بقلم سليمان يوسف
shuosin@gmail.com
من (اربيل) الى (آيا صوفيا)
27 / 07 / 2020
http://nala4u.com
(قلعة اربيل – اربا ايلو) بالآشورية تعني (الآلهة الاربعة ). هذه القلعة التاريخية تحتضن معابد آلهة (آشورية – بابلية)، ابرزها (معبد عشتار) إلهة الحب والجمال. عن (قلعة اربيل) أخذت المدينة (أربيل) اسمها وهي أقدم (تجمع بشري) في التاريخ، تعود الى نحو 2300 قبل الميلاد. إنها معلم أثري حضاري نفيس. أُدرجت على قائمة (التراث العالمي) من قبل منظمة (اليونسكو) التابعة للأمم المتحدة.
باعتناق الآشوريين للمسيحية في القرن الثالث الميلادي، اكتسبت اربيل مكانة دينية إضافة، حيث اصبحت من أهم مراكز المسيحية في بلاد ما بين النهرين والمشرق عموماً. ليس من المبالغة القول، أن الأهمية التاريخية والقيمة الحضارية والدينية لـ(قلعة اربيل)، تفوق أهمية ومكانة كنيسة (آيا صوفيا)البيزنطية، التي حولها اردوغان قبل اسابيع الى (مسجد)، منتهكاً بذلك الحقوق والمقدسات الدينية للمسيحيين. حول المكانة الدينية لأربيل، يقول الدكتور والباحث العراقي ( محسن محمد – جامعة صلاح الدين): ” إن أربيل كانت تفوق في قدسيتها مدينة دلفوس اليونانية التي اتخذت مقرا لعبادة الإلهة أولمبوس “.
عبر مختلف العصور والأزمنة ورغم تقلبات التاريخ وتبدل الحكومات، حافظت ( اربيل – اربائيلو ) على اسمها الآشوري الأصيل. لكن يبدو أن هذه المدينة الآشورية العريقة (اربيل)، ككثير من المدن والبلدات والمعالم الحضارية الآشورية في بلاد ما بين النهرين، ستفقد اسمها وهويتها الآشورية بعد أن خضعت لسيطرة (قوى كردية) شيوفينية/عنصرية. الأكراد (قومٌ طارئ على التاريخ). بمعنى لم يكن للأكراد يوماً (دولة) خاصة بهم ولا من (بصمات كردية) على الحضارة الانسانية. لهذا الكردي يشعر بـ “عقدة النقص” تجاه حضارات الآخرين، وبشكل خاص تجاه الحضارة (البابلية – الآشورية). عقدة النقص الكردية هذه تفسر سعي الأكراد الى طمس وتشويه وتحريف حضارة بلاد ما بين النهرين (السومرية – الأكادية – البابلية – الآشورية). حقيقة، أنه لأمر مثير ومستغرب أن يعتمد الأكراد تاريخ (سقوط الدولة الآشورية/سقوط نينوى – 612 ق.م)، بداية لـ “التقويم الكردي”، من غير أن يكون للأكراد (جغرافية سياسية – ارض) خاصة بهم محتلة من قبل(البابليين- الآشوريين ). حروب الميديين الفرس مع (البابليين – الآشوريين) وإسقاطهم للدولة (البابلية – الآشورية) كان غزواً واحتلالاً لموطن الآشوريين( بلاد ما بين النهرين) ولم يكن تحريراً لأرض (فارسية )، هذا باعتراف الفرس أنفسهم. حتى لو اعتبر الأكراد أن أصولهم تعود لـ(الميديين) الذين أسقطوا الدولة الآشورية، فالميديين إحدى السلالات الفارسية موطنها التاريخي(بلاد فارس) وليس (بلاد آشور- بلاد ما بين النهرين). هذه حقيقة ثابتة لا جدال عليها ومعروفة للمهتمين بتاريخ شعوب المنطقة، أكدها الباحثان في التاريخ ( آني و لورانت شابري) في كتابهما المشترك( سياسة وأقليات في الشرق الأدنى). جاء في صفحة 342 من الكتاب ” ما يزال أصل الأكراد التاريخي يطرح اليوم مشكلة على علماء الجنس الكردي، لكن أياً ما كان من الأمر، فإن الخاصية الفارسية في الأكراد والاسهام الميدي لم يعودا منكرين اليوم “.
نظرة القوميين الأكراد (العدائية) للحضارة ( البابلية- الآشورية) أساءت وتسيء كثيراً للعلاقة ( الآشورية – الكردية). التكريد الممنهج لكل ما يتعلق بالحضارة والمعالم الآشورية، زعزع ثقة الانسان الآشوري بالسياسيين والقوميين الكرد، لجهة مصداقية شعاراتهم المتعلقة بالديمقراطية واحترام حقوق وحريات الآخرين والعيش المشترك. الأكراد لم يصبحوا دولة بعد، سارعوا الى تغيير وتكريد(جغرافية و تاريخ) بلاد ما بين النهرين، عبر مناهج التعليم المدرسي والجامعي والاعلام الموجه والمؤدلج، بدءاً من أسماء المدن والبلدات وصولاً الى الملاحم والملوك (السومرية – الأكادية – البابلية – الآشورية). (نوهدرا ) أصبحت (دهوك) واليوم(اربيل) سموها(هولير) و (آشور) باتت “كردستان” و(ملحمة كلكامش) يروجون على أنها “ملحمة كردية”،والملك الأكادي(ملك بابل – حمو رابي) يزعمون بأنه كردي، وهكذا. فكيف سيكون حال الآشوريين ووضع معالم حضارتهم ومستقبلهم القومي والسياسي بل والانساني، إذا ما أقام الأكراد دولتهم ( لا قدر الله) ؟.. عالم الآثار البرفسور العراقي (دوني جورج)، المدير العام السابق للآثار والمتاحف في العراق، يقول: ” الاكراد مع احترامي لهم ليس لهم تاريخ قديم وآثار قديمة بموجب قانون الاثار العراقي وكان اخرها قانون رقم 55 لسنة 2002 ففي هذا القانون كل شيء أقدم من200 سنة أعتبر آثاراً وتاريخ قديم، والاكراد لم يكونوا من ضمن هذا الاطار الزمني”.. يضيف (جورج) : ” ليس عيباً في أن قسم من الشعوب ليس لديها تاريخ طويل، لكنه من العار والمخزي ان تقوم نفس هذه الشعوب بسرقة تاريخ شعوب أخرى. لا توجد أي وثائق تذكر الاكراد في تاريخ بلاد ما بين النهرين. وبقدر كوني الشخص المسؤول في الآثار العراقية فأني أشعر بالقلق من محاولات الأكراد لإعادة كتابة تاريخهم”….
احتلال العثمانيين المسلمين لـ (القسطنطينية) البيزنطية لا يبرر لهم أسلمتها وتغير اسمها وهويتها الى (استنبول) وتحويل كنيستها المشهورة (آيا صوفيا) الى مسجد. كذلك بالنسبة لـ(أربيل) الآشورية، خضوعها لسلطة الأكراد لا يعطي لهم الحق بتكريدها وتكريد غيرها من المدن والبلدات والقرى والمناطق الآشورية، حتى لو لم يبقى فيها آشورياً واحداً. طمس وتحريف المعالم التاريخية الحضارية للشعوب الأصيلة، من قبل اية جهة حاكمة أو سلطة أمر واقع، يعتبر تعدي صارخ على حقوق وهويات هذه الشعوب. أية سلطة أو حكومة أو (قوى الأمر الواقع)، تعمل على طمس وتحريف المعالم الحضارية للشعب الأصيل، تؤكد على أنها (سلطة احتلال)، تحكم بعقلية(الغازي المحتل), لا يمكن لها، وهي بهذه العقلية العنصرية والمنهجية الاقصائية، أن تبني وطناً أو (دولة مواطنة ). تجربة (الحكومات العربية الاسلامية) في سوريا والعراق ومصر وتركيا، وبقية دول المنطقة، خير دليل وإثبات على ما نقوله… تكريد (اربيل) يُعد (جريمة ثقافية وأخلاقية) ترتكبها (حكومة البرزاني)، ليس فقط بحق (الحضارة الآشورية) وبحق العراق والعراقيين، وإنما أيضاً هي (جريمة كبرى) بحق (الحضارة الانسانية والتراث الانساني)، لا تقل بشاعة عن جريمة اردوغان بتحويل كنيسة (آيا صوفيا) الى (مسجد). أخيراً: الحضارة (السومرية- الأكادية -البابلية- الآشورية) في بلاد ما بين النهرين، أعظم من أن تُطمس أو تُمحى من قبل (جهلة التاريخ وأعداء الحضارة).
تنويه (nala4u); الموقع غير ملزم ما يسمى بكردستان.