بقلم فواد الكنجي
الموضوع; التغير المناخي وأزمة السياسات المائية لدول الجوار العراقي
05 / 12 / 2021
http://nala4u.com
يواجه (العراق) خطر جفاف نهري (دجلة) و(الفرات) الأمر الذي سيؤدي خلال السنوات القادمة إلى أن يصبح (العراق) بلاد ما بين النهرين أرض بلا أنهار، فشح المياه بدأت تزداد رويدا – رويدا كل عام بسبب تواجد اغلب فروع ومنابع نهر (دجلة) و(الفرات) خارج حدود الإقليمية لدولة (العراق)، وان دول المنبع تنشأ سدود وتقوم بتغيير مجاري الأنهار الفرعية إلى داخل أراضيهم بعيد عن مجرى الرئيسي لنهر(دجلة) و(الفرات) بما اثر تأثيرا بالغا لمنسوب النهرين؛ لتعاني دولة المصب الأخير لهما (العراق) مشكل انخفاض مناسيب المياه لهذين النهرين؛ بما اثر على الزراعة والثروة الحيوانية والتجمعات الريفية التي تتواجد حول النهرين وعلى طول امتدادهما داخل الأراضي (العراقية)؛ وهذا ما يثير الكثير من القضايا الخلافية بين (العراق) ودول المنبع والمجرى (تركيا) و(سوريا) و(إيران) نتيجة عدم توصل (العراق) إلى اتفاقيات ومعاهدات ملزمة بين هذه الدول في مجال إنشاء السدود والمشاريع المائية على المجرى المائي الدولي بما يحقق العدالة المائية في تقاسم المياه .
ووفق توقعات مؤشر (الإجهاد المائي) فان بحلول عام 2040 سيصل انخفاض المياه السطحية بحدود واحد وخمسين مليار متر مكعب سنويا بعد انجاز اغلب السدود والمشاريع المائية خارج الحدود على مجرى نهري (دجلة) و(الفرات)، فنقص الإيرادات المائية ستلحق أضرارا كبيرة لمستوطنات الريفية المحاذية لمجرى الأنهار؛ وستخلق لهم معاناة نتيجة ما سيلحقه هذا النقص على حصصهم المائية والزراعة والثروة السمكية، لان نوعية المياه (العراقية) وخاصة في الأجزاء السفلى لمجرى نهري (دجلة والفرات) ستتلوث مما يؤدي إلى عدم صلاحية المياه للاستخدام البشري والزراعي والحيواني؛ بسبب إن مياه الصرف عن مشاريع الري المقامة في دول منابع النهر يؤدي إلى تركيز الملوحة في المياه الواردة؛ خاصة المياه القادمة من (إيران) على نهر (دجلة)؛ لتسبب أثار سلبية على مشاريع الري نتيجة الترسبات الملحية ونقص الوارد المائي في (شط العرب) مما أدى إلى تغيير واضح للعلامات الحدودية بين البلدين لدرجة التي زاد من مساحة المياه الإقليمية لـ(إيران) على حساب (العراق)، ليترك هذا الأمر أضرار في عمل الموانئ ومراسي السفن (العراقية)، إضافة إلى تأثير قطاعات أخرى عديدة وأهمها منظومات الطاقة الكهرومائية، وهذا سينعكس سلبا على القطاعات الصناعية والإنتاجية (العراقية) التي تعتمد على هذه الطاقة .
فالإضرار التي تتعرض (العراق) نتيجة بناء سدود وتغير مجرى انهار المنبع في (تركيا) و(إيران) و(سوريا) هي أضرار جسيمه؛ إضافة إلى ذلك فهناك أضرار أخرى يتعرض (العراق) لا تقل خطورة مما ذكرناه إلا وهي (التغيرات المناخية البيئية) و(زيادة العواصف الرملية) بسبب جفاف مناطق (هور الحويزة) و(اهوار ميسان) وانخفاض منسوب (بحيرة الحبانيه) و (وادي الثرثار) نتيجة تأثرهما بنقص الوارد المائي من (تركيا) و(إيران) و(سوريا)؛ بكون (جغرافية العراق) يقع في مصب جميع الأنهار الآتية من هذه الدول، ولهذا السبب تتناقص كميات المياه في الخزانات والبحيرات والأنهار (العراقية) إلى مستويات حرجة، الأمر الذي يؤثر سلبا في تغذية المياه الجوفية والاهوار والبحيرات .
ويتأثر (العراق) فوق كل هذه العوامل بعوامل أخرى يفرضها موقعه الجغرافي؛ فـ(التغير المناخي) لا يقل خطورة من بناء السدود وتغيير مجرى الأنهار من مناطق المنبع، فالعوامل المناخية تفعل فعلتها في نقص هطول الإمطار وإطالة فصل الصيف وتزايد موجات الحر الذي وسع من تصحر الأراضي (العراقية)؛ ما اثر على تعرض البلاد إلى عواصف غباريه ورمليه على مدار السنة؛ الأمر الذي ساهم في زيادة نسبة تبخر المياه، وهذه العوامل من نقص هطول الإمطار وارتفاع درجات الحرارة وأطال فصل الصيف وزيادة العواصف الغبارية والترابية التي باتت تضرب مدن وأرياف (العراق) خاصة الجنوبية وبشكل يومي تقريبا، بما أدى إلى انقراض الكثير من أنواع الأسماك؛ بكون اغلب الاهوار والمسطحات المائية الجنوبية تحولت إلى براري موحشة قاحلة بعد إن كانت من أكبر المحميات الطبيعية على وجه الأرض، ولكن للأسف اغلب هذه الاهوار اليوم تصحرت؛ بعد إن توسعت مساحات التصحر الأراضي على حساب المساحات الخضراء التي تتناقص رويدا – رويدا في (العراق)؛ وهي مؤشرات خطيرة في (التغير المناخي) الذي يتعرض (العراق)؛ وبما يؤدي إلى تدهور الأوضاع الصحة العامة للمجتمع؛ بارتفاع نسبة الأمراض التنفسية كالحساسية والربو والأزمات القلبية وأمراض سوء التغذية وانتشار الأمراض وتفاقم الأوبئة، كما إن لتغير المناخ مخاطر أخرى يهدد الأمن الغذائي للمجتمع (العراقي) بتراجع الموارد المائية الذي يؤثر على الإنتاج الزراعي والحيواني؛ كما انه يسبب في نقص مساحات الغطاء النباتي وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي على الأراضي (العراقية)، وبالتالي فان (التغير المناخي) له تداعيات يهدد الاستثمار الاقتصادي والزراعي والحيواني بما يعكس سلبا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام .
ولما كان (العراق) يعتمد على المياه العذبة الواردة من نهري (دجلة) و(الفرات) اللذان يتدفقان من (تركيا) و(إيران) و(سوريا) وهي بلدان المنبع لمصادر المياه الواردة إلى (العراق)، حيث تشكل الأمطار بحدود ثلاثين في المائة من موارد (العراق) المائية؛ بينما تشكل مياه الأنهار الممتدة من (تركيا) و(إيران) و(سوريا) حولي سبعين في المائة، فهذه الدول التي تشرع بدون توقف في بناء سدود وتغيير مجرى الأنهار؛ كما تفعل (إيران)، وان نقص في كمية سقوط الإمطار والثلوج بصورة عامة في مناطق المنبع وخاصة في المرتفعات (التركية) و(الإيرانية) وفي عموم (العراق) مع زيادة معدل الاستهلاك في البلدان المجاورة و(العراق)؛ كلها عوامل أدت إلى شح المياه العذبة في (العراق)، ففي وقت الذي تتفاقم هذه الأوضاع المائية؛ فان العاملين في حقول ألزراعه في (العراق) مازالوا يعتمدون الأساليب القديمة في إدارة الموارد المائية؛ وهم غير مطلعي أو مدركين ظروف (التغيرات المناخية) في منطقتنا؛ بقدر ما يشكون من خصوبة التربة وفقدان الأراضي الزراعية والتي جلها تعود إلى نقص الرطوبة في التربة وزيادة العواصف الغبارية والرملية والترابية، فالمؤثر المناخي يفعل فعلته في زيادة نسب التصحر والملوحة والتلوث التي ترتفع في عموم الأراضي (العراقية) وخصوصا في مناطق الأهوار الجنوبية، وان انخفاض منسوب المياه في نهري (دجلة) و(الفرات) سيؤدي إلى توقف العمل في منظومات توليد (الطاقة الكهربائية) المقامة على هذين النهرين، خصوصا في سد (الموصل) وسد (دوكان) وسد (دربندخان) وسد (سامراء)، كما ستنخفض مناسيب الخزانات الطبيعية التي يعتمد (العراق) عليها في مواسم الجفاف؛ كبحيرتي (الثرثار) و(الحبانية)، إضافة إلى ذلك فان اغلب الفلاحين لا يستخدمون طرق الزراعة الحديثة بكونها لم تنتشر بعد بشكل كاف في (العراق) مما يسبب في إهدار المياه؛ لان منظومة الزراعية في (العراق) للأسف لم تشرع في استثمار وتكوين البحيرات وبناء مزيد من السدود أو بناء الحواجز لحجز المياه لتكون بمثابة خزانات مياه يستفاد منا أثناء الحاجة، طالما إن دول المنبع مستمرة في (سياساتها المائية) الذاتية بغض النظر بما يترتب على ذلك من أضرار كبيره تلحق بدولة المصب (العراق)؛ وذلك بإنشاء السدود من دون التشاور مع (العراق) ودون العمل بالأعراف والقوانين الدولية المتعلقة بالأنهر بين دول المنبع والمصب .
فـ(تركيا) تعتبر مياه (دجلة) و(الفرات) ملكا لها، ولا تراعي احتياجات (العراق) التي هي دولة المصب لهذه الأنهر؛ فتقوم دون الاكتراث بإنشاء سدود على نهري (دجلة) و(الفرات)، فبعد إن قاموا ببناء سد (أتاتورك) العملاق انشئوا سد ثاني الذي يعتر ثاني اكبر السدود (التركية) إلا وهو سد (إليسو) على نهر (دجلة) وخزانه المائي يعتبر الأكبر في العالم؛ الذي بلغ كامل طاقته التخزينية في كانون الأول 2020 ؛ مما أدى إلى ظهور ملامح نقص وارداته المائية في (العراق) واضحة على نهر (دجلة) الذي تأثرت إمداداته بشكل واضح، وإضافة إلى ذلك فان (تركيا) تعتزم تنفيذ مشروع (سد الجزرة) على نهر (دجلة) أيضا؛ وهذا المشروع تأثيره على (العراق) سيكون اكبر من تأثير سد (اليسو) بكون سد (الجزرة) إروائي؛ والطبيعة الاروائية لسد (الجزيرة) هي حجز المياه من حصة (العراق) المائية التي هي أساسا قليلة؛ إذ تم تنفيذه دون الاتفاق بين الجانبين (التركي) و(العراقي) وان المباحثات واتصالات (عراقية – تركية) بهذا السد مازالت في أولها والتي تشدد على وجوب الحفاظ على حصص (العراق) المائية، أما على نهر (الفرات) فان (تركيا) قامت أيضا ببناء سدود أدى إلى نقص من كمية مياه النهر التي تصل إلى (العراق) إلى نحو نصف الكمية التي كانت تصل العراق قبل 2003؛ بعد إن أقامت (تركيا) خلال السنوات الأخيرة ببناء أكثر من عشرين سدا مائيا على نهري (دجلة) و(الفرات) .
أما (إيران) فهي تقوم بتحويل مجاري الأنهار الفرعية التي تنبع من أراضيها وتصب في (العراق)؛ وذلك بشق الأنفاق وتحوير مجرى الأنهار مع بناء سدود؛ فهناك أكثر من أربعين نهر ووادي ينبع ويجري من الأراضي (الإيرانية) ويصب في الأنهار (العراقية)؛ وعلى كل هذه الأنهر والوديان أقامت (إيران) عليها سدودا وتحويرات، فعلى نهر (الزاب الأسفل) أقامت إيران مشروعين مائيين؛ الأول على نهر (سيروان) والثاني على نهر (ألوند) لتغيير مسارات الأنهار باتجاه عمق الأراضي (الإيرانية)، فنجد بان (إيران) قامت ببناء سد على نهر (كارون) بعد إن قاموا بحفر نفقين تحت جبليين ضخمين لنقل مياه نهر (سيروان) إلى الداخل (الإيراني)، وإقامة سد ضخم على نهر (الكارون – المسرقان) وقطع مياهه عن (العراق)؛ ما أدى إلى قله واردات المياه إلى (شط العرب) إضافة إلى تأثير نهر (الكرخه) حيث قامت (إيران) بإنشاء سد عملاق علية وبسعة تخزينية هائلة مما اثر على إمداد نهر (دجلة) من مياه؛ فهذا النهر الذي يصب مياه في هور (الحويزة) جنوب شرق مدينة (العمارة)، والذي يغذي بدوره نهر دجلة شمال (القرنة) عن طريق نهر (الكسارة) و(شط العرب) جنوب (القرنة) عن طريق نهر (السويب)، ليسبب كل ذلك إلى انخفاض مياه (شط العرب) إلى أدنى مستوياتها بعد إن ساهم نهر (دجلة) و(الفرات) اللذان أيضا انخفضا منسوبهما إلى تفاقم أزمة مياه (شط العرب) مما جعل (مياه الخليج العربي) المالحة تصعد شمالا إلى محافظة (البصرة) وتحديدا إلى شبكة جداول (غابات النخيل) فاجتاحتها بملوحتها لتذبل اغلب الأشجار وتموت، إضافة إلى ذلك فان (إيران) جعلت من (شط العرب) مكبا لنفايات مصافيها النفطية ولمياه الصرف الصحي، كما انها قامت بقطع مياه نهر (كرخة) و بناء عدة سدود عليه؛ كما قامت بتحويل مياه نهري (الوند) و(جنكان جم) إلى (إيران) وقطع مياه نهر (قره تو)؛ كما أقاموا سد على نهر (دويريج) الذي كان يصب في (هور المشرح) مما أدى إلى جفاف مناطق (عراقية) وهجر أغلبية السكان من ذو التجمعات الريفية من محيط هذه المناطق، كما أقامت (إيران) سد على نهر (الطيب)، وهذه الإجراءات في بناء السدود وتحوير مجرى انهار وشق الإنفاق لتحوير مجرى الأنهار التي تقوم (إيران) بتنفيذها على قدم وساق دون الاكتراث ما تلحق هذه التصرفات من تأثيرات على (العراق)؛ وفعلا اليوم بدا تأثيرها واضح داخل (العراقي) واخذ سكان قرى (العراقية) يشعرون بتأثير نقص تدفقات المياه من (إيران) منذ عامين، مما تسبب هذا النقص تأثيرات واضحة ومؤلمة على المجتمعات المقيمة عند المصب النهر الواردة من (إيران) إلى (العراق) .
أما (سوريا) فان من جانبها ومنذ عام 1966 وما بعدها أنشأت سدود عده منها (سد الطبقه)؛ وحين تم تشغيله تأثر مياه نهر (الفرات) بشكل واضح، ثم بعدها شرعت (سوريا) إلى إقامة وتطوير العديد من المشاريع المائية على نهري (دجلة) و(الفرات) منها سد (وخزان الطبقة) ومشروع (سد البعث) وسد (تشرين) الكهرومائي وأربعة سدود على نهر (الخابور) في منطقة (الحسكة) على نهر (الفرات)، أما على نهر (دجلة) فقد تم أنشاء محطة ضخ من النهر إلى قناة (عين دوار)، ومحطة (الماليكة) وسد (الباسل) ومشروع سحب مياه نهر (دجلة) إلى مدينة (الحسكة) ضمن مشاريع الري على نهر(الخابور) وكل هذه المشاريع كان لها تأثير واضحة وأضرار سلبية على الواقع الاقتصادي والزراعي والبيئي (العراقي) .
وبصورة عامة فان هذه المشاريع وبناء السدود وتحويرات الأنهر في كل من (تركيا) و(إيران) و(سوريا) اغلبها تم تنفيذها بعيدا عن الأعراف والقوانين الدولية ودون التشاور أو الاتفاق مع الجانب (العراقي)؛ رغم وجود عدة اتفاقيات ومعاهدات بين (العراق) و(تركيا) و(إيران) و(سوريا)؛ ولكن هذه الدول لا تلتزم بها وفقا لمصالحها في حماية الموارد المائية لبلدانهم بدون إن تراعي أية من هذه الدول الثلاث خصوصيات الواقع (العراقي) المائي الحالي بما يضمن حصته واحتياجاته من المياه بشكل عادل، فإنشاء هذه السدود الاروائيه والتي حجزت خلالها كميات كبيرة من المياه الواردة إلى (العراق) وهو ما يتعارض مع مبادئ القانون الدولي في تقاسم مياه الأنهار المشتركة .
ومن هنا لابد للدولة (العراقية) وضع إستراتيجية إدارة الموارد المائية وتوسيع التنسيق والتشاور مع هذه الدول والضغط على دول المنبع والمجرى بضرورة التفاوض والتعاون بشكل بناء و وفقا لقواعد القانون الدولي للتوصل إلى اتفاقيات ومعاهدات تراعي الواقع المائي في (العراق) بعد تأثره من نقص إمدادات المياه لنهري (دجلة) و(الفرات)؛ ليتم إدارة ملف المياه بشكل أفضل وبما يتم وبشكل عادل تقاسم للمياه بين دول الثلاث؛ طالما إن المنطقة بصورة عامة تتأثر بـ(التغيرات المناخية) وما ترتب عليه من شح الأمطار ومن نقص المياه الذي يشكل مصدر قلقا لكل دول المنطقة؛ لأنه سيتسبب بانخفاض وجفاف الأنهر وتصحر الأراضي بصورة عامه و(العراق) بصورة خاصة؛ وبنحو سبعين في المائة من مياه نهري (دجلة) و(الفرات)؛ لان مياههما ستنخفض إلى أقل من النصف؛ الأمر الذي سيؤدي إلى إخراج ثلث الأراضي الزراعية من الاستخدام، لتتحول إلى صحارى؛ لان نسبة التلوث بالملوثات والأملاح الناتجة عن الاستهلاك والزراعة والصناعة بما تصبح مياه غير صالحة للشرب نتيجة تلوثها؛ بعد إن تكون اغلب المياه الآتية من نهري (دجلة) و(الفرات) ستمر في مولدات الطاقة الكهرومائية إضافة إلى تلوث المياه بمنظومة الصرف الصحي للمدن الواقعة على نهر (دجلة) و(الفرات) .
وأمام هذه التحديات التي تواجهها منظوم المياه في (العراق)؛ فان الدولة (العراقية) معنية بإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة من خلال ملف التعاون والاتفاق الشامل مع كل من (تركيا) و(إيران) و(سوريا) يضمن حقوق (العراق) المائية بين هذه الدول التي تؤثر على مصادر مياه (دجلة) و(الفرات)؛ ولا خيار أمام الدولة (العراقية) إلا بالضغط على دول المنبع والمجرى من خلال الملف الاقتصادي؛ طالما إن (تركيا) و(إيران) و(سوريا) يؤكدن بأن الغرض من بناء السدود هو السيطرة على هدر المياه وليس تجفيف الأنهر وحماية مواردهم المائية قبل أن تصل حد النضوب واستخدامها بكفاءة وإدارتها بشكل صحيح، لان أمر المياه لم يعد عند هذه الدول (خيارا) بل (ضرورة) لمواجهة أخطار الجفاف والتغير المناخي وتبعات نقص الغذاء؛ حيث يزداد الضغط على الموارد المائية مع ازدياد القحط وتغير المناخ و الزيادة المتصاعدة لعدد السكان .
ومن هذه الحقائق على (العراق) إن يفكر تفكيرا جادا في كيفية إدارة ملف المياه وعدم هدر المياه؛ لان وسائل الري التي تستخدمها مازالت متخلفة وقديمة؛ وهذا ما يسبب إلى هدر كبير في المياه إضافة إلى عدم وجود بنى تحتية جيدة لري الحديث، ومن هنا لابد لدولة (العراقية) إن تفكر في وضع الأراضي الزراعية للاستثمار وتشجيع المستثمرين لتقوم الشركات الاستثمارية بدورها الايجابي بتطوير واقع الريف (العراقي) بشكل حديث ومتطور وبما يجري العمل على مكافحة تلوث الأنهار وإنشاء مصانع لوسائل الري الحديثة؛ ومواجهة آثار الاحتباس الحراري لتقليص هدر المياه؛ بتشريع قوانين وإقرار سياسات ناجحة؛ لان من شان هذه القوانين والسياسات والآليات إن تفعل فعلها الايجابي في تقوية الجانب (العراقي) لعدم خضوعه لإرادة وضغوط الدول؛ بما يمكنه من فرض وبتطبيق بدائل لإدارة الموارد المائية بأساليب حديثة وبما يؤدي إلى ترشيد استهلاك للمياه وتطوير وسائل الري واستثمار مياه الأمطار والمياه الجوفية ومياه الصرف الصناعي والزراعي وتحلية المياه المالحة وإنشاء سدود لتقليل هدر المياه، ليتم (للعراق) إعادة ضبط التوازن في العلاقات مع هذه الدول أي بين (تركيا) و(إيران) و(سوريا) طالما إن غياب الاستقرار السياسي يسود بينهما؛ وان كل الإطراف لها مخاوف أمنية منها، وهذا ما يجب إن تستثمره (العراق) لصالحها لتعزيز التعاون الإقليمي بما يعزز دور (العراق) السياسي مع هذه الدول لحاجته للمياه نتيجة الزيادة السكانية المتوقعة خلال السنوات القادمة، ولما كان (العراق) يتميز بإنتاج هائل من (النفط) فعليه إن يستثمر هذا الجانب الاقتصادي الحيوي في عملية تفاوض عن حصته المائية وضمن الاتفاقات الدولية والالتزام بها؛ إضافة إلى إغراء هذه الدول بمنح (تركيا) و(إيران) و(سوريا) امتيازات تفضيلية على أسعار (النفط) مقابل المياه من اجل الوصول إلى اتفاقيات عادلة تؤمن حاجة (العراق) من المياه؛ ليتم وفق هذه الأسس معالجة للاحتياجات (العراقية) من المياه لنهري (دجلة) و(الفرات) بشكل ايجابي وبما يخدم مصالح (العراق) الاقتصادية والاجتماعية .