بقلم سليمان يوسف
الموضوع; مطارنة حلب المخطوفين .. (القضية المنسية)
shuosin@gmail.com
23 / 04 / 2024
https://nala4u.com
المطران يوحنا ابراهيم ،رئيس أبرشية حلب للسريان الأرثوذكس، ابن مدينة القامشلي مواليد عام 1948 ، ولد لأبوين نجا من الإبادة الجماعية لمسيحيي السلطنة العثمانية 1915. نشأ في بيئة اجتماعية تركت فيه أثراً عميقاً. لم يرث عن أسرته فقط الهوية السريانية والقيم المسيحية، وإنما هو حمل في قلبه (الجرح العميق) الذي أحدثته الإبادة الجماعية في جسد ونفس الشعب الآشوري(سرياني كلداني) ..عوضاً من أن يكون هذا الجرح سبباً للإحباط واليأس والاستسلام للقدر ، شكل لدى المطران يوحنا دافعاً للعمل والعطاء ومحبة الإنسان وخدمة الناس بغض النظر عن هويتهم الدينية والعرقية . اهتم كثيراً بقطاع التربية والتعليم السرياني . وسع المدارس الخاصة بالكنيسة السريانية في حلب . أسس (دار الرها) للنشر. طبع المئات من الكتب، معظمها تخص (التراث والأدب السرياني) باللغات السريانية والعربية والإنكليزية لأجل تعريف العالم بهذا التراث العريق .
بفضل مؤهلاته الأكاديمية ( ماجستير في التاريخ وفي اللاهوت . بكالوريوس في الحق القانوني الشرقي. إتقانه للعديد من اللغات ) شق طريقه الى المحافل والمنظمات المسيحية الإقليمية والعالمية ( عضو اللجنة المركزية في مجلس الكنائس العالمي – مستشار للجنة الشعوب والأديان في روما – عضو اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط ). استثمر وجوده في المحافل والمنظمات الدولية في طرح قضية مسيحيي المشرق ، مطالباً بضرورة الإبقاء على هذا المكون المشرقي الأصيل في موطنه التاريخي ( سوريا التاريخية/الكبرى وبلاد ما بين النهرين ومصر) والحفاظ على المسيحية في المشرق الذي فيه ظهرت ومنه انتشرت إلى بقية أنحاء العالم .. في كل مجالسه ولقاءاته وطلاته الإعلامية كان يدعو المسيحيين السوريين و المشرقيين للتمسك بأرضهم وأوطانهم الأم وعدم الهجرة . حين أصبحت الهجرة المسيحية أمراً واقعاً ومع تزايد تعداد الجاليات السريانية في دول الشتات والمنافي ، طرح المطران يوحنا فكرة ” أن تكون الكنيسة السريانية الوطن البديل للجاليات السريانية – رابطة وطنية وقومية للجاليات السريانية في دول الشتات والمنافي للحفاظ على هويتهم وثقافتهم ولغتهم السريانية ” . بالنسبة للمطران يوحنا ، السريان ليسوا فقط أبناء( الكنيسة السريانية الارثوذكسية الأنطاكية) وإنما هم أتباع جميع الكنائس السريانية المشرقية أو ما تسمى بـ”العائلة السريانية” وهي تشمل ( السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، الموارنة، الكلدان، الآشوريين..).. بحكم اهتمامي بالشأن الآشوري والشأن السوري العام، كنت أتواصل من حين لآخر مع المطران (يوحنا ابراهيم) حول القضايا والأحداث التي تخص السريان الآشوريين .. في أحد لقاءاتي مع المطران يوحنا، آذار 2007 ، بمدينة حلب ،سألني: ألا تخشى من أن مواقفك وكتاباتك الناقدة للنظام السوري قد تسبب اعتقالك ودخولك السجن؟. تساؤله عنى لي الكثير . أنه اراد من جهة ، التعبير عن حرصه وخوفه على مصير ومستقبل أحد أبناء كنيسته السريانية ، ومن جهة أخرى اراد القول: بأنه ليس مع مقارعة النظام السوري المعروف بقمعه وعسفه بالمعارضين له .
عُرف المطران يوحنا بعلاقاته الواسعة مع مختلف مكونات المجتمع السوري ومع الأحزاب والقوى السياسية الوطنية والشخصيات العامة ، تلك المقربة من النظام السوري والمعارضة له . منطلقه الأساسي في علاقاته هو (الإنسانية .. الوطن السوري.. الهوية السورية، الجامعة لكل السوريين بمختلف انتماءاتهم وهوياتهم) . كان براغماتياً في علاقاته .. لم يتردد بطرق أي باب إذا ما تطلب الأمر ورأى حاجة لخدمة إنسانية ..علاقاته لم تتأثر بالأزمة السورية، بل الأزمة دفعته أكثر لتوسيع دائرة علاقاته . رغم المخاطر على حياته ، سعى المطران يوحنا وجاهد لإطلاق سراح مختطفين (مسيحيين وغير مسيحيين) وقد نجح في إطلاق سراح البعض، من خلال المفاوضات والتحاور مع الجهات الخاطفة أو من خلال وسطاء. عملية خطفه مع المطران (بولس يازجي) 22 نيسان 2013 حصلت وهما يقومان بمهمة إنسانية، لأجل إطلاق سراح بعض المختطفين بينهم كهنة ورهبان من قبل جماعات إسلامية في ريف حلب ضمن منطقة خاضعة لفصائل إسلامية مسلحة تابعة للمعارضة السورية .. خطف المطران (يوحنا ابراهيم) والمطران (بولس يازجي) شكل صدمة كبيرة لكل السوريين و المسيحيين المشرقيين.. البعض اعتبر خطفهم ” ناقوس الخطر” على الوجود المسيحي في سوريا والمشرق عامة . جرت محاولات عديدة للكشف عن مصير المطارنة و اطلاق سراحهم، لكن جميعها باءت بالفشل. أخفقت حتى بالحصول على دليل (حسي/مادي) يثبت أن المطارنة على قيد الحياة،(مقطع فيديو يتحدث فيه المطارنة أو رسالة صوتية أو خطية منهم).بتقديري أن المطارنة تمت تصفيتهم من قبل الخاطفين منذ الأيام الأولى لخطفهم.. طبعاً، أتمنى أن أكون مخطئاً في تقديري. “العقدة الأساسية ” في قضية المطارنة، هي صمت الجهة الخاطفة وعدم الإعلان عن نفسها .. غالباً، ثمة (جهة دولية) نافذة في الأزمة السورية تقف خلف عملية خطف المطارنة. لأكثر من طرف (محلي ، اقليمي، دولي) منخرط في الأزمة السورية مصلحة في خطف المطارنة وتغيبهم. رغم أهمية وحساسية قضية المطارنة ، لم تحظ بالاهتمام المطلوب، من قبل الأطراف والدول الفاعلة في الأزمة السورية . العالم الغربي المسمى بـ”العالم الحر” أنشغل بقضية البريطانية الداعشية (شميمة بيغوم)، الملقبة بـ”عروسة داعش” أكثر من إنشغاله واهتمامه بقضية المطارنة. تجاهل قضية المطارنة المخطوفين، تأكيد جديد على لامبالاة المجتمع الغربي بمصير ومستقبل مسيحيي سوريا والمشرق عامة .
عدم تبني أية جهة مسؤولية خطف المطارنة، ترك باب التأويلات والتحليلات والاتهامات مفتوحاً حول هوية الجهة الخاطفة .. الاتهامات المتبادلة بين النظام السوري ومعارضيه تندرج في إطار (الاتهامات السياسية) .المعارضون يتهمون النظام بالوقوف وراء عملية الخطف . يبررون اتهامهم بالقول ” بأن النظام خطف المطارنة لتشويه صورة وسمعة الثورة السورية و لتخويف المسيحيين من البديل الإسلامي فيما إذا سقط النظام ، تالياً لاستملاتهم إلى جانبه..”.. النظام يتهم (الفصائل الإسلامية المعارضة) المدعومة من تركيا ، بعملية خطف المطارنة . وفق المعلومات التي أدلى بها الناجي الوحيد من عملية الخطف السيد( فؤاد إيليا)، قال” إن عملية الخطف جرت في منطقة فاصلة بين النظام والفصائل الإسلامية المعارضة .. ملامح الخاطفين توحي بأنهم غرباء، يرجح أن يكونوا شيشانيين.. الخاطفون اقتادوا المطارنة إلى المنطقة الخاضعة لفصائل المعارضة “. كلام السيد إيليا يُرجح أن (الجهة الخاطفة) تتبع المعارضة السورية . ما يعزز هذا الاعتقاد، تصريح للسيد (جورج صبرا) لوسائل الإعلام بعد ساعات من انتشار خبر خطف المطارنة، كان آنذاك رئيساً لـ(المجلس الوطني السوري المعارض) ، مقره اسطنبول، ، قال صبرا “المطارنة بخير وهم في مكان آمن ، ساعات قليلة ويطلق سراحهم ” . وهذا يقودنا للقول: بأن الجهة الخاطفة محسوبة على المعارضة السورية التي يتزعمها جورج صبرا والمقربة من تركيا . قضية المطارنة المخطوفين، تلخص محنة مسيحيي سوريا والمشرق عامة. على مدى التاريخ مسيحيو المشرق كانوا ومازالوا ضحايا لحروب وصراعات الآخرين ، من غزاة ومحتلين لبلدانهم ومناطقهم التاريخية .