بقلم سامي هاويل
https://nala4u.com
13-7-2024
لم يُهَديء أعتذار توماس جولي مهندس الديكورات غضب “المؤمنين”، ولم يقلل من هول الهجمات الشرسة في مختلف الوسائل الإعلامية على فرنسا، هذه الهجمات التي تباينت بين النقد والأمتعاض واللعنات، والبعض “المؤمن جدا” ذهب رافعاً الصلوات مطالباً الرب بالأنتقام!، ولسنا نفهم أية نسخة من المسيحية هذه؟.
لا غرابة من كل هذه المواقف المتباينة، حيث جاءت اللوحة بشكل او بآخر مشابهة وكأنها تحاكي بأسلوب غير لائق لوحة دافنتشي التي جسدت العشاء الأخير، فجميع ردات الفعل بعيدا عن تقييمها جاءت دفاعاً عن المقدس الذي شعروا انه تم الحط من قيمته الكبيرة ولكن!، الغرابة هي في الأزدواجية الغريبة لدى الكثيرين من الآشوريين، ونحن هنا نخص بالذكر اولئك الذين لعناتهم وادعيتهم بالأنتقام المصدرة الى فرنسا يكاد يصعب تحميلها على ظهر مائة من البغال.
من الجيد أن نلتمس في الفرد الآشوري روح الثورة التي دفنها الخطاب الديني لقرون عديدة، ولكننا نتسائل هنا، إذا كان هذا الكم الكبير من الأتهامات واللعنات على فرنسا سببه هذه اللوحة بأعتبارها مساساً برمزية العشاء الأخير، فلماذا إذن يشوب هؤلاء “المؤمنين المخلصين جداً” الصمت عندما يكال شتى الأتهامات والإهانات لأجدادهم الآشوريين وحضارتهم العريقة؟، أوليست هذه الظاهرة تجسد ازدواجية عجيبة وغريبة؟
تعالوا أيها السادة المدافعين عن المسيح الذي ليس بحاجة لذلك، لنتصفح الكتاب المقدس، الذي عندما يتلوا الكهنة قائلين صلوا لإلهنا إله أوراهم وأسحق وأسرائيل ترددون ورائهم قائلين آمين، لنرى إن كانت ستتوهج جذوة الثورة هذه في اعماقكم .
في سفر المزامير (المزمور 137- 9 ) يقول الوحي عن بابل ( طوبى لمن يمسك أطفالكِ ويضرب بهم الصخرة).
وفي سفر الملوك الثاني 19- 35 ( وكان في تلك الليلة ان ملاك الرب خرج وضرب من جيش آشور مئة الفاً وخمسة وثمانين ألفاً ولما بكروا صباحاً إذا هم جميعا جثث ميتة )
أما عن العاصمة نينوى فيقول الوحي في سفر ناحوم الثاني العدد 13 ( ها أنا عليكِ يقول رب الجنود، فأحرق مركباتك دخانا، وأشبالك يأكلها السيف، وأقطع من الأرض فرائسك، ولا يسمع أيضا صوت رسلكِ).
ويكمل الوحي في سفر ناحوم الثالث العدد 1 ( ويل لمدينة الدماء، كلها ملانة كذباً وخطفاً، لا يزول الأفتراس).
وفي العدد 3 يقول (وفرسان تنهض، ولهيب السيف وبريق الرمح، وكثرة الجرحى،ووفرة القتلى، ولا نهاية للجثث، يعثرون بجثثهم).
ويسترسل في العدد 5 قائلاً ( هأنذا عليكِ، يقول رب الجنود، فأكشف أذيالك الى فوق وجهكِ، وأري الأمم عورتكِ والممالك خزيكِ).
وفي العدد 6 يكمل ( وأطرح عليكِ أوساخاً، وأهينكِ وأجعلكِ عبرة).
الشعوب المسيحية الأخرى جاءت ردة فعلهم طبيعية لا غبار عليها ولكن!، لو تأملنا ردة الفعل العنيفة والمفرطة لدى الكثيرين من الآشوريين على مشهد اللوحة المعروضة في افتتاحية الأولمبياد مقابل صمتهم المطبق على ما أقتبسناه أعلاه من الكتاب المقدس، سوف نصل الى قناعة تامة بأن هؤلاء ليسوا بالأحرى مؤمنين حقيقيين، بل متدينين متجهين نحو التطرف الناتج من قلة الوعي والثقافة المسيحانية والقومية على حدٍ سواء.
إذا كان الخوف من مشهد اللوحة مبررا بما سوف يترتب عليه من مفاهيم جديدة معاكسة للمسيحية وهذه مسألة مفهومة وواضحة ولكن!، أولم يترتب لقرون طويلة على هذه المقاطع المقتبسة أعلاه ردات فعل معادية لكل ما يمت بصلة للاشورية لدى الآشوريين قبل بقية الشعوب؟ ألسنا نلتمس هذا العداء لأصولنا بين اوساط الشعب الآشوري؟ ألم تنتبهوا لما يتخلل مواعظ العديد من الآشوريين الضالعين في سلك الكهنوت على مختلف المستويات ممن يستشهدون بهكذا آيات؟. إن كان هولاء المنتفضين على مشهد اللوحة صادقين مع أنفسهم ومتصالحين مع ذواتهم أين إذن ردات فعلهم على هكذا أجحاف وتطاول على أصولهم وخصوصيتهم؟.
إننا حقاً بحاجة الى التأمل، ومن ثم البحث عن ذواتنا التي تعرضت للمسخ منذ زمن بعيد، فمن لا يمتلك الوعي والغيرة والحس الحقيقي على خصوصيته سوف تسحقه طاحونة الزمن وتحوله الى رذاذ يتطاير في الهواء، ليتساقط من بعدها على الطرقات، لتطأه أقدام جحافل الشعوب الحية والحرة، التي تفتخر بأصولها وتحترم وجودها وتقدس مستقبل أجيالها.