوانين الرب وتعاليمه وبالتالي لا يقدر على حمل الصليب أبداً ، بل رُبّما العكس سوف يقوم بإهانة الصليب والتمرد على كل التعليمات السماوية وبدلاً من أن يربح الآخرين يخسرهم ويتندم .

5- بحسب كلمات الرب نستنتج أن الشخص الذي يعمل لنفسه لا يكون من اتباع الرب وبالتالي سيكون له رب من نوع آخر مُختلف كلياً عن ربنا له المجد .

6- في أغلب الحالات يكون الشخص الذي يعمل لنفسه متلوناً حيث يظهر بين فترة واخرى في حالة تختلف كلياً عن الحالة التي كان فيها وبتكرار تغيير الألوان يفقد مصداقيته وتهتز ثقة الآخرين به ويخسر الشعبية التي يتوقع بانه يحملها ويظهر ذلك بوضوح ايام الأنتخابات .

7- يقول مار بولس الرسول بأن الذي يحب ذاته يكون مُستكبراً ، مُحباً للمال ، مُجدفاً ، مُتعظماً ، دنس ، ليست لدية حنيّة على الأخر ، غير نزيه ، شرس ، لا يحب الأصلاح ، خائن ومُتصلّف ، لهُ صورة التقوى ولكنه ينكر قوتها . وأخيراً الرسول يوصينا بتجنب هؤلاء .

الخلاصة

يجب أن يكون الأنسان الحامل للعقيدة خادماً أميناً لرسالته ضمن مجموعته وبين الشعب ، وأن يكون مشروعاً جاهزاً وحاضراً للأستشهاد بحياته من اجل الآخر ، عليه أن لا يعمل بمفرده وأن يكون مؤمناً بان العمل الجماعي هو الذي يقود الى حلول المشاكل حتى لو تقاطع ذلك مع توجهاته الخاصة وأفكاره وآرائه ، عليه أن يحب عمله اكثر من نفسه واقربائه ومعارفه وحتى والديه لأن محبتهِ لمستقبل اجياله وشعبه ووطنه هي الأهم من كل ما هو حوله وبجانبهِ ، الرب يدعونا الى التألم والتضحية من خلال معاني الصليب لأنه يقوم بتحفيزنا وإثارتنا للقبول بانواع الآلام التي تصادفنا يومياً ، عندها سنكون المثال الحقيقي الذي يُحتذى به ونكسب الآخرين مهما كانت اختلافاتهم معنا .

مسعود هرمز النوفلي
4/7/2010

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.