ارشيف (nala4u) ; من اليمين; اغا بطرس ايليا, مالك خوشابا مالك يوسف, الشهيد مار بنيامين شمعون, ( الجالس هو مالك كوركيس التخومي والاول من اليسار هو يونان شقيق مالك كوركيس التخومي والثاني من اليسار هو شليمون والد مالك لوكو والاثنان الآخران هما من اتباعهم التخوميين) , مالك اسمايل وداود بيث مار شمعون.
بقلم آشور كيواركيس – بيروت
صحيفة “النهار” : 14/03/2004
البطريَرك مار بنيامين شمعون
شهيد الأمّة الآشورية وكنيسة المشرق
يعتبر الشعب الآشوري اليوم من أعرق الشعوب التي ما زالت تعاني من الحرمان والتهميش بعد أن خاض مجازراً دموية منذ سقوط عاصمة الدولة الآشورية “نينوى” عام 612 ق.م، ولدى اطّلاعنا على تاريخ الآشوريين نلاحظ تنوّعاً في تعامل القوى المسيطرة على وطنهم عبر الزمن، كما نلاحظ أن الإنسان الآشوري بقيَ توّاقاً إلى الحرية منذ أفول نجم الإمبراطورية الآشورية حيث ثار آشوريّو بابل مراراً على الملوك الفرس بعد سقوطها، ففي عهد داريوس ثار القائد البابلي” نندينتو- بيل” عام 522 ق.م وقمعت ثورته، ثمّ في عهد أحشيوَرش أعلن الآشوريون استقلالهم ونصبوا ملكاً على أنفسهم يدعى “بيل– شيمانّي” وتبعه الملك “شمّش إيريبا” ولكن هذه الثورة أيضاً تمّ سحقها عام 482 ق.م، ويتكلّم المؤرّخ الإغريقي هيرودوتس (490-420؟ ق.م) في كتابه “التواريخ” عن عدّة ثورات آشورية ويذكر كيف كان الآشوريون يسخرون من المحتل الفارسي ويهينون الملك نفسه عندما كان يمرّ موكبه في المدن الآشورية…
أمّا بعدَ مجئ السيّد المسيح، فكان الآشوريّون أوّل من اعتنق المسيحية، وذلك في بابل ومملكة “أور- هاي” (تسمّى اليوم “الرّها” أو “أورفا”) التي أسسها الآشوريون بُعَيد سقوط نينوى عام 612 ق.م، وولاية “آشور” في أربيل- شمال العراق الحالي التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي ضمن مناطق حكم الفرس الساسانيين وكان أحد ملوكها سنحاريب؛ والد القديسين بهنام وسارة واستمرّت هذه الممالك قروناً بعد الميلاد.
وبما أنّ المسيحية دين سامي يدعو إلى التبشير، من هنا فقد تحوّل الآشوريّون إلى النشاط التبشيري الذي امتدّ في فتراتٍ مختلفة إلى أقاصي شرق آسيا (الصين، اليابان، منشوريا، التيبت) وأرمينيا شمالاً والجزيرة العربية جنوباً وعُرفت كنيستهم بكنيسة المشرق، وكانت بمثابة “الإمبراطورية الكنسيّة” ورئيسها يحمل لقب “جاثليق المشرق”، وقد أسسها القدّيسون الرسل توما وأداي (تدّاوس) وماري، لذلك فاسمها “كنيسة المشرق الجاثاليقية الرسولية المقدّسة” وقد سُمّيَت عبر التاريخ “كنيسة المدائن” و”كنيسة ساليق” و”كنيسة بابل” و”كنيسة فارس” و”الكنيسة السُّريانية الشرقيّة”، كما تعرَف اليوم خطأ في الشارع الآشوري عامّة وفي بعض الأدبيات بعبارة “الكنيسة الآشورية”، ولهذه المغالطة أسباب تعود إلى طبيعة العلاقات الخارجية لهذه الكنيسة منذ قرون طويلة؛ فقد تمتع بطاركتها بسلطات “الحاكم” في الكثير من الأمور لدرجة أن اعتبرها المستشرقون “الكنيسة – الأمّة ” بالنسبة للشعب الآشوري، كما كانت حال الموارنة المستقلين في جبال لبنان (منطقة “قاديشا”) برآسة بطريركهم وزعماء العشائر. وهذه النظرية أدّت خطأ بالمبشرين والباحثين، ثم الإنتداب البريطاني إلى حصر الإسم القومي الآشوري بأتباع الكنيسة الشرقية – علماً أن أتباع الطائفتين الأخريين من الشعب الآشوري (سريان، كلدان) لم تكن مناطق سكناهم استراتيخية بالنسبة للحلفاء لذلك لم يتمّ دعمهم لينضمّوا إلى الحرب، ولكنهم رغم ذلك شاركوا في الشهادة ودفعوا ثمن مسيحيّتهم وآشوريّتهم غالياً كما أبناء جلدتهم من الكنيسة الشرقيّة – ومشت السلطات العراقية على نفس الخطى البريطانية فيما يخصّ التسمية حيث تعرف الطائفة الشرقية في العراق بعبارة “الطائفة الآثورية”، إنّما لأسباب سياسيّة تهميشيّة بحتة بهدف صهر الإسم الآشوري في المجتمعات الحديثة العهد التي حلت على أرض الآشوريين، وتعدّ هذه المغالطة إحد الأسباب الرئيسيّة في سوء فهم التسمية القوميّة الصحيحة لدى الآشوريين(كلدان، الكنيسة الشرقية، سُريان) وحتى الكثير من الساسة الآشوريين والباحثين والمثقفين من غير الآشوريين.
من هم البطاركة الشمعونيّون ؟؟
بسبب تدخل المحتلين لبلاد آشور في تعيين بطاركة المشرق من جهة، وصعوبة المواصلات بين الأبرشيّات لإنتخاب البطاركة من جهة أخرى، إضطرت رئاسة الكنيسة في أوائل القرن الرابع عشر إلى حصر الرتبة البطريركية بعائلة واحدة بحيث ينتقل الكرسي البطريركي من العم إلى إبن أخيه الأكبر، وهكذا بقيت بطريركيّة كنيسة المشرق وراثية منذ 1328 حتى 1975، أي حوالي 650 سنة توارث خلالها 23 بطريركاً الكرسي الرسولي تحت لقب “مار شمعون” ومن عائلة واحدة هي عائلة “مار شمعون” وكانوا بمرتبة القدّيسين بالنسبة لأتباعهم لكثرة تضحياتهم فيما عانوه من العذاب في سبيل كنيستهم وبني قومهم، وكان آخر سلسلة البطاركة الشمعونيين، البطريرك مار إيشاي شمعون (1920-1975) وهو إبن أخ البطريرك مار مار بنيامين شمعون، موضوع بحثنا.
بعد أن بلغت كنيسة المشرق أوج عظمتها في العصر العباسي، جاء الخطر المغولي ليهدد الشرق بأكمله حيث وصل جيش هولاكو حفيد جنكيزخان إلى بلاد آشور عام 1258 وقتل المستعصم، خليفة المسلمين في بغداد… وبسبب الظلم الذي تعرّض له أبناء هذه الكنيسة، أنتقلت جاثليقيتها من بغداد إلى “أربيل” في عهد البطريرك مار مكّيخا شمعون، ثمّ بلدة “ألقوش” في بلاد آشور (شمال العراق الحالي) بعد أن كان الأكراد قد دخلوا إلى أربيل بدعمٍ من المغول وفرّغوا المنطقة من سكانها الأصليين، وكان ذلك في عهد البطريرك مار طيماثاوس شمعون (1318-1328)، وتعاقب على الكرسي الرسولي في ألقوش ستة بطاركة خلال حوالي 300 عام، وقد دفنوا جميعهم في دير “ربان هرمزد” قرب ألقوش ثمّ انتقلت البطريركية إلى عدّة أماكن بسبب مضايقات الأكراد والأتراك والمبشرين الكاثوليك. ففي عهد البطريرك مار دنخا شمعون برماما (1552-1558) بدأ الإنقسام في كنيسة المشرق حيث انضمّ الراهب سولاقا بت بَلّو العقراوي (رئيس دير “ربّان هرمزد”) إلى الكثلكة بسبب الحماية التي يمكن أن تقدّمها الأرساليات “التبشيرية” لأتباعها (أتباعها فقط)، وذلك برشوَة الأكراد والأتراك بمبالغ مالية لمنعهم من التعرّض لهم، ويعرف اليوم القسم الكاثوليكي من كنيسة المشرق بإسم “الكنيسة الكلدانية”. أمّا من لم يتبع الكثلكة فقد بقي يعاني من إضطهاد المسلمين والمُبَشِّرين في سهول آشور (شمال العراق الحالي) مما دفع البطريرك مار ايشوعياب شمعون (1653-1690) إلى نقل الكرسي البطريركي من ألقوش إلى مدينة أورميّا الآشورية في شمال غرب إيران قرب الحدود التركية (هُجِّر منها الآشوريّون مراراً ولم يبق فيها اليوم سوى بعض العجزة)، وبقي البطريرك هناك لمدّة أربع سنوات ثمّ انتقل إلى “خسراوا” (خوسر- أباد) في سهل “سالامس” على الحدود التركية، فلاحقته إضطهادات المسلمين، وبعد سنة انتقل إلى جبال آشور العاصية، المعروفة بجبال “هكاري” (تصل قممها إلى ارتفاع 13000 قدم = 4400 متر) حيث استقرّ الكرسي البطريركي لمدّة أربعين عاماً في حماية قبيلة “ديز” الآشورية ثمّ انتقل في عهد البطريرك مار يهبالاها شمعون (مار يوّالاه ، 1558-1580) إلى منطقة “قودشانس” (“المَقدِس” – أيضاً في هكاري) بسبب وعورة منطقة “ديز”، وبنيت في تلك المنطقة كنيسة “مار شليطا” في العام 1689 واستقرّ الكرسي البطريركي في “قودشانس” بحماية العشائر الآشورية حتى أواخر العام 1915- الحرب العالمية الأولى.
البطريرك مار بنيامين شمعون:
وُلد البطريرك مار بنيامين شمعون عام /1887/ من المحترم إيشاي شمعون، شقيق البطريرك مار روئيل شمعون، وقد تمّت رسامته في أحد الشعانين في 30/آذار/1903 على يد مار إسحق خنانيشوع مطران إقليم “شمِّزدِن”، ومار إسطفانوس أسقف إقليم “غاور”. وخلال توليه كرسي كنيسة المشرق مارس صلاحيات أسلافه في إدارة شؤون الكنيسة، وتعيين رؤساء العشائر، وتحصيل الضرائب التي لم يكن باستطاعة الأتراك تحصيلها من القبائل الآشورية المستقلة، وكان يعتبر كما أسلافه، المرجع الوحيد للعشائر الآشورية التي لم تكن تعترف بالسلطان العثماني (عشائر تياري، تخوما، جيلو، ديز، باز) وكان البطريرك بمثابة قاضي العشائر كونه الوحيد من يفضّ الخلافات بين العشائر الآشورية، وحتى بعض القبائل الكردية المستوطنة في جبال آشور.
في عهد البطريرك مار بنيامين شمعون (1903-1918) دخلت الأمة الآشورية في مرحلة حرجة، فمع بداية الحرب العالمية الأولى، تجددت دعوات إبادة المسيحيين في تركيا عام 1914 وأخذ الأكراد والأتراك بنهبون ويحرقون القرى السهلية الآشورية تحت شعار “الجهاد” ويخطفون الفتيات إلى “دور الحريم” كحلالٍ لهم على جهادهم، حين تمّ إحراق أكثر من 600 قرية ومدينة آشورية وذبح أكثر من 600.000 آشوري من كنيسة المشرق والكنيسة السريانية والكنيسة الكلدانية في المناطق الممتدّة بين أورفا وأورمية، ودمّرت جميع الكنائس على يد الأكراد والأتراك تحت شعار “الجهاد”.
وبسبب الإضطهادات التي تعرّض لها الآشوريون غبر مئات السنين قبل الحرب العالمية الأولى، وجد الروس الفرصة في كسب الآشوريين إلى جانبهم – كونهم من أشدّ الشعوب في حرب الجبال – ومع إعلان “الجهاد” من قبل السلطنة العثمانية لم يكن أمام البطريرك مار بنيامين شمعون إلاّ الإنضمام إلى أقرب دولة من دوَل الحلفاء؛ روسيا. وبعد اتخاذ البطريرك قراره في 10/06/1915، ألقى الأتراك القبض على شقيقه، المحترم هرمزد الذي كان يُكمل دراسته في الموصل، ليجبروا البطريرك على تسليم سلاح الآشوريين لكنه رفض قائلاً جملته الشهيرة: “إن أخي هو واحد، أمّا أبناء أمّتي فهم كثر، فكيف استغني عن الكثير من أجل واحد ؟؟” فتمّ قتل هرمز مار شمعون فوراً على يد “حيدر بك” والي الموصل.
ومع بداية الإنتفاضة الآشورية ضد الجهاد، استغلت روسيا شهامة البطريرك وثقته بها لتستدرج شعبه إلى أطراف مدينة أورميا فيقف سدّاً منيعاً أمام الأتراك على الجبهة الغربية لمنطقة القوقاز، وهذا ما حصل فعلاً فقد صدّ الآشوريّون أربعة عشر هجوماً تركياً- كردياً حيث دحروا االفيلقين التركيين السادس والرابع، وفرقتي المشاة الخامسة والثانية عشر، وقبائل البرادوست والشيكاك الكردية الكبيرة العدد، والقوات الإيرانية بقيادة مجيد السلطاني… لدرجة أنّ الخبراء العسكريين في الدول الحليفة اعجبوا بشجاعة هذه الأمة الصغيرة. وبعد انسحاب الجيش الرّوسي من الجبهة بسبب اندلاع الثورة البولشيفية عام 1917، تفهّم البطريرك الموقف وبقي على اتصال وثيق بالروس فيما كان شعبه يواجه الإيرانيين والأتراك والأكراد بما تبقى له من أسلحة… وهنا جاء دور الإنكليز لاستغلال ظرف الآشوريين وروحهم القتالية العالية فتدخلوا لدى البطريرك ليسحبوا البساط من تحت أقدام الروس حيث عُقد اجتماعٌ بين الآشوريين والدوَل الحليفة في أورميا في شباط 1918 وحضَر الإجتماع القنصل الروسي “نيكيتين”، والقنصل الأميركي “شيد” والضابط الفرنسي “كوجول” والنقيب الأنكليزي “غرايسي” الذي وعد البطريرك الآشوري بإسم الحكومة البريطانية بدولة مستقلة (تمتد من أورفا إلى شرق بحيرة أورميّا وجنوباً حتى مدينة الموصل)، ولكنه بالمقابل طالب الآشوريين بوجوب التخلي عن الروس بسبب خروجهم من الحرب إثر الثورة البولشيفية، والإنضمام إلى بريطانيا التي ستؤمّن لهم الدولة المستقلّة بعد انتهاء الحرب.
بالفعل لم يكن أمام القيادة الآشورية إلاّ الإنضمام إلى الإنكليز سواء كذبوا أم صدقوا، خصوصاً بعد أن بدأت أسلحتهم تنفذ، ولكن الأنكليز يدركون جيّداً أن البطريرك ميّالٌ إلى الروس – الجار القديم للآشوريين – فأقنعوه بلقاء الآغا الكردي اسماعيل (ملقب “سيمكو”) مع علمهم الكامل حول الإتفاق الكردي – الإيراني على اغتيال البطريرك في ذلك الإجتماع، فالأمير الإيراني “مهدي شمس” كان يريد التخلّص من البطريرك ليستطيع دخول أورميا وضمّها إلى سيطرته والإنتقام من الآشوريين على ثورتهم التي نجحت ضد المسلمين في المدينة قبل فترة، وخلال الإجتماع عارض الإنكليز القائد الآشوري الجنرال آغا بطرس ذهاب البطريرك إلى معقل سيمكو، حيث اقترحَ مجئ سيمكو بنفسه احتراماً للبطريرك وحفاظا على سلامته، خصوصاً كون سيمكو كان معروفاً بجبنه وقلة شهامته، بينما اقترحَ الإنكليز ذهاب البطريرك بنفسه إلى سيمكو كمبادرة للسلام، وتقتصر استفادة الإنكليز من مقتل قداسته على إضعاف الموقف الآشوري باغتيال القائد الأعلى، وبذلك سيجد الآشوريون أنفسهم محاصرين بين أعدائهم المسلمين بينما سيكون الإنكليز الجهة الوحيدة القادرة على مساعدتهم (عندما تشاء)، عندها سيتمّ استدراج آشوريي الجبال إلى سهول آشور (العراق) بعد وعدهم بالحرية، ثمّ إثارة الفتن بينهم وبين الحكومة العراقية بهدف خلق مشكلة ليحلّوها بأنفسهم تحضيراً لمشاريع إقتصادية نفطية مع الحكومة العراقية التي لن تكون إلاّ دمية بيدهم.
وفعلاً وافق البطريرك على الذهاب بنفسه إلى سيمكو واتجه يوم السبت في 03/03/1918 إلى معقل الزعيم الكردي، مدينة كويناشهر في إيران، فاستقبله الأخير بحفاوة وقبّل يديه وطلب أن يضع مرافقيه سلاحهم جانباً كونهم أثاروا الرعب في المدينة، فلُبَّي البطريرك طلبه وكان الإجتماع ودّياً حيث تمّ الإتفاق على إحلال السّلام بين الآشوريين والأكراد وتحالفهم لنيل حقوقهم، ولكن بعد انتهاء الإجتماع خرج سيمكو مودّعاً البطريرك فانحنى ثمّ تناول بندقية أحد مقاتليه وأطلق منها الرصاصة الأولى وكانت تلك الرصاصة الإشارة لمئات المقاتلين الأكراد المختبئين على سطوح المنازل، فانهمر الرصاص على البطريرك ومرافقيه من كل الجهات وقتل أكثر من أربعين منهم أمّا الناجون فقد خاضوا معاركاً شرسة في المدينة بهدف أخذ جثة البطريرك الشهيد، وفعلاً استطاعوا التسلل والوصول إليها بعد أن مزقها الرصاص، وقد حمل المقاتلون جثة البطريرك على أكتافهم بالتناوب حتى منطقة “خسراوا” بعد أن كان الأكراد قد مثلوا بها حيث وضعوها على كرسي بداع السخرية، وأخذوا عمامته وبدأ أطفالهم يرفسونها في الشارع، وبتروا أحد أصابعه ونزعوا الخاتم البطريركي الذهبي. وكان على رأس المقاتلين الذين جلبوا جثة البطريرك، مرافقه الشخصي “دانيال ملك اسماعيل” (إبن ملك عشيرة تياري). وكان الشعب الآشوري المنهك من المجازر ينتظر الأخبار السارّة حول السلام الآشوري – الكردي، بينما على العكس، فقد وصلته أخبار كارثة استشهاد ثاني شخصٍ بعد السيد المسيح بالنسبة لهم، فعمّ الغضب وتشكّلت قوّة من الآلاف من رجال العشائر تحت أمرة الملك اسماعيل (عشيرة تياري العليا)، الملك خوشابا (عشيرة تياري السفلى)، الملك أوشانا (عشيرة تخوما) واقتحمت هذه القوّة مدينة كويناشهر في 18/03/1918 وسيطرت على المدينة بعد معارك دامية عنيفة، حيث استشهد 24 مقاتلاً آشورياً. لكن سيمكو استطاع الفرار إلى قلعة “تشارا” في وادي “سالامس” (غربي بحيرة أورميا) فلحق به الآشوريون واحتلوا القلعة ثمّ استطاع الفرار متنكّراً إلى مدينة “خوي” في الشمال حيث قتل أكثر من 3800 رجل وطفل وإمرأة من الآشوريين العزّل، بمساعدة قبائل كردية أخرى، وقد سهّل فراره المبشر الأميركي كارتر باكارد الذي كان المحرّض على مجزرة “خوي”، والذي تشكّ عائلة المار شمعون بضلوعه مع الإنكليز في التخطيط لمقتل البطريرك.
وبعد سنتين اختلف سيمكو مع الإيرانيين فهرب إلى العراق بحماية صهره الشيخ “سيّد طه”، قائمقام منطقة “راوندوز”، وهنالك لاحقه الزعيم الآشوري “ياقو ملك اسماعيل” (شقيق دانيال الذي مرّ ذكره) ومقاتلوه بشكلٍ سرّي حيث تسللوا إلى منطقة “ديانا” في شمال العراق الحالي بهدف الثأر للبطريرك ومعرفة من وراء مخطط اغتياله، لكن الإنكليز أخبروا سيمكو بخطّة “ياقو ملك اسماعيل” فهرب مجدّدا وفي النهاية دُعي سيمكو من قبل الأمير الإيراني إلى الصلح بعد خلاف غير معروف، فكانت نهايته بنفس الطريقة التي قتل بها البطريرك الشهيد، حيث قتله مُضيفه.
المخطط البريطاني:
في 29/أيار/1918 تمّت رسامة بولس مار شمعون، شقيق البطريرك الشهيد وفي عهده تمّ تنفيذ الخطة البريطانية في استدراج آشوريي الجبال إلى سهول آشور(شمال العراق الحالي) لإخراج الجيش التركي بواسطتهم كونهم الوحيدين الذين يستطيعون محاربة الأتراك في الجبال في حال تمّ تسليحهم وذلك بعد أن تزايد الحصار على الآشوريين في أورميّا ومحيطها ونفذت أسلحتهم، فبدلاً من أن يمدّهم الإنكليز بالأسلحة، طلبوا منهم التوجّه إلى “ساينقلة” للإلتقاء بهم ومدّهم بالذخيرة ولكن لدى وصول المقاتلين الآشوريين إلى المدينة بقيادة الجنرال بطرس إيليّا (المعروف بآغا بطرس) لم يجدوا أحداً فاضطرّوا للعودة إلى أورميا فيما كانت فرقة “سالامس” بقيادة الجنرال داوود مار شمعون (شقيق البطريرك الشهيد) تقوم بإلهاء الجيش التركي السادس والقبائل الكرديّة على جبهة جبل “سيرا” (الحدود التركية الإيرانية) للحؤول دون دخولهم إلى سهل سالامس ومدينة أورمية، ولدى وصول فرقة آغا بطرس عمّ الرعب بين الآشوريين في أورمية لدى علمهم بالغدر البريطاني ورغم ذلك لم يكن لديهم أي حلّ سوى التوجه إلى مدينة همدان الإيرانية حيث أقرب قاعدة بريطانية، وذلك سيراً على الأقدام (مسافة 800 كلم) فاضطر أكثر من 200 ألف آشوري للسير على الأقدام لأكثر من مدّة شهر حيث فقدوا 54 ألف قتيل على قارعة الطريق أثناء الهجومات المتكررة من الأكراد والأتراك والإيرانيين، عدا 11000 شهيد في قافلة أخرى اتجهت شمالاً نحو جورجيا، بالإضافة إلى الأمراض القاتلة بسبب الحر الشديد والشرب من المستنقعات القذرة حيث توفّي أكثر من 5000 طفل آشوري من الأمراض بعد وصولهم إلى مخيّمات اللاجئين التي أعدًّت خصّيصاً لهم في “همدان” و”كرمنشاه” في إيران، ثم “بعقوبة” في العراق، ومن ضحايا الأمراض أيضاً البطريرك مار بولس شمعون نفسه، وذلك بعد سنتين على تنصيبه حيث انتخب بعده (عام 1920) البطريرك مار إيشاي شمعون إبن الجنرال داوود مار شمعون، وكان آخر البطاركة الشمعونيين.
بين الأمس واليوم:
يعتبر البطريرك مار بنيامين شمعون شهيد الأمة الآشورية وكنيسة المشرق، حيث تحتفل الكنيسة بذكراه كشهيد الكنيسة في الأحد الذي يسبق الصوم الكبير من كل عام (صادف هذه السنة في 15/شباط)، أما المؤسسات العلمانية (الإجتماعية والثقافية والسياسيّة) فتحتفل بذكراه كشهيد الأمة الآشورية في الثالث من آذار كل عام، وما زال الشعب الآشوري يتطلع إلى الهدف الذي استشهد من أجله البطريرك مار بنيامين شمعون وباقي قادة الأمة الآشورية ومئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، ألا وهو السلام والحرية للأمة الآشورية أسوة بباقي الأمم.
ويجري اليوم تنصيب بطريرك “الكنيسة الشرقية الآشورية” بالإنتخاب، ويجلس كريماً على الكرسي البطريركي غبطة مار دنخا حنانيا الرابع، مقرّه في الولايات المتحدة الأميركية (بعد سقوط النظام العراقي، من المتوقع عودته إلى المركز الأساسي لكنيسة المشرق، في بلاد آشور)، وقد جسّد غبطته مبدأ “فصل السياسة عن الكنيسة” بوجود الأحزاب والمنظمات الآشورية الساعية إلى نيل حقوق الشعب الآشوري في وطنه التاريخي، إنما مع استمرار تهميشهم من قبل الشعوب المسيطرة على وطنهم. فمن الواضح من التطوّرات السياسية اليوم، خصوصاً من خلال ما نستخلصه من مواقف الساسة العراقيين ومن خلال طريقة صياغة القانون الإداري المؤقت لدولة العراق، بأنّ الشعب الآشوري سيعاني المزيد ولسنين طويلة (هذا إن بقي من بقي في وطنه)، إلاّ في حال كثف الآشوريون جهودهم لمواجهة مخططات “قوى الأمر الواقع” وذلك بتبنّى سياسة جديدة في التعامل ضمن البيت الآشوري أوّلاً، والبيت العراقي ثانياً.
تنويه (nala4u) ; لأهمية المادة .. لذأ أعيد نشرهأ مع التقدير .