بقلم الدكتورايوب بطرس
Ayoubpetros@yahoo.com
الاشوريون والمسألة الاشورية..الكتاب الذي فقد ظله / (ج1)
10 / 08 / 2012
http://nala4u.com
التمهيد
تظهر على صفحات عنكاوا دوت كوم الالكترونية بين الحين والاخر مقالات ومواضيع مقتبسة او منقولة بالنص، تتطرق لقضايا ومسائل من تأريخنا المعاصر، تعيد هذه المقالات وتكرر ما سبق ان دوّن من أراء لفئة آشورية، أثارت جدلا آشوريا في حينه ولم تكن موضع اتفاق النقاد والباحثين، وهي الأراء التي تتعرض الان الى مراجعة واعادة تقييم من انصارها انفسهم، وامر اخر بخصوص هذه المقالات هو ان الناقل او المقتبس يتكتم عادة على اصل مصادره ولا يشير الى الكتب والمنشورات التي ينقل منها، اضافة الى ان الناسخ او المعدّ هذه المرة يبدو عاقد العزم ليس للمناقشة، انما للتعرض لرموز آشورية معروفة (مالك خوشابا والعشائر الآشورية) وينطق عن نية مبيتة لذلك، وها هو السيد الياس حنا متي في مقالته المقتبسة “مذابح سميل بين الماضي والحاضر” والتي اقتبسها من كتاب”الاشوريون والمسالة الاشورية في العصر الحديث” لبارمتي، واختار فقرات تتعلق بالاشوريين من اتباع الكنيسة الشرقية الذين يصّر على تسميتهم “بالعشائر النسطورية” بخلاف الكتاب الذي ينقل منه وتستعرض الظروف والاحوال التي سبقت اقحام الاشوريين في الحرب الاولى وعلاقتهم بالسلطات الحكومية وبجيرانهم ويلوم حنا الزعامة الدينية على الخداع والتضليل الذي تعرض له الآشوريون من قبل من ادعى صداقتهم وحمايتهم من الروس والانكليز لتهجيرهم من ديارهم ومن ثم استغلالهم لخدمة مخططاتهم وحماية مصالحهم، وصولا الى احداث سنة 1933 المؤلمة وقد تطرق حنا الى التجاذبات والمناقشات داخل القيادة الاشورية التي تكرس فيها اتجاهان؛ الاول(الزعامة الدينية ومؤيدوها)، يدعو الى القيام ضد السلطات المحلية والى التعاون مع الاصدقاء والاعتماد عليهم على امل تحقيق امانينا، وأتجاه ثان (الزعامة المدنية وانصارها)، يفضل الركون الى الهدوء وعدم الانصياع للاجانب لتجنيب شعبه الويلات والبحث عن الحلول لمشاكلنا في اطار وطني، وكما اشرنا فان السيد حنا لم يكن حياديا في اعداده لموضوعه وهو ينطلق من موقف مسبق ويتبنى وجهه نظر ويدعم اصحاب الاتجاه الاول ويتحمس لهم ،بينما يصب جام غضبه محاولا التعرض لقيادة الرؤية الثانية (مالك خوشابا) ويتحامل كثيرا على العشائر الاشورية. وكما سبق ذكره فالسيد الياس حنا متي اخذ مقالته من كتاب “الاشوريون والمسالة الاشورية في العصر الحديث” للكاتب الروسي الاشوري قسطنطين بتروفيج ماتفييف (بارمتي) والذي صدر بالروسية في موسكو في اواخر السبعينات وهو نسخة مزيدة لكتاب سابق صدر اواسط الستينات وبالروسية ايضا عن مار يوخنا وبارمتي بأسم “المسالة الاشورية اثناء وبعد الحرب العالمية 14– لغاية 33 ” قام بترجمته للعربية على جزئين الاديب العراقي اسامة نعمان في نهاية الستينات، نشر جزءه الاول سنة 1970 والذي سرعان ما سحب من المكتبات ومنع من التداول وحجب الجزء الثاني منه عن الصدور قبيل زيارة المرحوم مار شمعون ايشا للعراق !.
اما هذه النسخة المزيدة لبارمتي والتي يقتبس منها حنا فقد ترجمت الى العربية مرتين الاولى في امريكا من قبل السيد يونان يونان، والثانية (والتي نحن بصددها) من قبل (ح د آ) بدعم وأسناد من حركة سياسية اشورية معروفة، والتي تبنت نشرالكتاب وتوزيعه علانية لغايات سياسية ومقاصد حزبية خاصة بها، واعادت طبعه مرة ثانية وهي صاحبة حقوق الطبع والتوزيع وهي نفس الجهة التي نقصدها بالمترجمين في هذه المقالة،
يجدر ذكره بان هنالك اختلاف كبير بين ترجمة نعمان وح د ا. مع ذلك قال المترجمون في مقدمة الترجمة الثانية(ترجمة ح د ا) ” ان الترجمة الاولى في امريكا ألغت فقرات ومواد غير يسيرة من الكتاب، مما جعلنا نترجم الكتاب ثانية مع”بعض” الاضافات التي رايناها ضرورية وهامة واهمال بعض الفقرات والجمل التي لم تكن “دقيقة” في معلوماتها اذ ان ذلك (الخطأ) لأمر طبيعي لكاتب بامكانات بحث وتقصي صعبة جدا ان لم نقل معدومة في حينه لما يخص بعض الحوادث التي وقعت في مواقع شبه مغلقة ولم يكن بمقدور المؤلف الحصول على مراجع دقيقة بصددها”.
عزيزي القاريء تكفي هذه الفقرة لوحدها لأن تفقد الكتاب قدرا كبيرا من اهميته العلمية والاكاديمية وتثير الشكوك والظنون في وجهات نظر المؤلف وفي مصداقية المعلومات التي يوردها فيه، وها هم المترجمون يكررون نفس مآخذهم على الترجمة الاولى لا بل زادوا الطين بلة فالمترجمون هذه المرة ايضا اعطوا لانفسهم الحق في الحذف والالغاء والتعديل وتعين الخطا والصواب وحق اضافة فقرات هامة بالنسبة لهم واهمال او اسقاط فقرات او جمل اخرى لم تكن دقيقة في معلوماتها بحسب رؤيتهم وتقديرهم الخاص، ماذا بقي من اصل الكتاب؟, والنتيجة اذن ان ترجمتهم هذه لم تكن امينة وهي ليست دقيقة ،في الوقت الذي يقرّ المترجمون هنا بان للمؤلف اخطاء ويبررون ذلك بقولهم: وهذا امر طبيعي بسبب صعوبة او استحالة الحصول على معلومات دقيقة لضعف او انعدام امكانات البحث والتقصي لدى المؤلف. بكلمة اخرى ان ترجمتهم هذه فيها ” تصرف” بمحتويات الكتاب، اضافة لأخطاء محتملة للمؤلف حسب اعترافهم هذا، وهكذا تمت هذه الترجمة “بتصرف” والمعروف ان الترجمات التي تتم ” بتصرف ” لا تعتمد كمصادر ذات ثقة ولا تعتبر مراجع ذات مصداقية، واكيد ان هناك دوافع وحوافز وراء هذا التصرف من المترجمين لأنهم يحاولون تسخير ترجمتهم للكتاب لخدمة غايات ومقاصد محددة خاص بهم، وغاياتهم ومقاصدهم تلك قد لا تكون مطابقة للحقيقة والواقع وقد لا تكون صحيحة اصلا.. هذا وان القاريء للكتاب نفسه يلاحظ بوضوح ان المؤلف اضافة لأخطائه التي توقعها المترجمون وعلى اساس تصنيف مقدمة الترجمة هذه (ترجمة ح د ا) يقع ضمن الفئة الاولى من الكتاب والمؤلفين في التاريخ الاشوري الذين ينطلقون من”نظرة متعصبة وغير موضوعية وتكون كتاباتهم مجرد سرد منحاز للوقائع والحوادث والمغالات في الوصف” اذ نراه وعلى مساحة الكتاب كله يلتزم نظرة متشددة ومتعصبة ويميل احيانا كثيرا الى المبالغة والمغالاة في الوصف وفي اطلاق الاحكام، وهذه نتف بسيطة من الكتاب ومن اراء المؤلف من الفترة المبحوثة في المقالة للتدليل على ذلك: “ويقول المؤلف ان 30 الف عائلة اشورية سعت للانتقال الى روسيا قبل 1915 (150 الف انسان) ويذكر في مكان اخر ان خمسين ألف اخرين من الاشوريين الايرانيين من الذين تبعوا القوات الروسية المنسحبة من شمال ايران مطلع سنة 1915 بقوا في روسيا، اضافة لآلاف آخرين نزحوا اليها من تركيا ومن ايران قبيل الحرب وأثناءها وادعى بان روسيا احتضنت الاشوريين ووفرت لهم سبل الراحة والامان والاستقرار ومع ذلك فأن عدد الاشوريين في الاتحاد السوفياتي بحسب احصاء 1970 الرسمي كان 20 الف، جعله المؤلف 50 الف في احصاء 1980، اما الان فعددهم وفي كل دول الاتحاد السوفيتي السابق وليس روسيا وحدها هو بين (70-90) الف.. … ان الاشوريين خاضوا نضالا مريرا ضد البعثات التبشيرية الغربية من اجل الدخول الى الكنيسة الروسية ويعلن عن رغبة 40 الف آشوري ايراني وعن وثيقة وقعها 234 كاهن اشوري للأنضمام الى هذه الكنيسة لينتهي الى القول ان عدد المنضمين فعليا كان 9 الآف فقط، ويضيف: وكان ذلك نصرا باهرا للبعثة الروسية…. ويذكر المؤلف استنادا لمصادره ان 250 الف آشوري خرجوا من اورميا في آب 1918، وان خمسين الف منهم ماتوا على الطريق بين اورميا وهمدان، منهم عشرة آلاف في مكان واحد، ووصل همدان 200 الف آشوري نقلوا فيما بعد الى مخيم بعقوبة في العراق المكون من 3 الف خيمة كبيرة بضمنها الخيم الكثيرة المخصصة للخدمات العامة وآخرى لادارة المخيم، تكفي الخيمة الواحدة لمعيشة عشرين نفر وهو اقصى استعابها، بينما وبحسابات بارمتي يجب ان يحشر ثمانون نفر في الخيمة الواحدة كيف ؟!… قال الانكليز ان سكان المخيم لا يتجاوز الخمسون الف بينما قال الاشوريون ان عددهم يقارب المئة، ولكنهم صاروا 200الف لدى بارمتي… ويضيف بارمتي ان 33 الف آشوري ماتوا في مخيم بعقوبة،ولكن اغا بطرس اقام ربيع 1920نصبا تذكاريا ل14 الف آشوري ماتوا في هذا المخيم ولكل شهيد آشوري سقط في تلك الحرب… الحكومة العراقية اتفقت مع الانكليز على تجريد الاشوريين من السلاح، وسحب كل القطعات الليفي الاشورية من الشمال (الليفي كان في مصيفه في سر عمادية اثناء مذبحة سميل) وانها نقلت كل مخافر الشرطة التي خدم فيها الاشوريون في الشمال وجمعتها في الجنوب اين!!؟ كذلك نقلت كل افراد الشرطة الاشوريين خارج مخافرهم والى مناطق اخرى وذلك قبيل احداث 1933……
يقول المؤلف ان عدد الاشوريين الذين لحقوا بالمرحوم مالك ياقو الى الحدود السورية في تموز 1933 كانوا عشرين الفا، بينما قال مالك ياقو نفسه في كتابه “الاثوريون والحربان العالميتان” طهران 1963، انهم 950 رجلا وبالغت الحكومة العراقية وقالت ان عددهم هو 1350 مقاتل وهو رقم مقارب لما ورد في مصادر اخرى محايدة ” (لو كان لمالك ياقو 20 الف مقاتل آشوري في حينه لاجتاح بهم ………..!!)……. وغيرها من امثال هذه المعلومات والاحكام التي لا يمكن حصرها والتي تنقصها الدقة والموضوعية، لربما هي مبالغات او هي اخطاء غير مقصودة، كما يبررله مترجموه بسبب نشئة المؤلف وتربيته في بيئة سياسية مغلقة وسيطرة الدولة على وسائل الاعلام والاتصال وصعوبة الحصول على المعلومة الصحيحة والدقيقة في ظل نظام صارم والرقابة المشددة والعيش على النمط الذي يرسمه الحزب القائد او الزعيم الاوحد، اللذان يدعيان امتلاك الحقيقة والكمال،والويل لمن خالفهما فهو رجعي عميل وخائن الوطن والامة ولا يستحق الحياة, لذلك عثر المؤلف لنفسه ضمن اطاره الفكري هذا، على فئة قائدة وزعيم اوحد بين الاشوريين وتعصب لهما، فسهلّت هذه التربية وتلك الخلفية على بار متي مهمة اطلاق الاحكام بعبثية واتهام الناس وتخوينهم بالمجان اذا لم يتناغموا مع نهج مجموعته اوحزبه ولم يسيروا وراء قائده في الوقت الذي يحاول فيه خلق المبررات لكل ما قامت به المجموعة وينزه عن الخطأ حركاتها ومواقفها النابعة بحسب زعمه من صميم مصلحة الشعب والوطن، لذلك فكل من خالفها هو جاحد لحقوق شعبه وخائن لأمته، والمفارقة الكبيرة عزيزي القاريء في كل ذلك كون المؤلف غير مقتنع بما سطرّ وكتب ولا يؤمن به!! انما فعل ذلك لانه توقع الحصول على مكاسب من ورائه كما صرح في لندن بعد ان انتقل اليها اثر انهيار الاتحاد السوفياتي والتي تركها غاضبا وعاد الى موسكو احتجاجا لتنكر الاشوريين (الذين ايدهم) لافضاله هذه.
فالمؤلف سواءا كان صادقا او متملقا او انتهازيا فقد تبنى في كتابه وجهة نظر وأخذ موقفا حاول ترويجه فبالغ وتعصب وحمّل كتابه افكار غير موضوعية ومعلومات غير دقيقة واطلق احكام مرتجلة غير واقعية، اخرجته عن مواصفات الباحث الاكاديمي الموضوعي والدارس المنصف والمؤرخ المحايد وأفقدت كتابه هذا ميزة كونه دراسة موضوعية بنظرة علمية تحليلية كما ادعى المترجمون وزاد هؤلاء المترجمون ايضا طينته بله كما اسلفنا فقد تصرفوا على هواهم في الحذف والاضافة، وكل هذه العوامل مجتمعة من :
1- تحزب المؤلف وألتزامه مباديء الاشتراكية العلمية وتزمته في عقيدته (ديكتاتورية البروليتاريا) وتبنيه خط حزبه وسياسة دولته وعدم قبوله بالرأي الاخر، الذي لا وجود له اساسا في النظام الشمولي الذي عاش في ظله، لذلك هو منحاز بحكم نشأته وتربيته و(ايدولوجيته) والتي تحتم عليه النظر الى الامور من جانب واحد، فتحمس لفئة آشورية قائدة دون غيرها .
2- أعتماده مفاهيم ومعايير الاشتراكية المادية ومحاولته تطبيقها على مجمع عشائري كهنوتي كشعبنا ودراسة نشاطاته وتفسير فعالياته على ضوءها وهذا امر في غير محله .
3- انتهازية المؤلف فيما يخص المسألة الاشورية، وتذبذب مواقفه، فقد ادعى ما لا يؤمن به وقال وسطرّ ما لم يقتنع به وتحيز لشكل النظام الذي نشأ فيه كما اوضحنا.
4- شهادة المترجمين بعدم موضوعية المؤلف وعدم واقعيته وميله للمبالغة والمغالاة والاسراف في اطلاق الاحكام كما ظهر على مساحة الكتاب، فقد ردد كلاما غير دقيق وغير مؤكد لانه كان واقع تحت تأثير رقابة مشددة ويصعب عليه الحصول على المعلومة الصحيحة.
5- شكوك المترجمين بمصداقية مصادره وتأكيدهم ان هناك أخطاء وقع فيها المؤلف، صحح المترجمون البعض منها حسب رغبتهم!! وتركوا الاخرى التي تلائمهم ليبرروها بانها وقعت بعيدا عن المؤلف في بيئة شبه مغلقة بالنسبة له.
6- أعتراف المترجمين ايضا بتصرفهم وتلاعبهم بمحتويات الكتاب من معلومات واحداث واراء وتعليقات بحسب مقتضى هدفهم ولأسبابهم الخاصة التي أعلنوها.
7- محاولة المترجمين توجيه ترجمتهم وجهة معينة لخدمة غاياتهم السياسية واهدافهم الحزبية وتعزيز موقفهم ونظرتهم للقضية الاشورية واعلانهم صراحة عن عدم رضاهم عن ترجمة امريكا.
8- ألا يكفي ما ذكر اعلاه عزيزي القاريء لأثارة الريبة واقامة الشكوك في صدقية فحوى هذا الكتاب المترجم وخسرانه للكثير من قيمته العلمية والتأريخية وزعزعة الثقة في المعلومات التي يحويها، ومن غير العدل ان يعتبر مرجعا موثوقا، او مصدرا حصيفا ولا يصح الاستشهاد بمعلوماته او اعتماد محتوياته مقياسا لدراسة قضايانا وتفسير فعالياتنا او اتخاذها معيارا لتقييم شخصياتنا الوطنية الاشورية ورموزنا القومية…
والخلاصة ان بارمتي لم يكن حياديا في تناوله للمسألة الاشورية وفي تقييمه لأطرافها ولم ينظر الى القضية من كل جوانبها ولم يدرس كل المواقف بشأنها، انما اتخذ طرفا منهم وتحيز له وسانده على حساب الاطراف الاخرى، وعلى هذا الاساس يجب ان يقرأ هذا الكتاب وترجمته العربية… انا ارجح انه لو تسنى للمؤلف مراجعة كتابه الان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لتخلى عن الكثير من الافكار والطروحات التي بثها فيه.
اما الناقل او الناسخ السيد الياس حنا متي فقد زاد هو الاخر الامر سوءا باخفائه مصادره ، وأنتقائيته وانحيازه وتحزبه ومحاولته الاساءة بتعمد للاغلبية الاشورية وبتهجمه الغير مبرر على العشائر الاشورية واستخفافه بعاداتها وتقاليدها وتراثها وايمانها وتضحياتها بتلك الجمل الركيكة والافكار الساذجة التي بها حاول الربط بين فقرات اقتباسه، الا يدري السيد حنا ان العشائر كانت ولا زالت المكّون الرئيسي للآشوريين الذين يتحدث عنهم، وان تضحيات وبسالة رجال العشائر هؤلاء وحكمة زعمائهم وشجاعتهم هي التي انقذت الأمة من الابادة وصنعت كل المفاخر والامجاد الاشورية في الحرب الكونية الاولى وانها كانت المجموعة الاكثر نشاطا وحيوية وتضحية من اجل حقوق امتها بين الاشوريين من طور عبدين الى بحيرة اورميا ومن حكاري الى نينوى!؟، ومهما كانت دوافع السيد حنا السياسية والحزبية فهي لا تبرر مقدار ما اظهره من حقد وكراهية لأناس مشهود لهم بالنبل والبسالة والاخلاص والتضحية في سبيل امتهم ومستقبل ابنائها وكذلك لا تبيح تلاعبه بمفردات ومفاهيم تأريخية واجتماعية مثل تبديله العشائر الاشورية بالعشائر النسطورية والاسكان بالتوطين ونينوى بالموصل، وكما اسلفنا فمقالته المنقولة عن الكتاب اعلاه فيها فقرات وجمل غير مترابطة واخرى غامضة، كحال من ينقل دون تمعن وتمحيص، انما يسوقه حقده وكراهيته … وعنوّن السيد الياس استنساخه ” بمذابح سميل بين الحاضر والماضي”، وسنتطرق باختصار لنقاط وردت فيها على ان نتابع مناقشته لاحقا.
نحن نعلم حجم المذابح التي تعرض لها شعبنا في صراعه من اجل ان يبقى في موطن اجداده وربما يكون شعبنا من اكثر شعوب المنطقة الذين قاسوا من القتل والذبح والتهجير وربما يكون الشعب الوحيد الذي خسر نصف تعداده في الحرب العالمية الاولى وان مذبحة سميل هي واحدة من اخريات هذه المذابح ولم تكن الاخيرة وهكذا يشار اليها دائما ب(مذبحة سميل) في كل الدوريات والوثائق والمراجع رغم ان القتل والذبح قد حصل في اماكن متفرقة ولايام متعددة ولكن اكبر القتول كانت في قرية سميل لذلك سميت ب(مذبحة سميل)، انما الناسخ الياس حنا كدأب صاحبه المؤلف يجرب المبالغة حتى في المفردات(وكانت مذابح سميل قد وقعت احداثها عام 1933)، وانه لم يورد ما يفيد مماثلة الاحداث..وانت يا سيد الياس لا توطّن السكان الاصليين في وطنهم ،ممكن ان تغيّر مسكنهم!.
ويكرر الياس كلامه عن (العشائر النسطورية) بدل الآشوريين في حكاري ويقصد العشائر الاشورية ، كأنما كانت هناك عشائر كلدانية واخرى سريانية، (ليمذهّب) تلك العشائر ايضا او ليتفادى ذكر قوميتها، او يريد التقليل من شأنها لأنه ناقم عليها، لا ندري لماذا!؟ ربما تكون دوافعه مذهبية او حزبية، او هو تأثير احمد سوسة، فلا احد من الشعوب المجاورة ولا الدول التي خضع لها الاشوريون يسميهم ب(العشائر النسطورية) ولا هم يلقبون انفسهم بذلك بل انهم يفتخرون بانهم (العشائر الاشورية الحرة او المستقلة) وهم لا يعرفون من النسطورية الشيئ الكثير، بل يؤمنون بالمسيح بصدق على الطريقة الاشورية فقط.
لا نعرف ما الذي يقصده هذا الناسخ ب(جهالة العشائر النسطورية وفطريتهم) ولا ندري لماذا يعتبرها كذلك؟ هل لهذا المتحذلق ان يخبرنا ما الذي مّكن هذه العشائر البدائية الجاهلة بحسب زعمه من الصمود والبقاء والحفاظ على وجودها وكيانها وصيانة تراثها وعاداتها وتقاليدها وحماية امتها وان تبقى متميزة على مر القرون والزمان وسط هذا المحيط المختلف المعادي الذي اذاب شعوبا وقبائل كثيرة, وهل له ايضا ان يخبرنا عن عشائر مجاورة او أناس آخرين في المنطقة اكثر حضارة ورقيا منهم….هل هي مودة السياسة والمتسيّسين هذه الايام يا سيد الياس ان نستحي من عشائرنا ونستنكر كل ما يمت اليها بصلة !؟.
ولم تسلم من الياس متي حنا حتى مفردة نينوى فهو يضعها بين قوسين ويعاملها كأنها كلمة دخيلة او غريبة ويتبعها ب(سابقا) كلما ذكر ولاية الموصل، اذا كان ذلك جائز لمؤلف عاش في ظروف قاهرة وصفها مترجموه، انما لا يصح ذلك بالنسبة لك ابدا وانت تدري يا سيد الياس انها ما زالت محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل وسكان الموصل الحاليين يفتخرون ب(نينوى) لانها كانت عاصمة راقية لأمبراطورية عظيمة.
وهل سمع احدكم ( بدعوة الانكليز لاقامة دولة اشورية في ولاية الموصل) وهو ما يقتبسه السيد الياس من مرجعه، لا الاشوريون قالوا ولا الانكليز همسوا ولا مصادرهم ذكرت ذلك، اليس هذا استنساغ دون تمعن؟, ولو ان الانكليز ارادوا تجميع الاشوريين في ولاية الموصل اثناء الاستفتاء على عائديتها وترسيم الحدود، ثم ليكن بعدها من امرهم ما يكون!.
اما مسألة استخدام الاشوريين لقمع الحركات الشعبية العراقية العربية والكردية التي طالما يتحجج بها الكتاب والمؤرخون العنصريون الشوفينيون والتي دأب على ترديدها من بعدهم من يدعي الوطنية والتقدمية من كتابنا وسياسينا امثال بارمتي وتابعه الياس من غير ان ينصفوا هذا الشعب المغلوب على امره، اية حركات شعبية تلك التي تهاجم المدنيين العزل والنساء والاطفال في مساكنهم؟ وهل الدفاع عن النفس في هذه الحالة هو قمع للحركات الشعبية؟، والا فاين حدث القمع المزعوم!؟، فقد دافع الاشوريون الباقون في مخيم بعقوبة عن انفسهم واطفالهم عندما هاجمهم العرب صيف 1920، وهذا كان اول واخر تماس بين الأشوريين والعرب المنتفضين، كذلك دافع الاشوريون في مخيم مندان قرب عقرة عن انفسهم وعن عوائلهم عندما هاجمتهم العشائر الكردية خريف 1920، وفي الحالتين كان الامر دفاعا عن النفس ولم يكن للانكليز يد فيه (سوى انهم وضعوا الاشوريين في موضع الدفاع عن النفس).
بينما كتب مالك خوشابا واغا بطرس اللذان كانا يقودان خمسة آلاف مقاتل آشوري في” حملة العودة الى الوطن”، رسائل خاصة لشيوخ عشائر الكرد يعلمونهم فيها بانهما ذاهبان الى ديارهما ولا يستهدفونهم ابدا ويودون بصدق العيش معهم بأمن وسلام ووئام، اما استخدام وحدات الليفي الصغيرة لقمع شيوخ اكراد ثاروا ضد الانكليز في الشمال، فقد كان على نطاق ضيق ولم يكن له تاثير في ثورة العشرين العراقية، ولم نسمع نحن الذين عاش آباءنا الفترة المذكورة عن صراع ديني كالذي يزعمه السيد حنا، ولم يعادي العرب والكرد الاشوريين لأنهم مسيحيون، والمسيحيون حينها كانوا يغطون خارطة العراق وينتشرون في ارجائه من زاخو حتى الفاو ولم يمسسهم احد بسوء بسبب دينهم بل كان اللوم والعتب لهؤلاء الاشوريين الذين اجبروا على وضعوا انفسهم تحت تصرف الاجنبي المحتل ولفترة. ثم هناك مسألة اهم من هذا وذاك: لماذا يتنكر هؤلاء المتقّولون والذين يتبعونهم، لخدمات الاشوريين الهائلة للعراق، فقد فعلوا له ما لم يفعله غيرهم من القوميات العراقية كبيرها وصغيرها ، فقد اضاف الاشوريون مساحات واسعة الى خارطة العراق باخراجهم الترك من قضاء راوندوز كله سنة 1923 وازاحتهم من برواري بالا كلها سنة 1924 ومن ثم حراسة حدوده الشمالية والشرقية، لذلك دعى الزعيم الوطني العراقي الخالد نوري السعيد بأسم الحكومية العراقية في نداء له افراد الليفي الاشوري من عسكريين ومدنيين عراقيين الى التطوع والعمل في الجيش العراقي بعد انتهاء المعاهدة العراقية البريطانية وخاطبهم :ايها المواطنون البواسل ….. ان تطوعكن في الجيش العراقي يؤمن لكم المستقبل السعيد والاستقرار الذي كنتم تتشوقون اليه، وسيتيح لكم العمل الجدي لتقوية جيش بلادكم والعمل مع اخوانكم الاخرين في سبيل اعلاء شأن الوطن…. واعلن لكم ان تطوعكم سيكون على اساس منحكم نفس الحقوق والرواتب والعلاوات التي يتقاضاها من يماثلكم من منتسبي الجيش العراقي…..فالى التطوع والخدمة ايها الجنود البواسل.
فلم تتحول عشائر الاشوريين كلها الى اداة بيد الانكليز تخلصوا منهم بعد نفاذ اهميتهم كما زعم بارمتي وتبعه السيد حنا، لماذا التغافل عن هذه الخدمات والتضحيات الجبارة من اجل قيام دولة العراق الحديث ؟،والركون فقط الى اعتبار دفاعهم عن انفسهم خطيئة كبرى!!.
يعاب على السيد الياس انه دخل احداث من باب غيره ولم يبحث فيها بنفسه ونظر اليها من جانب واحد وأنه تبنى اراء الفاشلين والخائبين فيها الذين يحاولون بسذاجة استنقاذ انفسهم من مسؤولية توريط شعبهم بمغامرة انتهت بحمام دم، نتيجة غرورهم وتهورهم وقصر نظرهم واستهزاءهم بارواح ابناء شعبنا، هؤلاء الذين حرفوا الحقائق وشوهوا الاحداث للتغطية على فشلهم وخيبتهم والتهرب من مسؤولية عملهم . ونحن لا نريد للسيد الياس ان يعتاش على فتات الاخرين….
ونصيحة له ولامثاله ان يكفوا عن ترديد هذه الكليشيهات التي اكل الدهر عليها وشرب..
دامت نعمة الرب معنا جميعا
انتهى الجزء الاول ويتبعه الجزء الثاني بعنوان “مالك خوشابا زعيم عشيرة ام قائد وطني؟”
تنويه (nala4u); لأهمية هذه الاحداث التاريخية والوثائق..لذا أعيد نشرها مع التقدير.