شعبنا !!

بقلم سامي هاويل
شعبنا !!

10/ 09 / 2016
http://nala4u.com

لا يختلف إنسانان سويان على أن عملية إصلاح الخطأ بخطأ آخر لا تسبب الفشل الذريع فحسب، وإنما تزيد الأمر تعقيداً، لا بل تعمل على وأد غالبية محاولات الإصلاح، وربما تقضي على جميعها إذا ما أصرّ عليها ذوو الشأن على وجه الخصوص. فعمليات الإصلاح ليست بالأمر اليسير، خاصة عندما تكون عواملها ضئيلة وضعيفة، قد تأخذ وقتاً من الزمن ولكنها بالنهاية نجدها مثمرة عندما تتسم بالعقلانية والهدوء والمرونة التي لا تكون على حساب المسائل الجوهرية. ولكي نستطيع الوقوف على أقرب مسافة من الحقيقة بغية الوصول إلى حلول فعالة فيما يخص عنوان هذه المقالة، علينا أن ندرج توضيحاً لما يعنيه مصطلح (شعبنا).

    الشعب هو عبارة عن كم متفاوت في العدد من الناس والمجموعات، تشترك جميعها برقعة جغرافية معينة، يمارسون حياتهم بحسب قوانين تسنّها حكومة ( منتخبة أو مفروضة بتأثير القوة أو الغالبية). ولنصبح على مقربة أكثر من فهم ما نود الوصول إليه، نضع أمام القراء الكرام مثالا بسيطا يعطي صورة حقيقية واضحة لمعنى الشعب. فالبلدان المختلفة التي يعيش فيها أجناس متعددة ينتمون الى أعراق مختلفة يشكلون شعباً معينا غالبا ما يتسمى بأسم البلد أو الوطن الذي يشتركون جميعهم به. لِذا يصح القول: (الشعب العراقي، الشعب السوري، الشعب الأمريكي، الشعب الفرنسي…. والى آخره من شعوب مختلف البلدان). وهنا أود التأكيد على أن في مقدورنا أستعمال مصطلح (الشعب الآشوري) أيضاً، كون الأمبراطورية الآشورية أنضوت تحت لوائها أعراق متعددة لم تكن على صلة بالعرق الآشوري، ولكن أبناء هذه الأعراق عاشت على الأرض الآشورية ملتزمة بقوانين البلاد، ومتبنية الهوية الآشورية الجامعة، يحصلون على ما لهم من حقوق، ويؤدون ما عليهم من واجبات.

   في أيامنا هذه، بعدما أشتدت وتيرة صراع التسميات المُفتعل بين أبناء الأمة الآشورية على أختلاف أسبابه ومسبباته، وشُرِعت الأبواب أمام أصحاب الأجندات العنصرية المتعددة، وأصبحت لهم اليد الطولى في شأننا الداخلي، يُضاف إلى ذلك عدم الأستقرار الناتج من جراء الصراع المحلي والأقليمي والدولي الدائر في كل من العراق وسوريا، كل هذه العوامل مشتركة أدخلتنا في دوامة مزقت الأمة الآشورية الى أشلاء ليصل بها الحال إلى درجة بات وجودنا مهدداَ بشكل مخيف. فكان من الطبيعي جداً أن نسخر كل طاقاتنا التي تكتمن بكافة مؤسساتنا القومية والكنسية والسياسية والاجتماعية وحتى الفردية، لكي نحافظ على خصوصيتنا القومية قبل أن نفكر في مسألة الحقوق التي باتت هي الأخرى موالاً يُبدع في غنائه من أختار الإرتزاق على حساب أمته. هكذا نرى كيف أقدمت قيادات غالبية أحزابنا السياسية على محاولة إيجاد مخرج للأزمة التي ألمت بنا كأمة. ولكن لو تمعنّا جيداً في الآلية المتبعة والتي تكمن في عقد ( مؤتمر التسمية المشؤوم في أواخر تشرين الثاني 2003) وحصيلة النتائج التي تمخضت عنها سوف نتيقن، بشكل لا يقبل الشك، أنها لم تكن ذا منفعة، لا بل أكاد أجزم على أن المخططين الرئيسيين، وليس جميع المشاركين من المغرر بهم، قد أرتكبوا خيانة بحق الأمة الآشورية، جعلتهم في مكان يصعب عليهم العودة إلى بر الأمان، لِذا، وبدلاً من أن يسارعوا لإنقاذ الموقف، بدأوا يتخبطون يميناً وشمالاً ليزيدوا من هول الكارثة التي أوقعوا أنفسهم، ومعهم أمتهم فيها. ومن بين جملة الأخطاء (لا مجال لذكرها في هذه المقالة) التي فصّلوها لإنقاذ موقفهم، وليس لإنقاذ أمتهم من المأزق الذي أوقعوها فيه كان مصطلح ” شعبنا”!!!! ، أي شعب؟ لا أحد يدري، ولكن في الحقيقة هي ليست إلا زوبعة مُسيَسة الغاية منها جعل الأجواء أكثر ضبابية، لتعم الفوضى على الساحة القومية بحيث تقلل من رؤية الفرد البسيط، ليؤجل بذلك كشف الحقيقة ووضع اليد السليمة على الخطأ لإيجاد الحلول المثلى التي من شأنها أن تنقذ ما تبقى لنا، وتلملم بعض كنوزنا القومية التي بسطوها على الأرض لكي تدوسها حوافر خيول شذّاذ الآفاق، وتطأها فلول الخنازير البرية.

   هكذا كان على النخب القومية المستقلة والخيرة أن تتحرك بشكل سريع وفعال للحد من أستمرار تفشي جرثومة الإرتزاق الطائفي والسياسي، ولكننا وللأسف نرى بأن هناك من بين النخب القومية من يتردّد من المواجهة،  ليجعل من مسوخ السياسيين محطة يحتمي فيها لحين تنجلي العاصفة. ولكن فاتهم، هذه المرة، بأن الوقت الثمين يمر بسرعة البرق، وشدة الرياح الصفراء العاتية سوف تقتلع جذورنا وتمسح وجودنا بشكل شبه كامل بحيث تنعدم الفرصة التي ينتظرونها ليلعبوا ما في مخيلاتهم من أدوار. هكذا نجدهم يقبعون متسترين بمصطلح “شعبنا” ليتجنبوا المواجهة مع المنتفعين والطائفيين ومن يتبعهم من البسطاء المغرر بهم، وليتركوا بذلك فراغاً أكبر، ومساحة أوسع على الساحة القومية ليستغلها كل من هَبّ ودَب، ولا يدركون بأن هذا المصطلح بشكله المبهم ليس إلا تأكيدا على أننا قوميات مختلفة.

    لنكن واقعيين على الأقل مع ذواتنا، عندما نزرع زؤاناً فهل ننتظر أن يكون المحصول حنطة؟ إن أستعمال مصطلح “شعبنا” دون الإشارة بشكل صريح إلى أي شعب نقصد ليس إلا محاولة مسك العصا من منتصفها، وفي حالتنا هذه لا يعتبر ذلك حلاً، بل يساهم في خلط الأوراق أكثر فأكثر. وليعلم الذين قد أختاروا التريث والاستراحة تحت ظل هذا المصطلح، أنه ليس هناك في الأفق ما ينبيء بالأمل ليترقبوه وينتظروه، بل أنهم أشبه بأولئك الذين أختاروا الهجوع في مخادع أمينة وآمنة يوم أحاقت الأخطار ببني جلدتهم. وأستمرارهم في البقاء على موقفهم هذا لا يُعَدُ حكمة ولا إصلاحاً ولا أعتدالاً، بل هو في أحسن الأحوال أشبه بجرعة المخدر المحقون في جرح بدأت الديدان تتناسل فيه وتتآكله.

سامي هاويل- سدني
10-9-2016


تنويه; موقع http://nala4u.com يتبنى التسمية الآشورية, ولأهمية المقال ، لذلك أعيد نشره مع التقدير .

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.