بقلم د.جميل حنا
الموضوع ;الكاتب والباحث كمال يالجين ومذابح إبادة المسيحيين في الإمبراطورية العثمانية
15/ 10 / 2010
http://nala4u.com
الباحث والكاتب كمال يالجين ألف حتى الآن إثنى وعشرون كتابا. وقد أمضى عشرون عاما من البحث حول مجازر الإبادة الجماعية التي أرتكبتها السلطات العثمانية أثناء الحرب الكونية الأولى ضد المسيحيين.وبسسبب أبحاثه هذه قدم للعديد من المحاكم في تركيا. وبالرغم من ذلك فهو مستمر في البحث والكتابة لنشر المزيد من الكتب حول هذه المجازر.أكد الباحث بأن جل إهتمامه كان منصبا على مذابح الشعب الأرمني واليونان. ولكن منذ خمسة أعوام بدأ باالبحث والكتابة من مذابح الشعب الآشوري بكافة إنتماءاتهم الكنسية المختلفة من أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة المشرقية والكلدانية والبروتستانتية كما ذكرهو. وذلك لأنه لم يقرأ في التاريخ التركي الذي كان يدرس في المدارس بمراحله المختلفة عن هذا الشعب, وأنما فقط عن الأ رمن واليونان.وكانوا يدرسون حتى ذلك بشكل ينافي الحقائق التاريخية وبصورة سلبية, بأن الشعب الأرمني طعن الأتراك من الظهر. وهذه تزييف للحقائق في الواقع الفعلي وعكس ما حدثت الأمور في حقيقتها كما يقول الباحث. ويؤكد أن حزب الاتحاد والترقي كان خطط منذ زمن قبل ذلك تنفيذ المجازر بتوصية ودعم عسكري ومالي من ألمانيا.وكانت فعليا تنفذ مجازر متفرقة هنا وهناك في المناطق النائية البعيده في الامبرطورية قبل أي محاولة للأرمن للدفاع عن أنفسهم والتحالف مع الإمبراطورية الروسية.
وتحدث السيد يالجين في محاضرته وبفخر إلى إنتمائه إلى منطقة كولوسي (رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي) وتحديدا قرية هوناس الذي ينتمي إليها. تلك المنطقة المليئة بالأعمدة الرومانية المنتشرة بكثرة في المنطقة ومجاري مياه دارا والمخازن الحجرية من العهد الروماني البيزنطي( ولم تكن تعني لنا هذه الأثار سوى خراب من أكوام الحجر) .وذكر ان عدد سكان هذه القرية في عام 1920 كان يتكون من 1500شخص من اليونان و1000من الأتراك. وبين ليلة وضحاها لم يبقى أي واحد من هؤلاء اليونان تم تهجير الجميع إلى اليونان, بعد أن جمعوا في عنبر لمدة شهر.وهنا تحدث الكاتب عن قصة إنسانية بين عائلة جده وبين عائلة يونانية , كانوا يقدمون لهم الغذاء أثناء فترة تواجدهم في ذلك العنبر قبل أن يهجروا. وأثناء مغادرتهم القسرية سلم أمانة إلى جد الكاتب التي هي عبارة تجهيز من الملابس لفتاتين عندما تصبحن عرائس .وكانت العائلة اليونانية تأمل بالعودة إلى بيتها ووطنها الأصلي ولكن ذلك لم يحدث حتى هذه الساعة. قبل أن يتوفى الجد سلم الأمانة لأبنه لكي يسلمها بدوره إلى أصحابها عندما يعودون (الأمانه هي الأمانه).وتحدث السيد يالجين عن الزيارة التي قام به والده له في المانيا في عام1994 وسلمه الأمانه وطلب منه أن يسلم الأمانة لأهلها في اليونان وبعد نقاش لم يكن له أي مفر منه أضطر تحت إالحاح والده أن يبحث عن أصحاب الأمانه. وبعد بحث دام ثلاثة أشهر وجد العائلة وتم تسليم الأمانة لهم بعد مرور 74عاما والأمانة تحمل عنوان أحد كتبه وعليه صورة الأمانه.
يقول الكاتب عندما دخلت العشائر التركية إلى أراضي تركيا الحالية قبل ما يقارب حوالي 900 عام كان عددهم أربعمائة ألف. وكان عدد المسيحيين من الآشوريين والأرمن واليونان خمسة ملايين إنسان. وحسب الأحصاء التركي الرسمي لعام 1913كان عدد سكان تركيا الحالية ستة عشر مليون ونصف من بينهم أكثر من أربع ملايين مسيحي منهم مليون من أبناء الشعب الآشوري بمذاهبهم المختلفة.واما حاليا فأن عدد سكان تركيا البالغ ثمانون مليون تقريبا فلا يوجد سوى مائة ألف مسيحي بدلا من أن يكون على أقل تقدير حسب نسب الزيادة الطبيعية أكثر من عشرين مليونا مقارنة مع العدد الأجمالي لسكان تركيا حاليا. ولا يوجد في جنوب شرق تركيا المناطق الأساسية لمناطق سكن الشعب الآشوري بدأ من بحيرة وان وهكاري وطور عابدين وآميد (ديار بكر)وأنطاكية سوى بضعة آلاف .لقد تم إبادة أكثر من ستمائة وخمسون ألف منهم أثناء الحرب الكونية الأولى.
وتطرق الكاتب في محاضرته إلى مخطط حزب الاتحاد والترقي بقيادة أنور باشا وطلعت باشا وغيرهم بضرب كافة الشعوب المسيحية وأنهاء وجودهم القومي المتنوع . بالرغم من العثور على أحدى البرقيات من طلعت باشا موجه إلى المسؤولين في منطقة طور عابدين بعدم المساس بأبناء الكنيسة السريانيةلقديمةالأرثوذكسية ولكن لم يكن لهذه البرقية أي أهمية لأن والي ديار بكر رشيد بك من حزب الاتحاد والترقي أمر بقتل كافة المسيحيين بالتعاون مع قدور بك المحلمي وتم تشكيل فرق خمسينية لتنفيذ الإبادة. وكذلك تم قتل قائمقام مدياد لأنه رفض أوامر قتل المسيحيين.وذكر المحاضر عن الإبادة الجماعية التي حلت بالمسيحيين مع ذكر بعض الأمثلة كيف أن 18 عشيرة كردية تم تسليح خمسة عشرة ألف من رجالها بمساعدة الأتراك وكيف قام هؤلاء المسلحين مع عشرة آلاف من الجيش التركي بمحاصرة قرية عين ورد. والهجوم عليها وقتل الكثيرين منهم بدون أن تستسلم وذلك بفضل المقاومة الشديدة التي أبداها المحاصرون في القلعة بقيادة مسعد المزيزحي البالغ عددهم خمسة عشرة إنسانا بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ تجمعوا من القرى المجاورة.وبعد أسابيع من الصمود أستهلك مخزون الطعام والملح وبدأة الأمراض تنتشربينهم ولكنهم بقوا صامدين ولم تستطع كل تلك القوى من الدخول إلى القرية وحصنها المنيع. وعمل رئيس أحدى العشائر الكردية جلبيو على مساعدة المسيحيين من سجنه وإيصال الملح اللازم لهم بالسر . بينما كانت العشائر الكردية الأخرى بقيادة حاجو وبطي وسرحانو والأخرون يواصلون أرتكاب المجازر بحق أبناء الكنيسة السريانية في منطقة طور عابدين ويستمرون بمحاصرة عينوردو وغيرها من القرى. وبذل الشيخ فتح الله المحلمي جهودا لأنهاء الحصار ولعب دور الوسيط بين الطرفين وكان شرط فك الحصار عن هذه القرية الصامدة أن يسلم المدافعين السلاح الذي كان في حوزتهم وقبل بهذا الشرط على أساس عدم الهجوم وأعطاء الأمان بعدم قتل أحد . ولكن أخل بالوعد بعد أن تم تسليم السلاح وعودة الناس إلى قراهم المجاورة. كان رجال العشائر الكردية تقتل وتهاجم العزل وتخطف النساء والأطفال. وقامت عشيرة حاجو بالهجوم على دير مار كبريئل وقتل خمسة وعشرين راهبا.وعندما خرج جلبيو من السجن أفرغ ديرمار كبريئل من رجال عشيرة حاجو. وبدأ يبحث في القرى التي له سيطرة فيها على الأطفال والنساء المسيحيات اللاوتي خطفوهن وإعادتهن إلى ذويهم. وكذلك فعل الشيخ وهبي وحمى خمسة وسبعين طفلا مسيحيا.
وقال الكاتب من هذا السرد نجد بأن الغالبية الساحقة من السلطة العثمانية التركية خطط وساهم ونفذ الجرائم ضد المسيحيين بأستثناء القلة أمثال قائمقام مدياد. وكذلك الأمر بالنسبة للأكراد الغالبية الساحقة أشتركت في إبادة المسيحيين بإرادتها الحرة طمعا في المال والنساء والأملاك ومن منطلق التعصب القومي والديني.بينما نجد رئيس عشيرة كردية وشيخ كردي أخر ورئيس عشرة محلمية أخرى تحمي المسيحيين.
وبعد ذلك تحدث المحاضر عن مرحلة ما بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وإستلام كمال أتاتورك السلطة في تركيا واستمرار النهج المعادي لبقية الشعوب غير المسلمة في تركيا. وذلك من خلال ما قدمه عن البطريرك مار أغناطيوس شاكر الياس بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الذي وقف إلى جانب الحكومة التركية الجديدة وأستقبل أتاتورك عندما دخل على رأس جيشه إلى أنقرة. وعين عضوا في المجلس التركي, ودعى إلى المشاركة والتعاون مع الأتراك. وأنشأ ورشة عمل خياطة من سبعين خياطا لخياطة الملابس للجيش التركي.ومع ذلك أتت إتفاقية لوزان مجحفة بحق الآشوريين /السريان وعدم تعلم لغتهم الأم. وذكر الكاتب وأخيرا في عام 1931 تم سحب الجنسية التركية وجواز السفر التركي من البطريرك ونفي إلى بغداد وذهب بعد ذلك إلى الهند وتوفي هناك. ومع كل ما قدمه البطريرك من دعم للسلطات الجديدة لم تعامل هذه السلطات البطريرك وأبناء رعيته بالمثل بل استمر إبادتهم بكافة الوسائل حتى لم يبقى منهم إلا بضعة آلاف. وهذا ما يضحض الأدعاء التركي بأن الأرمن طعنوهم في الظهر ولم يقولوا ذلك عن الآشوريين بكافة كنائسهم ومع ذلك تم إبادتهم.أخذ أبنا الشعب الآشوري إلى الخدمة العسكرية وكان يقتل الكثير منهم خلال تلك الفترة وكان ممنوع عليهم حمل السلاح بل كانوا يقومن بالأعمال الشاقة والسخرة وشق الطرق ,وفرض عليهم ضريبة الوجود في الحياة عام 1942 بعد أن تم تسريحهم من الجيش في عام 1941 .وتحدث الكاتب عن قيام وفد من الأتراك الذهاب إلى المانيا ودرس كيفية وظروف كمب داخاوا في المانيا لقتل اليهود.لأنشاء كمب أرزروم ,أشقلة لتنفيذ الأعمال الشاقة للمسيحيين. ولكن على أثر أنتصار السوفييت على هتلر في معركة لنينغراد أخرج المسيحيين من الكمب.
وفي عام 1950من أصل تسعمائة ألف من تبقى من المسيحيين تجمع في أسطنبول ثلاثمائة ألف.واثناء هذه الفترة كان يتداول في الدولة التركية بأنهاء الوجود المسيحي كليا في الذكرى الخمسمائة على أحتلال القسطنطينية في عام 1953.لم تنفذ الخطة لآسباب ما ولكن في عام 1955 في الشهر السابع قامت دائرة الحرب التركية بتدمير أكثر من خمسة آلاف محل تجاري وشركة للمسيحيين بهدف أن لايبقى مسيحي واحد .
وفي النهاية أكد الكاتب أن الحكومات المتعاقبة على السلطة في الدولة التركية حاولت على مدى ما يقارب تسعة عقود خداع شعبها وتدريس تاريخ خاطيء عن الشعوب المسيحية صاحبة الأرض الحقيقيين .لكن العقد الأخير كان بداية لتصدع جدار الكذب والنفاق وبدء يتداول هذا الموضوع أي مجازر المسيحيين من الآشوريين واليونان والأرمن بين مختلف أوساط الشعب التركي من الرافضين والمؤيدين . وقال انه سيأتي يوم لآ اقول أنه قريب ولكن سيأتي فيه ذلك اليوم التي تعترف به تركيا بمجازر إبادة المسيحيين أثناء الحرب الكونية الأولى.إننا نقدر عاليا البحث العلمي والوثائقي للأضاءة على الأحداث التاريخية بشكل حقيقي كما حدثت بدون تزييف الحقائق وتجميل وجه المجرم وتبرئته من أعماله الشنيعة أو نكران ما أقترفته آياديهم الأثمة ضد الأبرياء. الباحث التركي كمال يالجين يقدم مثلا صالحا لأبناء مختلف الشعوب وخاصة المثقفين والكتاب والباحثين , لتقديم العدالة والحق والصدق على إنتمائهم الديني والقومي.فالباحث كسر حواجز الخوف والتعصب القومي الشوفيني الذي ترعرع عليه في المدارس.فهو نقض تلك المقولة(إنصر أخاك ظالما أو مظلوما) فهذه ليست عدالة الله.وإنما عدالة الله هي أن تقف إلى جانب الضعفاءوالمضطهدين وتدين المجرمين وأعمالهم الآجرامية, والمجرم يجب أن يحاسب على أفعاله الشريرة ويدان من قبل الجميع وليس الدفاع عنه وتبرءته
وكما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل كولوسي 3,25((وأما الظالم فسينال ما ظلم به, وليس محاباة)).
د. جميل حنا