بقلم اللواء بولص يوسف مالك خوشابا
اضراب الليفي ومؤتمر سر عمادية ومن سبب فشله / الجزء الاول
25 / 08 / 2013
http://nala4u.com
بعد نقل مقر قوات الليفي من الموصل الى معسكر الهنيدي (معسكر الرشيد لاحقا ) في بغداد تم نقل داؤد والد قداسة البطريرك فسكن في احدى دور المعسكر .
جاءت سرمة خانم الى بغداد ونزلت في دار اخيها داؤد وطلبت من دانيال مالك اسماعيل زوج خالة البطريرك الذي كان الضابط الاقدم للفوج الليفي الثالث المنقول الى بغداد ان يجمع كل ضباط الفوج لتلتقي بهم سرا في اجتماع مغلق .
ولما اجتمعت بهم في غرفة طعام الفوج في معسكرهم قالت لهم بانها ارادت الاجتماع بهم لتعلمهم بان الانكليز قد خانوا الاثوريين ونكثوا الوعود التي كانوا قد قطعوها لهم . لذا وجب عليهم تقديم طلب الى السلطات الانكليزية بترك الخدمة في قوات الليفي ليتسنى للاثوريين لايجاد مخرج اخر لهم .
فاجابها اكبر الضباط سنا ورتبة وهو الاستاذ شاهين كوركيس;
(ايتها المحترمة سرمة خانم حتى الآن كنتم تقولون لنا بان الانكليز سوف يعطوننا كل شيء واليوم تقولون بان الانكليز قد نكثوا بوعودهم لنا . لقد اصبحنا في حيرة من امرنا لانه لم يبقى امامنا اي امل او طريق آخر نسلكه اذ ان كل شيء قد انتهى بالنسبة لنا ) ..
فاسكتته سرمة خانم ولم يستطيع معارضتها لان اكثرية الضباط كانوا من اقربائها واتباعها . (وكان الاستاذ شاهين من ضباط الليفي الذين تم تسريحهم بعد تلك الحركة فانضم الى الجبهة المعارضة لقداسة البطريرك مار ايشاي شمعون ) . وعليه طلبت سرمة خانم من اولئك الضباط تقديم مذكرة سرية الى السلطات البريطانية موقع عليها من قبل جميع ضباط الليفي في بغداد وخارجها . بحيث لا يعلم بها الانكليز قبل تقديمها .
وبعد ان اقسموا اليمين على ذلك احضر الشماس بصلئيل مرخائيل من عشيرة جيلو الذي كان ملما باللغة الانكليزية والضرب على الآلة الطابعة وكان يعمل كاتبا في مقر القوة الجوية البريطانية في معسكر الهنيدي لاعداد تلك المذكرة . وبعد الفراغ من طبعها تم توقيعها من قبل كافة الضباط في بغداد ثم ارسلت الى ديانا حيث مقر الفوج الليفي الثاني الذي كان ضابطه الاقدم ياقو مالك اسماعيل بيد ( رب اما ) مقصود نيخو من عشيرة تخوما الذي كان من اشد انصار عائلة المار شمعون ا لا انه اصبح بعد تسفير الاثوريين الى سوريا من الد معارضيهم .
وبعد ان تم التوقيع على المذكرة من قبل ضباط الفوج الثاني ايضا عاد بها السيد مقصود الى بغداد وقدمت الى العميد براون آمر قوة الليفي بواسطة داؤد (رب خيلا ) والد البطريرك . فصعق الانكليز من هذه المفاجئة الغير منتظرة من اصدقائهم المخلصين واخبر العميد براون المندوب السامي البريطاني بموضوع المذكرة فطلب المندوب السامي احضار جميع الضباط عنده في بناية السفارة البريطانية الحالية واثناء مقابلته لهم انذرهم بانهم كعسكريين ليس من حقهم التدخل في الشؤون السياسية ثم صرفهم الى وحداتهم بعد ان اخبرهم بانه سوف يتباحث مع البطريرك بخصوص الموضوع . ولما كان اولئك الضباط قد حددوا مدة شهر واحد كحد اقصى لبقائهم في الخدمة اذا لم تنفذ شروط المارشمعون اسرع المندوب السامي وارسل سكرتيره الكابتن (هولت) بطائرة عسكرية لحل تلك المشكلة . وحطت الطائرة في قرية بيباد التي كان فيها مطار صغير للطائرات العسكرية شيده الانكليز للطواريء ثم صعد الكابتن ليلا من بيباد الى سر عمادية وهنالك اجتمع بكل من قداسة البطريرك وسرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو (دون ان يعلم بذلك الرؤساء الاثوريين الباقون والموجودون حينها في سر عمادية كهيئة دائمية منبثقة عن المؤتمر الاثوري العام مخولين كل الصلاحيات التي تتعلق بالقضية الاثورية :
وكان هذا اللقاء نقض للاتفاق الذي ابرم في مؤتمر سر عمادية والذي كان ينص على عدم اجراء اي لقاء منفرد مع اي جهة دون حضور اعضاء الهيئة ) … تمكن الكابتن هولت من اقناع هؤلاء الثلاثة بالرجوع عن قرارهم ضاربين عرض الحائط قسم عدم الاتفاق سرا مع اي جهة كانت دون علم الهيئة المنبثقة من مؤتمرسرعمادية وكذلك الاحراج الذي كانوا قد تسببوا به لضباط الليفي الذين اقسموا ان لا يتراجعوا عن قرارهم الا بتحقيق مطالبهم..
وها هي القيادة الدينية (السياسية) تتخذ القرار الذي يخص شؤون الامة دون علم احد … فارسل قداسته رسالة مع الكابتن هولت الى الضباط والجنود الاثوريين يطلب فيهر منهم العودة الى الخدمة اذ انهم كانوا قد رفضوا الاستمرار في خدمة الانكليز نظرا لكون مدة الانذار البالغة شهر واحد قد انتهت آنذاك دون تنفيذ شروط قداسته .. كانت القيادة البريطانية قد قامت بنقل دور ثمبتون شاير الاول البريطاني من مصر الى العراق جوا حيث وضعت سريتين منه في بغداد وارسلت القسم الباقي منه الى الموصل ونقاط اخرى كانت قوات الليفي تقوم بحراستها في الشمال . وفي معسكر الهنيدي في بغداد قام ضباط الصف والجنود الاثوريين باعمال عدوانية قاسية ضد ضباطهم الانكليز بعد انتهاء مدة الانذار وذلك لعدم اتخاذ هؤلاء الضباط اجراءات رسمية لتسريحهم لانهم كانوا لا يزالون ينتظرون الجواب من البطريرك لعلمهم بالاتصالات التي كانت جارية سرا معه حول الموضوع بينما كان ضباط الصف والجنود يجهلون ذلك …
ودامت حالة الفوضى لمدة اسبوع الى ان وصلت رسالة قداسة البطريرك المرسلة مع الكابتن هولت الذي عاد الى بغداد بنفس الطائرة ونزل في مطارالهنيدي العسكري . ولما تم تبليغ مضمون الرسالة الى منتسبي الليفي بلزوم عودتهم الى الخدمة ثانية حصلت ضجة كبيرة وانقسام خطير بينهم بعد ان كانوا جميعا قد اقسموا اغلظ الايمان على عدم الاستمرار في خدمة الانكليز فشعر قسم منهم بان العائلة البطريركية تستغلهم من اجل مصالحها الخاصة فمرة يامرونهم ان يتركوا خدمة الانكليز ثم يتراجعون ويطلبون منهم الاستمرار في الخدمة بعد ان وعد الكابتن هولت قداسته اثناء اجتماعه باقطاب العائلة في سر عمادية بابقاء داؤد والد البطريرك في منصبه . (وكأن مصلحة الامة تقتصر في ابقاء داؤد في منصبه)
ومع ذلك رفض قسم كبير من الضباط وضباط الصف والجنود من الاستمرار في خدمة الانكليز لانهم كانوا قد اقسموا اليمين وقطعوا عهدا على انفسهم بذلك . اما القسم الاخر الذين كانوا يعتبرون قسمهم مرتبطا برضاء البطريرك عادوا الى الخدمة في جيش الليفي حتى انهائه من قبل الحكومة العراقية سنة 1954 حيث انظم عدد كبير من الضباط وضباط الصف الى صفوف الجيش العراقي بنفس رتبهم السابقة بالرغم من ان غالبية ضباط الليفي لم يكونوا يجيدون القراءة والكتابة باللغة العربية المستخدمة في الجيش العراقي ولكنه تمت معاملتهم معاملة خاصة حتى تقلدهم رتبة رواد حيث احيلوا على التقاعد لكبر سنهم ومنحوا كافة امتيازات ضباط الجيش العراقي الدائميين في التقاعد …..
مؤتمر سر عمادية في 16 حزيران 1932 :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان قداسة البطريرك وسرمة خانم يمضيان فصل الصيف في سر عمادية بالقرب من معسكر القوات البريطانية الصيفي الذي كان يحرسه جنود الليفي الاثوريين . وبالقرب منه وعلى منبع (جربية ) كانت تنصب خيمة كبيرة لقداسة البطريرك وسرمة خانم يحرسها جنود الليفي وفي هذا المكان قام قداسة البطريرك وسرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو بدعوة رؤساء الاثوريين من الروحانيين والعلمانيين للاجتماع لغرض مناقشة اوضاع الاثوريين وتقرير مصيرهم بعد ان اصبح من الواضح لهم بان الانتداب البريطاني في العراق سينتهي الى الابد قريبا وبانتهائه دون شروط لا يمكن للجماعة المتعاونة مع الانكليز والمعتمدة عليهم العيش في العراق كما كانت تحلم فحضر هذا المؤتمر كل ممثلي الاثوريين مثل الاسقف مار زيا سركيس والاسقف مار يوآلا والمطران مار يوسف خنانيشو وكافة رؤساء العشائر اما مالك خوشابا الذي كان في مصيفه (عين خلاوة) في سر عمادية والذي لم يكن يبعد عن اكثر من نصف ساعة مشيا على الاقدام عن مكان المؤتمر فلم تكن له الرغبة في حضور المؤتمر لانه كان قد ابتعد عن التدخل في شؤون الاثوريين العامة بعد وضعه في الاقامة الجبرية في الموصل ونفي اغا بطرس سنة 1921 الا ان الالحاح الشديد من قبل قداسة البطريرك وسرمة خانم وكل الرؤساء الاثوريين اضطر للحضور الى المؤتمر تجنبا من اتهامه بالامتناع من تقديم خدمة للاثوريين وقت الحاجة من ناحية ومن ناحية اخرى اراد ان يتاكد هل ان العائلة البطريركية تركت خدمة مصالح الانكليز وعادت الى جادة الصواب لتقديم خدمة حقيقية لمصلحة وخير الاثوريين حيث ان الاثوريين الطيبين ومن مختلف العشائر كانوا يؤمنون بحكمة وصراحة مالك خوشابا وبعد نظره وشجاعته وانهم يعرفونه لا يعرف التملق او المراوغة او الخضوع لما يراه خطأ ….
لقد اشترط مالك خوشابا لحضوره المؤتمر ما يلي :
1 ) ان يتعهد المؤتمرون بما فيهم قداسة البطريرك بعدم الاجتماع على انفراد او بالسر باي شخص او جهة اجنبية او غير اجنبية في شؤون تخص القضية الاثورية الا بحضور الجميع وان لا يتخذ اي قرار فيما يخص هذه القضية الا باتفاق جميع المؤتمرين (اي انه طالب بتشكيل هيئة آثورية دائمية تمثلهم جميعا وتدير شؤونهم) ..
2) ان يقطع ألآثوريون حالا علاقاتهم مع الجهات والحكومات الاجنبية لان تلك العلاقات هي التي اوصلت الاثوريين الى هذه الحالة واصبحت تهدد مصيرهم ألآن اكثر , غير انه بعد الجلسة الاولى للمؤتمر علم مالك خوشابا بان قداسة البطريرك وسرمة خانم قد اجتمعا سرا مع الكابتن هولت المرسل من قبل المندوب السامي البريطاني دون علم المؤتمرين.. يتبع في الجزء المقبل
تنويه (nala4u); لأهمية هذه الاحداث التاريخية والوثائق..لذا أعيد نشرها مع التقدير.