بقلم فواد الكنجي
الموضوع; القيم الأخلاقية في مواجهة متغيرات العصر
24 / 11 / 2024
http://nala4u.com
للأخلاق أهمية عظيمة في بناء مجتمعات متحضرة؛ ولها أثر كبير في تنمية سلوك الفرد والمجتمع؛ وتعد (القيم الأخلاقية) من القيم الإنسانية الأساسية في بناء شخصية الإنسان؛ وهي تشكل مجموعة من المفاهيم والمبادئ التي تحكم سلوكه وتوجهه في حياته اليومية؛ وهي التي تنمي قدرات الفرد والمجتمع، عبر الرشاد وتثقفي ومتابعة تطوير قدرات الفرد من خلال تعزيز قيم التربوية والاجتماعية وبتوعية وتطوير ثقافة الفرد والتي تنمي قدراته العقلية من خلال مناهج العلم.. والمعرفة.. والقيم الأخلاقية ومن خلال الالتزام السلوكي بها؛ لأنها جوهر تقدم الحضارة الإنسانية وتمثل الأساس الذي يبنى عليها الحياة الإنسانية عبر تفاعل بين الأفراد والجماعات.
دور القيم الأخلاقية في توجيه السلوك الإنساني
لان (القيم الأخلاقية) في جميع الثقافات والأديان في مجتمعات العالم؛ هي ذات توجه واحد تشترك في مفاهيم تشمل العدالة.. والحرية.. والمساواة.. والتسامح.. والاحترام.. والتآخي.. والصدق.. والوفاء.. والصبر.. والتعاون.. والتعاطف.. والى أخره من هذه القيم الإنسانية النبيلة؛ لذلك تعد هذه القيم أساسا لتنظيم وتوجيه السلوك الإنساني لأنها تساعد الفرد على إيجاد التوازن الصحيح بين الحرية الفردية.. والمصلحة العامة؛ وهي التي تحدد هوية المجتمع وتقدمه؛ لان مبادئ وقيم الأخلاق هي التي تحكم سلوك الأفراد وهي التي تؤثر تأثيرا مباشرا على الحياة الاجتماعية عن طريق الاختلاط وتعامل الأفراد مع بعضهم البعض ومع المجتمع بأسره، لذلك لابد من تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع، وتنميتها عبر التربية.. والتعليم الأخلاقي وتعزيز قيم العدل.. والاحترام.. والتسامح.. والتضامن؛ ويجب أيضا تعزيز النزاهة والشفافية في كل المؤسسات المدنية والحكومية وتشجيع المشاركة المجتمعية لتعزيز الأخلاق والقيم في الحياة اليومية .
القيم الأخلاقية صناعة وبناء
(القيم الأخلاقية) بصورة عامة هي (صناعة) و(بناء)؛ حيث يتم صنع وبناء هذه القيم في ذات الفرد وفق تنشئة الفرد الاجتماعية منذ لحظة ولادته وحتى مماته؛ لان (القيم الأخلاقية) ما هي إلا معايير ومبادئ التي تتحكم في تصرفات الإنسان وتوجهاته في الحياة بما تعكسه الأخلاق.. والثقافة.. والاعتقادات الاجتماعية السائدة في المجتمع وفق التنشئة والتربية التي يتلقاها الفرد؛ فهي (تبنى) و(تصنع)؛ وهذه (القيم الأخلاقية) – كما قلنا سابقا – تتبناها جميع الثقافات.. والأديان.. والمجتمعات؛ وتعمل على تبنيها وصناعتها والتي من واجب والضروري أن ينشأ عليها الأطفال وتتبناه الأسرة في تربيتهم وفق هذا القيم الأخلاقية سلوكا وتصرفا من اجل تنمية سلوك الأبناء تنمية سليمة خالية من عقد والأمراض النفسية؛ بما تزرعه (التربية) و(التعليم) من الإرشاد التربوي والتعليمي السليم في نفوسهم وهم على مقاعد الدراسة لتبذر في عقولهم وضمائرهم بذور الرحمة.. والصدق.. والعدل.. والأمانة.. والعفة.. والتعاون.. والتآخي.. والتكافل.. والإخلاص.. والتواضع.. والألفة؛ لتنموا وتتجذر في عقل وذات الطفل القيم الحميدة.. والأخلاق الفاضلة.. التي تدفعهم لتبنيها مع تقدم التلميذ في مراحل التعليم والتخرج؛ ليكون قادرا إلى اتخاذ مواقف إيجابية والمبادرة الحسنة في مسيرة حياته لتحقيق النفع الخاص والعام .
دور المؤسسة التربية والتعليم في توعية وإرشاد المجتمع
وبعد دور (الأسرة) يأتي في بناء وتعزيز هذه القيم دور المؤسسة (التربوية) و(التعليمية) في توعية وإرشاد التلاميذ منذ المراحل الأولى لتعليم وصاعدا وبشكل حضاري متطور؛ فكلما تمكنت هذه المؤسسات من بناء شخصية التلاميذ بشكل متكامل كلما كانت (القيم الأخلاقية) هي التي توجه سلوك الأفراد باتجاه الصحيح لتجنب الانحراف والأخطاء؛ ليتم التفاعل الايجابي بين الأفراد بمستوى تقبل الأخر.. والاحترام.. والتعاون.. والمحبة.. والتآخي.. والعدل.. والحرية.. والكرامة.. والمساواة.. والعطف.. والرحمة؛ لتشكل هذه القيم أساسا للتفاعل والتعامل بين الإفراد وبشكل سليم وصحيح ومستدام في المجتمع، بكون لهذه القيم أثر عظيم على سلوك الأفراد فهي التي تدعم وتنشر في نفوسهم المحبة والود بين أبناء المجتمع الواحد؛ وهي ذاتها تدعوا على نبذ الشر.. والحقد.. والظلم.. والكراهية.. وتدفع الفرد إلى المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية والوقوف بجانب الآخرين في السراء والضراء؛ وتدعو الفرد إلى الالتزام بحسن الخلق في تعاملاته مع محيطه الاجتماعي دون تفرقة بينهم على أساس الأصل.. أو الدين.. أو اللون.. أو العرق.. أو الجنس، لان (القيم الأخلاقية) هي التي ترشد الأفراد على الحد من هذه الاختلافات؛ لأنها تعمل على تعميق وتقريب وجهات النظر المختلفة بين الأفراد من اجل تعميق الصلة والاتصال بينهم وبين كافة الشعوب والأمم في العالم، من اجل نشر (القيم الأخلاقية) بما تتماشى وطبيعة المجتمع الذي نتواجد فيه؛ مع دعم وإسناد دور (الأسرة) و(المدرسة) باعتبارهما مراكز أساسية في نشر أساسيات (القيم الأخلاقية) وغرزها في نفوس التلاميذ باعتبار لهم دور أساسيا ليس فقط على مستوى المحلي وإنما مستوى العالمي على حد سواء، لأننا أصبحنا نتحدث اليوم عن قيم كونية نظرا لما وصل إليه العالم من تقدم جعل العالم (قرية صغيرة)، فـ(التكنولوجيا) وانتشار (الانترنيت) و(مواقع التواصل الاجتماعية) ساهموا في التواصل بين الحضارات والثقافات وتقاسم وتبادل المعلومات والأفكار بشكل سريع؛ وهذا ما ساهم في تغيير النظام ألقيمي في المجتمعات والتخلي عن بعض القيم التي كانت تميز بعض المجتمعات في وقت من الأوقات .
التحديات الأخلاقية في ضوء التطور التكنولوجي
ومن هنا فان (القيم الأخلاقية) والتي كانت تستمد وجودها من منظومة القيم الفطرية المجردة عن الزمان والمكان؛ ونتيجة لتطورات (التكنولوجيا الحديثة) و(شبكات الانترنيت والاتصالات)؛ فهي اليوم من جهة شديد الصلة بالمجتمعات وأشكال التربية السائدة فيها، كما أنها شديدة الارتباط بالأطر النظرية سواء كانت فلسفية أو علمية، مما يمس الأخلاق بتغييرات تتفاوت عمقا وجدة من مجتمع لأخر؛ ومن هنا فان (التجدد الأخلاقي) لا يكون إلا ضربا من تنزيل محلي للقيم الكونية تتجدد الأخلاق كما يتجدد البناء لأنها (تبنى) و(تصنع) انطلاقا من النّموذج القبلي للقيم العليا الأولية إلى النموذج التكنولوجي المطور مع نموذج (الذكاء الاصطناعي) .
فـ(التطور التكنولوجي) فرض نفسه على كل مجتمعات الكون؛ بكونه أصبح اكبر تحديا تواجه المجتمعات بنمط أخلاقية جديدة التي تطرحها التكنولوجيا مثل (الانترنت) و(مواقع التواصل الاجتماعي) و(مفهوم الخصوصية) و(تعديل البيانات) و(التلاعب بالمعلومات الشخصية والعامة) وغيرها، والتي جاءت نتيجة زيادة الاعتماد على (التكنولوجيا) في مختلف مجالات الحياة .
فالتحديات الأخلاقية التي تواجه المجتمعات اليوم هي تحديات (الأخلاقيات الرقمية) والتي تتعلق بسلوك المستخدمين على (شبكة الانترنت) و(مواقع التواصل الاجتماعي)؛ بالإضافة إلى (تطبيقات التكنولوجيا الحديثة) التي برزت مؤخراً والتي تعرف بتطبيقات (الذكاء الاصطناعي) .
التغيير الذي طرأ على حياة الأفراد في ضوء متغيرات العصر
فالتغيير الذي طرا على حياة الأفراد في عصرنا الحاضر الذي شهد متغيرات مذهلة غير مسبوقة وتطورات متلاحقة في عالم (الاتصالات) و(الانترنيت) و(التكنولوجيا) وقد ترتب على ذلك بطبيعة الحال تغيرات مختلفة في أنماط حياة الناس وسلوكياتهم سلبا أو إيجابا؛ لان نظرة الناس في مواجهة هذه القضايا تختلف مع مختلف المستويات وثقافة الأفراد في تقييمهم لمستجدات العصر ومن منطلق ذاتي أحيانا، ومن منطلق موضوعي في أحيان أخرى؛ وفي هذا الصدد يتردد الحديث عن تأثير ذلك كله على القيم الأخلاقية.. والدينية.. والاجتماعية؛ والتخوف من التأثيرات السلبية التي قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المجتمع، لان طبيعة القيم والسلوكيات في ضوء متغيرات العصر في هذا العالم لا يمكن أن تسير بصفة دائمة على وتيرة واحدة؛ فالحركة والاستمرارية من طبيعة الحياة ولا يوجد شيء في الوجود ثابت ويبقى على حاله دون تغيير؛ لذلك تتعرض المجتمعات البشرية بين حين وآخر لمتغيرات مختلفة قد تكون بفعل البشر وقد تكون نتيجة لظواهر طبيعية لا يمكن لأحد يمنع حدوثها؛ ويترتب على ذلك في كثير من الأحوال حدوث تغييرات بشكل من الأشكال في أسلوب حياة الناس وسلوكياتهم على مختلف المستويات، وتلك هي حالة الدنيا وطبيعة الحياة التي تتحرك على الدوام .
ومن هنا لا يجوز أن نحمل أجيالنا الجديدة على تقاليد لم تعد ملائمة لمتغيرات العصر، وليس المقصود هنا بطبيعة الحال (القيم) و(الأخلاق) لان في ذلك فرق كبير بين الجانبين فمن شأن العادات والتقاليد والأعراف أن تخضع لمقتضيات كل عصر وأن تتطور طبقا لما يحدث في المجتمع من تطورات، فالعادات والتقاليد من صنع البشر يسري عليها منطق التغيير لأن طبيعتها نسبية .
إن هذه التحديات فأقمت من الأزمة الأخلاقية لتضيف المزيد من الضغط على السلوك الأخلاقي الفردي والجمعي وصعبت من مهمة البحث عن حلول لمعالجة هذه الأزمة، وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة إلى تعاون وتكاتف جميع الإفراد.. والناشطين.. والمثقفين.. والمؤسسات.. والمنظومات الحكومية؛ لإيجاد الحلول المناسبة لهذه الأزمة التي باتت تهدد جميع مجتمعات العالم .
دور الأسرة ومؤسسات (التربية) و(التعليم) في بناء الوعي الأخلاقي في المجتمع
ان تعزيز (الوعي) حول القيم.. والأخلاق وأهميتها في بناء المجتمعات لا تبنى إلا على أساس (العقل) الذي اكتسب وانمي قدرات الفرد الذهنية من خلال ما تلقاه من العلم والمعرفة وبشكل علمي رصين؛ وان الرفاهية.. والتطور.. وبناء الحضارة؛ (لا) يأتي عن طريق الانحلال الأخلاقي والتخلي عن قيمه (بل) من خلال التمسك بالأخلاق والعقل الناضج والبناء عليها؛ ويأتي ذلك من خلال حملات توعية وتثقيف الجمهور عبر مؤسسات (التربية) و(التعليم) حول القضايا الأخلاقية المهمة وأثرها على الفرد والمجتمع؛ لان المحافظة على (القيم الأخلاقية) يبد من خلال هذه المؤسسات الموجودة داخل المجتمع والتي تعمل على بث (القيم الأخلاقية) وتشجيع التطوع أو المشاركة المجتمعية كوسيلة لبناء قيم اجتماعية سامية من خلال تعزيز الانتماء والمسؤولية الاجتماعية للمحافظة على القيم الموروثة والبناء عليها؛ لان تعليم القيم والأخلاق في المناهج التعليمية لمختلف المراحل العمرية من الابتدائية وحتى الجامعات يعتمد على السياسة الحكومية الأخلاقية من خلال تطوير وتنفيذ سياسيات وقوانين فعالة تعزز النزاهة والمسألة في مؤسسات الدولة وتعاقب الفاسدين والمتلاعب بقوت الشعب وكل ممارسات والأنشطة اللا أخلاقية، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز القيم الأخلاقية في المؤسسات الحكومية وتشجيع المسؤولية والتصرف بنزاهة من قبل قادة ومدراء الهيئات ومؤسسات الحكومية والمدنية؛ والاهتمام بالبرامج لتدريب الموظفين الحكوميين لتعزيز الوعي الأخلاقي.. وتطوير مهارات.. واتخاذ القرارات الأخلاقية الرصينة؛ وكذلك الاهتمام بـ(الأسرة) كونها اللبنة الأولى لبناء المجتمع الأخلاقي السليم من خلال توفير البيئة الآمنة لها لا تعاني من عقد.. وأزمات أخلاقية.. أو اجتماعية.. أو اقتصادية .
دور الأخلاق في بناء شخصية الإنسانومن هنا نفهم بان لـ(القيم الأخلاقية) دور مهم في بناء شخصية الإنسان الناجحة.. والناضجة.. والمتماسكة.. وتحميه من الوقوع في الخطأ، وهذا الأمر يغرز في نفسية الفرد مشاعر الاستقرار النفسي بعيدا عن الاضطراب؛ فيشعر بالأمن.. والسلام الداخلي.. والطمأنينة؛ ليعيش وسط الحياة الاجتماعية بتوازن واستقرار تساعده على كسب ثقة الناس واحترامهم ومحبتهم؛ لان جل ذلك تخلق في أعماق الفرد مشاعر إنسانية صادقة تمكنه على التأقلم مع كافة الظروف الحياة برضا وقناعة، لان (القيم الأخلاقية) تعمل على التقريب بين الأفراد.. والأمم.. والشعوب.. عن طريق ترسيخ الاحترام المتبادل.. والتفاهم.. وقبول الآخر.. ونبذ الصراعات القائمة على أساس التمييز؛ لان (القيم الأخلاقية) التي تترسخ في أعماق وفكر الفرد وهو يحملها لإيمانه بها إيمانا طوعيا؛ فهي كحاصل تحصيل تزيد من احترام الفرد لذاته وللمجتمع؛ لان الفرد يتلقى ممن حوله المعاملة الحسنة والاحترام بعد إن يرى تقديرا لدوره واحتراما لكرامته؛ وهذا ما يزيد من احترامه لنفسه وإحساسه بالانتماء للمجتمع الذي يعيش فيه .