تركيا وآمال تحقيق الحلم القديم الجديد في أوربا

بقلم د. جميل حنا
تركيا وآمال تحقيق الحلم القديم الجديد في أوربا

20 / 02 / 2007
http://nala4u.com

تركيا في دائرة الجدال الدائر داخليا وخارجيا , من جهة بين أوساط المثقفين الأتراك وداخل المؤسسة العسكرية والحكومة حول ماهية الفكر التركي وتحديد أركانه والتشبث بما هو قائم , أو إعادة النظر ببعض المفاهيم المترسخة في عقليتهم وبذل الجهود من قلة قليلة من المثقفين للتخلص من هذه العقلية والممارسات الشوفينية بحق الشعوب والقوميات التي تقيم على أراضيها التاريخية منذ فجر التاريخ كالشعب الآشوري بمختلف انتماءاته المذهبية من أبناء الكنيسة السريانية والكلدانية والمشرقية … . وجدل آخر يدور في أروقة محافل اتحاد الدول الأوربية ومؤسساتها حول الفكر التركي , وقدرة الساسة الأتراك على أمكانية انسجامها مع الفكر الأوربي والالتزام الفعلي بهذه الأفكار وقيم الحرية والديمقراطية والمساواة بين كافة الشعوب ألمقيمه على أرضها ضمن الدولة التركية وإلغاء القوانين العنصرية بحقها .
وهذا الجدل يزداد سخونة أو برود بتقدم بحث الملفات الحساسة والشائكة المتعلقة بانضمام تركيا إلى إتحاد الدول الأوربية . وكل طرف يحاول كسب أكبر قدر ممكن من المكاسب . تركيا تريد من انضمامها إلى الاتحاد تحسين وضعها الاقتصادي و الاستفادة من الإمكانات الأوربية في هذا الشأن . أما بالنسبة للدول الأوربية الأهم من الناحية المادية التأكد من الأهداف الحقيقية والنيات الصادقة للدولة التركية برغبتها بتبني القيم الأوربية في بناء الدولة العلمانية الحقيقية وليس كما هو شائع الآن , ومساءل تتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة , وحرية الرأي والصحافة والقضاء المستقل المرتكز على الشرائع والقوانين الدولية والأوربية والاعتراف بكيان القوميات غير التركية والاعتراف بمجازر إبادة الشعب الآشوري والأرمني ومساءل تتعلق بالعيش المشترك وإلغاء التمييز العنصري بين دين ودين وقومية وآخري . وأن يكون شغل المناصب العليا في الدولة ليس حكرا على أبناء القومية التركية بل أن يشمل أبناء كافة القوميات وعلى أساس الكفاءات الشخصية . ومن خلال بحث هذه الملفات يريد الأوربيين لاستنطاق المنطق التركي وكشف نوابهم الحقيقية وذلك انطلاقا من التجربة التاريخية مع الإمبراطورية العثمانية وفيما بعد وريثتها الدولة التركية .

إن الأوربيين لم يتمكنوا من إعطاء الجواب المقنع لأنفسهم قبل غيرهم إلا بعد مناقشة كل الملفات خلال عقد أو عقدين , ولن يكتشفوا حقيقة التأثير التركي إلا بعدما يمضي عقد أو عقدين من الزمن على عضوية تركيا ا لفعلي في إتحاد الدول الأوربية . أن تغيير القوانين لأجل المصلحة السياسية والاقتصادية قد يكون من أسهل الأمور خلال العملية التفاوضية بين الطرفين , ولكن تغيير المنطق الفكري لتركيا سيحتاج إلى عقود طويلة لينسجم مع المنطق الأوربي حتى ولو كانت تركيا جادة بتحقيق التغيير الجذري .
ومن هذا المنطلق هل يهدد الأتراك حرية أوربا مثلما حصل في القرن السادس عشر والسابع عشر ؟ هل يمكن أن تعيش الثقافة الأوربية والتركية مع بعضها البعض ؟ الثقافة الأوربية المتطورة التي تستمد إنسانيتها وتمدنها من قيم الدين المسيحي وقيم الثورة الفرنسية المرتكزة على مبادئ الحرية والأخوة والمساواة , وبين الثقافة التركية التي تستمد قيمها من العقلية العثمانية التركية المتعصبة قوميا ودينيا . هناك جدل دائر في كافة الدول الأوربية على مختلف المستويات بين أوساط أبناء دول الاتحاد على المستوى الشعبي والرسمي وخلف الكواليس وفي مراكز القرار حول منح تركيا العضوية الكاملة أو أن يقيم الاتحاد الأوربي معها علاقات مميزة وهذا الطرح والأسئلة ليست جديدة . ولكن كل سؤال يحمل جملة من التناقضات الكثيرة في القبول أو عدمه .
أن القرار الذي أتخذ في الثالث من أكتوبر 2005 للبدء بالمباحثات لقبول تركيا البالغ عدد سكانها 73 مليون نسمة وهذا العدد يتجاوز عدد عشرة دول كانت قد انضمت إلى الاتحاد قبل هذا القرار ولا يوجد من أراضي الدولة التركية الحالي إلا الخمس في القسم الأوربي وهي القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية التي استولى عليها العثمانيون في القرن الخامس عشر. وكذلك الغالبية الساحقة من الشعب التركي يسكن في القارة الأسيوية ,وفي حال انضمام تركيا إلى عضوية دول الاتحاد أليس من الأجدر تغيير أسم الاتحاد ليشمل أسم الدولة التركية أو القارة التي تقع فيها تركيا ليعبر عن واقعية أسم الاتحاد .

أن الرأي العام الأوربي له مخاوف واقعية وكثيرة من انضمام تركيا إلى الاتحاد لأنها ترى في الدولة التركية عضو غريب في الكيان الأوربي , لأن أوربا موحدة الجذور الثقافية وتستمد عراقة تمدنها من قيم الدين المسيحي وأن الديمقراطية خطت فيها خطوات متقدمة, وبناء مؤسسات الدولة بكافة إشكالها متطورة, مبنية على أساس تحقيق المساواة والعدالة, وحماية حقوق الإنسان الجماعية والفردية وممارسة الشعائر الدينية وحرية الرأي وحقوق كلفة القوميات والأثينيات العرقية مصانة في الدستور وتمارس خصائصها القومية بكل حرية بدون اضطهاد وحرمان عكس الدولة التركية التي مارست كل أنواع القهر والحرمان وارتكبت المجازر بحق الشعب الآشوري بكافة مذاهبه من أبناء الكنيسة السريانية والكلدانية والكنيسة المشرقية والأرمن والمسيحيين بشكل عام حيث كان عدد السكان المسيحيين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يشكل ثلث 33% من أصل أربعة عشر مليون في الدولة التركية وأن عدد المسيحيين لا يتجاوز المائة أي بنسبة أقل من واحد بالمائة أين اختفت تلك الملايين ماذا حل بهم . أن الجواب على هذا السؤال سهل جدا قتلهم الأتراك والأكراد وأرغموا على الهجرة قسرا واعتناق الإسلام . وما زالت الدولة التركية لا تعترف بالمجازر التي ارتكبتها بحق الآشوريين والأرمن وهم يعانون من الاضطهاد القومي والديني ومحرومون من ابسط الحقوق المدنية ولا يعترفون بهويتهم القومية المميزة .

الثقافة التركية المشبعة بالروح العنصرية تجاه كل مغاير لها في الدين والانتماء القومي ستصبح يوم ما عضوا في اتحاد الدول الأوربية المبنية على مبادئ الإنسانية والديمقراطية والحرية واحترام كل الأديان والمذاهب والقوميات . ومن هنا يأتي استياء الشعوب الأوربية من فكرة انضمام تركيا إلى دول الاتحاد . ويتساءلون ماذا سيحصل لنا عندما تصبح تركية عضوا في الاتحاد , أنهم قلقون على مستقبلهم . وإن الاستفتاء الذي تم في فرنسا وهولندا أكد بأن الشعوب الأوربية تعارض فكرة انضمام تركيا الى الاتحاد ,ولذلك تم إلغاء الاستفتاءا لذي كان مقررا إجرائه في بعض البلدان الأوربية حول هذه المسألة . أن الشعوب الأوربية خائفة على حريتها ومصالحها ورفاهيتها ونظامها الديمقراطي . وحتى الدولة النمساوية عارضت حتى اللحظة الأخيرة على فكرة قبول الموافقة على قرار بدء المباحثات لقبول تركيا في عضوية دول الاتحاد وذلك انطلاقا من تجاربها التاريخية المريرة مع العثمانيين الأتراك عندما حاصروا عاصمتهم فيينا في عام 1529 في المرة الأولى وفي عام 1683 في المرة الثانية , وأنهم خائفون من الحصار الثالث في هذه المرة الذي يختلف عن الحصار ين الأولين . حينذاك انتصرت إرادة الشعب النمساوي ورد جحافل العثمانيين على أعقابهم , ولم تسقط فيينا في يدهم .

ولكن الشعب النمساوي متخوف كثيرا من الحصار الثالث بعدما وافقت الدولة النمساوية تحت ضغوط خارجية على قرار بدء المباحثات لقبول تركيا عضوا في الاتحاد ,وأن تسقط هذه المرة عاصمتهم فيينا في يد الأتراك عن طريق الغزو السلمي وبطرق الخداع التي أستخدمها العثمانيون بالاستيلاء على دول البلقان وغيرها وخاصة على قلعة بودابست الحصينة التي دخلوها بالخداع كسائحين مخفين أسلحتهم تحت ملابسهم وتم الاستيلاء على القلعة بعدما تم فتح الأبواب من الداخل أمام جحافل الجيوش العثمانية التي كانت تحاصر المدينة .

هل سينجح الأتراك بغزو عواصم الغرب بأساليب الخداع كما حصلت لقلعة بودابست أم أنهم سيندحرون مرة أخرى كما اندحروا أمام العاصمة فيينا وبلغراد . وفي المحصلة النهائية أن المصالح السياسية والاقتصادية , والتناقضات داخل دول الاتحاد وبين دول الاتحاد وأمريكا واللوبي الصهيوني وقوة الصراع بين هذه الأقطاب سيحدد النتائج النهائية . و بناء على أساس القرار المتخذ , إن هدف المحادثات مع الدولة التركية هو الانضمام إلى دول الاتحاد , ولكن هناك بند يقول : إن قبول الأعضاء الجدد يتعلق بإمكانيات دول الاتحاد الأوربي . وفي كل الأحوال هذا القرار وضع الدول الأوربية أمام مأزق حقيقي وينطبق عليهم المقولة الهنغارية السائدة منذ أن أحتل العثمانيون بلدهم قبل ثلاثة قرون ( قبضت على التركي ما يتركني )
د. جميل حنا

تنويه (nala4u);لأهمية المادة…لذا تم إعادة نشرها مع التقدير.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.