بقلم سامي هاويل
همسة مدوية في ضمائر الكُتاب والنشطاء الآشوريون
06/ 04 / 2013
http://nala4u.com
ربما ينحرف مسار حركات وأحزاب قومية معينة في ظروف ومراحل مختلفة ولأسباب عِدّة, وغالبا ما يكون ذلك مؤثرا وبشكل مباشرعلى شعوبهم ومصائرها, وربما تختفي وتتلاشى بعضها لتبرز غيرها أُخرى, ولربما يفرض العجز في إصلاح التيارات السياسية القومية الحاجة المُلحّة لخلق بدائل تلبي رغبة الجماهير وتحقق طموحاتهم, ولكن بالرغم من كل ذلك تبقى المسيرة النضالية في حراك مستمر بالرغم من تعثرها, ويبقى تقدمها ونجاحها مرهوناً بمشروعيتها وأداء الطليعة والجماهير, ومدى قدرتهم على مواجهة التحديات, وهنا يبرز دور المثقفين من الكُتاب والأدباء والشعراء والأعلاميين في توعية شعوبهم وفق اُطر تستند لثوابت مبدئية, فعملية تقويم مسار الحركات القومية السياسية تخرج أحيانا من إطارها التنظيمي وتحتاج الى مجهود فكري كبير تحث الشعب للضغط في الأتجاه الصائب لمعالجة الخلل. ولأن البدائل الحقيقية تولد من رحم الأمم, لذا يكون دور المثقف مؤثراً جداً في تلقين أبناء أُمته بالفكر الناضج وفق معايير صحيحة, وفي ظل أستقلالية القلم والكلمة وولائها للمصلحة القومية العليا دون غيرها.
أما إذا أنحرف مسار هذه النخبة فحتما سيكون لذلك نتائج سيئة على شعوبهم, ويتسبب في تشويه قضاياهم وهويتهم وشل مسيرتهم وإسقاط أستحقاقاتهم وتُضاعف معاناتهم الى درجة تقود هذه الشعوب الى التفكك والتشرذم والأنشطار المستمر مما يُسهل عملية قضم حقوقهم وأبتلاعهم من قبل محيطهم المختلف عنهم عرقاً وأنتماءً.
الحركات القومية لن يُكتب لها النجاح إلا أذا كانت تسير وفق نهج واضح وبشكل مدروس ومتكامل ومخطط له, يلعب الجميع شعباً وأفراداً ومؤسسات دورهم الرائد فيها, متعاملة مع الواقع في إطار المتغيرات, ووفق ثوابت لا يجوز مسّها, كما يشترط أن تكون هذه الحركات مكملة لمسيرة شعوبهم النضالية ومحافظة على خصوصيتها.
إن عملية توعية أبناء أمتنا الآشورية وتعبئة طاقات جماهيرنا تقع بالدرجة الأولى على عاتق الأقلام المختصة بالشأن القومي, والتي ولائها يجب أن يكون لقضيتنا القومية الآشورية دون الأنحياز الى أجندات مصلحية آنية, وتعتمد على الثوابت والمباديء الأساسية التي لا يمكن المساومة عليها أو قولبتها ومن ثم صفها الى جانب المتغيرات, لأن هذا يعتبر تصرف خطر يخلو من الحرص والمسؤولية وهو بحد ذاته عملية أنهزامية ورضوخ لما يمليه الحاضر, وحتما سيُدخلنا في دوامة تهدد قضيتنا وتشوه جوهرها وتُسقط مشروعيتها كما يحدث في أيامنا هذه.
وإذا ما ألقينا نظرة في هذا السياق على حاضر اُمتنا الآشورية وهي تعيش أحدى مراحلها ربما تكون الأصعب والأكثر تعقيدا في تاريخها الحديث والمعاصر, لما تعانيه من اضطهاد وقتل وتنكيل وتهجير وتشويه ومحاولات طمس هويتها وقلع جذورها من أرضها التاريخية, ناهيك عن التخبط الفكري والأنقسامات الطائفية والعشائرية والمناطقية والصراعات الحزبية والتشتت والضياع الذي يُجهض كل المحاولات الرامية لأنقاذ الموقف, فتُلقى اللائمة في كل نكسة تلم بنا على القيادات السياسية والروحية كونها على تماس مباشر مع كل هذه التحديات. بينما نغض الطرف عن الدور الهدام الذي ينتهجه العديد من الكُتاب السائرين وراء العاطفة ضاربين بذلك عرض الحائط كل القيم والمباديء, وخلو المنابر القومية من الكلمة والنهج القومي الناضج, عدا القلة من الذين وقفوا على حدّ السكين ولا تكاد تلقى مواقفهم أهتماماً في أيامنا هذه وسط هذا الكم الهائل من الأقلام الملونه والخطابات الأنهزامية المحسوبة على النهج القومي.
إننا اليوم نعاني من أزمة فكرية سببها الرئيس هو الدور الهدام الذي يمارسه الكثير من كُتابنا في هذا المجال, فبدلاً من أن يكونوا فعالين بشكل ايجابي في إعادة هيكلة الصف القومي, نراهم ينسجمون مع أجندات ومشاريع آنية مختلفة لا تنصب في مصلحة أمتنا الآشورية على الأطلاق, وباتت أقلامهم تصوغ خطابات تتناغم مع الواقع الشاذ, ليقفوا بذلك على مسافة بعيدة عن القراءة الموضوعية للمشهد القومي والسياسي, لذا نراهم يخفقون في تحديد مكامن الخلل بجرأة وشفافية لمعالجتها بشكل جذري, فاقدين بذلك مصداقيتهم كلياً ودورهم الريادي في تحمل مسؤوليتهم التاريخية لتوعية أبناء اُمتنا الآشورية لتمكينهم من فهم وإدراك حاضرهم والتفاعل معه بالشكل المطلوب لمواجهة كافة التحديات التي تهدد كيانهم ووجودهم.
لقد بات جلياً اليوم عدد لا يستهان به من الكُتاب, يصولون ويجولون يميناً ويساراً شمالا وجنوباً في الحقل القومي الآشوري, يلقبون الأشياء بغير مسمياتها وينتهجون فكراً يصل أحيانا الى درجة الهلوسة والهذيان, فيصفون الفكر القومي الآشوري بالضيّق! وينعتون حامله بالطائفي والعنصري!!, وبات أكثريتهم لا يميزون بين الآشورية كهوية وقضية ومسيرة قومية مشروعة ومُدوّلة, وبين تسمياتنا الطائفية المختلفة, وبهذا التخبط يشكلون دعماً مباشراً لتوأمهم من سياسيي الزمن الرديء البارعين في أيجاد الأعذار لكبواتهم الكثيرة وإخفاقاتهم المستمرة, وما أنعقاد المؤتمر المشؤوم في تشرين الأول من عام 2003 الذي حبل بطريقة غير مشروعة وولد قيصرياً أسما لهوية مجهولة ومخلفاته السيئة إلا دليلاً قاطعاً على ذلك, فبدلا من أن تجهد الطليعة القومية المثقفة بشكل فعال في صد كل المحاولات التي تطعن خاصرة المسألة الآشورية, مضوا أصحاب الكثير من الأقلام المعروفة والجديدة منها على حد سواء في دعم هذا النهج العقيم وحقنه في الوسط الآشوري, وعملوا كل ما بوسعهم وسخروا جلّ أمكانياتهم وطاقاتهم لتمريره على أبناء أمتنا الآشورية وإرغامهم لتقبل هذا المشروع الأنبطاحي الذي وقف عائقا في منتصف الطريق, واليوم نلتمس جميعنا نتائجه وتبعاته السلبية الخطيرة التي تلقي بضلالها السوداء القاتمة على مجمل قضيتنا القومية الآشورية في الوطن والمهاجر, وأدخلتنا في صراع تسموي خطير بعد أن شرعنوا بعملتهم تلك كل التسميات الطائفية وأسبغوا عليها الصفة القومية, وهكذا غابت من جديد هويتنا القومية الآشورية وأضعنا فرصة ثمينة لأحقاق حقوقنا على أرضنا التاريخية وأصبحنا (شعب متعدد القوميات). إن هذا يعتبر جريمة بحق شهدائنا وقضيتنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
إن عملية المراوغة التي يمارسها العديد من متعاطي الكِتابة اليوم في أنتقاء التسميات التي كثِرت يوما تلو الآخر وتلقين خطاباتهم اليومية بشعارات رنانة بعيدة عن العقل والمنطق لن تحقق هدف الوحدة المزعوم, لأننا أساساً أمة واحدة موحدة بحسب المفهوم القومي الصائب, وأنقساماتنا هي شأن كنسي وطائفي, وحلها يجب أن يكون في إطارها هذا, وحتى لو تحققت الوحدة الكنسية وما لها من تأثير أيجابي في هذه المرحلة لكننا سنبقى مشتتين فكرياً وسنظل نجتر هذه المهاترات, لأننا نفتقر الى الوحدة الحقيقية المتمثلة بالخِطاب القومي الآشوري الذي يُعتبر المرجع الأمثل لكافة فعالياتنا السياسية ومؤسساتنا القومية وكنائسنا المختلفة, فحضوره وتبنيه من قبل الجميع كان سيجنبنا تلقي الهزائم الواحدة تلو الأخرى حتى لو كانت لدينا العديد من المذاهب وعشرات الأحزاب القومية.
أليس من واجب مثقفينا وكُتابنا أن يتكاتفوا لأعادة صيانة هذا الخطاب وصياغته بما تقتضية المصلحة القومية العليا بدلا من محاولة خلق بدائل مشوهة وميتة قبل أن تولد؟
ألم يكن لهذا التقصير الكبير دورا مؤثراً في أنحراف مسار غالبية مؤسساتنا السياسية والقومية؟
ومن ثم ألم تكن مواقفهم هذه مساندة للفكر الأقصائي ومروجة للدكتاتوريات المتنفذة الجاثمة على صدور تنظيماتنا السياسية ومؤسساتنا القومية ومجهضة لكل عملية إصلاحية داخل العديد من أحزابنا ومؤسساتنا القومية؟
بناءاً على النتائج والمعطيات التي دحضت سذاجة نظرية تحقيق الوحدة القومية بالتسميات المركبة والمنفردة والمطرزة بالواوات والشارحات والخالية منها طوال عقد من السنين, يفرض اليوم وبقوة على جميع مثقفينا من الكُتاب والأُدباء والمفكرين ( من كافة طوائف أمتنا الآشورية) لإعادة قراءة الأحداث بشكل دقيق وتحمل مسؤوليتهم التاريخية وإعلان موقفهم الصريح والواضح من الآشورية وتجاه مجمل الأمور التي تمسها, والأبتعاد عن سياسة التمويه والأختباء وراء مصطلحات ( شعبنا !, أمتنا !, الكلدوآشوريين !, الكلدان السريان الآشوريين ! , سورايا !, مسيحيين ! , وغيرها ) المضللة التي تهيمن على أكثرية نتاجاتهم الفكرية ومقالاتهم التي تملأ صفحات العديد من المواقع الألكترونية لأرضاء هذا الطرف أو ذاك, لأن هذه العملية تعتبر تهرب وتأجيل مرحلي لإزماتنا المزمنة التي ستتفاقم كلما مضت الأيام, والعمل على أيجاد السبل الكفيلة لتوعية الجماهير الآشورية وتعبئتها لتلعب دورها الرائد في دعم ومساندة الحلول والبدائل الكفيلة بإنقاذ القضية الآشورية, والتكاتف وبذل الجهود الحثيثة لصياغة الخطاب القومي الآشوري كمشروع نهضوي متكامل وحل أمثل لتجاوز كافة المحن التي تواجهنا في هذه المرحلة العصيبة.
سامي هاويل
سدني / أستراليا
6/4/2013
تنويه (nala4u) ; الموقع يتبنى التسمية الاشورية كقومية ,تاريخ ولغة..ولأهمية لذا اعيد نشرها مع التقدير .