بقلم د.جميل حنا
الموضوع ;مذابح إبادة المسيحيين في الأمبراطورية العثمانية على ضوء كتاب (الوجه الخفي للإنقلاب التركي)
15/ 04 / 2010
http://nala4u.com
كتاب الوجه الخفي للإنقلاب التركي تأليف مولان زاده رفعت صدر عن مطبعة الوقت بحلب 1929, تعريب الدكتور توفيق برو,عدد الصفحات207 .يبحث في القضايا الخفية والخطيرة التي كانت تجري في الأمبراطورية العثمانية وخاصة منذ أنقلاب حزب الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد والسيطرة على السلطة في الدولة العثمانية.وكيفية قيام هذا الحزب بالتخطيط وتنفيذ مجازر إبادة المسيحيين وخاصة الأرمن في الأمبراطورية العثمانية أثناء الحرب الكونية الأولى1914 -1918.
الهدف من تسليط الضوء على هذا الكتاب القيم جدا هو من أجل الإطلاع على الحقائق التاريخية .الذي دونها الكاتب بأعتباره شاهد عيان وقريب من مراكز إتخاذ القرارات السياسية والطبقة الحاكمة ,وكذلك من أجل نشر المعرفة بشكل عام حول فترة مليئة بالدمار شبه التام للمسيحيين في الأمبراطورية العثمانية.مؤلف الكتاب هوصحفي وكاتب عثماني تركي مرموق مخلصا لأنتماءه وولاءه للسلطة العثمانية.ولكنه دون الحقائق التي شاهدها بدقة وعلم عنها في وقتها كصحفي. وكان الكاتب ذا صلة وثيقة بالقصر السلطاني.عاش بين أعوام 1872-1950.(كل المعلومات المتوفرة عن مولان زاده رفعت تشير إلى أنه كان متبحرا في السياسة العثمانية كثير العلم وواسع الأطلاع وصاحب مبدأ ورجل قلم مكافح)
إن كتاب( الوجه الخفي للإنقلاب التركي) يتحدث عن فترة عصيبة مليئة بالأحداث المأساويةعلى الشعوب غير التركية من العرب واليونان والأرمن والآشوريين بكافة تسمياتهم الكنسية من السريان والكلدان والبروتستانت والكنيسة المشرقية,على المسيحيين عموما خلال الفترة الممتدة بين أعوام 1908-1922.فالكاتب يتطرق وبشكل مشوق إلى كل تفاصيل الحياة السياسية والحزبية في تلك الحقبه وخاصة منذ أن وقع الأنقلاب العسكري الذي قام به (حزب الاتحاد والترقي) في 24 تموز 1908.وكان المؤلف بفضل علاقاته مع القصر الشاهاني وبأعتباره صحفيا مرموقا أستطاع الحصول على الكثير من خفايا الدولة ومن خلال علاقاته الوطيدة بالقصر والجهات الحكومية والحزبية.فكان ذو أطلاع واسع على الخفايا التي كانت تدور في أروقة البلاط.وبعد قيام دولة تركيا الحديثة نفي طوعا إلى حلب وفي عام 1929 تعرض إلى محاولة قتل بالسم كما أكد هو((أن أعوان مصطفى كمال يريدون القضاء عليه بغية التخلص منه)). كان عارفا بأسرار السياسة التركية الداخلية. حيث كتب وبشكل من التفصيل عن المؤتمر السري الذي عقده حزب الاتحاد والترقي في سلانيك عام (1910).وفي هذا المؤتمر تم تداول مسألة القوميات غير التركية في الامبراطورية العثمانية . وخرج المؤتمر بأقتراح حل مسألة الأقليات القومية بتتريكهم بالقوة أو إبادتهم.وتقرر كذلك ممارسة سياسة عنصرية ولقد أتخذ القرار هنا (بأن تزال اللغات غير التركية وتتريك العناصر وإذا لم يتيسر ذلك فالإبادة بقوة السلاح).لم يوافق بعض الأتراك على هذه القرارات , وأنتسبوا في 21 ك2 ,1911إلى حزب ((حريت وائتلاف))المعارض.
وهذا الحزب يعد أقدم الأحزاب التركية,تأسس عام 1899في باريس أستنادا إلى دائرة المعارف البريطانية(15)والمصادر الأرمنية تشير إلى تاريخ أبكر منه هو 1889.وفي عام 1912 كسب الاتحاديون معركة الأنتخابات للمرة الثانية ولكن الأوضاع كانت مضطربة في أسطنبول بسبب ضياع ليبيا 1911 وذلك بسبب سحب جيشها من طرابلس وأرساله إلى اليمن لقمع الثورة المندلعة هناك في 1910المناهضة للعثمانيين,وما تبعها من حرب البلقان(1912-1913).
ويتطرق الكاتب إلى الأجتماع السري الذي عقد في أسطنبول في آوائل عام 1915 حضر للأسلوب الذي يجب على الاتحاد أن ينتهجه لتطبيق وتنفيذ مفعول القرارات المتخذة سابقا ضد الشعوب غير التركية.وكيفية انخراط تركيا في الحرب الكونية الأولى إلى جانب الألمان.وكانت تركيا تحت السيطرة الألمانية كليا بسبب الدعم المالي والعسكري.ودور السفير الألماني(فانكنهايم)وعلاقته مع كبار الدولة وتأثيره بأتخاذ قرارات تخدم مصلحة المانيا وأستمالة الكثير من قادة الدولة إلى ما يشتهي ويريد.والنقاشات التي كانت تدور بين مختلف أقطاب قيادة الدولة حول دخول تركيا إلى الحرب إلى جانب ألمانيا.ويتطرق الكاتب إلى مسألة البرجتين الحربيتين((غوين))و((برسلو ))الألمانيتن التي كانت عرضة لمطاردة عنيفة من قبل الأسطولين الإنكليزي والفرنسي في البحر الأبيض المتوسط . ومن ثم دخولهما عبر مضيق الدردنيل إلى ميناء أسطنبول, والضغوط التي مارستها دول الائتلاف على الحكومة العثمانية مطالبين بتسليم هاتين البارجتين الحربيتين.وبعد زمن وجيز جدا للخروج من هذا المأزق تم تسليم القطعتين الحربيتين إلى الدولة العثمانية. وأستخدمت فيما بعد بالهجوم على الأسطول الروسي ودك قلاع أوديسا على البحر الأسود.
ويتحدث الكاتب على الدورالمدمر الذي لعبه الثلاثي الديكتاتوري أنور,طلعت,وجمال على الأمبراطورية وبسبب أحلامهم الطورانية,ودخولها الحرب الكونية الأولى بناء على رغبة الألمان.والاتحاديين الذين حاربوا أستبداد السلطان عبد الحميد كانوا هم أكثر أستبدادا من السلطان الأحمر بإرتكابهم مجازر إبادة بحق الشعوب غير التركية.كما يؤكد الكتاب أن عمليات الإبادة التي نفذة بحق الأقليات( الأرمن واليونان والآشوريين السريان بين أعوام 1914-1915) إنما هي إبادة مدبرة مخططة ومنفذة حكوميا, وهو إنعكاس طبيعي لمنطق التفكير العنصري لدى زعماء حزب الاتحد والترقي وأفكارهم الهدامة بتحقيق أقامة الأمبراطورية((الطورانية)).وفي المرحلة اللاحقة (1918-1920)التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وبعدما تبين أن الهزيمة حاصل لا محالة بالنسبة لتركيا,والتي تحالفت من دون مبرر مع الألمان. راحت حكومة الاتحاديين المذعورة تتلف كل الوثائق المكتوبة المتعلقة بإبادة الشعوب المسيحية من الأرمن واليونان والآشوريين السريان بكل أنتماءاتهم الكنسية المختلفة.ولكن بالرغم من كل المحاولات لم تستطع إتلاف الكثير من الوثائق.
وفي تلك الفترة أنشغلت وسائل الأعلام التركية كثيرا بهذه المسألة , والحكومة الجديدة ألقت بالوم على (السلطان عبد الحميد, وعلى حزب الاتحاد والترقي). وتوضح الصحيفة الفرنسية (لا رونيسانس)الوحيدة الصادرة آنذاك في العاصمة من كل تلك النقاشات الدائرة علنا في وسائل الأعلام أمرين-
-أن الجريمة قد حصلت فعلا.
-المسؤولون معروفون. ولم يوجد من يصر على عدم وجود خطة إبادة مدبرة مسبقة,بل يقولون((لست أنا,بل هو)),أنا لم أفعل إلا ما أمرت به…
كما يتطرق الكاتب في الفصل السادس إلى -النفوذ الصهيوني في الدولة العثمانية-ودور (جمعية صهيون)وما آلت إليه الأمور في السلطنة العثمانية.ودور السيده(خالدة أديب) أبنة رجل يهودي من الدونمة وعلاقتها الحميمية مع كل من جمال وطلعت ومصطفى كمال باشا. ويشبه دورها أو وضعها بالنسبة لهؤلاء شبيها بوضع مدام ((بومبادور))بالنسبة للملك الفرنسي ((لويس الخامس عشر))كما لم يخل الأمر من تدخلها في شؤون الدولة.
وفي الفصل الثاني عشر -القضية العربية -لم تقتصر مهازل الاسراف والمجون التي مارسها الاتحاديون ,ورذائلهم وجرائمهم على الأستانة. بل أمتدة إلى الولايات . يضاف إلى هذه الرذائل شنائعهم وجرائمهم التي ارتكبوها في سوريا , والتي تقشعر لها الأبدان,حين أقاموا في مصيف ((عالية))بجبل لبنان ديوان الحرب العرفي.الذي قدموا اليه شبان العرب من مسلمين ومسيحيين,سواء منهم الأعيان أو المنورون من الشبيبة العربية, فحكم عليهم بالإعدام وعلقوا على أعواد المشانق لأتفه الأسباب.ففي 6 آيار 1916 أعدم في كل من دمشق وبيروت من المسيحيين والمسلمين في يوم واحد أحدى وعشرون شخصية مرموقة ومعتبرة.كما يبحث الكاتب مواقف الشريف حسين ومراسلات (حسين -ماكماهون)للتخلص من الحكم العثماني.
وفي الفصل الثالث عشر والأخير يتطرق إلى موضوع إنهيار السلطة العثمانية بعد ستة قرون من قيامها.ويختتم الكاتب كتابه بمقالة كتب عنها هو هكذا(صدر حتى الآن كثير من الكتب والبحوث حول جمعية الاتحاد والترقي.وإذا كان كثير من القول قد قيل عنها, لكن ما قيل لا يضاهي, في قوته, ما جاء في المقالة التي نشرتها جريدة ((الوحدة)) الحلبية في عددها الصادر في 8 تموز 1928 بتوقيع ((رفيق خالد)) وعنوان خواطر تموز وهو يدرج المقالة كاملة وهي مؤثرة جدا.
وفي الختام لا بد من قول كلمة واحدة بحق الصحافي العثماني الشريف الذي دون الحقائق التاريخية وقدمها لكل الشعوب ليكشف الحقيقة عن ممارسة السفاحين الذين ارتكبوا أبشع مجازر إبادة التطهير العرقي بحق الكثير من الشعوب. والشعب التركي بريء من هذه الأعمال الأجرامية الشنيعة.فهذا كتاب يستحق التذكير به لما يحتوية من معلومات قيمة.
المصدر:الوجه الخفي للإنقلاب التركي—-بقلم مولان زاده رفعت —مطبعة الوقت بحلب-1929
تعريب الدكتور توفيق برو
د. جميل حنا