بقلم سليمان يوسف
الموضوع; حول الشأن الكردي .
shuosin@gmail.com
28 / 08 / 2023
https://nala4u.com
ثمة جدل كبير يثار حول الأكراد.. تاريخهم .. أصولهم العرقية .. انتشارهم في المنطقة ..علاقاتهم .. مشروعية تطلعاتهم القومية …سلاحهم .. دورهم في الحروب و النزاعات التي شهدتها وتشهدها المنطقة.. المؤرخ البريطاني (تشارلز تريب)المتخصص بتاريخ العراق السياسي خلال محاضرة له ألقاها في جامعة اكسفورد البريطانية العريقة ” ينفي وجود عرق كردي” . يقول:” إن القومية الكردية اُستحدثت أواخر القرن التاسع عشر ” . مستنداً على آثار ووقائع تاريخية لا تقبل الدحض والتي تعتبر “الكرد فرعاً من أصل فارسي”. وقد أشارت الموسوعة البريطانية الى ذلك باستفاضة، وكيف كان يعيش الأكراد على شكل قبائل بدو رحل في بلاد فارس (ايران) والجبال المحيطة بها . لم يذكر التاريخ، بأن الأكراد أقاموا دولة وحضارة خاصة بهم .المحاولة الأولى والفاشلة لإقامة (دولة كردية) كانت عام 1946 في مدينة (مهاباد) الإيرانية ، وليس في (الجزيرة الفراتية)، الممتدة من شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق وجنوب شرق تركيا وهي الجزء الشمالي الغربي من بلاد ما بين النهرين( الموطن التاريخي للآشوريين ).. الدكتور الكردي العراقي (عمر ميران) – بكالوريوس حقوق / كلية الحقوق / جامعة بغداد 1946 حاصل على شهادة الدكتوراه / 1952 / جامعة السوربون/ تخصص تاريخ شعوب الشرق الأوسط، أستاذ التاريخ / في جامعات دول مختلفة. يقول (ميران): ” ان الشعب الكردي شعب بسيط وبدائي في كل ما في الكلمة من معنى حقيقي. هذا ليس عيبا او انتقاصا من شعبنا الكردي ولكنه حال كل الشعوب البسيطة في منطقتنا المعروفة حاليا بالشرق الأوسط …الحقيقة العلمية يجب ان تقال , فليس لدى الشعب الكردي ما يقدمه للشعوب المجاورة . علما ان معالم الحضارة الآشورية (الموجودة في نفس المنطقة) ما تزال قائمة هناك. فلم يصل الى علمنا وجود أي معلم من المعالم الحضارية للشعب الكردي.. ان البعض يحاول ان يقنع نفسه بحضارة كردية وهميه كانت في زمن الدولة الأيوبية. وهنا اقول انها لم تكن كردية ولكنها اسلاميه .”.
الظروف التاريخية ، من غزوات إسلامية وحروب طويلة وما تسببت به من انزياحات سكانية كبيرة، خدمت الأكراد، بعد تحولهم من الديانة الزرادشتية إلى الإسلام ، ومكنتهم من الانتشار السريع والكثيف خارج (بلاد فارس) ،خاصة في زمن حكم السلطنة العثمانية السنية وحروبها مع الدولة الفارسية الشيعية. بعد معركة جالديران عام 1514 ، التي انتصر فيها العثمانيون على الفرس،السلطنة العثمانية كافأت القبائل الكردية على وقوفها الى جانبها في الحرب، شجعتها وقدمت لها الدعم العسكري والمالي للانتشار والتوسع في المناطق الآشورية والأرمنية الخاضعة لسيطرتها ، بهدف تقويض الوجود المسيحي. ( معلومات موثقة في كتاب سياسة وأقليات في الشرق الأدنى لـ آني – ولورانت شابري)، كذلك في كتاب( ماردين) للباحث الفرنسي( إف ترنون) يتناول فيه (الإبادة الجماعية) لمسيحيي السلطنة العثمانية 1915. (الظروف التاريخية) خدمت الأكراد لجهة تعزيز وجودهم وانتشارهم في المنطقة، بيد أن (الجغرافية السياسية)، التي ينتشرون فيها ،تشكل سداً منيعاً(فيتو) في وجه أي محاولة لإقامة “دولة كردية” . إذ من غير الممكن بل من المستحيل تقسيم وتفتيت أربع أو ست دول ينتشر فيها الأكراد اليوم لأجل إقامة “كيان كردي” . أمريكا والغرب والدول العظمى لم تعد مهتمة بتشكيل دول في عالم جديد يسعى لدمج الدول وخلق تجمعات بشرية كبيرة تكون أكثر مفيدة في تنشيط وتحفيز الاقتصاد العالمي وتحقيق التنمية البشرية.
منذ عقود والأكراد يقاتلون لأجل إقامة “دولة كردية”. حروبهم كلفت عشرات آلاف القتلى والجرحى غير المشردين والمهجرين والنازحين ، لكنهم لم يحصدوا سوى (خيبات الأمل).. ما كان للعراق أن يتحول إلى (دولة فدرالية) ، من إقليم عربي وآخر كردي، لو لا الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 وفرض الأمريكان إرادتهم(دستور بريمر) على الشعب العراقي. عشرون عاماُ مضى على النظام الفدرالي ، بقي نظاماً هشاً مهزوزاً مهدد بالزوال والعودة بالعراق إلى (الدولة المركزية). رئيسة برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي(مارينا أوتواي) ، ترى “أن العراق يشهد حاليا تفكيكا تدريجيا للفدرالية التي فرضها الأمريكان على العراقيين إبان احتلالهم للعراق 2003 . في تحليل نشرته بـ(مركز ويلسون) ترجمه (الخليج الجديد 16/7/2023)، أشارت (مارينا )” إلى أن الدستور العراقي، الذي لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في كتابته عام 2005، تم طبخه على عجل ولم يحظ بإجماع العراقيين ، و لهذا ولدت الفيدرالية العراقية مهتزة منذ البداية” . الاستفتاء الذي أجرته (حكومة البرزاني) على انفصال الإقليم الشمالي عن العراق عام 2017 كاد أن يُدخل (أكراد العراق) في حروب مفتوحة ليس مع حكومة بغداد فحسب، وإنما أيضاً مع دول الجوار العراقي الرافضة لفكرة “الدولة الكردية”. الخوف من الانزلاق لهكذا حرب خاسرة، تراجع مسعود البرزاني عن مطلب الانفصال وسحب قواته من كركوك ومناطق أخرى وسلمها للجيش العراقي، كانت قد سيطرت عليها (البيشمركة الكردية) إبان الاحتلال الأمريكي للعراق ( 2003). مجلة (إيكونوميست)البريطانية،في تقرير لها عن الوضع السياسي لأكراد العراق- نشرته صحيفة (القدس العربي 19/8/2023 ) ، التي تصدر في لندن- عنونت تقريرها ” بعد ثلاثة عقود .. حلم الاستقلال الكردي يتلاشى “..جاء في التقرير:” بعد 30 عاما من الحكم الذاتي، عاد اقتصاد الأكراد وحدودهم ومناطقهم وسياساتهم إلى حد كبير تحت السيطرة المركزية”. فيما يخص “الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا”،الفاقدة للشرعية الوطنية والدستورية، التي أعلنها (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي في المناطق السورية الخاضعة لسيطرته ، مستغلاً الأزمة السورية الراهنة، مصيرها مرتبط وإلى حد كبير بالوجود العسكري الأمريكي في مناطق هذه الإدارة. بمعنى ، إذا ما انسحبت أمريكا من سوريا ستختفي هذه الإدارة ، أو على الأقل لن تبقى بالشكل الذي هي عليه اليوم”دويلة كردية” .
أخيراً: مع عجز الأكراد عن تغير الواقع (الجيوسياسي) الإقليمي الذي يحاصرهم ويتحكم بمصيرهم ، أرى أن مصلحتهم تكمن في السعي مع بقية شعوب المنطقة لإقامة دول (مدنية علمانية ديمقراطية – دولة مواطنة) بدساتير تضمن (الحريات السياسية) والحقوق (الثقافية واللغوية والإعلامية والفكرية) لجميع القوميات، دون تمييز أو تفضيل.
تنويه (nala4u) ; الموقع يتبنى التسمية الاشورية كقومية , تاريخ ولغة وغير ملزم ما تسمى بكردستان .