بقلم د.جميل حنا
الموضوع ;القصارى في نكبات النصارى- شاهدعيان إبادة شعب-
29/ 01 / 2011
http://nala4u.com
المسيحيون مستهدفون في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق ومصر. وهم يتعرضون إلى هجمات بربرية على يد الطغمة الحاكمة في كيلا الدولتين وأجهزتها الأمنية وميليشياتها القمعية التي تمارس الجرائم بحق الأبرياء من أبناء الوطن.والعمليات الإرهابية التي تنفذها القوى الدينية الإسلامية المتطرفة في هذين البلدين ينسجم تماما مع سياسة التمييز العنصري التي تنتهجه هذه الحكومات المتسلطة على رقاب الشعوب.وما الهجوم البربري الأخير الذي أرتكب ضد نادي آشور بانيبال الثقافي في بغداد هو مثال ساطع لنا سطوع الشمس. ألا وهو دور الأجهزة والحكومة بمختلف شرائحها تنفيذ خطة مدبرة ومنظمة بإحكام للقضاء وإنهاء الوجود المسيحي في العراق بغض النظر من كان الشخص المباشر لتنفيذ هذه العملية الإجرامية, كامل الزيدي أو القاعدة أو بعض الأطراف في الحكومة أو اي شخص أخر وهم كثيرون, أنه نهج فكري يجمع كل هؤلاء بهذا الخصوص. والتصريحات الشكلية التي تظهر التعاطف مع الشعب المسيحي هي دموع التماسيح المخادعه. من يكون حريصا على الوجود المسيحي وله السلطة في البلد عليه تقديم الحماية الفعلية للمواطنين وليس التباكي وإظهار العطف الذي لا ينهي معاناة المسيحيين ومن ساهم في صياغة دستورا عنصريا ومنحازا لا مصداقية له.
إن جرائم الإبادة التي يتعرض لها الشعب المسيحي هي أحدى السمات البارزة التي يمتاز بها تاريخهم.وما أشبه اليوم بالبارحة, الأعمال البربرية والتعطش إلى دماء المسيحيين الأبرياء كانت وما زالت تنطلق من ذات المنبع التي تتغذى منه ألا وهو التعصب الديني والقومي أو ما يسمى الجهاد ضد الكفار. وكتاب (القصارى في نكبات النصارى) بقلم شاهد عيان للمؤلف الأب إسحق أرملة. وهذاالكتاب يوضح الكثير من أوجه التشابه بين من حيث المنطق الفكري والأسلوب العملي بين المذابح التي أرتكبت قبل قرن ونيف وما يتعرض له المسيحيون في بلدان الشرق الأوسط وخاصة في العراق. طبع هذا الكتاب لأول مرة في عام 1919 في بيروت والطبعة الثانية في السويد عام1998.الأب إسحق أرملة من مواليد بيث نهرين التركية 6 شباط 1879سيم كاهنا في 8 أيلول 1903 وتوفي في 2 ايلول عام 1954 في بيروت.
من مؤلفاته:1- الأصول الابتدائية في اللغة السريانية وطبع عام 1922
2- القصارى في نكبات النصارى, طبع عام 1919. 3-تاريخ مخطوطات دير الشرفة
4- ورغبة في الأحداث ألفه بالسريانية وهو جزآن 5- ناشر رسائل ف.بيت رابان وبركيلو,..الخ.
يتطرق المؤلف في الجزء الأول من الكتاب إلى حوادث ما بين النهرين الغابرة بين أعوام 1890-1914 وفي الجزء الثاني يكتب عن نكبات الحرب العامة 1915 أو ما يسمى مجازر الإبادة أثناء الحرب الكونية الأولى بين أعوام 1914-1918 وفي الجزء الثالث والرابع والخامس يكتب المذابح والسبي والسجون وسائر الفظائع الأخرى وكذلك مذابح التي نفذت في منطقة طور عابدين ضد القرى والأديرة والكنائس وإبادة سكانها بأفظع الطرق البربرية بإسم الجهاد الديني لقتل الكفار( الكاور) من المسيحيين.
هذا الكتاب يعتبر وثيقة تاريخية نادرة, وذات أهمية كبرى تسجل تفاصيل حملات الإبادة والأعمال الإجرامية التي مورست بحق الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والعزل من السلاح.وهي ذات قيمة فائقة لأنها كتبت من قبل شاهد عيان من أبناء الأمة الآشورية التي أرتكبت المجازر بحق كافة كنائسهم المختلفة من الكلدان والسريان الأورثوذكس والكاثوليك والبروتستانت وكنيسة المشرق.وما كتب في هذا المؤلف القيم يأتي متطابقا مع كتاب شهود عيان أخرين مسلمين عرب كالسيد فائز الغصين(مذابح أرمينيا) والسيد الصحفي العثماني المرموق مولان زاده رفعت(الوجه الخفي للإنقلاب التركي)وقد تطرقنا إلى مؤلفاتهم في كتابات سابقة وهي موجودة على الموقع الفرعي لنا في الحوار المتمدن شاكرين لهم جهودهم الجبارة.وما كتب عن مجازر الإبادة والأحداث الأليمة والمآسي الفظيعة التي ورد ذكرها في الكتاب يتفق تماما مع المعاناة الحقيقية التي عاشها أهلنا, آبائنا وأجدادنا الذين قدر أن يكتب لهم الحياة.والذين بدورهم كانو ينقلون لنا قصص وحكيات تلك المجازر الفظيعة, وذكرياتهم عن تلك الجرائم الكارثية والألام التي عاشوها في تلك الأيام الرهيبة.والكتاب هو نادر والأول الذي صدر, وكانت لا تزال أعمال القتل ترتكب في مناطق أخرى في بلاد مابين النهرين.حيث دمرة البنية الإجتماعية و العائلية والأقتصادية وكافة مقومات الحياة,حيث تم إبادة أكثر من ثلثي الشعب وكان المشردون الباقون في العراء أو ما تبقى من الأديرة والكنائس يعانون من الأمراض والمجاعة.
والكاتب يتحدث بشكل دقيق عن مجريات الأحداث في العديد من البلدات والمدن والقرى في منطقة طور عابدين وهو يذكر مجازر آميد( ديار بكر)عام 1895 على الشكل التالي:(في غرة تشرين الثاني 1895 شبت نيران الاضطهاد على المسيحيين عموما وعلى الارمن خصوصا في بلاد ارمينية.فشمر وجهاء المسلمين بديار بكر كجميل باشا واولاده وبهرم باشا…وغيرهم وكتبو الى جميع الاكراد والعشائر يستعدونهم على النهب والقتل.ووعدوهم في حين حضورهم الى ديار بكر يدفعون لهم الاسلحة الكافية ليفتكوا بالنصارى ويحتووا(يستولوا)على اموالهم.ثم صرحوا لهم ان يوافوا عند الظهيرة الى جامع ولي جامي
…)وبناء على طلب الوجهاء تم التجمع أمام الجامع وأجتمعوا من بداخله وحسب الخطة المرسومة بدأ إطلاق النار ومن ثم هجموا على المخازن والدكاكين والأسواق والبيوت…وعند غروب الشمس قلبوا زيت ا لبترول على ما بقي بها من البضائع واحرقوها كلها.أما القنصل الفرنساوي فلما شاهد المسلمين والاكراد هائجين صعد الى سطح القنصلية وتناول الراية واخذ يرفعها ويخفضها طالبا النجدة والمغوثة. فاوفد انيس باشا الوالي الى داره عشرين جنديا ليحموه. وكما يقول المؤلف …وثابر المسلمون والاجلاف يقتلون وينهبون حتى صباح الاثنين رابع تشرين الثاني.وبعد ذلك توجه بعض من وجهاء الأرمن كالخواجا اوسيب قزازيان كبير الأرمن الكاثوليك الى دار الحكومة يطلبون من الوالي ان يلقي القبض على اصحاب الفتنة لتسود الطمأنينة.وبدل أن يستجيب لطلبهم تم الزج بهم في السجن.
وبذل مطران السريان الأرثوذكس جهودا للحد من عمليات القتل والنهب في مدينة ديار بكرولكن بدون جدوى. ومن ثم طلب الوالي البطريرك عبد المسيح أن يحضر إليه من ماردين ولبى الدعوة حالا وتوجه إلى دار الحكومة حيث كان الوالي مجتمعا مع كبار العشائر يتشاورون.طلب الوالي منه أن يصدر الأوامر الى المسيحيين ليدفعوا للحكومة ما عندهم من الاسلحة فوعده البطريرك بذلك.وغادر البطريرك برفقة مسؤولين والعسكر إلى الكنيسة ولم يجدوا أي سلاح. …وباغت الاكراد دور الوجهاء ونهبوا وقتلوا من شاؤا واستحيوا من شاؤا وكسروا صناديق الجواهر واختلسوا وسلبوا البضائع والامتعة وظلوا كذلك ثلاثة ايام.وفي هذه الأثناء جمع البطرك والكهنة المسيحيين في الكنائس يؤمنون لهم ما استطاعوا من الغذاء وشيء من الحماية. .. وبعد ايام حضر البريد الى ماردين في عشرين ضابطا حاملين الرسائل من وجهاء ديار بكر الى المسلمين يقولون لهم” لو كنتم مسلمين لافتعلتم بماردين ما افتعلنا بديار بكر” فنشم المسلمون في الشر طبقا لشورتهم كما سترى.واستمرة المخاطر على المسيحيين في ديار بكر حتى 18 كانون الاول فحضر من العاصمة ثلاثة مفتشين وهم سامي بك وعبد الله باشا الفريق ويوسف رشدي. فسار الرؤساء الروحيين لزيرتهم فستقبلوهم بالاكرام.ثم اندفع سامي بك يطمئنهم ويؤمنهم ونشر ورقة فيها مانصه بتصرف (لقد تحقق لجلالة مولانا السلطان ما جرى من اواقائع المزعجة في بعض انحاء الاناضول كسامسون وسيواس ومعمورة العزيز وديار بكر لسبب ثورة الارمن وبناء على طلب رؤساء الولايات من الاعتاب الشاهانية قد صدرت الادارة السنية بارسالنا للتفتيش عما جرى واتخاذالوسائل الفعالةلاصلاح الولايات وارجاع الراحة والطمأنينة اليها.فغادرنا العاصمة وطفنا تلك اولايات فرأينا ان ما حدث فيها من الفظائع يفوق ما جرى في ديار بكر فتأسفنا لذلك مزيد الاسف. …”ان من قاوم اوامر السلطان قاوم اوامر الله فاعداء الدولة القوا المشاغب في بعض اللمالك المحروسة ليسببوا الاضرار لعموم التبعة.فتأتي من ذلك ان الضررشمل الدولة والملة معا وتناول عموم المسلمين والمسيحيين.مع ان الدولة لا ترغب الا راحة عموم المنتمين اليها على ان الرعية كلها في نظر الحكومة متساوية لا فرق عندها بين المسلم والمسيحي طبقا للشريع الاسلامية والنظامات السنية. ومما يؤيد ذلكانعامات مولانا السلطان عبد الحميد خان الثاني على المسيحيين بالرتب السامية ولاوسمة الشريفة. لان المسلمين والنصارى في نظرهم هم على حد سوى. ولا فرق بين مال المسلم والنصرني.واعلموا ان ما قلناه منقول عن لسان الذات الشاهانية وها اننا بفضلها متخذون الاحتياط اللازم لراحة العموم. ولا يغلب على ظنكم ان الحقوق مهضومة.كلا بل لا بد ان يعود لكل حقه).
أولا المعذرة على هذا النقل الطويل شيء ما. ولكن هدفنا من ذلك هو الكشف عن أوجه التشابه في طرح هؤلاء قبل أكثر من قرن ونيف, وبين الطغمة الحاكمة في العراق ومصر بشأن حقوق المسيحيين, والمذابح التي ترتكب بحقهم, ومواقف السلطات الحاكمة فيها وأساليب التستر على الفاعلين. وعدم الكشف عن من أرتكب تلك المذابح وعدم تقديم أي مقصر ومتواطىء ومساهم ومخطط ومنفذ لتلك الأعمال البربرية. وكذلك التصاريح الخالية من أي حقيقة ألا وهي المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الإنتماء الديني والقومي.وهذا افتراء فاضح ينافي كل الحقائق على أرض الواقع.كما لم تكشف كل التحقيقات قبل قرن من الزمن عن أي نتائج تذكر, سوى تلك التي تخدم مصالح السلاطين وكذلك الحال هو في العراق أو مصرسوف لن تظهر نتائج حقيقية إلا بعض التسريبات التي تخدم مصالح الطغم الحاكمة.وان مطالب رجال الدين المسيحي بمختلف كنائسهم ودعوتهم السلطات الحاكمة في العراق لحماية المسيحيين ومنحهم حقوقهم الدينية والقومية لم تغير شيء من واقع المعاناة والاضطهاد والقتل والتشريد الذي يتعرضون له. وهذا يؤكد بطلان مقولة المساواة والعدالة وصاحب الحق يأخذ حقه , والكل متساون في نظر الحكومة. وعلى ما يبدوا أن الطغم الحاكمة بالرغم من كل المعاناة والقتل والتشريد القسري الذي يصيب المسيحيين تعتقد بأن حقيقتهم غير مكشوفة للناس. وما زالوا يمارسون لعبتهم القذرة بحق الشعوب ويستمرون في الكذب والنفاق. كما فعل أسلافهم من الطغاة السلاطين سابقا1895(جاء في الرسالة التي ارسلها نائب القنصل الفرنسي في ديار بكر السيد مايرييه في يوم 18|12|1895الى سفير فرنسا في القسطنطينية “اسطنبول” السيد كامبون ان الاحداث المأسوية التي حصلت بتاريخ الأول والثاني والثالث من تشرين الثاني عام 1895 قد تمت فيها إبادة أكثر من35 الف من الآشوريين”السريان” في مدينة ديار بكر والقرى التابعة لها.وحتى هذا التاريخ الدولة لم يتم الإعتراف بتلك المجازر وتحمل المسؤولية لجهات خارجة عن آوامر السلطان والسلطة كما هو الحال اليوم في العراق.
د.جميل حنا
تنويه (nala4u) ; الموقع يتبنى التسمية الاشورية كقومية ولغة وتاريخ . لاهمية المادة..لذا اعيد نشرها مع التقدير.