الشاهد الردئ

بقلم الدكتورايوب بطرس
Ayoubpetros@yahoo.com
الشاهد الردئ

28 / 09 / 2009
http://nala4u.com

الرفيقان التوأمان اغا بطرس ومالك خوشابا يتوسطهما اغا مرزا

عرضت فضائية آشور بمناسبة يوم الشهيد الاشوري ومن انتاجها فيلما وثائقيا بعنوان (أبرياء في صراع الكبار) تناول مأساة “سميل” والاحداث التي سبقتها وما اعقبها من قتل للأبرياء وسلب ونهب لممتلكاتهم وقراهم.. نثني على هذه البادرة من الفضائية، فمذبحة سميل محطة مفصلية في مسيرة شعبنا شملت بفعلها وتأثيرها كل الاشوريين ولم تميز بين اشوري واخر وساوت الجميع في القتل والموت والحزن والاسى وكانت نكبة كبرى اصابت شعبنا وهو في اولى مراحله للأستقرار في وطنه الاصلي، وتركت اثرا مستديما في هذا الاستقرار وستبقى حافزا لنا على مر الايام لمزيد من الوحدة والتكاتف والاصرار على حقوقنا المشروعة في وطننا الام، وعلى وسائل اعلامنا ان تدفع بهذا الاتجاه.
وقد حاول المعدّون للشريط الاحاطة بالكارثة من كل جانب، فأستلوا نصوصا ووثائق من الكتب ومن المذكرات واستعانوا بالصحف المواكبة للحدث وبالصور القديمة والتي لم يك بينها مع الاسف ولو صورة واحدة من المأساة (قيل في ادعاءات الحكومة حينها ان مراسلين “جواسيس!! وعملاء!!” للانكليز سربّوا صورا وان الطائرات البريطانية التقطت صورا للفاجعة ونشرت في الصحف الاوربيّة مما اثار ضجة اعلامية كبيرة واحتجاجات واسعة ضد حكومة العراق) نتأسف ثانية لأننا نحن المعنيين واصحاب القضية لم نعثر ولم ننشر ولو واحدة من تلكم الصور لحد الان، والصورة وثيقة ناطقة تغني عن كلام كثير..
كذلك استعان معدّو الشريط باشخاص من ابناء شعبنا لدعم ما يورده الشريط من معلومات عن المصادر والكتب او ان يوثقوا حوادث اخرى غير مدوّنة، او ان يضيف المتحدثون من خبرتهم الحياتية الى ما تقوله المصادر والوثائق والصور مما يغني الشريط ويفيد المشاهد، ألا اننا نعتقد بوجود قصور واضح في هذا الجانب ولم تك محاولة اختيار المتحدثين موفقة وسنحاول بيان ذلك من خلال استطراد ما تحدث به احدهم (1) ونترك للقارئ تقدير (اهمية) ما اضافه هذا (الشاهد) الى الشريط من قيمة علمية او تأريخية او انسانية :
فهو يبدأ حديثه برواية غير دقيقة لحادثة مقتل الرجل الشجاع لازار بت يوخنا سنة 1915! .

وهو يتهم العائلية البطريركية بخيانة شعبها والهرب سرا من مدينة اورميا تموز 1918.
ويقول ان الاشوريين الذين خرجوا من اورميا توجهوا رأسا الى بعقوبة وان رحلتهم استغرقت اربعين يوما.
ويؤكد وهو يجيل نظره في الفراغ ان اسكان الاشوريين حوالي الطريق وفي سهل نينوى كان في سنة 1933.
يلتفت يمنة ويسرة ويتمادى اكثر فيطلق كلاما خطيرا يتهم فيه لا بل يفتري على الاشوريين وأحد رموزهم القومية والوطنية بانهم اعطوا الحكومة “متطوعين” (جته على حد زعمه) في الموصل.
ويدعي بان هناك وعد بمشروع لاسكان الاشوريين في قضاء عقرة وبان يكون لهم خمسة آلاف مسلح.
ويزعم بتبختر بان المقاتلين الاشوريين في معركة ديرابون قد أسّروا كل الجنود العراقيين الموجودين في المنطقة وقوامهم فوجين.
وآخر ما قاله هو ان الجنود كانوا يجمعون الاشوريين من “سميل” ويأخذونهم ليقتلوا في ألوكا.

هذا بالتمام والكمال كل ما قاله هذا “الشاهد” الذي جيئ به ليضيف ويغني الشريط.

ويعرف كل مهتم بالتأريخ الاشوري ومما تؤكده المصادر الموثوقة ،كيف قتل البطل بت يوخنا ،ومتى خرجت العائلة البطريركية من اورميا، وان الخارجين من اورميا خيموا في همدان قبل بعقوبة ولم يك هناك اي اسكان في 1933 لا حول الطريق العام ولا في سهل نينوى، كذلك لم يك هناك ابدا اي تطوع للمدنيين في احداث 1933 لا للعرب ولا للكرد ولا للاشوريين وان فرية (الجته الاشورية) يجب ان يسأل مروجها والا تمر دون حساب، وان بثها يثلم حيادية الفضائية ويضع الذين اعدوّا الشريط في خانة المنحازين والمتحزبين، كما لم يك هناك اي مشروع لاسكان الاشوريين في عقرة او ان يكون لهم الحق في خمسة آلاف مسلح، ويبدو ان الامر قد التبس على هذا المتحدث فهو لا يميز بين حملة العودة الى الوطن بقيادة اغا بطرس ومالك خوشابا التي انطلقت من عقرة شتاء سنة 1920 وشارك فيها خمسة آلاف مقاتل آشوري وبين احداث آب1933، وكما هو موثق لم يقع اسر من الطرفين في معركة ديرابون ولم يدعي اي طرف بحصول ذلك (لم يخبرنا المتحدث عن مصير هؤلاء الاسرى؟!) وان جنود الحكومة قتلوا بدم بارد كل الاشوريين في”سميل” ولم ينقلوهم احياء الى ألوكا ليقتلوا هناك، يظهر ان الامر قد التبس مرة اخرى على المتحدث فهو يخلط هنا بين شهداء سميل وبين قتل الاشوريين الذين سلموا انفسهم للسلطات الحكومية والابرياء الذين أخذتهم الشرطة من القرى الاشورية وجمعتهم في ألوكا ليعدموا هناك !!.

خارطة الاسكان

لم نعثر على جذر لأي من هذه الاقوال في اي مصدر معتمد، وقد بدا الرجل نفسه انه ليس من المهتمين بتاريخ امتهم ولم يك معاصر للحدث (ليس شاهد عيان) كما انه لم يعرف بين ابناء شعبه بالرأي والخبرة، ولم تتفق اقواله هذه او بعضها مع ما قاله المتحدثون الاخرون في الشريط، على غرار ما حصل من تطابق (لا اظنه باتفاق) في رواية حصار “القوش” حيث اجمع المتحدثون على اسلوب الحصار وعلى كيفية رفعه. كما واظهر المعدون احيانا عدم اهتمامهم باقواله ربما لعدم ثقتهم بصحتها او لسذاجتها وتفاهتها عندما كانوا يتوقفون عن ترجمته، لكن ذلك لايعفيهم من مسؤولية بث هذه الاقاويل بالاشورية وعن مسؤولية ابقائها في الشريط الذي اعلن المعدون عن استعدادهم لتزويد كل من يرغب به . وكما تلاحظ عزيزي القارئ فان شاهدنا هذا لم يتفوه بجملة مفيدة واحدة ولم يورد معلومة صحيحة مفردة ولم يقل شيئا حدث على الارض، وكل ما قاله غير دقيق وغير موثق ومناقض للواقع كما سبق بيانه، اذن اقواله هي محض هراء وافتراء فعلام وقع الاختيار عليه وعلام الابقاء على اباطيله وبثها ضمن الشريط.. لايقع اللوم كله على هذا الرجل وحده بل على كل من سهل له الامر وتركه يتحدث على هواه ويسرد من خياله ومن عندياته ما يناقض الحقيقة والواقع ، ومثل هذا (الشاهد) الذي لا يفيد قضيته والذي يحاول خلط الاوراق يسمى ب(الشاهد الردئ). لقد اضّر فعلا (شاهدنا الردئ) هذا و(مختاروه) بقدسية الحدث وبشمولية المحنة وبمهنية العمل وبحيادية القناة والقائمين على الشريط… وقدسية المناسبة نكرر ايها السادة المعدون لا تتحمل مثل الترهات والاباطيل وشريطكم ليس منبرا حرا.. يا فضائية آشور ألا تعتقدين معنا بان الشريط سيكون اكثر خدمة لمناسبته دون هذه المجموعة من الاخطاء والاكاذيب ..ألم يك افضل للمعدين والمشاهدين وبسبب حساسية المناسبة واهمية الموضوع لو تم الاختيار على اساس المعرفة والدراية والحدة ولو عرضت المعلومات والاقوال الواردة في الشريط على المهتمين والمختصين في مثل هذه القضايا؟.
نتمنى الا يكون هذا (الشاهد) “السم الذي دسّ في العسل” وتكون اكاذيبه قد وقعت على جرح وهوى البعض، وفي النهاية يأتي من يبرر كل ذلك ويقول ان الامر حدث سهوا !!.

مثلث الرحمة مار ايشاي شمعون

الامر الاخر الذي ركز عليه المتحدثون وراق للمعدّين ولفضائيتهم ونود الاشارة اليه باختصار؛هو رحلة مثلث الرحمة المار شمعون الى جنيف صيف1932 ومبررات عدم نجاحها:

1- بدءا هذه الرحلة لم تحظى بالاجماع الاشوري ولم تحصل على موافقة اعضاء رئيسيين في مؤتمر “سر عمادية القومي” والذين كانت لهم مواقف صريحة ومكشوفة وعلانية وضمن نطاقها الاشوري فقط..
2- اظهرت الوثائق البريطانية التي اطلقت اخيرا والتي تتعلق بهذه الجزئية من قضيتنا القومية عدم وجود ما اشار اليه بعض المتحدثين من عرائض و رسائل مقدمة من الاشوريين في العراق الى عصبة الامم تتنصل من مهمة المار شمعون وتتنكر لتمثيله لهم، خلا رسالة واحدة بعث بها آشوريون تقع قراهم اصلا ضمن حدود العراق الحالي( ليسوا حكاريين) وحتى هذه لم تؤخذ بنظر الاعتبار كما تفيد تلك الوثائق..
3- عندما عاد المارشمعون من جنيف الى الموصل دعا كل الرؤوساء الاشوريين (ولم يستثن احد ) الى اجتماع عقد في داره في الدواسة ليشرح لهم اسباب اخفاق مهمته، نفى وجود مثل هذه الرسائل، حتى عندما سئل عنها مباشرة، ولم يتهم احد، وانه ركزّ تعليله لاسباب الفشل بالموقف الانكليزي المعاند للمهمة وبالتعاون والتنسيق بين المستشارين البريطانيين وممثل الحكومة العراقية وان موقف المندوب السامي البريطاني في العراق فرنسيس همفريز هو الذي حسم الامور لصالح الحكومة وكما تؤكد المصادر. هل يعقل ان المار شمعون وسرمة خاتون دعيا الى الاجتماع من تنكر للمارشمعون وافشل مهمته وان المارشمعون لا يكاشفهم ولا يصارحهم ولا يواجههم بذلك في الاجتماع !!؟.
4- اما موضوع الرواتب، فليس له علاقة برحلة جنيف او زعامة المارشمعون انها كانت تدفع لشخصيات عملت في “اللجنة الاستشارية الاهلية لأسكان الاشوريين” والتي دعي المارشمعون وكل الرؤوساء الاشوريين للمشاركة في اختيار اعضائها والتي كانت حلقة الوصل بين الاشوريين والسلطات الحكومية وتنحصر مهمتها في ايجاد اراضي وقرى صالحة للسكن واستحصال موافقة اللجنة الرسمية لاسكان الاشوريين فيها وتسهيل مهمة تسجيلها باسمائهم، توقف دفع الاجور فعلا بعد احداث 1933 عندما توقفت مشاريع الاسكان والغيت هذه اللجنة؛ في فورة غضب الحكومة على الاشوريين..
5- ردد بعض المتحدثين بان الاشوريين بعد النكسة باتوا بلا مدبر وليس من يحميهم او يدافع عنهم..

سرمة خانم بيث مار شمعون

اذا كان الامر كذلك نتسائل كيف تمكن اذن كل الاشوريين في انحاء العراق كافة من الاحتفاظ باملاكهم ووظائفهم واعمالهم وكنائسيهم ومدارسهم وانديتهم وقراهم واراضيهم حتى المتناثرة منها في الوديان وبين الجبال!؟ وكيف صمدّوا بوجه الطامعين بمقتنيات (الكفار) والمتعطشين لدمائهم !؟. وكيف لا يكون هناك من يدافع عنهم اذا كانت قضية مقتل راعي آشوري في اقصى الشمال من قبل لصوص وقطاع طرق توضع مباشرة امام رئيس الوزراء(الحاكم الفعلي للبلد) في العاصمة ويعاقب متصرف اللواء وموظفين اخرين بسبب ذلك؟!. وما الذي أبقاهم في العراق في وقت كانت ابواب الهجرة مشرعة امامهم وسبلها سهلة ميسرة!. ان اطول فترة استقرار واهم ازدهار ثقافي واجتماعي ورياضي شهده المجتمع الاشوري في العراق كان في الاربعينات والخمسينات القرن الماضي، كما شهدت الفترة ذاتها اقل معدل للهجرة علما ان السفارات كانت توزع استمارات الهجرة في بغداد وتقدم تسهيلات كبيرة في المعاملة لمن يود السفر والهجرة الى (البلدان) التي يعاني الاشوريون اليوم الامرين من اجل الوصول اليها، في وقت ندعي فيه باننا صرنا شركاء في الحكم وبان لنا احزابنا السياسة ومؤسساتنا القومية وهيئاتنا الانسانية التي تدعي الدفاع عن حقوقنا وحماية (مصالحنا).
نعم لقد كان ابناء شعبنا (ابرياء في صراع الكبار) لكن حبذا لو تسألنا عن الاسباب التي كانت وراء اقحام هؤلاء الابرياء المساكين في ذلك الصراع الكبير !.
طوبى لمن حذر منذ البداية من خطورة “صراع الكبار” على ابناء امته والذي شبه الامر بصراع الفيلة التي تسحق الاعشاب تحت اقدامها عندما تتقاتل…

دامت نعمة الرب معنا جميعا.

(1)السيد اسحاق شمعون من سكنة ناحية سرسنك

تنويه (nala4u); لأهمية هذه الاحداث التاريخية والوثائق..لذا أعيد نشرها مع التقدير.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, كتب , تاريخ. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.