شذى توما مرقوس
كَيْفَ تُفَكِّرُ بَعْض المُجْتَمعاتِ في المَرْأَة …….
( عن صُورَة المَرْأَة في بَعْضِ المُجْتَمعات )
28 / 03 / 2010
http://nala4u.com
بقلم : شذى توما مرقوس
الأحد 15 ـ 11 ـ 2009 / السبت 16ـ 1 ـ 2010
…..
نَقْرَأُ في سِفْرِ أستير ،( الأَصْحاح الأَوَّل / 1 ــ 22 ) إِنَّ
المَلِك أَحَشْوِيرُوش ، الَّذِي مَلَكَ مِن الهِنْدِ إِلى كُوشٍ على مِئَة
ٍ وسَبْعٍ وعِشْرِين كُورَةً ، إنَّهُ أَقامَ حَفْلَةً كَبِيرة امْتَدَّتْ
سَبْعَةَ أَيَّام احْتِفالاً بِمُلْكِهِ على بِلادِ فارس ، وفي اليَوْمِ
السَابِعِ لَمَّا طَابَ قَلْبُ المَلِكِ بِالخَمْرِ طَلَبَ أَن يَأْتُوا
بالمَلِكَةِ وَشْتِي إِلى أَمامِ المَلِك بِتَاجِ المُلْكِ لِيُرِي
الشُعُوبَ والرُؤَساء جَمَالَها لأَنَّها كَانَت حَسَنَةَ المَنْظَرِ،
فأَبَتِ المَلِكَة وَشْتِي أن تَأْتِي حَسَبَ أَمْرِ المَلِك ، فاغْتَاظَ
المَلِكُ جِدَّاً ، فسَأَلَ الرُّؤَساء السَبْعَة المُقَرَّبُونَ إِلَيْهِ
حَسَبَ السُّنَّة ماذَا يُعْمَلُ بِالمَلِكَة وَشْتِي لأَنَّها لم تَعْمَلْ
كَقَولِ المَلِك ، فقَالَ أَحَدهُم ويُدْعَى مَمُوكَان بأنَّ المَلِكَة
وَشْتِي أَذْنَبَتْ لَيْسَ للمَلِكِ فَقْط ، بَلْ إِلى جَمِيعِ الرُؤَساءِ
والشُعُوب في بُلْدَانِ المَلِكِ أَحَشْوِيرُوش ، وإنَّ خَبَر المَلِكَةِ
سَوْفَ يَبْلُغُ إِلى جَمِيعِ النِّساءِ فيَحْتَقِرن أَزْوَاجهُنَّ ،
فليُعْطِ المَلِكُ مُلْكَهَا لِمَنْ هي أَحْسَنُ مِنْها ، فتُعْطِي جَمِيعُ
النِّساءِ الوَقَار لأَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الكَبِيرِ إِلى الصَغِيرِ ،
وهكذا فعَلَ المَلِك . وهذا مُخْتَصر لِلنَصِّ الوَارِد في الأَصْحاحِ
الأَوَّل مِنْ سِفْرِ أستير ، أَرْجُو مِن القَارِئ العَوْدَة إِلى
المَرْجعِ لِقِراءَتِهِ كَامِلاً .
هُناك نُصُوصٌ أُخْرَى كَثِيرة تُؤْدِي نَفْسَ القَصْدِ
والمَعْنَى في قِصَصِ الشُعُوبِ وتُراثِها ومُعْتَقداتِها ، وهذا النَّصّ
واحِدٌ مِنْ بَيْنِ العَدِيدِ ، بَلْ وحَتَّى هُناك أَمْثال مُتوارثة بِهذا
الصَدَدِ لن أُركِز عَلَيْها في مَقالَتِي هذهِ .
يَحْكِي لَنا هذا النَّصّ بَعْض الخُيوطِ عن عَلاقَةِ
الرَجُلِ بِالمَرْأَة ، وما يُفَكِّرُ بهِ إِزاء المَرْأَة ، ويَشْرَحُ
أَيضاً الخَوْف الكَامِنِ في أَعْماقِ كُلِّ رَجُلٍ تُجاه النِساءِ ، فإِن
تَبُزَّه وتَبْرَعَ عَلَيْهِ ففي هذا فُقْدانه سَيْطَرتِهِ عَلَيْها ،
وحَتَّى يُذِلَّها ويُعِيدها إِلى حَظِيرَتِهِ ، حَظِيرَة الطَاعَةِ
والخُضُوعِ والاعْتِرافِ بِهِ سَيِّداً لها ، سيُعاقِبها بِامْرَأَةٍ
أُخْرَى لِتَكُونَ عِبْرَةً لِبَناتِ جِنْسِها ، الرَّجُلُ هُنا هو الَّذِي
يَخافُ فيُشَرِّع ويَرَى ماهو نَافِعاً لِحِفْظِ سُلْطَتِهِ وهَيْمَنَتِهِ
وعَدَمِ خُسْرانِها وزَوالِها ، ففي النَّصِّ نُلاحِظُ بِجَلاءٍ إِن
الرَّأْيَ الَّذِي عَمِلَ بِهِ المَلِك جَاءَ مِنْ أَحَدِ الرُؤَساءِ
المُقَرَّبِين إِلَيْهِ وكُلَّهُم رِجال ، وكانَ هذا الشَّخْص مَمُوكَان ؛
الرَّجُلُ هو الَّذِي يَخافُ ، ويُفَكِّرُ ، ويَعْمَلُ لِلحِفاظِ على
سُلْطَتِهِ وسَطْوَتِهِ ، لِيَبْقَى السَّيِّدُ المُطاع .
يُظْهِرُ هذا النَّصّ المَفْهُوم
المُتداوَل الشَائِع في الفِكْرِ المُجْتَمعِيِّ الجَمْعِيِّ في أَنَّهُ
لاتَكْسِرُ المَرْأَة إِلاَّ امْرَأَة أُخْرَى .
اليَّوْم ، يَتِمُّ تَداوُل هذه
المَقُولَة الَّتِي تَحَوَّلَتْ بِفِعْلِ التَراكُمِ الزَمَنِيّ إلى
قَناعَةٍ بِمِعْطَفٍ آخر فنَسْمَعُ ، ” المَرْأَة عَدُوَّةُ المَرْأَة ،
أَوْ المَرْأَة عَدُوَّةُ نَفْسِها ، أَوْ المَرْأَة وراء عَذابِ المَرْأَة
…. إلخ ( في حِيْنِ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ أَيّ كَائن رَجُلاً كانَ أَمْ
امْرَأَة سَبَباً في عَذابِ الآخر ) ، يَدْلُوا بها الجَمِيع وكأَنَّها
حَقائِق مُسَلَّمٌ بها وثَابِتة وغَيْرُ قَابِلة لِلنِقاشِ أَوْ الشَكِّ ،
لَقَدْ تَحَوَّلَتْ مَعَ الزَمَنِ وبِتَأْثِيرِ الأَدْيان ، وبِفِعْلِ
الرَغْبَةِ الذُكُورِيَّة أَيضاً في كَبْحِ جِماحِ المَرْأَة إلى قِيمَةٍ
صَحِيحة لايَجِبُ الشَّكّ في قِيمَتِها ، ودُسَّتْ دَسّاً في مَشاعِرِ
النِساءِ وأُدْخِلَتْ في خَانَةِ الغَيْرةِ النِسائِيَّةِ والحَسَدِ ،
بِاعْتِبارِ الغَيْرة هي مِنْ خِصَالِ الشَخْصِيَّة الأُنْثَوِيَّة
ومَفْطُورَة عَلَيْها بِالفِطْرَةِ ، ورَغْمَ أَنَّها كِذْبَةً مَدْسُوسَة
صُدِّقَتْ بِفِعْلِ مُرورِ الزَمَنِ فالحَسَد والغَيْرة وغَيْرَها مِن
الخِصَالِ الرَذِيلَة أَوْ الحَمِيدَة هي مِنْ خِصَالِ الشَخْصِيَّة
الإِنْسَانِيَّة ولَيْسَت حَكْراً على أَحَدِ الجِنْسينِ دُوْنَ غَيْرَه ،
لَكِنَّ غَيْرةَ الرِجالِ ( الَّتِي لاتَخْتَلِفُ عَمَّا في النِساءِ )
مِنْ بَعْضِهم البَعْض والحَسَد في الكَثِيرِ مِنْ مجالاتِ الحَياةِ ،
وقَدْ تَتَوضَّح في إِحْدَى صُورِها على سَبِيلِ المِثالِ لاالحَصْرِ
ومُمْكِن مُلاحَظَتَها بلارَيْب مِنْ خِلالِ تَنافُسِ مَجْمُوعَة رِجال في
الحَوْزِ على أُنْثَى لَيْسَ بِدافِعِ الحُبِّ ، وإِنَّما بِدافِعِ
الغَيْرةِ والحَسَدِ وإِثْباتِ الذات والفَوْز بِالأَفْضَلِيَّة ، إِلاَّ
أَن كُلَّ هذهِ التَّصَرُّفات الرُجُولِيَّة يُكْتَبُ عَنها بِتَعاطُفٍ ،
وتُفَسَّرُ لِصالِحِ الرِجالِ وبِشَكْلٍ إِيجابي ، أَمَّا مايَتَعَلَّقُ
بِالمَقُولاتِ السَابِقَةِ عن المَرْأَة ، فقَدْ تَمَّ بِنَاءُ جَانِبٍ
سَلبِي لَها عَمِيقَاً في ذاتِ المُجْتَمعِ ، وفي ذاتِ المَرْأَة بِفِعْلِ
القَهْرِ المُتواصِلِ الَّذِي تَتَعَرَّضُ لَهُ لِحَدِّ الآن فتُصَدِّقُ
مالَيْسَ فيها مِنْ سَيِّئات ………..
المَوْرُوثُ الدِينِيِّ والتُرَاثُ الاجْتِماعِيِّ
المُتداوَل شَفَهِيَّاً أَوْمَكْتُوباً ، يَكْتَنِزان بِشَبِيهِ القِصَصِ
هذه ، والَّتِي تُغْمِّزُ وتُلْمِّزُ صَراحَةً أَوْ خِفْيَةً بـِ ”
سَيِّئاتِ !!! ” النِساءِ الكَثِيرَة الَّتِي لافِكاكَ لِلمُجْتَمعِ
المَظْلُومِ مِنْها وبِسَبَبِها !!! يَقْلِبُون الحَقِيقَةَ فيُصَوِّرُون
الظَالِم مَظْلُوماً والمَظْلُوم ظَالِماً .
المَرْأَة نِصْفُ المُجْتَمع ، نِصْفَهُ الآخر هو
الرَّجُل ، وحِيْنَ نَتحَدَّثُ عن صُورَةِ المَرْأَة في المُجْتَمعِ
فإِنَّنا في حَقِيقَةِ الأَمْرِ نَتحَدَّثُ عن الصُورَة المَاثِلةِ في
عُقُولِ الرِجالِ عنها بِالدَرَجَةِ الأُولى رَغْمَ إِطْلاقِ صِفَةِ
المُجْتَمع عامَّةً ، وبِما أَن الزَّمَن قَدْ فَعَلَ فِعْلَهُ ، وجَعَلَ
مِنْ تَراكُماتِ هذا الإِرْث حَقِيقَة لايَرْقَى إِلَيْها الشَّكُّ
اشْتَركَ العُنْصُر النِسوِيِّ أَيضاً في تَمْثِيلِ الصُورَة وتَصْدِيقِها
والإِيمانِ بِها ، وحَتَّى لانُعَمِّم ، ولِنَتْرُك مَساحَةَ تَقْدِيرٍ
عَمِيقَة تَلِيقُ بِنِسْبَةٍ مِن الرِجالِ وفي كُلِّ عَصْرٍ مِن العُصُورِ
تَعاضَدُوا مَعَ المَرْأَة وسَانَدُوها ، أَقُولُ حَتَّى نَبْتَعِدُ عن
التَعْمِيمِ ، نُقَدِّم لَهُم زُهُور تَقْدِيرٍ ومُشارَكَة ، ومافي هذهِ
المَقالَة يُقال في حَقِّ الرِجالِ الآخرين مِمَّنْ هُم على الضِدِّ مِنْ
نِسْبَةِ الرِجالِ المَذْكُورةِ أَعْلاه .
المَرْأَة في نَظَرِ المُجْتَمعِ غَيُورَة ،
حَسُودَة ، تُثِيرُ الفِتَنَ والمَشاكِل والحُرُوب بَيْنَ الرِجالِ
والعَوائِلِ والدُوَلِ ، ثَرْثارَة ، لاتَحْفَظُ سِرَّاً ، غادِرَة
لاتَحْفَظ ُعَهْداً ، خَائِنَة غَيْرُ أَمِينة ، ضَعِيفَةُ العَقْلِ
والإِرادَة ، سَرِيعة الانْزِلاق نَحْوَ المَهاوِي ، تَحْتَاجُ لِوِصايَةِ
الرَجُلِ عَلَيْها دائماً ……. إلخ ، وهذه النَّظْرَة يَتِمُّ
تَوْثِيقَها وبَثَّها على النَاسِ في المُسَلْسَلاتِ التِلفزيونِيَّة ، وفي
الأَفلامِ ، وفي كِتاباتِ بَعْضِ الكُتَّابِ ، وفي الأَحادِيثِ الَّتِي
تَدُورُ بَيْنَ النَاسِ في الأَسْواقِ والمَحَلاتِ والبُيوتِ والعَمَلِ
وكُلِّ مَرافِقِ الحَياةِ المُخْتَلِفَة كُلَّمَا دَعَتْ الحَاجة إِلى ذلك ،
فلنَتَنَحَّى عن قَيْدِ آرائِنا شَعْرَة لِتَقُرّ الحَقِيقَة ونَلْمُسها ،
هَلْ هذهِ الصِفات هي في كُلِّ النِساءِ ، وهَلْ هي مُقْتَصِرَة
عَلَيْهنَّ دُوْنَ الرِجالِ ، وهَلْ كُلُّ هذهِ الصِفات مُجْتَمِعةً
تُوْجَدُ في كُلِّ امْرَأَة ، أَلَيْسَ المَنْطِق يَقُولُ والوَاقِعُ
بَيَّنَ ، إِنَّ هذهِ الصِفات هي مِنْ ضِمْنِ صِفاتِ الفَرْدِ الكَائِن ،
كُلُّ كَائنٍ لَهُ مِنْها نَصِيبٌ قَلِيلٌ ، أَوْ ضَئِيلٌ ، أَوْ كَثِيرٌ ،
وتَتَدَخَّل في تَحْدِيدِ ذاك النَصِيب عَوامِل مُخْتَلِفَة وشَتَّى
لاحَصْرَ لها ويَطُولُ الحَدِيثُ عَنها إِن بَدأ …….
إِنَّهُ
أُسْلُوب الإِسْقاط في اللاوَعْي ، المُجْتَمع قَامَ وعلى مَدَى عُصُور
طَوِيلَة بإِسْقاطِ تَصَوُّراتِهِ عن المَرْأَة بِكُلِّ الطُرقِ في
اللاوَعْي الأُنْثَوِيّ ، وكَانَت هذهِ الإِسْقاطات لَيْسَت مِنْ صَالِحِ
النِساءِ بَلْ تَعَدِّيَّاً سَافِراً عَلَيْهنّ ، وهكذا باتَ بِغَيْرِ
مَقْدُورِ المَرْأَة إِلاَّ التَّصَرُّف بِالشَكْلِ الَّذِي يَنْتَظِرهُ
ويَتَوَقَّعهُ مِنْها هذا المُجْتَمع في كُلِّ المَواقفِ ، المُجْتَمع
يُؤَكِّدُ ويَتَوَقَّع شِيمَةَ المَرْأَة هي الغَيْرة مِنْ امْرَأَة
أُخْرَى ، فالغَيْرة هي الَّتِي تَحْكُمُ العَلاقَة بَيْنَ بَناتِ هذا
الجِنْس ، ولأَنَّ ذلك قَدْ تَمَّ إِسْقاطَه في لاوَعْي المَرْأَة على
مَرِّ العُصُور بِحَيْث أَصْبَحَتْ الفِكْرَة مُتَوارَثَة ، تَتَصَرَّف
المَرْأَة بِالشَكْلِ الَّذِي يَتَقَبَّلهُ مِنْها المُجْتَمع ويَطْلُبُهُ
ويَتَوَقَّعهُ اوتُوماتِيكياً دُوْنَ إِعْمالِ التَّفْكِيرِ لِلتَصَرُّفِ
بِالطَرِيقَةِ الصَحِيحَة والمُغايرَة ــ إِلاَّ في حالاتٍ لاتَكْفِي
لِتُعَبِّر عن كُلِّ النِساءِ ــ ، أَمَّا وإِن جاءَ تَصَرُّفَها هكذا
رَفِيعاً يَسْمُو فَوْقَ هذهِ التُرَّهات ، ولم يَقعْ في تلكِ الخَانَة ،
فيَتَبرَّع المُجْتَمع بِتَفْسِيرِهِ وتَحْوِيرِهِ ودَحْسِهِ في تلكِ
الخَانَة الَّتِي يُرِيدها ويَرْضَاها ، ففي النِهايَةِ يَجِبُ أَن
يَنْتَصِرَ التَّصَوُّر الجَمْعِيّ المُجْتَمعِيّ على حَقِيقَةِ المَرْأَة ،
ويُثَبِّت إِسْقاطاته وصِحَّتها ، لِيَحْتَفِظ بِما لَهُ مِنْ امْتِيازاتٍ
لايَرْغَبُ في فُقْدانِها أَبداً .
لَقَدْ تَمَّ على مَدَى عُصُورٍ
طَوِيلَة إِسْقاط السَلْبِيات على شَخْصِ المَرْأَة ، وكَرَّرَ قناعات
لاوُجود لها حَتَّى تَحَوَّلَتْ إِلى حَقائق لايُشَكُّ في صِحَّتِها ،
ولايَتِمُّ مُناقَشتَها أَوْ مُجادَلتَها ، ولايُسْعَى في تَقْلِيبِها
ودَحْضِها ، أَوْ إِثْباتِ خَطئِها وكأَنَّها إِرْثٌ مُقَدَّس لايَجُوزُ
المَساس بِهِ ، وإِن حَاوَلَتْ إِحْدَى النِساء قَوْل غَيْر ذلك ، هَبَّت
الرِّيحُ وعَصَفَتْ فما هَدَأَتْ .
إِنَّ هذهِ الإِسْقاطات اسْتَطاعَتْ
التَّأْثِير على اللاوَعْي في المَرْأَةِ ، والنَّيْلِ مِنْه لِصالِحِ
الرَجُلِ لِلاسْتِئْثارِ بِالسُلْطَةِ ، وإِلْغاءِ مَبْدَأ المُشارَكَة
والاحْتِفاظِ بِالمَكانَةِ العُلْيَا ، وكَانَت الطَّامَة أَكْبَر حِيْنَ
هَبَّتْ بَعْضُ الأَدْيان لِتُعِين الرِجال على تَقْوِيَةِ سُلْطانِهم ،
وقَطْعِ رِيحِ الزَعْزَعَةِ عنه تَماماً ، إِذْ أَضْفَتْ على كُلِّ هذهِ
الإِسْقاطات تَأْكِيدات إِلَهِيَّة .
لَقَدْ رَسَمَ
المُجْتَمع لِلمَرْأَةِ الصُورَة الَّتِي يُرِيد أَن يَرَاها فيها حَسَبِ
مُواصفاتِهِ ومَقاساتِهِ ، وما عَلَيْها إِلاَّ أَن تَخْطُو بِمَوْجِبِها
وتُتَمِمَّها أَفْضَل تَتْمِيم ، بَلْ وتُؤَكِّدَها وتُثَبِّتَها على
نَفْسِها كَتُهْمَةٍ لافِكاك مِنْها ، أَمَّا إِن تَعَدَّتها ،
وأَهْمَلَتها ، ودَاسَتْ عَلَيْها ، وهَزَأَتْ مِنْها ، ولم تَعْتَرِفْ
بِها ، فالمُجْتَمع لَهُ كَافة الأَسْلِحة لِيُعِيدَ هذهِ المَرْأَة إِلى
جَادَّةِ الصَواب ، فالنَّبْذ ، واللَّوْم ، والإِذْلال ، والتَّقْرِيع ،
والطَّعْن بِالشَرَفِ ، ورُبَّما التَّعْذِيب والسُجُون وكُلّ ما يَخْطُرُ
ببالٍ ، الرَّدْعُ سِلاحُ المُجْتَمعِ الفَعَّال .
لاأُؤْمِنُ
بِالرَأْي الَّذِي يَقُول إِن المَرْأَة اسْتَطَابَتْ عُبُودِيَّتَها
وتَأْقلَمَتْ مَعَها ووافَقَتْ عَلَيْها ، هذا مُجَانِبٌ لِلحَقِيقَةِ ،
كُلُّ امْرَأَة تَتُوقُ لِلتَحَرُّرِ في أَعْماقِها ، ولَوْ بِنِسَبٍ
تَخْتَلِفُ مِنْ واحِدَةٍ لأُخْرَى حَسَبَ الظُرُوفِ المُحِيطَة بِها ،
ومُسْتَوَى الثَقافَةِ ، والمُجْتَمعِ المُتَواجِدَة فيه …….. إلخ مِن
الأَسْبابِ ، لكِنَّ النِّظامَ الاجْتِماعِيّ والدِّين وسَنَوات القَهْر
الطَوِيلَة جَعَلَتْ الخُطَى مُتَثاقِلَة ، ومُتْعَبَة ، ومُتَأرجِحَة ،
تَتناهَبَها الهَوَاجِس والمَخاوِف والظُلْم ، وتَفْتَقِرُ إِلى الثِقَةِ
والعَزِيمةِ الكَافِية ……. كُلُّ مامَرَّ قَدْ يَحْجُبُ عن المَرْأَةِ
الرُّؤْيَة الوَاضِحَة ويُشَوِّشُها ، أَوْ قَدْ تَرَاها وتَتَحَسَّسُها
بِوُضوحٍ ، لكِنَّها لاتَجْرُؤُ على البَوْحِ بِها خَوْفاً مِنْ هذا
النِّظام الاجْتِماعِيّ المَحْرُوس بِالدِينِ والأَعْرَافِ والتَقالِيدِ
وكُلَّ أَنْواعِ الأَسْلِحَة الفِكْرِيَّة والمَادِيَّة الثَّقِيلة
المُخْتَلِفَة ، بَيْنَما هي عَزْلاء تُصَارِعُ دُوْنَ أَسْلِحة ،
الصِّرَاع غَيْرُ مُتَكافِئ بَتاتاً .
المُجْتَمع
لَهُ إِسْقاطاته الفِكْرِيَّة أَيضاً على الرَجُلِ ولَكِنْ في مَنْحَى آخر
مُخْتَلِف ، فالمُجْتَمع يَنْتَظِرُ مِن الرَجُلِ مَواقِف مُعَيَّنة في
ظُرُوفٍ مُعَيَّنة ، لاغِياً ومُتَجاهِلاً تَفْكِيرَ الرَجُلِ وشَخْصَه
ومُسْعِفاً إِيَّاه بِحَلٍّ جَاهِزٍ لايَجِبُ مُنَاقشتَهُ أَوْ تَجَنُّبَهُ
، الأَخُ حِيْنَ يَقْتُلُ أُخْتَهُ غَسْلاً لِلعارِ ، هَلْ يُمْكِنُ أَن
نُصَدِّق ( حَتَّى وإِن هو نَفْسُهُ صَدَّقَ ذلك ) إِن هذا الأَخ
لايَتَأَثَّر بِما فَعَل ، ولايَطْرِفُ لَهُ جَفْنٌ ، ولايَحْزَنُ لأَجْلِ
أُخْتِهِ الَّتِي قَضَى مَعَها طُفُولَتَهُ وعَاشَا في مَنْزِلٍ واحِد في
رِعايَةِ والديهما ولَهُما ذِكْرَيات كَثِيرة مُشْتَرَكة بِحُكْمِ
انْتِمائِهما لأُسْرَةٍ واحِدَة وبِشَفاعَةِ الأُخْوَّة …… لكِنْ
ماالَّذِي يَفْعَلهُ هذا الأَخ وكَيْفَ يَتَصَرَّف في مُجْتَمعٍ رَسَمَ
لَهُ خُطُواتَه ؟ ….. الأَخُ يَتَصَرَّف وكأَنَّه فَعَلَ ما يَجِبُ
فِعْلهُ ، بَلْ وكأَنَّ مافَعَلَهُ لَيْسَ بِجَرِيمَة بَلْ فَخْر ،
فلايُبْدِي أَيّ حُزْنٍ ، بَلْ يَتَفاخَر ويَتَباهَى بِمُنْتَهى القَسْوَة
وكأَنَّهُ في مَوقِعِ المُسَيْطِر ومافَعَلَهُ هو الصَّحِيح ، وكَيْفَ لَهُ
أَن يَشْعُرَ إِنَّه ارْتَكبَ جَرِيمَة في مُجْتَمعٍ يُبَارِكها
ويَعْتَبِرها فِعْلٌ بُطُولِيّ وشُجَاع ……. هو في الحَقِيقَةِ
يَتَصَرَّفُ بِالطَرِيقةِ الَّتِي رَسَمَها لَهُ المُجْتَمع ويُرِيدها
مِنْهُ ، ولَيْسَ لَهُ قَرار في ذلك ، ولايَتَجَرَّأُ حَتَّى أَمام ذاتِهِ
أَن يَعْتَرِف بِحُزْنِهِ وأَلَمِهِ ونَدْمِهِ وخَطَئِهِ وتَمَنِّياتِهِ
لَوْ أَن المُجْتَمع أَعْفَاهُ مِنْ هذا العِبْء …….. أَمْثِلَة
أُخْرَى كَثِيرة لاتَتَّسِعُ صَفَحَات وصَفَحَات لإِدْراجِها كُلّها .
مِنْ هُنا يَتَأْكَّدُ لَنا أَن في
تَحْرِيرِ المَرْأَة وتَحْقِيقِ المُساوَاة سَيَكُونُ مَكْسَباً لِلرَجُلِ
أَيضاً ، وسَيُعْطِي لِلحَياةِ مَعْنَاها الحَقِيقِيّ ، ويَفْتَحُ فَضَاءات
وَاسِعَة على عَوالِم جَمِيلَة لاتَنْتَهِي ولاتُحْصَى ، فيها كُلُّ
الخَيْرِ والمَنْفَعَةِ لِلطَرَفَيْنِ ولِلبَشَرِيَّةِ كَكُلٍّ .
ما
أَكْثَرَ الَّذِين يَقُولون إِنَّ تَحْرِيرَ المَرْأَة يَقَعُ على
عَاتِقِها نَفْسَها فالحُقُوق تُؤْخَذ ولاتُوْهَب ، واتَساءلُ لِماذَا
لايُمْكِنُ أَن تُوْهَب وما المانِع إِن كَانَت خَيْراً ِللجَمِيعِ ،
لِماذَا يَصْعُبُ على المُجْتَمعِ أَنْ يَهِبَ الحُقُوق الطَبِيعِيَّة
الَّتِي حَازَها الإِنْسَانُ أَصْلاً كإِنْسَان ، أَرَى في هذا الرَّأْي
الضَبابِيَةِ وبَعْضَاً مِنْ عَدَمِ الدِقَّةِ والذَبْذَبَةِ وعَدَمِ
التَفَهُّمِ ، فالمَرْأَة بِإِرْثِ العُصُورِ الطَوِيلَة من القَهْرِ
والظُلْمِ والتَراكُماتِ والإِرْتِطاماتِ قَدْ كُسِرَت نَفْسِيَّاً
ومَعْنَوِيَّاً بَلْ وحَتَّى جَسَدِيَّاً ، وعَلَيْهِ فالنُهُوض بِوَضْعِها
لَيْسَتْ مَسْؤُولِيتَها فَقَطْ ، بَلْ يَتَطَلَّبُ مُشارَكَةَ أَطْرافٍ
كَثِيرة .
إِنَّ تَهْيِئَةَ الرَجُلِ وتَوْعِيِتَهُ
لِلخُطُواتِ القَادِمة ، وتَفَهُّمَهُ لِحُقُوقِ المَرْأَة وإِيجابِياتِها
في حَياتِهِ هو شَخْصِيَّاً ، وطَمْأَنَتهُ إِلى أَن المُساوَاة
لاتُقَلِّلُ مِنْ أَهَمِيتِهِ وقِيمَتِهِ وكَرامَتِهِ ، بَلْ تَسْمُو
بِإِنْسَانِيَّتِهِ عَالِياً ، هي خُطُوةٌ مُهِمَّة لاتَقُلُّ شَأْناً عن
تَوْعِيةِ المَرْأَة بِحُقُوقِها وحَثِّها على التَمَسُّكِ بِها وعَدَمِ
التَفْرِيطِ بِها ، وهذهِ الخُطُوة بِدَوْرِها لايَدْعَمُها ويُحَقِّقُها
ويُثَبِّتُها إِلاَّ سَنُّ القَوانِين أَيْ مُشارَكَة الدَوْلَةِ في
تَثْبِيتِ حُقُوقِ المَرْأَة وحِمايَتِها ككَائِنٍ لَهُ حُقُوقٌ مُساوِيَة
لِلرَجُلِ ، وطَالَما إِن شَرْطَ الاسْتِقْلالِ الاقْتِصادِيِّ الَّذِي
يَعْتَبِرُهُ الكَثِيرون شَرْطاً أَساسِيَّاً لِلنُهُوضِ وبِدُوْنِهِ
لاتَقُوم لِحُقُوقِ المَرْأَة قَائِمة ، أَقُولُ طَالَما إِن هذا الشَّرْط
صَعْبٌ تَحْقِيقَهُ لأَسْبابٍ كَثِيرة مَعْرُوفة ، فلابَأْسَ مِن العَمَلِ
على المَحاوِرِ الأُخْرَى كالتَثْقِيفِ والتَوْعِيةِ ، والرَفْعِ مِن
المَعْنَوِياتِ ، والتَحْسِينِ مِنْ وَضْعِ النِساءِ النَفْسِيِّ ،
وتَثْقِيفِ الرَجُلِ وتَحْرِيرِ عَقْلِهِ مِنْ كُلِّ ما عَلِقَ به مِنْ
نَظْرَةٍ دُونِيَّة لِلمَرْأَةِ .
على
الرَجُلِ أَن يُساعِدَ المَرْأَة لِتَتَحرَّر مِنْ خَوْفِها ، آخِذاً
بِيَدِها في طَرِيقِ مَسِيرَتِها نَحْوَ بِناءِ مُجْتَمعٍ سَلِيمٍ ، لا أَن
يَتْرُكَها خَلْفَهُ تَتْبَعُ خُطُواتِهِ كتَابِعٍ ذَلِيل …….
وبِذِكْرِ
شَرْط الاسْتِقلال الاقْتِصادِيّ كمُساهِمٍ فَعّال في تَغْيِيرِ نَظْرَةِ
المُجْتَمعِ عن المَرْأَة لابُدَّ لَنا أَن نُفَكِّر في عَمَلِ المَرْأَة
داخِل المَنْزِل والأُسْرَة وهو جُهْدٌ كَبِير غَيْر مَدْفُوع الأَجْر ،
ولايُنْظَرُ إِلَيْه بِعَينِ الجِدِّيَّة ، وقِيمَتَهُ غَيْر مَنْظُورة
بَلْ مُتَجاهَلَة ، ويُدْحَسُ في خانةِ الأَعْمال غَيْر المُنْتِجة
لأَنَّهُ مَحْدُود ومُسَوَّر بِمُحِيطِ الأُسْرَة تَغِيبُ عن النَّاظِرِين
آفاقُ تَأْثِيرَهُ في المُجْتَمعِ ودَوْرَهُ الكَبِير، الحَقِيقَة غَيْر
هذهِ النَّظْرَة السَلْبِيَّة تَماماً ، فالمَرْأَة تُنْجِبُ ، وتُرَبِّي
الأَطْفال ، وتَعْتَنِي بِالأُسْرَةِ ورَاحَةِ أَفْرادِها ، إِذَنْ يَجِبُ
إِعادَةَ النَظَر في تَقْيِيمِ عَمَلِ المَرْأَة وإِعْطائِهِ حَقَّ
قَدْرِهِ أُسْوةً بِالأَعْمالِ الأُخْرَى فهو لايَقِلُّ أَهَمِيَّة عنها
أَبداً ، ولن يَتِمّ إِعادَة الاعْتِبار والقِيمَة المُتَجاهَلَة إِلاَّ
مِنْ خِلالِ سَنِّ قَانُون يُنْصِفُ المَرْأَة في هذا المَجالِ بِتَخْصِيصِ
رواتب لِلنساءِ ضِمْن الأُسْرَة وعَدَمِ تَرْكِها مُعَلَّقَة بِعُرْوَةِ
التَمْكِينِ المادِيِّ لِلرَجُلِ لِتَعِيش تَحْتَ سَطْوَتِهِ ، هذهِ
الرواتب هي حَقُّ المَرْأَة الطَبِيعِيّ ولَيْسَ مِنَّة مِن الدَوْلَةِ
أَوْ الرَجُلِ .
هذا الإِجْراء سيَمْنَحُ لِلمَرْأَةِ الثِّقَةَ
والأَمان والاطمِئنان ، ويُعْطِيها القُدْرَة على القَرارِ دُوْنَ تَخَوُّف
أَوْ وَجَل ، ويَفْتَحُ أَمامَها الآفاق لِتَفْهَم مُحِيطَها وقُدْرَاتَها
وقَضِيَّتها وتُطوِرُ إِمْكانِياتها ، وتَجْعَلَها تَنْظُرُ إلى ذاتها
نَظْرَة احْتِرام كفَرْدٍ مُنْتِجٍ ومُهِمٍّ وفَعّال داخِلَ المُجْتَمعِ
وتَعِي دَوْرَها وقِيمَتَها كإِنْسَانٍ ، الرَّجُل الَّذِي يَعْمَلُ
طَبَّاخاً يَتَقاضَى أُجوراً عن عَمَلِهِ ، المَرْأَةُ تَطْبُخُ وتَكْنُسُ
وتَمْسَحُ وتُنْجِبُ وتُرَبِّي الأَطْفال وتَعْتَنِي بِأَفْرادِ أُسْرَتِها
، وكُلُّ هذا يُصَنَّفُ بِالتَالِي كعَمَلٍ غَيْر مُجْزِي أَوْ مُنْتِجٍ ،
وهي جُهُود غَيْر مَحْسُوبَة أَوْ مُثَمَّنَة ، حَتَّى إِن قِيمَةَ
تَرْبِيَة الأَطْفالِ الشَدِيدَة العُلُوِّ والأَهَمِيَّة يُنْظَرُ
إِلَيْها كقِيمَةٍ مُتدَنِّيَّة ومِنْ ثُمَّ فلا قِيمَةَ لِما تُؤْدِيهِ
المَرْأَة مِنْ عَمَلٍ ، مَعَ عَدَمِ إِغْفالِ إِنَّ سَاعاتَ العَمَلِ
الرَسْمِيَّة تَمْتَدُّ إِلى ثَمانِي سَاعاتٍ أَوْ اثْنا عَشَرَ سَاعَة ،
بَيْنَما المَرْأَة تَعْمَلُ بِتَواصُلٍ لا يَنْقَطِع .
الحُقُوقُ لاتُوهَب بَلْ تُؤْخَذ …….. وهَلْ
كَافَحَ الرِّجالُ حَتَّى أَهْدَتْهُم المُجْتَمعات كُلَّ هذه الامْتِيازات
والحُقُوق بِالجُمْلَةِ ، وهل نَاضَلُوا قَبْلَ أَن يَكُونُوا على هذا
الكَوْكَب كذُكُورٍ ولَيْسَ كإِناث ……أَيُّ فَضْلٍ لَهُم في كَوْنِهم
ذُكُوراً ولَيْسَ إِناثاً ، وهَلْ فَعَلُوا قَبْلَ أَن يَأْتُوا إلى هذا
العَالم ما يَسْتَحِقُ لِيَخْلُقهُم الرَّبُّ ( الإِلَه الذُكُورِيّ
بِامْتِيازٍ ) ذُكُوراً ويُفَضِّلُهم على النِساءِ ، بَعِيداً عن مَسْأَلةِ
الرَجُلِ والمَرْأَة الأَمْرُ ذاته مَعَ الأَسيادِ البِيض والعَبِيد
السُود ، كَيْفَ صَارَ العَبِيدُ عَبِيداً ونُعِتَ الأَسيادُ أَسياداً ،
أَيُّ فَضْلٍ كانَ لَهُم فيما هُم عَلَيْهِ ، وماذَا فَعَلُوا لِيَقْبِضُوا
على حُزْمَةِ الامْتِيازاتِ والحُقُوقِ بِالجُمْلَةِ ، هَلْ كانَ ظُلْمهُم
وقَسْوَتهُم وتَغَطْرُسهُم هو ثَوْرَة ضِدَّ المُجْتَمعِ لِنَيْلِ
حُقُوقهُم كأَسيادٍ وماهي بِحُقُوقٍ بَلْ تَعدٍّ واسْتِلابٍ ، إِنَّهُ
مَنْطِق الإِرْغامِ والقُوَّةِ لَيْسَ إِلاَّ ، هذا الأَمْرُ ذاته يَنطبق
على الرِجالِ أَيضاً .
والتَّنْوِيه
إِلى أَن المَرْأَة لم تَكُنْ صَامِتة طِيلَةَ هذهِ العُصُور يُمْكِنُ
تَأْكِيدَه مِنْ خِلالِ مَصِيرِ الكَثِير مِن النِساءِ مِمَّنْ مُورِسَت
بِحَقِّهِنّ كُلَّ أَنْواعِ الاعْتِداءات : القَتْل ، الضَرْب ، التَنْكِيل
، الاحْتِقار ، الطَعْن بِالشَرَفِ ، النَبْذ ، الحَبْس ، الإِهانَة ،
الإِذْلال وشَتَّى المُضايَقَاتِ الأُخْرَى …. إلخ ، هذهِ العُقُوبات
المُجْتَمعِيَّة والدِّينِيَّة لم تَأْتِ مِنْ فَرَاغ ، بَلْ جاءَتْ
نَتِيجَةً لِتَعْبِيرِ هؤلاء النِساء عن رَفْضِهِنّ لِمَا يَفْرِضَهُ
عَلَيْهنَّ الدِّينُ والمُجْتَمع ، كُلُّ امْرَأَة عَبَّرَتْ عن رَفْضِها
على قَدْرِ ما اسْتَطاعَتْ ابْتِداءً بِنَظْرَةٍ تَقُولُ رَفْضَها
ومُرُوراً بِكَلامٍ رَافِضٍ وانْتِهاءً بِمُقاوَمة ؛ المَرْأَةُ تَعْمَلُ (
وهُنا لاأَتَحَدَّثُ عن النِساءِ الشَهِيراتِ والمَعْرُوفاتِ بِكِفاحِهِنّ
في هذا السَبِيل ، بَلْ عن نِساءٍ بَسِيطاتٍ غَيْرَ مَعْرُوفات وغَيْرَ
مُتَميّزات ) ولَكِنْ على قَدْرِ الطَاقَةِ المُتاحَةِ لَها والمَفْسُوحَةِ
ضِمْنَ المُجْتَمعِ الَّذِي تَعِيشُ فيه مُكَبَّلَةً بِكُلِّ القُيودِ
مَعْنَوِيَّاً ، جَسَدِيَّاً ، فِكْرِيَّاً ، اجْتِماعِيَّاً ، دِينِيَّاً
….. إلخ ، خُصُوصاً في المُجْتَمعاتِ الَّتِي تَتَّسِمُ بِقَسْوَتِها
تُجاهَ النِساءِ ، فإِصْرار امْرَأَةٍ على حَقِّها في طَلبِ التَفْرِيقِ عن
زَوْجِها في عَلاقَةٍ فَاشِلَة ( وماأَكْثَر هذهِ الحَالات ) ، هو
تَعْبِير عن تَمَسُّكِ المَرْأَة بِحَقِّها ورَفْضِ الظُلْمِ الوَاقِعِ
عَلَيْها ، وإِصْرار المَرْأَة على العَمَلِ في مُجْتَمعٍ يُقِرُّ بِأَن
مَصِيرَ المَرْأَةِ هو البَيْت مَهْما دَرَسَتْ ونَالَتْ مِنْ شَهاداتٍ ،
إِنَّما هو تَمَسُّك المَرْأَة بِحَقِّها في العَمَلِ ورَفْضِها اسْتِلابه
مِنْها ، واكْتِفاءِ المَرْأَة بِطِفْلَينِ في وَسَطٍ يَعْتَبِرُها أَلَّةَ
إِنْجابٍ ويُسَبِّبُ لَها الكَثِيرَ مِن المُضايَقَاتِ والمَشاكِلِ
بِفِعْلِ ذلك ، إِنَّما هو رَفْضٌ لِتَصَوُّرِ المُجْتَمعِ الخَاطِئ عنها
ودِفاعاً عن شَخْصِها كإِنْسَانَةٍ ولَيْسَ كأَلَّةِ إِنْجابٍ ،
والأَمْثِلة إِن بَدَأْنا بِسَرْدِها وإِدْراجِها في صَفَحَاتٍ وشَاركَ
كُلُّ قَارِئٍ كَرِيمٍ وقَارِئةٍ كَرِيمَةٍ بِواحِدٍ مِنْها لمَا وَصَلْنا
لِنِهايَةٍ ؛ كُلُّ هذهِ التَّعْبِيرات عن الرَفْضِ بِأَوْجُهِها
المُخْتَلِفَةِ والمُتَعدِّدَةِ ، أَعْطَتْنا النَتِيجة الحَالِيَّة في
فَهْمِ النِساءِ لِوَاقِعِهنّ أَكْثَر والسَّيْر وإِن بِبِضْعِ خُطُواتٍ
أَماماً ولَوْ كخَطْوِ السُلَحْفَاةِ ، خُطُواتٍ بَطِيئة ولَكِن
مُمْتَدَّة .
إِنَّ الظُلْمَ الَّذِي لَحِقَ بِالمَرْأَةِ
كانَ كَبِيراً لأَنَّ قِوَى مُتَعدِّدَة تَكاتَفَتْ وتَجَمَّعَتْ
وانْقَضَّتْ ، ولم تَتْرُك لِلمَرْأَةِ أَيَّ خِيَار ، بَلْ إِن الإِنْسَان
ذَهَبَ إِلى أَبْعَدِ حُدُودِ الشَرِّ والخِزْي فجَعَلَ القِوَى
السَماوِيَّة تَتَأَمَّرُ مَعَهُ على تَرْوِيضِ المَرْأَةِ واخْضاعِها
بِشَرائِعٍ ومُبَارَكَةٍ إِلَهِيَّة ؛ هكذا ظُلْم كَبِير يَحْتَاجُ
لِوَقْتٍ كَبِيرٍ وطَوِيلٍ وجُهْدٍ عَظِيمٍ لِمَحْوِهِ وإِزاحَتِهِ .
العِلَّة في الارْتِقاءِ بِوَضْعِ المَرْأَة وتَخْلِيصِها مِنْ
مَرَارَةِ وَاقِعِها وتَحرُّرِها ، لاتَكْمَنُ في المَرْأَة وحْدَها بَلْ
في الرَجُلِ أَيضاً ، وعَلَيْهِ فإِنَّ تَحْرِيرَ المَرْأَة لن يَكُون
إِلاَّ مِنْ خِلالِ تَحْرِيرِ الرَجُلِ أَيضاً وتَخْلِيصِهِ مِنْ أَوْهامِ
مَجْدِهِ الزَائِف ومَمْلَكَتِهِ الوَهْمِيَّة لِيُدْرِك إِن العَالمَ
لايَسْتَطِيعُ السَّيْرَ مُسْتَقِيماً بِرِجْلٍ واحِدَة الأُخْرَى
مَشْلُولَة ، مُعَطَّلَة ، أَوْ مَقْطُوعَة ، أَوْ مَبْتُورَة ، لأَنَّ
القَضِيَّة مُترابِطَة في مَصِيرِ المَرْأَةِ والرَجُلِ ومِنْ ثُمَّ
المُجْتَمع ، وفي نَظَرِي إِنَّ السُّلُطَات ( الدَّوْلَة ) تَتَحَمَّل
المَسْؤُولِيَّة الأُولى في هكذا قَضايا فمِنْ خِلالِ سَنِّها
لِلقَوَانِينِ السَلِيمة تُدْخِلُ المَفاهِيمَ الصَحِيحَة إلى حَيِّزِ
التَنْفِيذِ والتَطْبِيقِ وتَصْنَعُ وَضْعاً مُخْتَلِفَاً ومَحْمِيَّاً
لِكُلِّ فَرْدٍ لَحِقَ بِه الغَبْن في المُجْتَمعِ وفي هذا المَوْضُوع
نَعْنِي بِهؤلاءِ الأَفْراد النِّساء ، إِن سَنَّ القَوَانِين يُهَيِّئُ
الرَجُلَ لِلوَضْعِ الجَدِيدِ ويَجْعَلَهُ يُفَكِّرُ بِطَرِيقةٍ أَجْدَى ،
على سَبِيلِ المِثالِ : لَوْ سُنَّ قَانُون يَمْنَعُ ضَرْبَ الزَوْجَة
تَحْتَ أَيِّ ظَرْفٍ ( مَعَ الارْتِكاز على جَانِبِ التَوْعِيَة الهامّ
مُرافَقَةً ) وفَرْض العُقُوبة على المُخالِفِ لتَدَرَّبَ الرَّجُل على
قَبُولِ الأَمْرِ حَتَّى تَحَوَّلَ لَدَيْه سُلُوكاً بِمرُورِ الزَمَنِ ،
هكذا بِالنِسْبَةِ لِلقَضايا المُسَمَّاةِ بِغَسْلِ العارِ وهَلُمَّ
جَرَّاً ، أَمَّا أَنْ تَبْقَى الدَّوْلَة تَنْظُرُ إلى هكذا قَضايا على
إِنَّها شَأْنٌ أُسرِيِّ فلاغَرابَةَ إِن احْتَجنا قُرُوناً وقُرُوناً
لِخَلاصٍ قَدْ يَأْتِي ، أَوْ لا يَأْتِي .
رُبَّما يَكْمَنُ الخَطَأ في دَعْوةِ المَرْأَة إلى التَحرُّرِ
ونَبْذِ قُيودِها وتَحْطِيمها في عَدَمِ تَوْجِيه أَيّ نِداءٍ لِلرَجُلِ
والدَوْلَةِ بِشَأْنِ ذلك .
القَضِيَّة
الَّتِي نُسَمِّيها مَغْرَةً أَوْ تَلاعُباً بِالأَلْفاظِ بِقَضِيَّةِ
المَرْأَة ( مَعَ تَحَفُّظِي على تَسْمِيَة الأُنْثَى بِالمَرْأَة ) ، هي
لَيْسَت قَضِيَّة المَرْأَة وَحْدَها ، بَلْ قَضِيَّة الرَجُل والمُجْتَمع
كَكُلٍّ …..
إِلى تَواصُلٍ آخر قَادِمٍ مَعَكُم عَزِيزاتي ،
أَعْزائِي مِن القَارِئاتِ والقُرَّاء ، أَقُولُ لَكُم مَحبَّةً وسَلاماً
…….
هَامش : ــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المَغْرَة : المَكْرُ والخَدِيعَة .
تنويه (نالافوريو):لاهمية المادة..لذا اعيد نشرها مع التقدير.