بقلم سليمان يوسف
الموضوع; السريان الآشوريون السوريون، والصراع على المرجعية
shuosin@gmail.com
04 / 08 / 2021
http://nala4u.com
الحرب السورية، المستمرة منذ 2011، وفرت للأكراد الوافدين إلى سوريا، أوضاع وظروف (محلية، إقليمية، دولية)، ليفرضوا هيمنتهم على منطقة شمالي شرقي سوريا، ذات الغالبية العربية، الغنية بالثروات النفطية والزراعية والحيوانية، ويعلنوها “إدارة ذاتية”. رغم الشكوك التي تحيط بمستقبل وهوية الإدارة المعلنة، والخشية من أن تكون خطوة كردية على طريق الانفصال وتقسيم سوريا.
نجح حزب السلطة في هذه الإدارة (الاتحاد الديمقراطي)، في استقطاب العديد من الأحزاب والمنظمات الكردية والعربية والسريانية الآشورية والتركمانية، العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرته، والطامعة بالامتيازات والمكاسب المادية والمعنوية التي يمنحها الحزب لمناصريه. في إطار سعي حزب الاتحاد الديمقراطي إلى استقطاب مزيد من الأحزاب والشخصيات السريانية الآشورية، احتضن المؤتمر التأسيسي لـ (حزب سورايا الديمقراطي) في مدينة القامشلي، كبرى مدن محافظة الحسكة، يوم 26 مايو/أيار الماضي. يرجح أن ينضم الحزب الجديد إلى “الادارة الكردية” إلى جانب حزبي (الاتحاد السرياني والآشوري الديمقراطي).
الزج في الساحة السريانية الآشورية بحزب جديد، في الوقت الذي تعاني فيه من التشظي والانقسام السياسي ومن غير أن تكون حاجة وضرورة نضالية لأحزاب جديدة، ترك تساؤلات وإشارات استفهام كبيرة لدى مختلف الأوساط السريانية الآشورية والمسيحية في منطقة الجزيرة، حول الأهداف الحقيقة لنشأة (حزب سورايا الديمقراطي) من غير أن يكون له رصيد شعبي ومؤسسه من المغتربين السوريين.
كان يفترض أن تسارع الأحزاب السريانية الآشورية للبحث عن صيغ للتحالف والتعاون فيما بينها لأجل تفعيل وتطوير نضالها السياسي وتحصين المجتمع السرياني الآشوري في وجه التحديات والمخاطر التي باتت تهدده مع تفجر الحرب السورية. لكن الذي جرى أن الأحزاب فضلت مصالحها الحزبية على مصالح الشعب والوطن. فهي توزعت أو انقسمت بين (سلطة الأمر الواقع الكردية والمعارضة والنظام). علاقتها مع من تحالفت معهم هي أقرب إلى التبعية من الشراكة.
هذه الاصطفافات السياسية المتناقضة والمتعارضة في أجنداتها وأهدافها، زادت المشهد السرياني الآشوري تعقيداً، جعلت التوافق على “مرجعية أو مظلة قومية ” واحدة، للسريان الآشوريين السوريين، أمراً صعباً وربما مستحيلاً.
انحسار سلطة النظام السوري داخل (مربعات أمنية) في مدينتي القامشلي والحسكة، لا يعني بأنه بعيد عمّا تشهده منطقة الجزيرة من تجاذبات واصطفافات سياسية، ومناوشات عسكرية من حين لآخر. في إطار استراتيجية النظام، القائمة على الإمساك بالمجتمع وإخضاع الشعب، عمل ويعمل بطرق وأشكال مختلفة على إجهاض وإفشال كل مبادرات ومحاولات النهوض السياسي للسريان الآشوريين، مستفيداً من الموقف السلبي لـ (طبقة الاكليروس) من العمل القومي والسياسي وتمسكها بـ “نظام أو قانون الملل” العثماني، الذي يحدد حقوق من يسميهم ” أهل الذمة” (المسيحيون واليهود) بحق العبادة وأحقية رجال الدين بإدارة شؤونهم الدينية والتحدث باسمهم أمام السلطات الرسمية، متخلية بذلك(الكنيسة) عن حقوق الرعية في المواطنة الكاملة.
هذا يجعلنا ننظر بعين الشك والريبة إلى تأسيس ما سمي بـ ” مجلس الكنائس المسيحية في الجزيرة والفرات”، الذي أعلن عنه يوم 12 مايو/أيار الماضي، ضم ممثلين عن سبع طوائف مسيحية في الجزيرة. المجلس تأسس بمبادرة من (الكنيسة السريانية الأرثوذكسية)، أكبر الطوائف المسيحية في الجزيرة السورية. وإن تأكيد المجلس في بيانه التأسيسي على ” أنه يسعى للتعاون والتنسيق مع كافة أبناء المجتمع، ومع القوى والفعاليات الموجودة في الساحة للمحافظة على السلم الأهلي”، لا يغير من حقيقة أن تأسيسه، يندرج في إطار (الصراع التاريخي) بين المؤسسة الكنسية والأحزاب السياسية على تمثيل الشعب السرياني (الآشوري) والتحدث باسمه. القائمون على المجلس يريدون فرض أنفسهم كبديل للأحزاب والتنظيمات القومية الفاعلة في المجتمع السرياني الآشوري، استعدادا للاستحقاقات السياسية المقبلة عليها سوريا الجديدة. جدير بالذكر، أن (المجمع المقدس الانطاكي السرياني الارثوذكسي)، الذي انعقد بالعاصمة السورية (دمشق) وهي مقر الكرسي البطريركي للسريان الأرثوذكس، كان قد أصدر منشوراً بتاريخ 4 /12/ 1987. جاء في المنشور ” درس المجمع المقدس دراسة مستفيضة موضوع التنظيمات العلمانية المشبوهة التي أخذت تظهر هنا وهناك بأسماء متنوعة، والتي تجرأت على إقامة نفسها ممثلة للشعب السرياني زوراً وبهتاناً، وتواقحت بالنطق باسمه وقد رأى المجمع المقدس نبذ هذه المنظمات المشبوهة”.
رغم مرور عقود من الزمن على هذا (المنشور البطريركي) ورغم التحولات العميقة والتطورات السياسية والفكرية والمجتمعية، التي طرأت على المجتمع السرياني، مازالت الكنيسة السريانية تعتبر وحدها المخولة والمؤهلة للتحدث باسم الشعب السرياني وتمثيله في المنابر والمحافل الوطنية والدولية. طبعاً، النظام الشمولي القائم في سوريا، يشجع لا بل يحث المؤسسة الكنيسة على التمسك بهذا الموقف. لأن النظام بذلك يضمن سيطرته على المسيحيين واختيار موالين له ليتحدثوا باسمهم، كما حصل في مؤتمر (الحوار الوطني السوري) الذي احتضنته مدينة سوتشي الروسية كانون الثاني 2018. فمن شارك في هذا المؤتمر من السريان الآشوريين والمسيحيين تم ترشيحهم من المجالس الكنسية وكانوا حصراً من الموالين للنظام.