بقلم د.جميل حنا
علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (8)
24 / 07 / 2017
http://nala4u.com
(آشورالوطن حقيقة تاريخية وأزلية في الكون,كما الشعب الآشوري حقيقة تاريخية وأزلية.بلاد آشور والشعب الآشوري عنوان ورمز أرقى حضارة وثقافة عرفها تاريخ الإنسانية.التي بنت أعظم حضارة مزدهرة على أرض بلاد ما بين النهرين.والحقائق التاريخية تنطق بها الحجارة والآثار وفن العمران والكتابات المكتشفة على أرضه.والمكتشفات العلمية والأدبية والفلكية والفلسفية وكافة العلوم الأخرى,التي منحت للبشرية جمعاء أعظم الخدمات الجبارة في سلم الرقي الثقافي والحضاري للإنسانية.والعلوم المزدهرة بكافة مجالاتها الأجتماعية والعسكرية وبناء الدولة والسلطة والقوانين والتعليم والفلسفة والآداب والفنون والعمران والعادات والتقاليد والأعياد والعائلة وعلوم البيئة والزراعة وأمورأخرى كثيرة كل هذه الأسس الحضارية فخر للإنسانية.وهذا الموروث الحضاري والثقافي لبلاد آشور فخروكنز وزينة مملوء به أشهر المتاحف ومعاهد الأبحاث التاريخية والجامعات العالمية العريقة)
حوار الدبلوماسية والسلاح ما بين الحرب والسلام
“مدينته,كما الحمام البري,من فوق أشجارها أطاردها,كما طيوره من أعشاشها أرعبها,بسعر السوق الجيد ابيعها,في مدينته التي تحولت كالبراري سأملئه بعجاج الغبار…”
من الملحمة السومرية بعنوان ” مبارزة إين ميركار وسيد آراتا “
يأتي هذا الجزء مكمل للموضوع السابق والذي هو تحت عنوان ” الراية الفسيفسائية للحرب والسلام”
الحملات العسكرية :
تشير المعطيات المتوفرة للملك سرغون,بأنه كان هناك موسم مناسب للقيام بالحملات العسكرية,فهو يقدم وصف لهذا الموسم بأنه ” شهر الجبار” تينورتا”’الأبن البكرللإله إنليل, الأكثر جبروتاً بين الالهة,والذي سجله رب الحكمة “نينشيكو”على لوح طيني منذ الأزمنة الغابرة بصفة حاشد الجيوش لكي يكتمل المعسكر”.إن الشهرالمعني هو” دوموزي”(تموز) وهذا يدل على الفكر السليم لدى”رب الحكمة “لأن الظروف المناخية وحرارة الطقس في سهول بلاد آشور كانت تصل تقريبا إلى خمسين درجة مئوية,ولذا كانت تقام المعسكرات في المناطق الشمالية من البلاد في المناطق الجبلية.بالإضافة إلى ذلك كان الحصاد وجمع المحاصيل الزراعية بشكل عام ينتهي خلال شهري آيار وحزيران, ولذا كان يمكن إستدعاء الفلاحين والعاملين في القطاع الزراعي إلى الخدمة العسكرية.ولكن لهذه القاعدة كان يوجد إستثناء إذا ما حصل تمرد ما في أي فصل من فصول السنة.بينما نجد المحارب العظيم ,الملك آشور ناصربال,كان يفضل شهر آياراوحزيران.ولكن الحملات العسكرية الشتوية فكانت غيرمرغوب بها لأسباب تتعلق ببدأ الأعمال الزراعية في التشارين,وإذا ما أضطر الفلاحون الجنود أن ينضموا إلى الجيش في هذه الفترة كان يخلق مصاعب جدية بما يخص تأمين المنتوجات الزراعية.كان الجيش الدائم على أهبة الاستعداد يقوم بتنفيذ كافة العمليات العسكرية اللازمة على مدارالسنة,بغض النظر عن حالة الطقس.
الثكنات العسكرية والتجهيز الحربي:
كان الجيش الدائم يقيم معسكرات ثابته,وخاصة حول المدن الكبرى والعاصمة وكانت هذه التجمعات تسمى “إيكال ماشارتي” بمعنى “قصر المكان الذي يصطف فيه الجيش”وهذا يعني ثكنة عسكرية.
حيث نجد الملك آسر حدون( 680-669) يقول أن ال” إيكال ماشارتي”التي في نينوى ” التي أقامها الملوك الذين سبقوني,أجدادي,لكي يضمنوا الإجراءات اللازمة للمعسكر ولرعاية الجياد والبغال والعربات والتجهيزات اللازمة للقتال ولنقل الغنائم…هذا المكان أصبح صغيراً لأجل تدريب الخيل ومناورة العربات”وكان يعمل في الثكنات موظفون أي كتاب يدونون الإمدادات اللازمة.وكانت الثكنات العسكرية بالقرب من العاصمة تقوم بمهام خاصة لقمع أي تمرد قد يحصل.وبهذا الخصوص نجد علاقة مباشرة بما أنجزه شلمناصر الثالث( 858-824) بإنشاء أول “إيكال ماشارتي” في كالح ,والإنتصارات التي حققها هو وخليفته.كانت القواعد العسكرية منتشرة على ضفتي نهر دجلة وكما ذكر في كالح وآربيل وكافة المناطق ضمن بلاد آشور,وكذلك خارج حدود البلاد لفرض الهيمنة والنفوذ والحماية من الهجمات الخارجية.كان توفير الأمدادات للجيش من مهام الوالي والمناطق التي يعسكر فيها الجيش او مناطق مرور الحملات العسكرية,حيث نجد آسر حدون يواجه مشكلات أثناء عبوره صحراء سيناء,والذي قدم المساعدة هي القبائل العربية الصديقة للآشوريين, وجلبوا المياه اللازمة على ظهر البعير.
كان بإمكان الجيش الآشوري إستدعاء قوات إضافية وحشدها في المعارك عند الضرورة, حيث تذكر المصادر بإن شلمناصر الثالث عندما عبرنهرالفرات نحو الغرب ب 120000جندي في عام 845 وكان الجيش عادة في أمرة الولات المحليين,تذكر أحدى الوثائق بأن الوالي كان تحت أمرته 1500 من جنود الخيالة وعدد الرماة 20000وإذا تخيلنا بأنه كان أكثر من عشرين مقاطعة وعندها يمكننا تصور العدد الذي يمكن تجهيزه للقيام بمهام الدفاع وصد الهجمات مثلما التي حدثت ضد العلاميين في “هالول”عام 691 التي قادها الملك سنحاريب وإحكام السيطرة على المناطق المجاورة.كان الجيش الآشوري يراعي أثناء حملاته الطبيعة الجغرافية للأراضي التي ينتقل عبرها وكانت تأخذ الأحتياطات اللازمة حسب تلك الظروف.وكانت قوات الطلائع تقوم بمهام تأمين المنطقة ومخيمات الجيش, حيث كانت هذه القوات على إهبة الاستعداد والإستنفار الدائم للقتال,وهذا ما يتضح مما ذكره آسر حدون في عام 681 عندما تم إغتيال ابيه,وحينها كان قائد الجيش في القطاع الغربي للبلاد,وعندما تلقى رسالة الآلهة….”لم أتباطأ ولو يوماً واحداً ولم أنتظر جنودي ليجتمعوا كلياو ولم أعني باالوحدات الخلفية ولم أبال باكشف عن حال الخيول والمعدات وتجهيزات القتالو كما لم أجمع زاداً للطريق, لم أكن خائفاً من الثلج والصقيع في شهر شباط ولا قساوة الشتاء” ونلاحظ أنه أنطلق لقتال الأخوين الذين قاما بعملية الإغتيال , وما كان أقدم على هذه الخطوة لولا وجود قوات خاصة على إهبة الاستعداد تحت إمرته.
بعض الوثائق التي أكتشفت توضح بأن بعض الحملات العسكرية التي قام بها بعض الملوك لم تكن الغاية منها لخوض معارك ضد الأعداء بل كانت من أجل الترفيه والاستمتاع بالمناظر الخلابة لجبال شرق وشمال بلاد آشور.وبهذا الصدد نجد كلاما ل سنحاريب يقول ” سلكت الطريق كثور بري هائج, ومعي نخبة حراسي وجنودي المقاتلين القساةو اجتزت الوديان والسهول والوديان والمنحدرات الخطرةعلى(شفير الهاوية),وحيث كان المسير صعباً كنت أتنقل وأتابع المطاردة حتى القمم الشاهقة, مثل غزال, وحين كانت تتعب ركبتاي كنت أجلس على صخرة جبلية,وأصب الماء البارد من قربتي لأروي غليلي”
التقنية والتكتيك الحربي:
كانت التجهيزات العسكرية المتوفرة لدى الجيش الاشوري تساعده على التنقل السريع بين مختلف المناطق المتنوعه التضاريس,حيث نجد الأنهار كانت تشكل عائقاً إلا أنها لم تحول دون تقدم الجيش, بحيث كان لدى الجيش قوارب وأطواف تحمل التجهيزات اللازمة للعبور.ويذكرآشورناصربال عن بناء قوارب في إحدى المدن قرب الفرات بواسطة القوارب التي صنعتها من الجلود التي حملها جيشي معه طول الطريق, عبرت الفرات عند بلدة ” هريدي”ولم يكن هذا النوع من الأستخدام ل”الكليك” فقط من جانب آشور ناصر بال بل نجد تغلات بلاصر أستعمل ذات الوسيلة منذ حوالي 1100 لكي يلحق ببعض الآراميين على الجانب الآخر من نهر الفرات الأوسط.
في أوائل القرن السابع قام سنحاريب بإستخدام رائع للقوارب, أثناء حربه ضد العيلاميين في جنوب غرب إيران الحالية.لقد أدرك سنحاريب بأن القوارب النهرية غير مجدية بتنفيذ خطته, لذلك أستدعى بناة سفن من سوريا ليبنوا أسطولاً في نينوى “من صنع بلادهم” أي من السفن البحرية,بعد أن تم بنائها وتجهيزها أبحرت السفن بقيادة بحارة فينيقيين عبردجلة حتى موقع بغداد حالياً, ومن هناك عبر قنال إلى نهر الفرات, ومنه إلى الخليج, حيث استخدمت لنقل الجنود والخيل وكافة المعدات الحربية اللازمة للحرب.والتي أستخدمت لصد الهجوم الذي قام به الجيش العلامي عند شط دجلة في عام 691:” مثل هجوم أسراب الجراد في الربيع, جاءوا مجتمعين ضدي لخوض المعركة,وكان غبار أقدامهم يغطي أديم السماء العريضة مثل العاصفة المكفهرة في الشتاء البارد القاسي.ووقفوا في وضعية القتال في “هالول”على شط دجلة وقطعوا طريقي إلى مياه الشرب وأستعدوا للمعركة”.بعد التضرع للآلهة طالبا النصرعلى الأعداء أرتدى سنحاريب درعه وصعد إلى عربته وتقدم في طليعة جيشه للقتال وحقق النصر بعدما أن سحق الجيوش الغازية.وكان لدى الجيش الآشوري مختلف أنواع التكنيك العسكري ووسائل النقل البري مثل العربات التي تجرها البغال والخيول والثيران.حيث نجد أن المركبات والمشاة كانت الوسائل الرئيسية التي أستعملت في هذه المعركة وذلك حسب طبيعة الأرض. بينما نجد في مكان آخر أن والد سنحاريب المللك سرغون يذكر بوضوح أنه كسب المعركة بواسطة سلاح الخيالة,وكان ذلك في الجبال الواقعة شمال غرب إيران.وكان أحدى الأشكال الرئيسية للحرب الآشورية هو الحصار, الذي تميز بدرجة عالية من التنظيم, وكان العامل الرئيسي الأول هو المواصلات الفعالة , التي لا بد منها لنقل الأليات الثقيلة لحصار المدن,مثل منجنيقات القصف المدرعة ذات العجلات إلى جانب أنواع مختلفة من الأسلحة الفعالة لتحقيق النصر على الأعداء.وكانت الخطط العسكرية والتنسيق بين مختلف الفصائل العسكرية والقيادة العسكرية والإتصال بينهم وبين البلاط يتم عبر نقاط عسكرية تأمن التواصل الدائم,وكان مجموعة الجواسيس توفر المعلومات اللازمة عبر تواجدها في مناطق العدو.حيث نجد من أحدى المراسلات التي بعثها ضباط إلى الملك يقدمون تقريراً عن حركة جنود آورارتو وأعدادهم وطرق المسار المتوقع والهدف النهائي للتحركات.وتفيد أحدى الرسائل بأن خمسة من ولاة المناطق في آورارتو,تذكربالأسماء,قد حشدوا جيوشهم في مدينة معينة استعداداً لشن حملة عسكرية’ كما هو واضح,وإضافة أخرى” فيما يخص الأمر الذي أرسل لي الملك سيدي,رسالة بشأنه قائلاً ” أرسل رجل – دايالو- إلى هناك,فإنني أرسلت أناسا مرتين.بعضهم عاد وقدم هذه المعلومات وبعضهم الآخر لم يعد حتى الآن, يعتقد من النص بأن “الدايالو”هم الجواسيس العاملين في مناطق العدو.بل كان العمل التجسسي يشمل أيضا التحركات المشبوها والقيام بتمرد ضد الملك وكما تذكرالرسائل حول تمرد فصيل من البابليين وأهداف تحركهم. التجسس العسكري لم يقتصرعلى جمع المعلومات عن تجمعات الجنود,بل كان التجسس يستخدم وسائل عديدة بنشر معلومات وأخبار تؤثرعلى معنويات العدو, حيث نجد في رواية التوراة عن حصار أورشليم في عهد الملك سنحاريب.أن التوراة يصف, ضمن الحديث, كيف أن الجنرال الآشوري ال”ربشاقي” يشن هجوما على معنويات المدافعين عن المدينة, وكيف أن إحدى” الدعايات’ الوخزات”في الحجج التي يسوقها كانت تحديه لتعويلهم على مساعدة إلههم “يهوه” فالحجة التي كان يراد بها زعزعة ثقتهم هي أن الإله “يهوه” ذاته “هو الذي أزال حزقيا مرتفعاته ومذابحه وقال ليهوذا ولأورشليم أمام هذا المذبح تسجدون في أورشليم (2ملوك 18:22).ومثل هذا الأسلوب أستعمل في مناطق أخرى أيضا,وكان التواصل مع السكان المحليين وجيش العدو يتم بواسطة مترجمين يتقنون لغات الشعوب المجاورة للأمبراطورية الآشورية.
لقد أستعمل الآشوريين الحرب النفسية ضد الأعداء كما هو سائد في آيامنا هذه بين مختلف القوى المحاربة من دول كبرى وصغرى ومجموعات عرقية مختلفة.وكانت الحرب النفسية التي يمارسها الآشوريين ينسجم مع احساسهم برسالتهم السماوية, وفرض الإيمان على الشعوب الآخرى.فضمان الاستقرارفي المنطقة كان يرتكز على القوة الآشورية ويتطلب إقناع الشعوب الأخرى بأنه لا جدوى من محاولات معاداة الدولة الآشورية.
أسرى الحروب: (بعد السيطرة على مدينة معادية,كانت معاملة سكانها تختلف حسب الظروف. كان هناك تمييز سياسي واضح بين المدن او المناطق التي ضُمت حديثا إلى فلك الدولة الآشورية وتلك التي كانت جزءاً بالأصل من الدولة, ولكنها كانت تُقدِم على تمردات مسلحة. وفقط في حالات من الفئة الثانية,وفقط في حالات التمرد الأكثر فظاعة, كانت تحدث عقوبات بشعة ضد سكان المنطقة المقهورة.ونذكرعلى سبيل المثال تمرد السكان الآشوريين في أحدى المدن ومحاولتهم احتلال القاعدة العسكرية الرئيسية والمخازن, والأنتفاضة التي جرت في مدينة تقع تحت الإدارة الآشورية المباشرة,تم فيها قتل الوالي الآشوري وتنصيب ملك محلي آرامي من سكان المدينة.في مكان آخر من حوليات آشورناصربال هناك رواية عن عملية عسكرية جرت بقصد الاحتلال وليس قمع التمرد,ولذا لا نجد فيها ذكراً لأعمال التنكيل,ففي حالات كهذه تجري الإشارة فقط إلى أسرى السجناء دون التلميح إلى إعدامات او تنكيل.إنأي شخص ذا دماغ مغسول بروح الأعتقاد بأن الآشوريين كانوا ساديين على طول الخط, يجب أن ينظر بصرامة إلى ثقافتنا الراهنة,كما تبدو في المقتطف التالي من برنامج تلفزيوني للأطفال عام 1978(نقلا عن فينينشال تايمز)” لا أحد سيأخذ روحه سواي.سوف أسلخ الجلد عن جسمه الحي وأرتديه مثل عباءة” أن تنكيلا من هذا النوع في بلاد آشور لم يكن سادية لذاتها بل إجراء تأديب متعمد يتم بأسم الحكومة المركزية الآشورية , وتحت إدارتها, في الحقيقة, متمثلة بشخص الملك, ولا توجد حالة أكيدة جرت فيها فظاعات ارتكبها جنود آشوريين من تلقائهم بقصد ممارسة السادية.صحيح هناك بعض المشاهد على اللوحات المجسمة تصور اعمال التنكيل اوالقتل البربري(عن طريق السلخ مثلا) للسجناء, لكن الدلائل تشير إلى أن تلك المشاهد تمثل ما كان يتم ارتكابه بحق زعماء التمردات, بأمر من الملك, وليس اعمال اعتباطية ناجمة عن بربرية جنود عاديين.حقيقة توجد أدلة على أن الملك كان يصر على انضباط صارم جداً في مسألة التعامل مع آسرى الحرب.وثمة هناك رسالة ملكية إلى موظف آشوري مسؤول عن تموين مثل هؤلاء الأسرى,تحمل تحذيراً فعلياً لهذا الموظف” يجب عليك ألا تكون مهملاً وإلا فسوف تموت”
أن أفضل مصير بالنسبة للأسرى الذين قبض عليهم, اثناء فتح مدينة جديدة او قهر منطقة متمردة كان السبي. فالإشارة في الرسالة المذكورة للتو فيما يخص العناية بعيش المسبيين هي موقف نموذجي, رغم أن الأساسي في موقف كهذا كان عملياً أكثر من كونه إنسانيا محضاً. كان الأسرى جزءاً من الموارد المتوفرة في الأمبراطورية الآشورية وكانت السلطات تريدهم أن يصلوا بعافية إلى المناطق التي تقرر سبيهم إليها وأن يستقروا هناك على نحو مفيد,وكانت تتخذ الإجراءات الإدارية المدروسة حتى إنهاء الأمر.إننا نسمع ليس فقط عن ترتيبات تفصيلية لإطعام السبايا أثناء تنقلهم, بل وحتى لتأمين أحذية لهم وما شابه, لدرجة أننا نصادف مثالاً على المساعدة في تزويج المسبيين.ونرى أيضاً,من خلال اللوحات المجسمة أنه يتم –في بعض الأحول- توفير عربات لنقل النساء والأطفال أو تقديم الحمير والخيل لهم من أجل ركوبها. ولا توجد امثلة على تفريق العوائل , زد على ذلك أن معطيات النصوص المسمارية والتوراة تشير في آن واحد إلى أن كل العائلات والفئات كانت تسبى بوصفها جماعات كاملة.
لم يكن هدف السبي هو التأديب بقدر ما كان إفادة الإمبراطورية الآشورية على الصعيدين الاقتصادي والأمني.فبعض السبايا كان يتم إسكانه في المدن, حيث يكون احتياطيا من اليد العاملة المفيدة لمشاريع البناء الكبيرة ومن الحرفيين المهرة, في حين يذهب البعض الآخر إلى المناطق الزراعية التي يتم تأهيلها, فتتسع بذلك رقعة الأرض الزراعية ويزداد الانتاج الزراعي, وكل هذا يزيد الرخاء الاقتصادي. كذلك كان جزء من السبايا ينقل إلى المناطق التي أجلي عنها قاطنوها من ذي قبل بعد تمرد ما,والمثل المعروف جيداً من التوراة هو منطقة السامرة في فلسطين, التي كانت قد أفرغت من السكان في بعض بقاعها لدرجة ان الأسود أصبحت مشكلة حقيقية والإله “يهوه” يلوم كالعادة الناس (2ملوك 24:7-28)
عموما يبدو ان السبايا, في ظل الآشوريين,كانوا يسكنون في بيوت جديدة.فمما يستحق الهتمام أن اليهود الذين سباهم الآشوريون من السامرة إلى مناطق الخابور في شمال غرب بلاد الرافدين, وإلى حيث الميديون شمال غرب إيران(“في مدن مادي”) (2ملوك6:17)قد انصهروا تماماً,على ما يبدوا, لأنهلم يسمع عنهم شيء , فيما بعد.وهذا يختلف عن وضع يهوذا الذين تم سبيهم لاحقا من مدينة آورشليم على يد الملك البابلي نبوخذنصر إلى بابل,والذين حافظوا على شعورهم باستقلال الهوية إلى الحد الكافي لعودة عدد كبير منهم إلى ألورشليم في وقت لاحق.ويجب أن نعزو هذا الاختلاف إلى واقع أن الآشوريين كانوا يختارون بتروّ –مع إستثناءات عرضية- المناطق التي يُسكِنون فيها السبايا بحيث تكون البيئة مشابهة لتلك التي سبيوا منها.فال”ربشاقي” في خطبته المذكورة,التي كان يحث فيها سكان أورشليم المحاصرة على الاستسلام, يشير خصيصاً إلى هذا المبدأ, مؤكداً أنه سوف يأخذهم إلى أرض تشبه أرضهم (2ملوك32:18)
لقد ترك الآشوريون في التاريخ حتى يومنا هذا بصمة عميقة جدا في تطور الحضارة الإنسانية.وحتى بعد إنهيار أمبرطوريتهم وسلطتهم السياسية أكثر من ألفين وخمسمائة عام,ما زالت في مركز الأبحاث والدراسات العالمية وذلك لأهمية دورها الرائع في بناء خدمة تطور المدنية العالمية.أبناء آشور في وطنهم المقسم يكافحون بشتى الوسائل المتاحة من أجل البقاء وتحقيق جزء من طموحاتهم القومية.
2017-07-24
المصادر:
1- S.N. Kramer , Historie…30
2- M.E.L.Mallowan , L,aurore de la Mesopotamie et de IIran 196686 es 95.sz.kep
3- F.Thuteau ,Dangin,SAK I, 11 sk.
4- M. Lambert, Ra 59,1965,81 sk.
5- M.Lambert ,RDSO XI.I, 1966,29 sk
6- E. Sollberger , Orientalia 28 , 1959, 350
7- J.Klima No14/11 , 1959
8- J.M. Sasson , The Military Establishmant at Mari,1969,33
9- R,Borger,Esarhaddon ,104,r
10- J.Bottero , DADT ,II
11- F.J. Tritsch, Fluchtling in Ugarit, Akten Munch.Orient kongr.1957
12- W.Hinz, Dasreich Elam, 1964
13- G.Dossin , Syria 32,1955
14- J.r. Kupper4 RLV 1972
15- C.Niebuhr i. m. 14
16- هاري ساغس,جبروت آشور الذي كان , ترجمة د.آحو يوسف
د.جميل حنا
للمزيد; انقر على الرابط ادناه