بقلم سامي هاويل
الموضوع; “الأحـزاب والتنظيمــات الكلـدانية تحت الأضـواء”
رسالة الى الأخوة في الكنيسة الكلدانية مع الود
17 / 07 / 2021
https://nala4u.com
في البداية وددت كتابة مقالتين منفصلتين، إحداها عن الأحزاب والتنظيمات الكلدانية، والأخرى كرسالة الى أبناء الكنيسة الكلدانية، ولكنني قررت أن أضعها في مقالة واحدة، أقدم أعتذاري للقراء الكرام على طول المقالة ولكن كما يُقال “للضرورة أحكام”.
ربما يسأل سائل! لماذا في الآونة الأخيرة كثرت الكتابات عن النشطاء والتنظيمات الكلدانية فقط؟، الجواب ببساطة لأن هؤلاء اليوم يدفعون بكل ما لهم من قوة نحو تقسيمنا الى قوميات مختلفة، منفصلة عن بعضها البعض، وما يحزننا أكثر هو تمكنهم من إقحام الكنيسة الكلدانية متمثلة بشخص غبطة البطريرك مار لويس ساكو في هذا المشروع. أما إذا كان هناك من يسع خياله ليتصور أنها (هجمة آشورية ضد الكلدان) فهو بالتأكيد إما يوهم نفسه، أو إنه يلعب هذه الورقة المهترئة ليوهم الآخرين بذلك لغايتين، إما طائفية مقيتة متجذرة في عقليته، أو وصولية يبحث من خلالها عن مصدر أسترزاق في ظل الفوضى الكبيرة التي تعم العراق تحديداً. فنحن طيلة السنين الماضية لم نفوت فرصة إلا وأشرنا بإسهاب الى التنظيمات السياسية الآشورية، موجهين لها الأنتقادات الكثيرة، وهنا نقولها ونؤكد كما فعلنا سابقاً، إن التنظيمات الآشورية فشلت في أدائها، وفشلت حتى في الحفاظ على هويتنا القومية، لا بل إنها شاركت في تغييب القضية الآشورية وشل مسيرتها، لن أطيل الحديث عنها أكثر لأنها ليست موضوع هذه المقالة.
ما كنت أود قوله في رسالتي الى الأخوة في الكنيسة الكلدانية قبل أن ننتقل الى الأحزاب والتنظيمات الكلدانية، هو أننا علينا الأنتباه الى ثلاثة أمور مهمة جداً، ونفصل بينها، قبل أن نبدأ ببناء تصوراتنا على ما نقرأه أو نشهده على الساحة (ساحة العمل الفعلي)، لأننا بمجرد نجاحنا في فهم وتمييز هذه الأمور الثلاثة عن بعضها، سوف نفلح في قراءة المشهد بصورة صحيحة، من الضرورة جداً أن نُقدِم على هذه الخطوة، لأن هناك من يتعمدون على التلاعب بهذه الأمور الثلاثة وترتيبها بالصورة التي تضمن خلط الأوراق على
الفرد البسيط، ليتمكنوا من تمرير مشاريعهم التي لا تصب إلا في مصالحهم الخاصة، فأمثال هؤلاء لا يظهرون إلا في هكذا ظرف. هذه الأمور تتمثل في:
1- الأنتماء القومي
2- الأنتماء الطائفي
3- العمل السياسي
اُؤكد مرة أخرى على أهمية التمييز بين هذه الصفات إذا كنا فعلا صادقين في نوايانا وتواقين الى الحقيقة، فهناك من يتعمد على أعتبار موقف سياسي لتنظيم قومي معين على انه موقف قومي أو مذهبي معادي، وكما ذكرنا أعلاه يتعمد على خلط الأمور القومية السياسية مع الكنسية لتوفير أرضية جماهيرية له بالأعتماد على الخلافات والأصطفافات الطائفية.
لو تناولنا الميّزة الأولى (الأنتماء القومي)، وطبقنا ما هو معروف عالمياً بالعوامل والمقومات التي تميّز القوميات والأعراق عن بعضها، والمتمثلة بــ ( اللغة، الأرض، التاريخ، التراث، والعادات والتقاليد)، فسوف لا يصعب على أي شخص مهما تباينت درجة وعيه أن يتأكد ويصبح على يقين أننا قومية واحدة ننتمي الى ذات العرق، كوننا نشترك بهذه المقومات، وليس هناك شعب آخر في كل المعمورة يشترك بها معنا. ولا يوجد أية عوامل أخرى يمكننا أن نستشهد بها للقيام باي فرز قومي، أما مسالة الشعور القومي فمن السذاجة بمكان أن نعتبره أحد المقومات القومية، لأن الشعور يأتي من خلال التنشئة التي رضعها الفرد منذ صغره، والبيئة والمحيط الذي عاش فيه، فالشعور القومي هو نقطة البداية لدى أي شخص عندما يبدأ بأيلاء الأهتمام بأنتمائه العرقي، وليس بالضرورة أن يكون شعوراً حقيقياً صادقاً، لأنه يعكس تلك التنشئة والبيئة التي تربى فيها، هناك الكثير من الأمثلة لأناس عاشوا بين الأقوام المجاورة لنا، نمى عندهم شعور بالأنتماء الى تلك الأقوام، والأمثلة كثيرة لتؤكد صحة هذا التصور، لهذا فالشعور المجرد من الوعي يكون محط شكوك.
أما الميّزة الثانية (الأنتماء الطائفي): فكلنا نعلم أننا في بداية دخولنا المسيحية كنا كنيسة واحدة سميت بــ (كنيسة المشرق)، هذه الكنيسة تعرضت الى محاولات عدة لإرضاخها وأحتوائها أوتقسيمها، وقد سهل ذلك رجالاتها من خلال خلافاتهم وصراعاتهم فيما بينهم لتقسيمها الى طوائف، فتصدعت، وأنفصل أبنائها عن بعضهم البعض فأنقسموا الى مذاهب وطوائف دامت القطيعة بينهم لقرون، وأدى ذلك الى إضعافهم، وجعلهم لقمة سهلة المنال، هكذا دفعوا ثمن الأجتهادات والقرارات الخاطئة لرجال الدين الذين قسموا الكنيسة الواحدة، ولازلنا اليوم أيضاً نواجه هذه العقبة ونعاني من تبعاتها، لأن القائمين على مقدرات هذه الطوائف لم يظهروا الجدية لتوحيدها وإعادتها الى سابق عهدها، كنيسة واحدة موحدة، أما لو نظرنا الى الموضوع من الناحية الأيمانية، فكما يقال ( اليهود صلبوا المسيح، ورجال الكنيسة شطروا جسده الى أجزاء)، ترى ذنب
من هو الأعظم؟؟. هذه الكنائس (الطوائف) اليوم تبحث في أنقاض ركام هذه الأمة المنكوبة وخرائبها عن كل ما يصلح أستخدامه لتحقيق المنافع الطائفية، وما صراع التسمية اليوم إلا دليل صارخ على ذلك، علينا الأنتباه الى هذه الحقيقة، لأنه من المخزي والمعيب جداً ونحن نعيش في زمن العولمة والتطور أن نغدوا جميعنا كأسلافنا ضحية أجتهادات رجالات الطوائف، بالنهاية فنحن بصدد تقرير مستقبل وجودنا ومستقبل أجيال من بعدنا.
أما العامل الثالث (العمل السياسي)، ليس من الصعوبة علينا أن ندركه بشكل تام لحداثته، فأقدم تنظيماتنا السياسية الفعلية هي المنظمة الأثورية الديمقراطية التي تأسست عام 1957، تلاها الأتحاد الآشوري العالمي، ومن ثم حزب بيت نهرين الديمقراطي، والحزب الآشوري الديمقراطي، ثم تلتها أحزاب وتنظيمات أخرى كالحركة الديمقراطية الآشورية، والحزب الوطني الآشوري، وغيرها من الأحزاب والمؤسسات القومية التي لا يسعنا ذكر أسمائها هنا، فليس صحيحاً أن يحسب أي موقف لأي من هذه التنظيمات على أنه موقف شعب بأكمله.
طالما لازلنا في إطار الحديث عن التنظيمات السياسية، أود الإشارة هنا الى أن جميع هذه التنظيمات القومية التي ذكرناها جاءت مكملة للنهضة القومية التي أنطلقت مسيرتها قبل ـ وأبان الحرب العالمية الأولى، وما تعرضنا له طوال فترة المئة والخمسين سنة الماضية تقريباً من ظلم، وتهجير، ومذابح، وشتى أنواع الأضطهاد، طالت جميع مناطق وجودنا، سواءً كانت القصبات والقرى القريبة والتابعة لنينوى، أو البعيدة نسبياً في مناطق هكاري وطور عابدين وما يجاورها، أو في مقاطعة أورمية وما من حولها من قرى وبلدات، هذه الأحداث جميعها، يضاف إليها المقاومة للدفاع عن النفس والأرض والوجود التي أبداها أجدادنا طوال تلك الفترة، والكم الهائل من الشهداء الذين سقطوا جراء الهجمات الشرسة التي تعرضنا إليها، دفعت بأتجاه إبراز قضيتنا المشروعة من جديد كأمة مضطهدة، عانت الكثير من الظلم والتهميش، ونشطت العديد من الشخصيات المثقفة للكتابة والتعريف عن قضيتنا القومية، (مثلما نعيد ونكرر دائماً فهذه الشخصيات البارزة غالبيتها كانت من أبناء الكنيستين الكلدانية والسريانية)، هؤلاء النشطاء والأدباء والمفكرين والمناضلين وضعوا اللبنات الأولى لقضيتنا القومية، ورسموا ملامحها، وحددوا الأسس التي ترتكز عليها، وأعلنوا الآشورية كهوية، وقضية قومية لشعب منكوب، لهذا نرى جميع التنظيمات السياسية التي أسلفنا ذكرها تحمل في عناوينها وبرامجها السياسية (الآشورية) بأعتبارها الهوية القومية، وليست ولادتها وعملها إلا تكملة للمسيرة التي بدأها رواد هذه الحركة القومية، بينما لم يكن هناك (حينها والى وقت قريب جدا سنأتي لذكره) أي وجود لحراك قومي سياسي مشهود تحت التسمية الكلدانية أو السريانية، لا شك أن هذه التنظيمات القومية الآشورية واجهت معضلة الصراع والخلاف الطائفي، فرغم بعض الخطوات الأيجابية التي حققتها، لكنها أخفقت في عملها القومي السياسي بشكل عام لأسباب عدة، أيضا ليست موضوع مقالتنا هذه، ولكن ما أسقط شرعيتها هو الآلية التي أتبعتها للتعامل مع الواقع، سواءً كان على مستوى البيت القومي، أو على مستوى الساحة السياسية في سوريا والعراق على وجه التحديد، حيث أخفقت
قياداتها في الحفاظ على أستقلالية هذه التنظيمات، ومن ثم أخفقوا حتى في الحفاظ على ما كان قد تبقى لنا، مروراً بتلاعبهم بمقدساتنا القومية.
أما بالنسبة الى التنظيمات القومية والسياسية التي نشطت تحت التسميتين الكلدانية والسريانية، فهي بمجملها حديثة الولادة، جميعها تأسست بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق، عدا الأتحاد الديمقراطي الكلداني الذي تأسس خلال سنة تقريباً قبل أنعقاد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن عام 2002، ولو تمعنا جيداً في الأسباب التي أدت الى تأسيسها فسوف نجد أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية دفعت بأتجاه ظهور هذه التنظيمات.
1- الأداء الضعيف للتنظيمات السياسية الآشورية خاصة بعد 2003، وتركها لأولوياتها، والتنافس على تحقيق مكاسب حزبية وشخصية في ظل نظام المحاصصة المتمثل بالقوى السياسية التي تحكم العراق الى يومنا هذا، والفراغ الكبير الذي تركته على الساحة القومية السياسية.
2- رغبة الكنيسة الكلدانية للدخول في المعترك السياسي ما بعد 2003 من خلال خلق أذرع لها تحت غطاء قومي.
3- تأثير التيارات السياسية الكردية ذات التوجه القومي العنصري الشمولي، وما ستقدمه الفوضى داخل بيتنا القومي من خدمة لتحقيق مشاريعهم التوسعية، لإبعاد أنظارنا عن ممارساتهم الإقصائية بسبب أنشغالنا بالصراع الداخلي، وبالتالي تغييب قضيتنا القومية، ووضعها في إطار الأنتماء الديني، هكذا نرى اليوم أنهم يروجون لتعريفنا كمسيحيين ( كما نعلم فالأنتماء الديني لا يشترط المطالبة بالحقوق القومية خاصة مسالة الأرض). أما تنظيماتنا القومية فقد قبلت على مضض الهوية الدينية وها هي اليوم تعمل على ذلك الأساس.
قبل أن نكمل الحديث عن التنظيمات السياسية الكلدانية، لا بد لنا ان نمر على مسالة مهمة جداً يجب أن نلقي الضوء عليها ولو بشكل سريع.
ليس خافياً علينا جميعاً التنافس الطائفي بين مختلف كنائسنا، ورغبة القائمين عليها في تقوية مؤسستهم الكنسية بأي شكل كان، هذا التنافس حتى عندما حاولوا ويحاولون الأكليروس إخفائة خلف مواعضهم وتصريحاتهم وزياراتهم الشكلية لبعضهم البعض، التي غالباً ما تتخللها مظاهر التواضع وروح المحبة والتسامح، ومحاولاتهم إقناع المشاهد والمتلقي إنهم يشجعون ويعملون لتوحيد الكنيسة، بينما على المتابع اللبيب لم يتمكنوا من إخفاء رغباتهم العارمة بأتجاه تغليب مصلحة الطائفة على تحقيق وحدة الكنيسة، وعلى أساس الخلافات بينهم بات كل ما يتعلق بإحداها، يدخل تلقائياً في صراع مع الأخرى، هكذا نصل الى قناعة
إن أحد الأسباب الرئيسية لرفض الأسم الآشوري من قبل الكنيسة الكلدانية والسريانية ليس سببه توجهات قومية، بل هو طائفي بحت، فعندما تم إضافة “الآشورية” الى أسم كنيسة المشرق ( التقويم الجديد) عام 1976 بالرغم من أن الأكليروس في هذه الكنيسة يوضحون أن سبب إقدامهم على تلك الخطوة كان محاولة للحفاظ على هويتنا القومية، بالرغم من أننا لا نشكك في النوايا، إلا أن الذي حدث أن الآشورية كهوية قومية أُقحمت بشكل أو بآخر في الصراع الطائفي ( بأعتقادي كان مهماً جداً الأنتباه الى أن رجالات الدولة العراقية في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي تعمدوا على إطلاق تسمية “الآثوريين” على أتباع كنيسة المشرق، واعتمدت بقية الحكومات المتعاقبة هذا المفهوم، من ناحية لتسويف القضية القومية الآشورية وربطها بطائفة معينة، ومن ناحية أخرى لضمان عدم تفاعل الكنيستين الكلدانية والسريانية مع القضية الآشورية، لأن “الآثورية” أصبحت مرادفة للنسطورية بنظرهم، ولحد يومنا هذا لازال هناك الكثير من أبناء الكنيستين الكلدانية والسريانية يعتبرون “الآثورية والآشورية” مرادفة للنسطورية، أي كنيسة المشرق بتقويميها القديم والجديد. وعلى هذا الأساس أصبحت الآشورية بالنسبة للكنيسة الكلدانية والسريانية طرفاً في الصراع، وفي فترة التغيير الكبير في العراق بعد 2003، بدأت هذه الأطراف تبحث عن مقومات تؤكد أصالتها لما له في نظرهم من تبعات فيما يخص الحقوق والأمتيازات، لذلك أصبحت المعادلة كالآتي: أذا كانت كنيسة المشرق الأشورية كنيسة أصيلة وعريقة، وتستمد شرعيتها من الأشورية الموجودة في أسمها، هكذا فالكنيسة الكلدانية أيضا عريقة لأنها تستمد شرعيتها من الكلدانية الموجودة في عنوانها، وهكذا فعلت الكنيسة السريانية مع ربط ( غير منطقي ) بين السريانية والآرامية لتأكيد العمق التاريخي.
على هذا الأساس تحركت الكنيسة الكلدانية لترسيخ هذا التصور، ليس فقط بالأكتفاء بالتسمية الكلدانية في أسم الكنيسة وتفعيل التصور بالأنتماء الى الكلديين القدماء، بل عملت بشكل أو بآخر لدعم وخلق تنظيمات سياسية كلدانية مقابلة للتنظيمات السياسية الآشورية التي يحسبونها على كنيسة المشرق الآشورية(شريطة أن تكون قدر المستطاع مسيطرة على قراراتها).
بأختصار شديد أيها الأخوة، ما يقال عنه صراع التسميات ليس الحقيقة، لأن التسميات هي واجهة فقط، بينما الحقيقة هي أننا نعيش صراعاً طائفياً من خلف الكواليس، يقوده رجالات الكنيسة، ووقوده الجهل المستشري، وشحة الوعي القومي بين صفوف جميع طوائفنا، هكذا والحديث يطول عن هذا الموضوع ولكننا نكتفي بهذا القدر، وننتقل الى التنظيمات القومية الكلدانية.
لو القينا نظرة على هذه التنظيمات منذ تأسيسها الى اليوم بشكل فاحص ودقيق، سوف لن يصعب علينا أن نكتشف أنها ليست إلا مجرد عناوين وأرقام على الساحة، فبمجرد أن طبقنا عليها أُطر وشروط ومعايير تأسيس الحركات القومية سوف يتجلى لنا ذلك بوضوح تام، كونها لم تتأسس نتيجة مخاض قومي، ولم تولد من رحم معاناة أمة وما تتطلبه المرحلة للأرتقاء بقضيتها القومية، بل نجدها أنها تأسست لدوافع أخرى لا تمت بصلة للشأن القومي، ففي هذه التنظيمات هناك أعضاء في قيادات بعضها كانوا، وربما لازالوا أعضاء في أحزاب كردية!!، والبعض الآخر تأسس بدفع ورعاية رجال الدين!!.
الأتحاد الديمقراطي الكلداني:
كما ذكرنا أعلاه فقد تأسس هذا التنظيم في الفترة القليلة التي سبقت مؤتمر المعارضة العراقية في لندن عام 2002، وقد سارعت الأحزاب الكردية على تأمين حضور رئيس هذا التنظيم ليمثل الكلدان في ذلك المؤتمر، كخطوة أولى تمهيداً لإضعافنا وتقسيمنا الى قوميتين.
المجلس القومي الكلداني:
هذا التنظيم تأسس بدعم ورعاية مباشرة لغبطة المطران مار سرهد جمو ومعه غبطة المطران مار أبراهيم أبراهيم، وتأكيداً لتحقيق نجاحه وأستمراريته فقد مثله غبطة المطران مار أبراهيم ابراهيم ومعه بعض الأعضاء والشخصيات في اللقاءات مع قيادة الحركة الديمقراطية الآشورية لبحث مسالة التسمية في بداية ومنتصف عام 2003، تمهيدا لعقد مؤتمر التسمية المشؤوم الذي أنعقد في أواخر تشرين الأول من نفس العام، يجدر الإشارة هنا الى أن هذين الطرفين اللذان أجتمعا وأتفقا، لم يدم أتفاقهما طويلاً، بدليل ما شهدناه من خلافات وصراعات بين الجانبين، خاصة الأتهامات المستمرة منذ الفترة بعد أنعقاد المؤتمر، والى يومنا هذا من قبل الطرف الكلداني ضد الحركة الديمقراطية الآشورية.
المنبر الديمقراطي الكلداني:
تأسس هذا التنظيم بعد 2003، هذا التنظيم وجدوا بعض أعضائه في التسمية المركبة محطة وسطية مناسبة لهم، يمكنهم الأحتماء فيها، والأنطلاق منها لبناء قاعدة جماهيرية، ولكن بعد أن تعرضت تلك المحطة التي راهنوا عليها الى التصدع، أصبحوا يبحثون عن أرضية جديدة تمكنهم من الأستمرار لذا، نرى دائماً تذبذب في مواقفهم وتوجهاتهم.
الرابطة الكلدانية:
تأسست هذه الرابطة برعاية ومباركة غبطة البطريرك مار لويس ساكو لتكون ذراعاً سياسياً للكنيسة الكلدانية، حيث شهدنا الدور الكبير الذي لعبته الكنيسة في مختلف البلدان لفتح فروع لها ودفعها لتكون أحد أطراف المعادلة، الجدير بالذكر أن أحد أسباب تأسيسها كان الصراع الدائر بين مطراني أميركا مار سرهد جمو ومار ابراهيم ابراهيم مع غبطة البطريرك مار لويس ساكو، فكانت محاولة من غبطته لمسك زمام الأمور، والسيطرة على القرار داخل الكنيسة، من خلال كسب عطف أبناء الكنيسة الكلدانية، وأستقطاب ما يمكن أستقطابه من النشطاء الكلدان، الذين خيّب آمالهم مشروع النهضة القومية الكلدانية الذي أطلقه مار سرهد جمو، ولكن على ما أعتقد أنطبق على غبطة البطريرك مار لويس ساكو المثل الشعبي القائل ( أنا من
جلبت الدب الى كرمي ) طبعاً الأمثال تُضرب ولا تُقاس، حيث على ما أعتقد هؤلاء النهضويون من دفعوه ليتخذ خطوات نحو الأنشقاق وتقسيمنا الى قوميتين، بعد أن كانت مواقفه سابقاً مختلفة تماماً، وبعيدة عن اية نوايا بأتجاه أستحداث قومية جديدة.
بالعودة الى قولنا أن هذه التنظيمات تفتقر الى أدنى مقومات الأحزاب والمؤسسات القومية، فلو بحثنا بين جميع أعضائها بدأً بقياداتها وصولاً الى أصغر عضو فيها، لن نعثر على واحد منهم فقط، اُؤكد هنا (ولو عضو واحد فقط)، له تاريخ أو نشاط قومي كلداني سابقاً!! لا بل هناك من بينهم الكثير ممن لا يتقنون التحدث بلغتهم الأم، وإذا كان هناك من يتحدث بها، نجده لا يتقن قرائتها أو كتابتها!! إلا ربما القليل النادر بينهم، في الوقت الذي تكون اللغة أحد الركائز القومية المهمة، بأعتبارها ترمز الى هوية الفرد القومية أينما كان يعيش، أعتَقَدَ القائمين على هذه الأحزاب والمؤسسات أن خلق أمة جديدة لا يحتاج الى أكثر من رسم وإعلان علم قومي، ووضع تاريخ جديد لرأس سنة قومية، والبحث عن فاجعة لإعلانها يوم الشهيد.
لو ألقينا نظرة على نشاطاتهم ومواقفهم على الأقل تجاه ما أصاب البلدات والقرى ذات الغالبية الكلدانية من مظالم وأنتهاكات وتهجير وقتل طيلة العقدين الماضيين، فلن نجد حتى لو كان موقفا أعلامياً يمكن أن يرتقي الى حجم المأساة التي وقعت على من يعتقدون أنهم يمثلونهم قومياً!!. ففي الأنتخابات العراقية عام 2005 عندما عمدت أطراف كردية على سرقة صناديق الأقتراع الخاصة بسهل نينوى، لم نسمع حسأ لأحد هذه التنظيمات، ألم تكن تلك الحادثة (مذبحة سياسية؟؟)، بينما من تحركوا وأصدروا بيانات وقاموا بتعبئة الجماهير، وقاموا بالتضاهر تنديدا بتلك الممارسة الخبيثة في مختلف بلدان المهجر وحتى في الداخل، كانت التنظيمات القومية الآشورية ومعهم نشطاء قوميين آشوريين!!.
وعندما أجتاحت داعش قصباتنا وقرانا في سهل نينوى، لم نشهد موقفاً جريئاً يُشهد له بدر من هذه التنظيمات التي تعتبر نفسها قومية كلدانية!!، فقط تمكنوا من جمع عدد قليل من مؤازريهم حاملين أوراق عليها العلم الكلداني، فقط ليظهروا (مثلما يقال، تسجيل حضور) المشاركة في المظاهرات الكبيرة التي عملت على إقامتها التنظيمات القومية الآشورية ومعهم النشطاء القوميين من الشباب الآشوري.
أما الأغرب، فهو عندما بحثوا ( مفكري ) هذه النهضة القومية عن فاجعة ليعلنوها يوماً للشهيد الكلداني، وقع أختيارهم على مذبحة صورية، هذه القرية التي أرتكب فيها المجرم عبدالكريم الجحيشي الضابط السابق في الجيش العراقي مذبحة بحق أبنائها، ولكن عندما قامت السلطات الكردية قبل أعوام بنقل رفات شهداء هذه القرية من اربيل الى قرية صورية، تعمدوا على لف رفاتهم بالعلم الكردي!! أيضا بحثنا حينها في وضح النهار وفي ظلمات الليالي حاملين مشاعلنا بحثاً عن تنظيم قومي كلداني واحد ليستنكر عملية تكريد شهدائنا، فلم نعثر على أحدهم!!، هنا أيضا تجدر الإشارة الى أن التنظيمات القومية الآشورية طيلة العقود الماضية دائماً جاءت على ذكرها الى جانب مجزرة سميل وبقية الفضاعات التي تعرضنا إليها، بأعتبارها عمليات
تطهير عرقي أرتُكبت بحقنا، في الوقت الذي لم يكن أحداً من أعضاء جميع التنظيمات الكلدانية يعير أهتماماً بالحادثة.
بالإضافة الى القليل الذي أشرنا إليه أعلاه، ما يلفت الأنتباه هو أن هذه التنظيمات لم تطرح يوماً مشروعاً قومياً كلدانياً باعتباره من أولوياتها كتنظيمات قومية سياسية!!، وليس لها أي سقف بسيط لمطالب قومية كلدانية!!، وإنما كل ما فعلته طوال السنين الماضية منذ تأسيسها والى اليوم، هو أنتظار أية فرصة تمكنهم من تقليد أي نشاط قومي آشوري، فنجدهم جالسين يقتنصون اي حراك سياسي تعمل التنظيمات والمؤسسات القومية الآشورية عليه لذكر الشعب الآشوري فيه، لينطلقوا بسرعة البرق معترضين على عدم ذكر التسمية الكلدانية الى جانب الآشورية، يصاحبها صيحاتهم العالية مرددين شعارهم المعروف، بأن التيارات الآشورية تقوم (بتهميش الكلدان وإلغائهم)!! إنهم حقا كما يقول داعميهم ومؤيديهم من النشطاء الكلدان بأن نشاطهم مبني على أساس ردة فعل لكل حراك آشوري، ففي البداية ولأن هناك علم قومي آشوري، قاموا بإعلان علم قومي كلداني، ولأن هناك سنة آشورية، قاموا بالمقابل بتحديد تاريخ جديد للسنة الكلدانية مع إبقاء الأحتفال كما هو في الأول من نيسان، ولآن هناك يوم الشهيد الآشوري، فحددوا يوم الشهيد الكلداني، وأينما تم ذكر الشعب الآشوري عملوا كل ما في وسعهم لألصاق التسمية الكلدانية بجوار الآشورية ولكن؟؟ مع ضمان (الواوات بينهم؟؟؟).
هكذا يبدو لي إن هذه التنظيمات لا يمكنها الأستمرار بعيداً عن الحراك القومي الآشوري، خاصة إذا لم تتلقى الدعم من الكنيسة الكلدانية أو اطراف خارجية، فلن تدوم إلا لبضعة شهور على أبعد تقدير.
إننا نرى هذه الأيام بوادر حراك للأسف مدعوم من غبطة البطريرك مار لويس ساكو لتقسيمنا الى قوميتين منفصلتين؟، من المؤكد ليس بإمكاننا فرض آرائنا على أية جهة قومية أو كنسية، ولكننا لن ندعم أية خطوة نحو تقسيمنا الى قوميات، بل نرفض ذلك رفضاً قاطعاً. آملين أن يرتقي الجميع الى مستوى المسؤولية التاريخية، فلا يمكن أن نتهرب من مواجهة إشكالاتنا، لنذهب الى أتخاذ قرارات خاطئة تجعلنا نندم عليها في المستقبل.
أختم هذه المقالة لأشير الى جميع أبناء الكنيستين الكلدانية والسريانية ممن يعتزون بأنتمائهم الكنسي، ويفتخرون بأنتمائهم القومي الآشوري، ما يلفت الأنتباه هو أننا لو نظرنا الى هؤلاء الأخوة ، نجدهم جميعهم بالمطلق من المثقفين والواعين والمهتمين بالشأن القومي منذ فترة شبابهم، ولدوا في بيئة كنسية طائفية، ولكنهم لم يذخروا جهداً للبحث والتقصي المجرد من العاطفة عن حقيقة أنتمائهم القومي، هؤلاء الجنود المجهولين الذين نكن لهم كل التقدير والأحترام حقيقة تُرفع لهم القبعات، فبالإضافة الى معاناتهم جراء ما
يلفقه بحقهم الطائفيين الكلدان والسريان من إساءات وأتهامات، نجد في الطرف الآخر البعض ممن يتبجحون بآشوريتهم وكأنهم أولياء على الأمة الآشورية، يتطاولون عليهم وينعتوهم بأوصاف مسيئة، ويلقون عليهم باللائمة؟؟ ومن ثم يدرّون عليهم النصائح القومية، وكأنهم يخاطبون تلاميذ في المرحلة الأبتدائية!!! يا لها من مأساة، أقول لهؤلاء القوميين الآشوريين الغيارى، الشرفاء من أبناء الكنيستين الكلدانية والسريانية، هنيئاً لكم وأنتم في أيمانكم بهويتكم القومية تسيرون اليوم على حد السكين دون مورابة أو تردد، أنتم فخر هذه الأمة، ستظلون دائماً في القلوب، فإذا كانت تخيم اليوم على هذه الأمة المنكوبة الظلمات، فحتماً غداً ستشرق شمسها من جديد، إنها مرحلة وستزول وتنتهي، وستفتخر وتحتفل الأجيال بكل مخلص أبى أن يرضخ لواقع مرير فرضه علينا ظرف مرحلي زائل، إن لم يكن اليوم فحتما في الغد القريب.
سامي هاويل
13-7-2021