بقلم جورجينا بهنام
قراءة في كتاب: اسرار السرد من الذاكرة الى الحلم، قراءات في سرديات سعدي المالح
31 /05 / 2012
http://nala4u.com
“ان هذا الكتاب الذي يسهم فيه مجموعة من النقاد والأكاديميين بدراسات وقراءات متنوعة في مدونة سعدي المالح السردية، إنما يسعى إلى الإجابة على سؤال الجدوى والتميّز في ظل كم هائل ومرعب من المجموعات القصصية والروايات التي تنتـَج كل عام في دور النشر العربية، إذ على الرغم من أن المنجز السردي لا يعد كبيرا قياسا إلى تجربة سعدي المالح في الحياة والثقافة والمعرفة، إلا أن سردياته تتمتع بخصوصية واضحة ستبين القراءات التي تقع بين دفتي هذا الكتاب طبيعتها ورؤيتها وأسرارها السردية، وقدرتها على أن تحتل مساحة مضيئة وذات تأثير واضح في فضاء السرد العراقي الحديث، وهو ما نأمل أن يكون هذا الكتاب بقراءاته المهمة المتنوعة قد حقق ذلك في أنحاء مختلفة”. هكذا يقدم د.محمد صابر عبيد كتابه (أسرار السرد..من الذاكرة إلى الحلم، قراءات في سرديات سعدي المالح)، وسعدي المالح كاتب وقاص وروائي عراقي “أتيحت له فرصة التجول في مدن العالم بوصفه مغتربا ودارسا طيلة ثلاثة عقود تقريبا، فضلا عن عمله صحفيا ومترجما ومدرسا جامعيا في أكثر من بلد، وكانت مجموعته القصصية (مدن وحقائب) ثمرة سردية من ثمار الاغتراب”، أما مجموعته الاكثر شهرة فهي (حكايات من عنكاوا) التي طبعت طبعات عديدة لتكون محط عمل الذاكرة واهتمامها في الغربة لتكون استعادة للوطن الأم (عنكاوا)، إحدى ضواحي اربيل العراقية، وله أيضا رواية (في انتظار فرج الله القهار) المتميزة في استنادها إلى الموروث الديني والتاريخي والأسطوري والثقافي، “فهي تحكي على هذا النحو لعبة الانتظار ولعبة المصير التي تتردد كثيرا في ميراث أبناء المنطقة على اختلاف اثنياتهم وقومياتهم وأديانهم وطوائفهم، ففكرة انتظار المخلص فكرة قديمة وجدت حيزا مهما ومركزيا في ثقافات شعوب المنطقة”.
يتكون الكتاب من فصلين، الأول عنوانه: أسرار السرد القصصي، يتناول فيه أربعة من النقاد والباحثين المنجز القصصي لسعدي المالح بالدراسة والتحليل متمثلا بمجموعتين قصصيتين هما: (مدن وحقائب) و(حكايات من عنكاوا)، يسعى د.خليل شكري هياس (من كلية التربية /جامعة الموصل) في بحثه (تجليات الذاكرة وفاعلية الحس السردي) إلى استنطاق الفعل الذاكري بالغ الحضور في (حكايات من عنكاوا)، ويتناول كيفية استثمار حسها السردي للوصول إلى عتبة التكوين القصصي مؤكدا ان:” الذاكرة تشتغل في متن سعدي المالح (حكايات من عنكاوا) بطاقة حكائية عالية تنهج مسارا خاصا تسجل تحيزها لفضاء سيري حميم تتخذ من معقل المالح (عنكاوا أيام الطفولة والصبا) مسرحا لأحداث حكاياته ومنبعا ثرا يستقي منه مادة لكل حكاياته، مجسدا عبر كل ذلك تجربة سيرية تؤرخ لمدينة عنكاوا مكانا وزمانا و شخصيات وأحداثا وبرؤية إنسانية شاملة تربط الذات المؤلفة بعصب المدينة، فتجعل من نفسها حكواتيا يعمل جاهدا على إعادة الحياة ثانية إلى ذلك الماضي البعيد بكل سعادته وتعاسته”.
اما الباحثة جميلة عبدالله العبيدي (كلية اللغة العربية/جامعة ام القرى/السعودية) فتناولت في بحثها الموسوم (بلاغة الاستهلال القصصي لدى سعدي المالح) مجموعتي (مدن وحقائب) و(حكايات من عنكاوا) مشتغلة على عتبات الكتابة القصصية، وتنتخب منها عتبة الاستهلال التي تنطوي على أهمية مميزة كونها تتوسط بين عتبة العنوان وطبقات المتن النصي، تداخلت القراءة في قصص المجموعتين كلتيهما، إذ اكتشفت ان كل هذه القصص عملت بوعي على هذه العتبة. وتؤكد:” ان الوظائف الأساسية التي تشتغل عليها عتبة الاستهلال تندرج اولا في اطار تقديم منتخب للعالم السردي المكون للقصة، وتسعى عبر هذا التقديم الى تأطيره في اطار محدد وعكس مقصديته الخاصة، فضلا عن سعيه الحثيث لاثارة فضول القارئ وتحريك حساسيته ودفعه نحو متابعة قصوى لطبقات القصة ومجريات احداثها”. موردة نماذج متنوعة لاشكال الاستهلال الذي قسمته إلى أربعة أنواع: الحكائي، الوصفي، المشهدي والحواري.
فيما ذهبت القراءة الثالثة للدكتور جاسم خلف الياس (مدير تربية نينوى) المعنونة (التعبيرية وفاعلية الترميز) الى البحث في آلية المستوى الإجرائي الذي عملت عليه القصص، إذ ان خاصية التعبيرية تتعلق بالجانب الإنشائي الذي يحيل على منطق اللغة السردية في التكوين القصصي، ومن ثم علاقة ذلك بفاعلية الترميز التي ترفع اللغة السردية من مستوى الابلاغ الى مستوى الشعرية، على النحو الذي تكتسب فيه قيمتها الإجرائية في التعبير والتشكيل معا.
واستجابة لرؤية العنوان قسم الباحث قراءته الى قسمين: اول عنوانه (التعبيرية الواقعية) متناولا فيه المرجعيات الواقعية في اساليب التعبير السردي، فهو يرى ان:” الواقع العراقي قد شهد تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية،قلبت اغلب الموازين والقناعات الثابتة وزعزعت القائم في البنى المستقرة، وحصل انقلاب على الذات واليها. وتبعا لذلك فمن المنطقي ان يستخدم الوعي الكتابي تيارات واساليب جديدة، كان لها التأثير الفاعل في تجاوز الاشتراطات الفنية التقليدية للقصة القصيرة، ويعتني بالبعد الداخلي للشخصية باعتماده على تقنيات جديدة تضمنت النزوع نحو منطق التداعي والأحلام. ومن القصص القصيرة التي استجابت لتلك المتغيرات قصص مجموعة (مدن وحقائب) للقاص والروائي سعدي المالح”.
القراءة الرابعة كانت تحت عنوان (التشكيل السردي المشهدي) للباحثة سناء سلمان عبدالجبار(كلية الاداب/جامعة تكريت) التي انتخبت قصة (حظ) من مجموعة (مدن وحقائب) لرصد تجليات المشهدية السينمائية في هذه القصة. وقد ابتدأت القراءة بوضع تمهيد نظري ضروري لتأكيد العلاقة بين فن السرد والسينما، حيث تقانة المشهد تكون قريبة عادة من التقانة السردية بوصفها تقوم على الحدث والشخصيات والمكان والزمن. وفي الجانب التطبيقي قسمت القراءة الى ثمانية مشاهد متراكبة تراكبا فنيا ودلاليا وشعريا وجماليا مشتركا.
في ختام الفصل الاول يقول المعد:” ان هذه القراءات قد اتت على الكثير من مشكلات القص السردي في قصص المالح، وهي لا تدّعي طبعا استنفاذها لكامل المؤونة السردية المختزنة في القصص جميعا”.
اما الفصل الثاني فجاء تحت عنوان (اسرار السرد الروائي) انبرى فيه أربعة آخرون من الباحثين لتحليل أسرار السرد الروائي في رواية (في انتظار فرج الله القهار) التي يرى معد الكتاب انها:” تكتسب أهمية خاصة على مستويات عديدة، فهي رواية تنشغل بالراهن مثلما تنشغل بالتاريخ، وتنشغل باليومي ألتفاصيلي كما تنشغل بالشامل والرؤيوي، وتنشغل بالمرجعي كما تنشغل بالتكويني والتقاني، وتنشغل بالجزئي مثلما تنشغل بالكلي، وتنشغل بالواقعي مثلما تنشغل بالرمزي، وتنشغل بالتراثي كما تنشغل بالحداثي، وتنشغل باللغة مثلما تنشغل بالصورة، وتنشغل بالبؤرة مثلما تنشغل بالمحيط، وتنشغل بالذاتي مثلما تنشغل بالموضوعي، وتنشغل بالسردي مثلما تنشغل بالدرامي. ربما تكون هذه الانشغالات ضرورة سردية وفكرية وثقافية لكل رواية تسعى الى ان تجد لها مكانا تحت شمس الرواية العربية اللاهبة”.
القراءة الأولى وعنوانها (الصنعة الروائية وايقاع الموروث) للدكتور محمد صابر عبيد(جامعة الموصل) رصدت بعض مستويات التركيب النصي الخاصة بالصنعة الروائية لتنتهي إلى تأكيد وعي الروائي لعمله وحسن إدارته للعمليات السردية في بؤرة السرد الروائي وعلى محيطه، ويضيف:” ربما نلاحظ في هذه الرواية على نحو ما علاقة شخصية الراوي (الراوي كلي العلم) بالمؤلف، وذلك برصد شبكة من القرائن التي بوسعها ان تحيل على حساسية هذا الاقتران وسيرذاتيته في التشكيل الروائي، ويمكننا الذهاب فورا الى التعريف الخاص بشخصية سعدي المالح الابداعية والسيرذاتية، وهو تعريف شامل يتيح لنا معرفة الكثير من المعلومات التي اذا ما قارناها بشخصية الراوي سنجد العديد من نقاط التلاقي والتطابق على النحو الذي يساعدنا في تقريبها من بعض وقراءة الشخصية على هذا الاساس، وفهم الكثير من مواقف السرد استنادا الى حيثيات هذه المعلومة الميثاقية”.
الدكتور فيصل غازي النعيمي(كلية التربية/جامعة الموصل) عنون قراءته، وهي الثانية في هذا الفصل، بـ(مقامات العبث) التي ترى ان الرواية جاءت زاخرة بالاسئلة الفضائية التي لا تقتضي بالضرورة اجابات محددة، إذ هي تشتغل في مستوى مركزي من مستوياتها على سردنة فضاءات مسرح العبث ومقولاته وممارساته.
فالرواية حسب الدكتور النعيمي:” لاتميل إلى تقديم أجوبة تتعلق بوجود الإنسان العراقي في ماضيه البعيد وراهنه المعاصر بقدر ما تثير الأسئلة التاريخية والوجودية عن كينونته ومستقبله لكن ضمن شرط اساس وهو الوعي الجمالي بالتاريخ والحضارة، وبحكم انتماء هذه الرواية الى تيار الرواية العربية الجديدة التي ظهرت في الثلث الأخير من القرن الماضي، فان بناءها العام يتميز بأنه قائم على عدم الربط بين الظواهر ورفضه مبدأ العليّة او السببية في بناء الأحداث وتمرده على جماليات الوحدة والتماسك والنمو العضوي، وتحطيمه مبدأ الايهام بالواقعية، ان كل هذا يعني ان العالم يتصف بالغموض والارتباك والفوضى”. فيما اخضع الدكتور نبهان سعدون الحسون(كلية التربية الاساسية/جامعة الموصل) في القراءة الثالثة، الرواية لتحليل تقاني شبه كامل اعتمادا على نظرية الزمن السردي المعروفة لدى اكثر علماء السرد، ووجد ان الرواية استجابت على نحو فعال لمعظم الازمنة المعروفة في عالم السرد الروائي فبدت القراءة وكأنها لم تترك شاردة او واردة في سياق الزمن السردي الا ووجدت لها تجليا ما في رواية ( في انتظار فرج الله القهار) التي اعلنت في جوهر عتبتها العنوانية عن حضور اشكالية الزمن باعلى مستوياتها واعقد طبقاتها واكثر حدودها التباسا وكثافة.
فيما كشفت القراءة الرابعة للدكتور علي صليبي المرسومي (من الجامعة المستنصرية) المعنونة (مرجعيات التشكيل السردي) عن ظهور ثلاث مرجعيات أساسية انبنى عليها التشكيل السردي في الرواية، الاولى هي مرجعية التشكيل السردي التراثي، والثانية هي مرجعية التشكيل السردي العجائبي، والثالثة هي مرجعية التشكيل السردي الحلمي. وكانت كل مرجعية من هذه المرجعيات الثلاث قد وجدت لها تجليات نصية واسعة في المتن الروائي للرواية.
ويؤكد الباحث انه:” فضلا عن الجانب الإمتاعي التقليدي في الحكاية فإنها وسيلة ثقافية من وسائل التربية الذهنية والأخلاقية العامة، التي تهيئ للمجتمع الأسباب والمسببات التي تتماشى مع ظروفه وأوضاعه ومتغيراته، وهذا ما يجعل التشكيل الحكائي جزءا من إرثه التاريخي والإنساني والثقافي والحضاري الذي لا يمكن فصله عن مفردات حياته بكل تفاصيلها وحيثياتها، على النحو الذي تنعكس فيه على كل ممارساته الثقافية ابتداء من النص الإبداعي ووصولا إلى تأثير هذا النص في المجال الثقافي العام وحركة الحياة ومعنى الوجود”.
يشار إلى أن الكتاب صدر عن دار الحوار للطباعة والنشر/سوريا/ اللاذقية في (270) صفحة من القطع الصغير، متضمنا فضلا عن فصليه البحثيين مدخلا مفيدا لكل فصل وسيرة ذاتية وعلمية للدكتور محمد صابر عبيد الذي اهتم بإعداده وتقديمه والمشاركة فيه.
جورجينا بهنام
31/05/2012