بقلم سليمان يوسف
الموضوع; الآشوريون يحتفلون بأقدم عيد عرفته البشرية
30 / 03 / 2020
http://nala4u.com
( الأول من نيسان ، عيد رأس السنة البابلية الآشورية 6772 – عيد الطبيعة والآلهة والإنسان) الحاجة إلى تنظيم المناسبات ( الدينية ، الاجتماعية ، الاقتصادية ،السياسية) وضبط ظواهر الطبيعة ، ذات التأثير المباشر على الحياة العامة والنشاط الزراعي ، دفعت الإنسان في بلاد ما بين النهرين لوضع (تقويم سنوي – روزنامة)، يبدأ مع الأول من الشهر البابلي ( نيسانو). 1 نيسان 2022م سيبلغ التقويم البابلي الآشوري 6772 عام ، هو أقدم تقويم عرفته البشرية. هذا التقويم أحدث نقلة نوعية وهامة في حياة المجتمعات القديمة وفي مسيرة الحضارة الإنسانية . معه تشكلت (الذاكرة الجمعية) لتلك المجتمعات. من هنا تأتي أهمية التقويم الأكادي ( البابلي الآشوري) لدى المجتمعات القديمة في بلاد ما بين النهرين والاحتفال في الأول من نيسان بعيد رأس السنة الأكادية ( البابلية الآشورية ). هذه المناسبة عرفت لاحقاً بـ( عيد الأكيتو )، وهي كلمه سومرية، تعني (البيت الريفي)، فيه كانت تقام الاحتفالات والمهرجانات وتمارس الطقوس والشعائر الخاصة بالعيد. الباحث المهتم بميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة يعلم مدى تأثير الميثولوجيا الأكادية (البابلية – الآشورية )على معظم الفكر الديني في الشرق القديم. احتضان مدينة ( أور – العراق ) الأكادية التاريخية ، معبد (إنانا – إلهة الجمال والحرب)، ومزار/ بيت النبي(إبراهيم الخليل) ، الأب الروحي للديانات الإبراهيمية (اليهودية والمسيحية والإسلامية)، دليل قوي على إن هذه الديانات خرجت من رحم الميثولوجيا (السومرية، الأكادية، البابلية، الآشورية). ملحمة الخلق والتكوين البابلية (اينوما ايليش)، أقدم نموذج من أدب الملاحم في تاريخ الحضارات، كانت تُقَدم-تُعرض، ضمن فعاليات احتفالات الأكيتو ،على شكل ( مسرحية ) احتفالاً بذكرى انتصار الإله (مردوخ) على (التنين)- حيوان أسطوري – وتخليداً لأحداث موته وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث . احتفالات الأكيتو كانت تبلغ ذروتها مع تتويج مردوخ (ملكا – إلها) على الكون ومخلصاً للإنسان. في اليوم الأخير للاحتفالات ، كانت تقوم جموع المحتفلين بالتطواف حول معبد سيد الآلهة (مردوخ – آشور، في عهد الدولة الآشورية) . هذا يقودنا للقول، بأن (حج المسلمين للكعبة وتطوافهم حولها ) هو تقليد أكادي (بابلي آشوري). كذلك فكرة (الخلاص و تجسد الله بشخص السيد المسيح وموته صلباً وقيامته)، التي تمثل جوهر العقيدة (المسيحية) ، هي من صلب الميثولوجيا الأكادية (البابلية- الآشورية) ، التي تمحورت حول: (الطبيعة و الآلهة والإنسان)، فهم ثلاثة ( أقانيم) لجوهر واحد هو(الوجود – الكون)، عمل الإنسان الأكادي (البابلي الآشوري)على مد الجسور بينها، مفصحا عن العلاقة التاريخية بين الله والإنسان أولا، وعن العلاقة العضوية بين الإنسان والطبيعة ثانيا. من هنا يبرز (عيد الأكيتو) بوصفه “عيد الطبيعة والآلهة والإنسان”. الآشوريون، بعد اعتناقهم للمسيحية ، تَخلوا عن (الطقوس والشعائر) الوثنية الخاصة باحتفالات (عيد راس السنة البابلية الآشورية ). لكنهم(الآشوريون) حافظوا على المكانة الخاصة لهذا العيد ، كيف لا وهو أبرز أعيادهم القومية والشعبية. الاحتفالات كانت تبدأ في الأول من نيسان وتستمر 12 يوما، لكل يوم طقوسه وشعائره الخاصة. من مدينة (أور)، عاصمة الدولة السومرية مركز أقدم الحضارات، كانت الانطلاقة الأولى للاحتفالات بالعام الأكادي (البابلي- الآشوري) الجديد . من أور انتقلت الاحتفالات إلى بابل و آشور و نينوى ونمرود و أريدو وأربيل وباقي مدن بلاد الآشوريين، ومن ثم إلى الشعوب الأخرى في سوريا الكبرى وبلاد فارس ومصر وصولاً إلى الشعوب الأوروبية ، بأسماء وتواريخ مختلفة. ليس صدفة أن تأتي الاحتفالات بأعياد ( الأكيتو ونوروز والفصح المسيحي واليهودي وأعياد الايزيديين وعيد الخليقة لدى الصابئة المندائيين وعيد الرابع في سوريا وشم النسيم في مصر) في فصل الربيع. الاحتفال بهذه الأعياد، رغم طابعها الأسطوري والاجتماعي والديني ، يرتبط بتجدد دورة الحياة والخصب في الطبيعة مع حلول فصل الربيع. في سوريا ، الآشوريون( سرياناً كلداناً ) يحتفلون بعيد ( راس السنة البابلية الآشورية )، في ظل نظام بعثي عروبي شمولي ، ينكر عليهم هويتهم القومية وخصوصيتهم الثقافية. من غير الممكن أن يحتفل الآشوريون بحرية واطمئنان، في بيئة (قانونية ودستورية) عنصرية، تُحرم عليهم أي نشاط قومي وتمنعهم من تأسيس أحزاب وجمعيات قومية خاصة بهم وتُجرم النشطاء والسياسيين الآشوريين ويتم الزج بهم في السجون بتهم وهمية مختلفة . رغم هذه التحديات والظروف الصعبة التي تحيط بالآشوريين، هم ماضون في نضالهم الوطني الديمقراطي السلمي لانتزاع حقوقهم القومية والديمقراطية المشروعة والاعتراف الدستوري بهم كمكون سوري أصيل له هويته وثقافته ولغته (السريانية)، اللغة الوطنية لسوريا التاريخية. للأسف ، مرحلة إنكار ونفي وجود الآخرين وحرمانهم من حقوقهم ، في المواطنة الكاملة ،لم تنته ولم تنقض، كما كان يتوقع ويتأمل الكثير من السوريين بعد تفجر الأزمة السورية 2011 وتضعضع أركان النظام وانحسار سلطاته، تحت ضغط الحراك الشعبي . صحيح أن عيد (الأكيتو) بدا يشق طريقه شيئاً فشيئاً إلى العديد من المناطق والمجتمعات السورية، وبدأت تعلو أصوات سورية ، تطالب الحكومة بإقراره عيداً وطنياً سوريا ، باعتباره جزء من التراث السوري الأصيل. لكن الانفتاح الخجول لوسائل الإعلام الحكومية على احتفالات الآشوريين بعيد الأكيتو ، لا يعني حصول تحول نوعي إيجابي لدى النظام ، تجاه الآشوريين وقضيتهم العادلة والاعتراف بهويتهم وتراثهم العريق والأصيل، الذي طمسته الشوفينية العربية الاسلامية. في إطار هذه المنهجية العربية الاسلامية جاء حديث الرئيس ( بشار الأسد) أمام مؤتمر وزارة الأوقاف بدمشق يوم 7 كانون الأول 2020 ، وطعنه بـ( الهوية السريانية المسيحية) لسوريا التاريخية التي أخذت أسمها عن السريان الآشوريين ، قبل أن يغزوها العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي. بشار الأسد في حديثه، الخارج عن (التاريخ و الزمن) السوريين ، اتهم دعاة (الهوية السريانية) لسوريا والمطالبين بإحياؤها بـ “التآمر على سوريا والعروبة والإسلام “.
تنويه (nala4u); الموقع يتبنى التسمية الاشورية كقومية , تاريخ ولغة …, لأهمية هذه المادة..لذا اعيد نشرها مع التقدير.