بقلم سامي بلو
alkoshbello@gmail.com
آشوريو العراق يُسـتأصلون بمباركة احزابهم
12/ 01 / 2018
http://nala4u.com
قد يبدو العنوان مثيرا للجدل بعض الشئ، ولكني ساحاول ان اطرح للقارئ قراءاتي وقناعاتي الشخصية من خلال المتابعة المستمرة للاحداث خلال العشرة سنوات المنصرمة، وما آلت اليه احوال شعبنا في العراق، والصورة القاتمة لمستقبلنا كأمة على ارض اباءنا، تلك التي ساهمت في رسمها احزابنا العاملة على الساحة، سواء بدافع منافعهم الحزبية والشخصية، أو بدون قصد بسبب قصر نظرهم في قراءة الاحداث. وبامكان هذه الاحزاب ان تدفع عنها هذه التهمة، منفردين او مجتمعين، لانهم معنيين جميعا، واقصدهم جميعا، ولن استثني منهم احدا، وكل حزب يعتقد بان له قاعدة جماهيرية فهو معني. اما الدكاكين الحزبية المدفوعة الايجار (والسرقفلية)، المتشكلة من رئيس حزب وسائقه وفراشه (والجايجي) واولاد اخيه، او رئيس حزب واولاده وكناته وبناته ونسائبه، او رئيس حزب وابناء خالاته وعماته، مثل هؤلاء لايمكن ان نثقل عليهم بالرد وشعبنا يعفيهم من هذه المسؤولية.
في هذا المقال سوف اشير الى شعبنا الاشوري (الكلداني، السرياني) بالاسم الاول، وفي الوقت الذي اكن كل الاحترام لمن يختلفون معي اليوم في هذا الامر، ولكنهم يؤمنون بدون ان يعكر صفاء افكارهم وقناعاتهم باننا شعب واحد وموحد قوميا، مشتت كنائسيا وطائفيا، فهؤلاء تجمعني واياهم الكثير من المشتركات، ويفصلني عنهم اختلاف غير عصي للحل، وستجمعنا الايام واياهم دائما ونلتف حول طاولات الحوار من وقت لاخر كابناء امة واحدة، لمناقشة قضايا امتنا المصيرية. أما الانفصاليون واصحاب نظريات القوميات الجديدة المستحدثة، فلا مشترك يجمعنا، وحتى مسيحيتهم لم تعد تجمعنا، لانها زائفة، فالمسيحية محبة، وهم ابعد ما يكونوا عنها، فالحقد يملأ قلوبهم، والكراهية تسكن ارواحهم، وتخرج منهم كسهام مسمومة موجهة لابناء امتهم، لذا فان افكارهم المسمومة وقناعاتهم لا تعنيني، فهم لي بمثابة القش وحطام الاشياء وحبات الرمل الراكدة على الارض ترتفع في الاجواء مع كل زوبعة قومية، وتدور في محيطها، حتى يترأى للناظر بان قوة الزوبعة تكمن في ما يتطاير حولها، ناسيا بان تيارات الهواء العنيفة التي يحدثها الاشوريون الغيارى هي السر في قوة الزوبعة، وما أن تهدأ الزوبعة حتى تعود تلك الاجسام المتطاير وتترسب وتركد في حضيضها على الارض.
إن ابناء امتنا وخاصة المهتمين بالشأن القومي الاشوري باتوا على يقين بان الامور تسير على معظم الاصعدة بالاتجاه المعاكس من مصالحهم القومية، لابل انها تعمل على استأصالهم من ارض ابائهم بصورة متسارعة، وبعملية منظمة يساهم فيها جميع الفرقاء السياسين في العراق. كل هذا يجري امام انظار احزابنا السياسية العاملة على الساحة العراقية دون ان يرف لهم جفن، لابل نراهم قد وضعوا الملفات القومية على الرفوف ليعلوها تراب الزمن، ووضعوا نصب عيونهم بدلا عنها مصالحهم الحزبية، ومقاعد البرلمان ليس لخدمة شعبهم بل لمنافعهم ومن اجل مناصب المحاصصة الحكومية، ديدنهم التغزل بالمتنفذين الذين يقدمون لهم ولاحزابهم المعونات المادية. واصبح السؤال الذي يدور على لسان كل غيور من ابناء امتنا هو: مالذي يجري على ساحتنا القومية في العراق؟ والى اين تاخذنا هذه الاحزاب التي طاب لها الجلوس على كراسي تعاستنا؟ لقد مرت عدة دورات نيابية، وها نحن على ابواب انتخابات دورة جديدة، ويحق لشعبنا ان يسأل مالذي تحقق لنا على ايديهم، وما الذي جنيناه من (نضالهم) ومن نشاطهم السياسي؟ شعبنا لا ينتظر الجواب منهم، لانه معروف، لان شعبنا لم يسمع صوت اي منهم يهدر في اجتماعات مجلس النواب مدافعا عنهم ومطالبا بحقوقهم المسلوبة، بالاضافة الى الواقع المرير الذي يعيشه شعبنا، وضياع اسمنا القومي من على الساحة العراقية، والتجاوزات على اراضينا وبلداتنا، وعمليات التغيير الديموغرافي المستمرة، كل هذه الحقائق تعكس عجز هذه الاحزاب ليس عن تحقيق طموحات شعبنا في انتزاع حقوقه القومية على ارض ابائه وحسب، انما هي عاجزة وخجلة حتى عن رفع صوتها في وجه من يهمشنا ويعمل على اقصائنا ومسح اسمنا القومي من على قائمة مكونات الشعب العراقي القومية، والاكتفاء باعتبارنا مسيحيين وفقط.
بعد التغيير الذي حصل في العراق في 2003 ظهرنا وظهر اسمنا القومي الاشوري في بغداد العاصمة، ممثليين بجماهيرنا واحزابنا (القومية) التي قررت التخلي عن قوميتها فيما بعد، ولم يعد يهمها امرها طالما المناصب محفوظة. ولم يمر وقت طويل على التغيير في 2003 حتى دعت هذه الاحزاب الى مؤتمر قومي شامل ليعقد في بغداد، دون اي دراسة معمقة حول ما ستؤول اليه الامور ودون النظر جليا في تابعية الشخصيات والمجموعات المجتمعة وعرابيها، وجاءت هذه الاحزاب بمجموعات من الكهنة لتبارك هذا التجمع وقراراته، على غرار ملوك اشور قبل 2500 سنة، وما ان خرج المجتمعون ومعهم كهنتهم من ذلك المؤتمر حتى انقلبوا على ما قرروه، كل بمقتضى مصلحة الجهة التي تتبناه، وكان هذا المؤتمر بمثابة النكسة لشعبنا، لان في هذا المؤتمر تمت المساومة على قضيتنا القومية، ورسم كل حزب لنفسه خارطة الطريق للحصول على اكبر قدر من المنافع الحزبية والشخصية بعيدا عن محور القضية القومية، فالقضية القومية لم تعد الهدف بالنسبة لهذه الاحزاب، بل المنافع الخاصة، وان جاءت هذه المنافع على حساب قضيتهم القومية، وهذا ما اثبتته السنين التي تلت ذلك المؤتمر عندما قبل هؤلاء الساسة الجلوس على كراسيهم كمسيحيين فقط، دون الاشارة الى انتمائهم القومي، فقد ساوموا على اشوريتهم وتنازلوا عنها مقابل الكراسي الوفيرة والمال.
هل كلفت احزابنا السياسية نفسها بالتفكير ولو قليلا، لماذا يصر الفرقاء السياسين في العراق على اعتبارنا مكون ديني مسيحي فقط؟ ربما، ولكن يبدو ان الموضوع ليس مهما لديها، ولهذا لم تحرك ساكنا من اجله. إن الاحزاب الكوردية الحاكمة هي من بدأت بتسميتنا كمكون ديني، وبعد 2007 نسجت الاحزاب الحاكمة في بغداد على منوالهم، وليس هذا غريبا، فالخصوم تلتقي عندما تلتقي مصالحهم. إن هذا الاصرار على اعتبارنا مكون ديني لم يأتي اعتباطا، بل طبخ وانضج في مطابخ الاحزاب الحاكمة سواء في بغداد او في اربيل، والتهمته احزابنا بشراهة. إن هذا الاصرار على اعتبارنا مكون ديني مسيحي فقط، وبحسب راي المتواضع له اسبابه، ومنها صدور اعلان الجمعية العامة للامم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الاصيلة في ايلول 2007، حيث وضع الاحزاب الحاكمة في العراق على المحك، إما ان يتعاملوا معنا كشعب اصيل، وبموجب هذا الاعلان يترتب لنا التمتع بكافة حقوقنا القومية والثقافية بما فيها حقنا في تقرير المصير على ارضنا التاريخية، وحقنا كشعب ان نتمتع بحصتنا من المصادر الطبيعية للبلاد واستثمارها في برامج التنمية لصالح شعبنا بالطريقة التي نراها مناسبة، وليس كما يفصلها لنا الاخرين، ليناسب مقاسات مصالحهم. اما الحل الاخر فكان ان يدفع حكام العراق باتجاه اعتبارنا مكون ديني مسيحي فقط، ورأوا بان الاخير هو الانسب وعليه بدأوا بترويجه لانه يخدم مصالحهم ولا يكلفهم شيئا، سواء كان ذلك في الاقليم او في المركز. فاعتبارنا مسيحيين فقط وسلخنا عن اسمنا القومي، يسهل عليهم فيما بعد تصنيفنا إما مسييحين عرب او مسيحيين كرد، وحينها تختزل حقوقنا في امر وزاري من وزارة الاوقاف، وفي احسن الاحوال في (اولا) مرسوم جمهوري يمنحنا حقنا في ممارسة شعائرنا الدينية، ومع هذا المرسوم (ثانيا) سياسة مغازلة رؤساء الكنائس بالخلع المادية والهدايا، ووضعهم في الصفوف الامامية والتعامل معهم كمسؤولين دينيين ودنيويين لشعبا، وتهميش اية قيادة حقيقية غير دينية تحاول الظهور في الساحة، عدا من يقبل ان يجلس، بصمت ابدي، على الكراسي وينتفع على حساب هذا التهميش لامة هي اعرق من غيرها على ارض الرافدين، ومعها (ثالثا) ديوان للوقف المسيحي لادارة ابنية كنائسنا. هذا هو الكرم الديمقراطي لمن يحكم العراق بحق امتنا، وهو اعلى ما يحصل عليه شعبنا المسيحي من حقوق. أليس هذا ما يجري على الساحة سواء في الاقليم او في المركز؟ أليس واضحا انهم في الوقت الذي يبعدون رجال دينهم من ساحات السياسة، نراهم يقربون رجال كنائسنا منها، ويتعاملون معهم كمسؤولين عن شعبنا.
بعد ان علمنا ماهي حقوقنا كمسيحيين، دعنا نرى ما هي حقوقنا كأشوريين، وكشعب اصيل يعيش على ارض ابائه، وماذا اقر المجتمع الدولي بخصوص ذلك، حينها سيتضح لابناء امتنا لماذا يدفع حكام العراق باتجاه جعلنا مكون ديني مسيحي فقط، وبعد ان وجدوا لهم احزابا تدعي تمثيلنا، ولكنها تبارك لهؤلاء الحكام خطواتهم لتجريدنا من حقوقنا الشرعية وبالتالي استئصالنا كشعب اصيل.
ما ادرجه ادنا هو جزء مما أَسَسَ عليه المجتمع الدولي اعلانه المرقم 295/61 لسنة 2007 بشأن حقوق الشعوب الاصيلة:
إن الجمعية العامة،
ــ إذ تؤكد مساواة الشعوب الأصلية مع جميع الشعوب الأخرى، وإذ تسلم في الوقت نفسه بحق جميع الشعوب في أن تكون مختلفة وفي أن تعتبر نفسها مختلفة وفي أن تحترم بصفتها هذه،
ــ وإذ تؤكد كذلك أن جميع المذاهب والسياسات والممارسات التي تستند أو تدعو إلى تفوق شعوب أو أفراد على أساس الأصل القومي أو الاختلاف العنصري أو الديني أو العرقي أو الثقافي مذاهب وسياسات وممارسات عنصرية وزائفة علميا وباطلة قانونا ومدانة أخلاقيا وظالمة اجتماعيا،
ــ وإذ يساورها القلق لما عانته الشعوب الأصلية من أشكال ظلم تاريخية، نجمت عن أمور عدة منها استعمارها وسلب حيازتها لأراضيها وأقاليمها ومواردها، وبالتالي منعها بصفة خاصة من ممارسة حقها في التنمية وفقا لاحتياجاتها ومصالحها الخاصة،
ــ وإذ تدرك الحاجة الملحة إلى احترام وتعزيز الحقوق الطبيعية للشعوب الأصلية المستمدة من هياكلها السياسيـة والاقتصادية والاجتماعيـة ومن ثقافاتها وتقاليدها الروحية وتاريخها وفلسفاتها، ولا سيما حقوقها في أراضيها وأقاليمها ومواردها،
ــ وإذ ترحب بتنظيم الشعوب الأصلية أنفسها من أجل تحسين أوضاعها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن أجل وضع حد لجميع أشكال التمييز والقمع حيثما وجدت،
ــ وإذ تؤكد أن تجريد أراضي وأقاليم الشعوب الأصلية من السلاح يسهم في إحلال السلام وتحقيق التقدم والتنمية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي والتفاهم وإقامة علاقات ودية بين أمم العالم وشعوبه،
ــ وإذ ترى أن الحقوق المكرسة في المعاهدات والاتفاقات والترتيبات البناءة الأخرى المبرمة بين الدول والشعوب الأصلية أمور تثير، في بعض الحالات، شواغل واهتمامات دولية وتنشئ مسؤوليات دولية وتتخذ طابعا دوليا،
ــ وإذ تعترف بأن ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك إعلان وبرنامج عمل فيينا تؤكد الأهمية الأساسية لحق جميع الشعوب في تقرير المصير، الذي بمقتضاه تقرر الشعوب بحرية وضعها السياسي وتسعى بحرية لتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،
ــ وإذ تضع في اعتبارها أنه ليس في هذا الإعلان ما يجوز الاحتجاج به لحرمان أي شعب من الشعوب من ممارسة حقه في تقرير المصير وفقا للقانون الدولي،
ــ وإذ تؤكد أن للأمم المتحدة دورا هاما ومستمرا تؤديه في تعزيز وحماية حقوق الشعوب الأصلية،
ــ وإذ تقر بأن لأفراد الشعوب الأصلية أن يتمتعوا دونما تمييز بجميع حقوق الإنسان المعترف بها في القانون الدولي وبأن للشعوب الأصلية حقوقا جماعية لا غنى عنها لوجودها ورفاهيتها وتنميتها المتكاملة كشعوب، وإذ تؤكد ذلك من جديد،
ــ وإذ تقر بأن حالة الشعوب الأصلية تختلف من منطقة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر وأنه ينبغي مراعاة ما للخصائص الوطنية والإقليمية ومختلف المعلومات الأساسية التاريخية والثقافية من أهمية،
تعلن رسميا إعلان الأمم المتحدة التالي بشأن حقوق الشعوب الأصلية، بوصفه معيار إنجاز لا بد من السعي إلى تحقيقه بروح من الشراكة والاحترام المتبادل:
هذه بعض النقاط التي اترتكز عليه اعلان الامم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الاصيلة، وبلا شك فان بعض الدول التي وقعت عليه، مرغمة، سوف تسعى للالتفاف عليه بطرق متعدد لحرمان اي من الشعوب الاصيلة في بلدانها من حقوقه التي شرعها المجتمع الدولي، وهذا ما نراها ونلمسه يحدث في العراق تجاه شعبنا الاشوري، مثال صارخ لاعرق شعب من الشعوب الاصيلة، الذي قدم للبشرية الكثير، واليوم يعيش ابنائه على ارض ابائهم، محرومين من حقوقهم وبمباركة احزابهم.
لنا عودة لاكمال مقالنا ولنلقي مزيدا من الضوء على الطريق الذي رسمته احزابنا لنفسها، بعيدا عن طموح ومصالح جماهير امتنا، ونعرج فيه على بنود اعلان الامم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الاصيلة.
شكرا لاضافة ما تراه قد سهونا عنه لاغناء الموضوع
سامي بلّو