بقلم سامي هاويل
دعوة لنقل رفات أمير الشهداء مار بنيامين شمعون الى ألقوش
22/ 12 / 2013
http://nala4u.com
أمير الشهداء مار بنيامين شمعون
لابُـدّ أن يعـود الأسـد إلـى عـريـنه
دعوة لنقل رفات أمير الشهداء مار بنيامين شمعون الى ألقوش
( جئت الى هنا لأُنقذ شعبي، لا لأُنقذ نفسي، وأنا عائد إليهم الآن لكي أعيش أو أموت معهم )
بهذه العبارة الشهيرة رَد أمير الشهداء مار بنيامين شمعون على القيادة الروسية في أورمية، عندما ألتقى بها بعد رحلة خطيرة هددت حياته أملاً في أيجاد سبيل لأنقاذ آشوريو هكاري من المذابح التي كانوا يتعرضون لها على أيدي القوات التركية وحلفائها من العشائر الكردية في تلك المنطقة أبان الحرب العالمية الأولى، عندما أقترحوا عليه حمايته والبقاء في أورمية.
وُلد البطريرك الشهيد مار بنيامين شمعون عام 1887م في قرية قودجانس بمنطقة هكاري، ورُسم أسقفاً تحت أسم مار أبرم على يد البطريرك مار روئيل شمعون، في الثاني من آذار عام 1903م، وهو يكون السابع في تسلسل البطاركة الشمعونيين “الخط الجبلي في قودجانس”، وبعد أيام من رسامته أسقفاً توفي البطريرك مار روئيل شمعون، وعليه تم رسامته جاثليقاً على كنيسة المشرق في الثلاثين من شهر آذار من نفس العام وهو في ربيعه السادس عشر.
عُرف مار بنيامين شمعون في الأوساط الآشورية والتركية والكردية بأيمانه وحكمته وكرمه وشجاعته، يحمل خصال القائد الروحي والدنيوي، كما عُرف بحبه اللامتناهي لشعبه وكنيسته المقدسة، كان بحق رمزاً للتضحية ومثالا للتواضع وحب الناس، وكان يولي الرعاية للمحتاجين، وأضحت الأبتسامة الدائمة على وجهه الوسيم سبباً تجعل الأطفال يُقبلون إليه ويلاقون منه العطف والحب والحنان، فلاقى توقيراً وأحتراما كبيراً من قبل الأتراك والعشائر الكردية وحتى القيادات الروسية في تبليس، بحيث كان الأكراد يلجأون إليه لفض نزاعاتهم ويأتمنون حكمته وقراراته لتسوية خلافاتهم ، حتى إن قسماً من العشائر الكردية كانوا يتناولون لحم الحيوانات المذبوحة على يد عائلته، بالرغم من كونهم مسلمون تمنعهم تعاليم الإسلام من تناول لحم الحيوانات المذبوحة على أيدي الغير المسلمين.
هكذا وبعد سنوات من الضغوطات التي مارستها تركيا الفتية على شعوب هذه المنطقة بشكل عام، وعلى المسيحيين من الآشوريين والأرمن واليونانيين بشكل خاص، سنحت لهم الفرصة إثر أندلاع الحرب الكونية الأولى عام 1914م لكي يتخلصوا من المسيحيين بشكل نهائي، وعليه أقدمت على إصدار فرمان أجاز الجيش التركي والعشائر الكردية إباحة ممتلكات المسيحيين وقتلهم وتشريدهم، فوقعت المذابح المروعة التي راح ضحيتها أكثر من 750 ألف آشوري ومليون ونصف من الشعب الأرمني. هذه الظروف القاهرة وضعت القيادات الآشورية برئاسة البطريرك أمام خيارين، إما الأستسلام للموت المحتوم أو المقاومة والدفاع عن النفس، وبينما كانت المذابح تسير على قدم وساق دون أن يكون هناك بصيص من الأمل في أيقافها، أجتمعت القيادة الآشورية برئاسة البطريرك مار بنيامين شمعون في شهر آيار من عام 1915م، وقرروا الأنظمام الى الحلفاء، وإثر ذلك أقدمت تركيا على محاولة لإغتياله، فلم تنجح كون القيادة الآشورية كانت قد أخذت التدابير اللازمة مسبقاً، حيث نقلت المقر البطريركي الى منطقة ديز، وعليه ما كان أمام تركيا إلا القبض على شقيقه هرمز المقرب منه كثيرا والذي كان يدرس في أسطنبول، وهددت بإعدامه إن لم يرضخ البطريرك لهم، حينها أطلق مقولته الشهيرة ( أبناء شعبي هم أولادي وإخوتي وأنا قائدهم، فكيف لي أن أسلمهم للموت من أجل أخي، فهو شخص واحد وليكن قربانا لشعبه )، هكذا أقدمت الحكومة التركية على إعدام شقيقه هرمز في مدينة الموصل.
تدخل الأنكليز والروس لإقامة تحالف آشوري كردي لإستغلال قوتهم في ردع تركيا، هكذا وجد مار بنيامين شمعون نفسه مرغما لقبول التحالف بسبب الظروف المزرية التي كان يمر بها الشعب الآشوري دون أن يكون له أية فرصة أُخرى للتقليل من معاناتهم، فقرر قبول التفاوض وفتح حوار مع عشائر الشكاك الكردية تحت قيادة أسماعيل آغا الملقب بـ ( سمكو الشكاكي ). بالرغم من التحذير الذي قدمه لقداسته بعض القادة الآشوريين وعلى رأسهم الجنرال آغا بطرس من مغبة الوقوع في الفخ لما كان يُعرف به المجرم سمكو من صفات الغدر والخيانة، إلا أن قداسته أصرّ على الذهاب لمقابلة سمكو والتفاوض معه لما سيكون لهذا الأتفاق من مردود أيجابي على أبناء شعبه الآشوري لإنقاذه من الإبادة التي تعرض وكان يتعرض لها، في الوقت الذي لم تتوفر أية خيارات أُخرى. ولكن السلطات الأيرانية كانت قد تدخلت لدى سمكو ووعدته ببعض الأمتيازات في حال تمكنه من أغتيال البطريرك الآشوري، بسبب عدم موافقته على تسليم أسلحة الآشوريين في أورمية. فقد عثرت القوات الآشورية التي دخلت الى كوناشهر عقب أغتيال البطريرك الشهيد على كتاب رسمي من حاكم تبريز يحث ويحرض فيه سمكو لإغتيال مار بنيامين شمعون.
هكذا نفذ سمكو المخطط فأغتال غدراً البطريرك مار بنيامين شمعون في الثالث من شهر آذار عام 1918م في عملية خيانية عندما كان قد حل ضيفاً عليه ليتباحثوا بشأن مصير الشعبين الآشوري والكردي. تمكنت القوات الآشورية التي دخلت الى القرية من العثور على جسد البطريرك الشهيد وتبين بأنهم كانوا قد مثلوا بجثته وقطعوا أصبعه لعدم تمكنهم من نزع الخاتم منها. وقد وارى جسده الطاهر الثرى في كنيسة أرمنية في خورسآباد الأيرانية.
كثيراً ما نقرأ ونسمع سياسيينا ورجال الدين ومن أرفع المستويات تصريحات تحث أبناء شعبنا الآشوري للتشبث بأرضنا، ودعوة المهجّرين والمشردين للعودة الى الوطن، ومن جملة الأمور التي تعتبر عاملاً مؤثرا على هذا الجانب هي أيلاء الأهتمام اللازم بالرموز القومية والدينية اللذين كان لهم دوراً مميزاً في تاريخ أمتنا المعاصر، حيث يتميز البطريرك الشهيد مار بنيامين شمعون من بين هؤلاء القادة، فمن المحزن والمؤسف أن يرقد بعيداً عن أرضه ووطنه، ولا يكون بين أبناء شعبه الذي أحبه وأحبوه، خاصة وإن الفرصة سانحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتكريمه على إخلاصه وتضحياته الكبيرة لأمته وأيمانه المطلق بكنيسته وقضيته القومية.
اليوم ونحن نحتفي في الأحد الذي يسبق أحد الصوم الكبير من كل عام بذكرى أستشهاد هذا الرمز الشامخ يتوجب علينا أن نعمل على نقل رفاته الى الوطن، تحديدا الى بلدة ألقوش كونه سليل عائلة أبونا الألقوشية العريقة، ليرقد بجوار آباءه بطاركة كنيسة المشرق، وأقترح على الجهات الآشورية المعنية وفي مقدمتها كنيسة المشرق الآشورية العمل على أستحصال الموافقات الرسمية المطلوبة من الجانب الأيراني والعراقي، والبدء بتنفيذ هذا الواجب النبيل والمقدس الذي يستحقه أمير الشهداء مار بنيامين شمعون ليكون مرقده مزاراً لكافة أبناء أمتنا الآشورية يذكرنا بأسمى معاني الشجاعة والأيمان والإخلاص والفداء التي يجب أن نقتدي بها اليوم لكي نحافظ على وجودنا كأمة تعبر أحد أخطر المنعطفات في تاريخها المعاصر.
جاء تتويج أمير الشهداء مار بنيامين شمعون بطريركاً على كنيسة المشرق في فترة حرجة جداً كان يمر بها الشعب الآشوري وكنيسته الشرقية في هكاري ، فمن جانب كانت الأرساليات التبشيرية الغربية تعمل جلّ ما بوسعها وبشتى الطرق للسيطرة على هذه الكنيسة، ومن الجانب الآخر تَلت ذلك ولادة حزب الأتحاد والترقي التركي ذات النهج العنصري المتشدد في عام 1908م، وللتو بدأت تركيا حملتها الكبيرة في سياسة تتريك القوميات الغير تركية التي تعيش تحت لوائها.
تنويه (nala4u) ; لأهمية المادة .. لذأ أعيد نشرهأ مع التقدير .