بقلم سليمان يوسف
في ذكرى سوريا في ذكرى”الثورة الموؤودة”: اليوم 15 آذار دخلت “الثورة السورية ” عامها الرابع عشر..
16 / 03 / 2024
http://nala4u.com
المجتمع السوري، كما معظم مجتمعات المشرق، يتصف بالتعددية (الإثنية والثقافية واللغوية والدينية) .. جراء السياسات الشوفينية والعقلية الإقصائية لحزب البعث والحكومات العربية الإسلامية التي تعاقبت على حكم سوريا، تحولت هذه الظاهرة الحضارية(التنوع والتعددية) من ثراء وغنى للهوية الوطنية السورية إلى “عقدة وطنية”، أفرزت ما يعرف بـ(قضية الأقليات) . مع تفجر الأزمة السورية 2011 برزت وبقوة (مشكلة الأقليات) ، حتى باتت مصدر قلق وطني لغالبية السوريين على وحدة ومصير البلاد..
في الأجزاء السابقة من الدراسة تناولنا رؤية ومواقف العديد من الأحزاب و القوى السياسية السورية ،الفاعلة في المجتمع ، من مسالة الأقليات والتعددية (حزب البعث العربي الاشتراكي . أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية. أحزاب المعارضة . الأحزاب الكردية). في هذا الجزء نتوقف عند موقف الأحزاب (السريانية الآشورية) من هذه القضية الحساسة والبالغة الأهمية،على أمل أن تساهم هذه الدراسة المتواضعة في إيجاد مخارج وحلول وطنية ديمقراطية عادلة لقضية الأقليات في البلاد. بالنظر للخصوصية التاريخية والمجتمعية للآشوريين (سرياناً كلداناً) ، تبقى ( الأحزاب السريانية الآشورية) هي الأكثر التصاقاً بـ(الهوية السورية) في تناولها لظاهرة التنوع والتعددية في المجتمع السوري . سوريا، عن السريان الآشوريين أخذت اسمها وهويتها، هي بالنسبة لهم أكثر من وطن يعيشون فيه وأعظم من دولة يحملون جنسيتها ، أنها الأمل والمصير والمستقبل .
بالعموم ، المقاربة الآشورية لمسألة الأقليات تنطلق من قاعدة “اللامساواة الدينية” (تفضيل المسلم على غير المسلم)،التي جاء بها الإسلام. وقاعدة “اللامساواة القومية ” ( تفضيل العربي على غير العربي) التي جاء بها القوميون العرب . الأخذ من هاتين القاعدتين مرجعية للتشريع وسن القوانين ووضع الدساتير، أنتج بيئة (قانونية وثقافية وسياسية واجتماعية وتربوية) ساهمت في تقسيم المجتمع إلى أغلبية ظالمة وأقليات مظلومة. طبعاً، لا حل لمعضلة الأقليات من دون التخلي عن هاتين القاعدتين وإنهاء العمل بهما على الصعيد السياسي والمجتمعي والتربوي.
التباين في المواقف والتباعد الكبير في الاصطفافات السياسية، لم يمنع من أن تتلاقى بعض الأحزاب السريانية الآشورية حول (مبادئ عامة) لحل مسألة الأقليات والتعددية في البلاد . في نيسان 2022 صدر عن المنظمة الآثورية الديمقراطية وحزب الاتحاد السرياني ما سمي بـ” بيان التفاهم/وثيقة سياسية” نورد هنا بعض ما جاء فيه :
“” – الإقرار الدستوري بأنّ سورية دولة متعددة القوميات والثقافات والأديان، والشعب السوري يتكون من عرب وكرد وسريان اشوريين وتركمان وغيرهم، ويضمن الدستور حقوقهم القومية. وندعو إلى حيادية الدولة تجاه الأديان والقوميات وضمان حرية الاعتقاد والايمان وممارسة الشعائر وتجريم التمييز على اساسه، وتدعو الى الاعتراف الدستوري بالديانة الإيزيدية.
– نتبنّى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والعهود الدولية المكملة له، وتلك المتعلقة بحقوق المرأة والقوميات والشعوب الأصلية. وندعو إلى تثبيتها في الدستور السوري الجديد.
– ضمان الحفاظ على مصالح المكونات القومية والدينية في البلاد على أساس التمييز الإيجابي لهم.
– نرى في اللامركزية النظام الأمثل في إدارة البلاد مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، لحماية التعدد القومي والثقافي, وضمان أوسع مشاركة شعبية في الإدارة والتوزيع العادل للسلطة والموارد وتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة لكافة المناطق في سوريا. “”.
البيان لم يحدد شكل “اللامركزية” المراد تحقيقها لسوريا الجديدة ما بعد الحرب، أكانت “لامركزية إدارية أم سياسية/فدرالية” . هذه نقطة خلاف اساسية بين الحزبين.. (حزب الاتحاد السرياني) منخرط في (سلطة الأمر الواقع الكردية) ممثلة بما تسمى بـ”الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا ” ، التي أعلنها ويهيمن عليها (حزب الاتحاد الديمقراطي)، الطامح لنيل الاعتراف الوطني والدستوري بهذه “الإدارة الكردية” من خلال اعتماد ” اللامركزية السياسية/الفدرالية ” لسوريا الجديدة . أما(المنظمة الآثورية الديمقراطية)، منخرطة في ما يسمى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ” الرافض لخيار “اللامركزية السياسية “ويصف (حزب الاتحاد الديمقراطي) بـ”الحركة الإنفصالية” ويدرجه ضمن صفوف المعادين لـ”الثورة السورية”…
جدير بالذكر، سبق للآشوريين أن طالبوا بـ”اللامركزية السياسية” للدولة السورية في زمن الانتداب الفرنسي . البطريرك الآشوري (عبد الأحد تبوني)- مواليد نينوى 1879 – للسريان الكاثوليك، عبر رسالة له خاطب (وزارة العلاقات الخارجية الفرنسية) طالب فيها بإقامة “نظام حكم لامركزي في سوريا و بالإدارة الذاتية – حكم ذاتي لمنطقة الجزيرة/محافظة الحسكة” ، ذلك استجابة لرغبة السريان الآشوريين والمسيحيين عامة ،حيث كانوا يشكلون أنذاك غالبية سكان (محافظة الحسكة)، الجزء السوري من (بلاد ما بين النهرين – بلاد الآشوريين). البطريرك (تبوني) طالب أيضاً بـ”حماية مصالح وحقوق جميع الأقلّيات في سوريا، المساواة التامّة في الحقوق والحريات الدينية والأحوال الشخصية، و إنصاف المسيحيين في التعيينات الإدارية والمناصب الحكومية وتوفير ضمانات تكفل حماية المسيحيين في المناطق التي قد يكون الأمن المسيحي فيها مهدداً “….
” اللامركزية السياسية” كانت ومازالت إحدى القضايا الخلافية الأساسية بين مكونات المجتمع السوري، لما تنطوي عليه من مخاوف على مصير ووحدة البلاد . الحرب السورية ، بمفاعيلها المختلفة، عمقت مخاوف السوريين من أن تكون”اللامركزية السياسية/الفدرالية” خطوة على طريق انفصال المناطق الخارجة عن سلطة الدولة والخاضعة لسيطرة قوى الأمر الواقع في الشمال الشرقي والشمال الغربي عن الوطن الأم (سوريا). ما يزيد المشهد السوري تعقيداً ، خروج (القضية السورية) من أيدي أبنائها وجعلها رهناً لإرادة ومصالح الدول النافذة في الأزمة السورية و المحتلة لأجزاء من سوريا، ( أمريكا . تركيا. روسيا. ايران).
تنويه (nala4u) ; الموقع يتبنى التسمية الاشورية كقومية , تاريخ ولغة ,وغير ملزم ما تسمى بكردستان .