بقلم سليمان يوسف
الموضوع; إيران و”معركة القامشلي” المؤجلة
shuosin@gmail.com
11 / 10 / 2021
http://nala4u.com
إعلان تصدير “الثورة الإسلامية” التي قادها الخميني وأطاحت بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، وأسست “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” 1979، ترافق مع إطلاق حركة “التشيع” في دول ومجتمعات المنطقة، خاصة العربية منها. وقد جعل “نظام الملالي- ولاية الفقيه” في طهران، من سوريا نقطة محورية في استراتيجيته، الهادفة إلى “نشر الأيديولوجيا الإيرانية” للهيمنة على دول المنطقة وإقامة “هلال شيعي” يمتد من إيران عبر العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان.
في إطار هذه الاستراتيجية الإيرانية تغلغل “النظام الإيراني” في مختلف مفاصل الدولة السورية والمجتمع السوري. جميل الأسد شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد كان قد أسس جمعية “المرتضى” 1982، بتمويل إيراني، مقرها القرداحة، افتتحت لها فروع في جميع المدن السورية. الجمعية طلبت من وجهاء وشيوخ العشائر السورية من مختلف المكونات، الانضمام اليها والتعاون معها في نشر التشيع في المجتمع السوري. ولذات الأهداف عام 2018 أصدر بشار الأسد قراراً يقضي بإنشاء فروع لجامعة “آزادي الإسلامية” الإيرانية في جميع المدن السورية.
إذا ما استمر التغلغل الإيراني في سوريا، من شأنه أن يهدد بنية المجتمع السوري ونسيجه الوطني. إيران تعمل على ما يسميه البعض بـ” إعادة هندسة المجتمع السوري”، وفق مصالحها وأجندتها المذهبية والفارسية، مستغلة ظروف الحرب والأوضاع المعيشية الصعبة للسوريين. هكذا لعب انتماء عائلة الأسد إلى “الطائفة العلوية”، وهي من “الشيعة الجعفرية الاثني عشرية” دورا مهماً في توطيد العلاقة بين سوريا والجمهورية الاسلامية الإيرانية. حتى بات لإيران دوراً مؤثراً في السياسات “الداخلية والخارجية ” للنظام السوري في عهد الأسدين “الأب والأبن”. لهذا لم يكن مستغرباً، وقوف سوريا في عهد “حافظ الأسد” إلى جانب إيران في حربها على العراق، التي استمرت ثماني سنوات 1980- 1988، خلافاً لمواقف جميع الدول العربية. ولم يكن مستغرباً التدخل الإيراني السريع في سوريا واستقدام حزب الله اللبناني وميليشيات شيعية أخرى من باكستان وأفغانستان والعراق ومن مناطق ودول أخرى لإخماد انتفاضة الشعب السوري ولتكون عوناً لها في الدفاع عن النظام السوري وإنقاذ حكم بشار الأسد من السقوط تحت ضغط الحراك الشعبي الثوري، الذي انطلق في مارس/آذار 2011 وعم معظم المناطق السورية.
سعي كل من واشنطن وتل أبيب لإنهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا ورغبة موسكو بتحجيم هذا الوجود وتقليص نفوذه، لم يردع إيران عن تعزيز وجودها العسكري وتقديم الدعم لميليشياتها وأذرعها الأمنية في مختلف المناطق السورية التي تتمكن من الوصول اليها واختراقها. فبموازاة التدخل العسكري الإيراني في الأزمة السورية، تسارعت وتيرة النشاطات الدينية والثقافية والاقتصادية الإيرانية وتوسعت حركة التشيع في سوريا، امتدت إلى القامشلي، التابعة لمحافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرق السوري، حيث يسعى “الحرس الثوري الإيراني” إلى تعزيز نفوذه في مناطق النظام المتاخمة للمناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي ترى إيران فيه خصماً لها، لاحتمائه بالوجود العسكري الأمريكي في سوريا ورهانه على هذا الوجود في فرض أجندته الخاصة على الدولة السورية. وقد نجح الحرس الثوري الإيراني مؤخراً في إنشاء حسينية “آل البيت” في حي النشوة بمدينة الحسكة. ويجري الحديث عن شراء إيران أراض في مدينة القامشلي، لبناء حسينية عليها، بعد أن افتتحت في آب الماضي في “حي الفيلات” الذي يحيط بمطار القامشلي “مكتب للفتاوى الدينية”، يقدم التفسيرات الشرعية للعائلات التي تشيعت أو لتلك التي قد تتشيع في منطقة القامشلي.
الحسينيات والمكاتب الدينية هي بوابة الحرس الثوري الإيراني على المجتمع. فمن خلالها يتواصل مع السكان خاصة مع فئة الشباب لتجميل صورة إيران ودورها في سوريا وتحفيزهم للتطوع في ميليشياته. بفضل الرواتب المغرية التي يمنحها الحرس الثوري الإيراني للمتطوعين (تصل إلى 350 ألف ليرة سورية)، جند المئات من الشباب العرب وشكل منهم كتيبة “قوات المهمات” مقرها في محيط مطار القامشلي، لتكون بديلاً عن ميليشيات الدفاع الوطني التي انهارت وتفككت على أيدي ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي في معارك أبريل/نيسان الماضي.
مقتل عنصر من ميليشيا “الحرس الثوري الإيراني” في منطقة قريبة من مطار القامشلي برصاص مجهولين يوم 11 سبتمبر/أيلول الماضي، وإن كان رسالة تحذير لإيران من الذهاب بعيداً في أنشطتها العسكرية والمذهبية في محيط القامشلي، يستبعد أن تتراجع إيران عن استكمال استعداداتها العسكرية لـ”معركة القامشلي” المؤجلة إلى حين الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات، المتوقع حصوله، رغم وعود الرئيس الأمريكي جون بايدين بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن حلفائها الكرد في سوريا بعد انسحابها من أفغانستان الشهر الماضي وإعلان تخفيض وجودها العسكري في العراق. الأكراد لا يريدون انسحاباً أمريكياً من سوريا قبل انتزاع اعتراف النظام السوري بإدارتهم الذاتية. هذا ما صرح به مظلوم عبدي القائد العام لما تسمى بـ”قوات سوريا الديمقراطية – قسد” في حديث لصحيفة “التايمز” البريطانية، قال “إنه يفضل أن يتعهد الأمريكيون بالبقاء حتى يتم التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع السوري وذلك لأنه وبوجود عسكري أمريكي، ستكون الآمال كبيرة في نيل اعتراف رسمي بالحكم الذاتي للأكراد”.
كلام عبدي يخفي مخاوف حقيقة لدى الأكراد السوريين من حصول انسحاب أمريكي مفاجئ من سوريا وتركهم بمواجهة خصومهم النظام، والأتراك، والإيرانين. وضياع كل ما حققوه وبنوه خلال سنوات الحرب السورية.