بقلم سليمان يوسف
shuosin@gmail.com
التعليم السرياني في الجزيرة السورية ، بين المطرقة الكردية وسندان النظام
04 / 02 / 2021
http://nala4u.com
.تحديث; الآشوريون (سرياناً كلداناً)، ورثة أرقى الثقافات ، اصحاب أعرق الحضارات، حاملي مشاعل العلم و النور. في القرن الرابع الميلادي أسسوا أقدم (أكاديمية علمية) في المشرق في مدينتهم التاريخية (نصيبين) السورية – ضمتها تركيا 1923 . على تخوم نصيبين القديمة ، السريان الناجون من مذابح السلطنة العثمانية 1915 وضعوا اللبنات الأولى لنصيبين الجديدة(القامشلي) . بموازاة الحركة العمرانية ونشاطهم الاقتصادي في القامشلي وباقي مدن وبلدات الجزيرة السورية، أسسوا الجمعيات الثقافية والأندية الرياضية وشكلوا الكشافة والفرق الفنية. أقاموا المؤسسات التربوية. الى جانب كل كنيسة بنوا مدرسة سريانية. جعلوا من القامشلي (عاصمة الثقافة السريانية) في سوريا. ( للمزيد على الرابط المرفق) .
اليوم الدولي للتعليم 24 كانون الثاني، مناسبة لتسليط الضوء على مسيرة التعليم السرياني في الجزيرة السورية والتوقف عند الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة التي بدأ يواجهها هذا التعليم مع تفجر الأزمة السورية الراهنة، بمفاعيلها وتداعياتها المختلفة.
الآشوريون (سرياناً كلداناً)، ورثة أرقى الثقافات ، أصحاب أعرق الحضارات، حاملو مشاعل العلم و النور. في القرن الرابع الميلادي أسسوا أقدم (أكاديمية علمية) في المشرق في مدينتهم التاريخية (نصيبين) السورية – ضمتها تركيا 1923 . على تخوم نصيبين القديمة ، السريان وضعوا اللبنات الأولى لنصيبين الجديدة(القامشلي) . بموازاة الحركة العمرانية ونشاطهم الاقتصادي في القامشلي وباقي مدن وبلدات الجزيرة السورية، أسسوا الجمعيات الثقافية والأندية الرياضية وشكلوا الكشافة والفرق الفنية. أقاموا المؤسسات التربوية. إلى جانب كل كنيسة بنوا مدرسة سريانية. جعلوا من القامشلي (عاصمة الثقافة السريانية) في سوريا. ما يمكن وصفه بـ“عصر السريان الذهبي“ استمر إلى حين قيام الوحدة بين سوريا و مصر 1958 . مع وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في سوريا عبر انقلاب عسكري 1963 ، كاد أن يخسر السريان كل ما حققوه وأنجزوه من تعليم سرياني و نهضة ثقافية ، جراء حصار ومضايقات البعث لأنديتهم وجمعياتهم ومدارسهم وإغلاق مدارسهم لسنوات طويلة . بقرارات جائرة ظالمة ،الدولة في سوريا استولت على العديد من المدارس العائدة للكنائس في القامشلي والحسكة . إلى تاريخه ، مديرية التربية بالحسكة تقوم بتعيين مشرف بعثي على المدارس الخاصة بالكنائس وهو بمثابة “مخبر .
ثمة أحاديث في بعض الأوساط الثقافية والسياسية السورية، بشكل خاص في الأوساط الكردية ، عن تمتع السريان الآشوريين والأرمن بحقوق ثقافية ولغوية. زاعمين بأن المدارس السريانية والأرمنية هي جزء من “امتيازات” منحها لهم النظام البعثي في الوقت الذي يُحرَّم على الأكراد فتح مدارس خاصة بهم لتعليم لغتهم ونشر ثقافتهم . المراد من هذا اللغط ” تصوير الأكراد على أنهم وحدهم المظلومون والمحرومون من حقوقهم القومية، من بين القوميات غير العربية في سوريا ” . فيما الحقيقة ، وضع السريان الآشوريين ليس أفضل حالاً من وضع الأكراد، لجهة الحقوق القومية والحريات السياسية. ليس للسريان والأرمن، أي حقوق قومية (ثقافية، لغوية ، إعلامية ) ينص عليها الدستور السوري، لا ماضياً ولا حاضراً. تعليم السريانية والأرمنية ، بصفتها “لغات طقس كنسي” ، يندرج في إطار الحقوق الدينية للمسيحيين . لو أن للأكراد طقسا دينيا خاصا بهم، كما للسريان والأرمن، لسمحت الدولة في سوريا لهم بفتح مدارس كردية لتعليم طقسهم الديني وباللغة الكردية. المدارس والمؤسسات التربوية الخاصة بالكنائس، أُنشئت بأموال الأهالي. الدولة في سوريا لم تنفق عليها شيئاً. أهالي الطلاب هم من يتحملون جميع نفقات تعليم أبنائهم. هذه المدارس تُعلم السريانية والأرمنية إلى جانب المناهج الحكومية . افتتاح مدرسة لتعليم إحدى اللهجات السريانية (الآرامية القديمة) في بلدة معلولا ، قبل تفجر الأزمة السورية الراهنة، لم يكن يعني ” دعماً حكومياً” للغة السريانية وإحياء التراث السرياني كجزء من التراث الوطني لسوريا ، وإنما افتتاحها كان بغرض الترويج للسياحة الدينية. كيف لنظام عروبي استبدادي، أن يعترف بالسريان الآشوريين كشعب له هويته وخصوصيته التاريخية ويمنحهم حقوقاً وامتيازات قومية، ورئيسه (بشار الأسد) قبل أسابيع قليلة في خطاب له طعن بـالهوية السريانية ، وهي العمق التاريخي والحضاري لسوريا.
مع ظهور “سلطة الأمر الواقع الكردية” ،ممثلة بما تسمى بـ” الإدارة الذاتية ” التي أفرزتها الحرب السورية ، وقع التعليم السرياني بين المطرقة الكردية وسندان النظام في سوريا. النظام، هدد بسحب الاعتراف بالمدارس الخاصة، إذا ما جرى أي تلاعب أو تغيير في المناهج الحكومية المقررة من وزارة التربية والتعليم في سوريا. “الإدارة الكردية“، بعد أن استولت على آلاف المدارس الحكومية في المناطق الخاضعة لسيطرتها ، خصصتها لتعليم مناهجها الخاصة ، قررت إغلاق المدارس الخاصة، بداعي أنها غير مرخصة من قبلها ولعدم التزامها بتعليم مناهج الإدارة . القرار قُوبل برفض كنسي و شعبي عام . المجالس الكنسية في الجزيرة والفرات، ردت على قرار الإدارة ببيان في 18 آب 2018، أكدت فيه على رفضها لما وصفته بـ ” التدخل والتعدي على حقوق المسيحيين” ، بما فيها، “رفض أي نوع من محاولات فرض تراخيص أو مناهج على المدارس الكنسية” . معتبرين أن ” إغلاق المدارس الخاصة بالكنائس ، يمثل رسالة بالغة الخطورة تمس الوجود المسيحي في المنطقة“.
قضية التعليم بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي هي قضية سياسية ، أكثر من كونها قضية تربوية تعليمية . لهذا، يُستبعد أن يستجيب الحزب لرغبة السريان بـ ” تحييد التعليم السرياني” عن لعبة التجاذبات والصراعات السياسية . هذا لا يعني وجود رغبة أو نية لدى حزب الاتحاد الديمقراطي، المهمين على “الإدارة الكردية” بتقويض ونسف التعليم السرياني ، حقيقة لم نلمس وجود مثل هذه الرغبة أو النية . لكن إذا ما أصرت “الإدارة الكردية ” على فرض مناهجها التعليمية على طلاب المدارس السريانية، هذا يعني نهاية التعليم السرياني في الجزيرة السورية وإغلاق (مدارس ومؤسسات تربوية وتعليمية) سريانية عريقة مضى عليها نحو قرن كامل من الزمن. إذ، ما من عائلة (سريانية، آشورية، كلدانية) سترسل أبناءها إلى مدارس خاضعة لـ“سلطة كردية” غير معترف بها و بمناهجها وبكل وثائقها، من قبل أي جهة محلية سورية أو خارجية . لسان حال الناس يقول: ” ما قيمة شهادة البكلوريا/الثانوية، التي سيحصل عليها الطالب بالمنهاج الكردي أو السرياني ، من غير أن يجد جامعة في سوريا أو خارجها، تستقبله ليستكمل تحصيله العلمي، ومن غير أن تُؤمن له فرصة عمل” .
تحتالضغطالشعبي،ربمالحساباتواعتباراتأخرىنجهلها،وربماإلى حين أن تتضح ملامح سورياالجديدة ومستقبل المناطق الخاضعة لسيطرتها ، علقت “الإدارة الكردية“ قرار إغلاق المدارس السريانية وغضت النظر، حتى الآن، عن استمرارها بتعليم مناهج الحكومة في سوريا. لكن هذا لا يعني بأن المدارس السريانية باتت بمأمن من خطر الإغلاق . إذا ما أغلقت، تحت أي ظرف، سنكون أمام “جريمة ثقافية” ليس فقط بحق اللغة السريانية والتراث السرياني الآشوري، وإنما بحق ظاهرة (التنوع و التعددية الثقافية واللغوية)، التي يتصف بها المجتمع السوري.