بقلم غســان يونان
مـا يجمع مـؤسـسـاتنـا أكـثر بكـثير ممـا يُـفـرّقهـا
23 / 05 / 2016
http://nala4u.com
صحيـح أن الأغلبيـة فـي مجتمعنـا إن لـم نقـُل الأكـثريـة (أفـراداً كـانـوا أم مـؤسـسـاتٍ – وعلـى مختلـف توجهـاتهـم وانتمـاءاتهـم -) تـربّت (أي الأغـلبيـة هـذه) وتـرعـرعـت فـي بيئـة “عـروبيـة” متقـوقعـة علـى ذاتهـا، لا تقبـل الـرأي الآخـر وتتنـاحـر فيمـا بـين بعضهـا البعـض ليـس لمصلحـة مـواطنيهـا وإنمـا لغـايـاتٍ شـخصيـة سـلطـويـة بعيـدة عـن مصلحـة الـوطـن والمـواطـن.
وتعـدد التيـارات والأحـزاب فـي الـدول
العـربيـة وفـي أغلبهـا تحمـل طـابـعـاً دينـيـاً (الطـابـع الإسـلامي)
وعـاشـت علـى فُتـات شـعارات قـوميـة عـروبيـة اشـتراكيـة إمـبريـاليـة…
تلـك الشـعـارات والهتـافـات التـي تتكسـر علـى صخـرتهـا بـاقـي القـوميـات
الغـير عـربيـة والتـي مـازالت تُـسـمع أصـداؤهـا حتى يومنـا هـذا فـي
بعـض الـدول المجـاورة، علمـاً أن التنـاحـر والتقـاتـل فيمـا بـين بعضهـا
البعض ومنـذ مئـات السـنين بـرهن يـومـاً بعـد يـوم أن القـوميـة العـربيـة
لـم تكـن يـومـاً مـوجـودة إلا فـي مخيّلـة بُنـات الأنظـمـة
الديكتـاتـوريـة، تلـك الأنظمـة التـي تعشـعشـت علـى صـدور المـواطنـين
الـذيـن تـرّبـوا علـى هـمٍّ واحـدٍ وهـو تـأمـين لقمـة العيـش لأولادهـم،
والتـي (تلك الأنظمـة الديكتـاتوريـة) انهـارت وفـي أول عاصفـة هـوجـاء
وانهيـارهـا جـاء بـسـرعـة غـير متـوقعـة ولـم يبـقَ مـنهـا اليـوم (أي مـن
الأنظمـة القمعيـة) إلا مَـن هـم علـى عُـكـازات غـيرهم!
لكــن إلـى متـى؟
فالعِـلـمُ عنـد صانعـي العكـازات هـذه ولكنهـا بـدون أدنـى شـك مسـألـة الـوقـت!.
كمـا وإن الأحـزاب والمـدارس والأنـديـة والجمعيـات ….إلخ. فـي هـذه البلـدان تتبـع نهجـاً عـروبيـاً ممنهجـاً هـو بالأسـاس غـير مـوجـود إلاّ علـى صفحـات الصُحف كـوسـيلـة لـلولوج داخـل البيـوت مـن أجـل التـأثـير قـدر الإمكـان علـى العقـول، وهـذه الحـالـة مسـتمـرة جيـلاً بعـد جيـل ولكـن دون جـدوى.
أمـا الشـعوب أو القـوميـات الغـير عـربيـة أو بالأحـرى الشـعوب الأصيلـة فـي المنطقـة وتحـديـداً الشـعب الآشـوري، تربّ وترعـرع فـي ظـل بيئـة لا حـول ولا قـوة لـه فـي التغـيير أو حـتى التعـبير عـن رأيـه.
وبمـا أن الشـعب الآشـوري المضطهـد فـي المنطقـة كـان ينشـد
الأمـن والأمـان اللـذيـن افتقـدهمـا منـذ مئـات السـنين ممّـا اضطـره إلـى
السـكوت أو الصـمت علـى مضض فـي سـبيل إعـادة بنـاء ذاتـه والمحـافظـة
علـى مقـومـات وجـوده فـي بحـرٍ مـن التجـاذبـات والتقلبـات.
ولقـد
أثبـت التـاريـخ وعلـى مـرِّ مئـات السـنين مـن الظُـلـم والاضطهـاد
والتنكيـل والقتـل والتشـريـد والـذوبـان فـي بـوتقـاتٍ أُخـرى مـن عبـث
كـل تلـك المحـاولات مـن زعـزعـة الإيمـان لـدى الآشـوريـين، إذ زال هـؤلاء
الـدخـلاء الـرجعـيين وصـمـدت الآشـوريـة قـوميـةً ولغـةً وهـدفـاً فـي
قلـب كـل فـردٍ من أبنـاء شـعبنـا وهـا هـم الآشـوريـون اليـوم وبالـرغـم
مـن كـل المعـاناة يقـتربـون شـيئـاً فشـيئـاً مـن تحقيق حـلمهـم.
أزاء كـل مـا ورد أعـلاه، ترك التـاريـخ والنهـج العـروبـي أثـراً كـبيراً وعميقـاً فـي تركيبـة الإنسـان الآشـوري، فتكـونت لـديـه وللأسـف، صـورة قريبـة جـداً مـن تلك البيئـة العروبيـة التي أثرت سـلبـاً فـي طريقـة تفكـيره، تربيـة أولاده، التعاطي مع جـيرانه وحتى فـي طريقـة لبسـه وأكلـه وشـربـه… ومـن أجـل الانتقـال مـن بيئـة دخيلـة كهـذه إلـى أُخـرى أصيلـة، يحتـاج الإنسـان إلـى أجيـالٍ وأجيـال. وفـي ظـل هـذه الصـورة المـرعبـة، يطلـب البعض مـن مـؤسـسـاتنـا أن تتـوحـد اليـوم قبـل الغـد مـن أجـل مـواجهـة التحـديـات المحـدقـة بهـا مجتمعـةً ومـن أجـل المشـاركـة فـي كتـابـة تـاريـخ المنطقـة مـن جـديـد، وهـذا ليـس بالأمـر البسـيط، لا سـيمـا ومـؤسـسـاتنـا تمـر بمـراحـل صعبـة وقـاسـيـة وكـل مـا حـولهـا أكـبر بكـثير مـن إمكـانيـاتهـا وطـاقـاتهـا بالإضافـة إلـى عـامـل عـدم الثقـة أو عـدم المصـارحـة فيمـا بـين بعضهـا البعـض وكـل ذلـك ناتـجٌ عـن البيئـة العـروبيـة التـي تأثـرت فـي طـريقـة تفـكـير الإنسـان الآشــوري.
نعـم، مـا يطـلبـه الشـعب مـن تنظيمـاتـه اليـوم مـن وحـدةٍ عسـكريـة وسـياسـيـة هـو ضـرورة حتميـة ولا مفـرّ من ذلـك ولكــن العمليـة بحـاجـة إلـى التفكـير آشـوريـاً:
• بمعنـى وضـع المصلحـة الآشـوريـة فـوق كـل اعتبـار
• بمعنـى وضـع خطـوط حمـراء لبعضنـا البعض لا يُسـمح بتجـاوزهـا صـونـاً لقضيـتنـا المقـدسـة
• بمعنـى
اعتمـاد نهـج الاحـترام المتبـادل فيمـا بـين بعضنـا البعـض حتى عنـد
الاختـلاف فـي وجهـات النظـر أو حتـى فـي قـراءة التطـورات
• بمعنـى مسـاعـدة بعضنـا البعـض فـي حـلّ المشـاكل الـداخليـة التـي تحصـل ضمـن البيـت الـواحـد مـن أجـل المـواجهـة الخـارجيـة
• بمعنـى عـدم مسـانـدة المجمـوعـات المنشـقـة إلا مـن أجـل العـودة مقتنعـة إلـى مـؤسـسـاتهـا الأسـاس.
بهـذه الطـريقـة نتمكـن مـن تجـاوز المـراحـل الصعبـة فـي طـريق مسـيرتنـا النضـاليـة ونتجـاوز معهـا غـير آسـفين كـل مـا تعلمنـاه مـن البيئـات الأُخـرى.
غسـان يونان
٢٣ أيـار ٢٠١٦