آشوريون ولكــن!!

بقلم سامي هاويل
آشوريون ولكــن!!

16/ 03 / 2015
http://nala4u.com

تتوالى المواقف الاشورية كردات فعل لما تخلفه عواصف السياسة المحلية والعالمية على الساحة السياسية لاسيما في الوطن ، وهذا بحد ذاته يعتبر أهم الأسباب التي وضعت القضية الآشورية على المحك في هذه المرحلة الأنتقالية الحرجة، وهي مشابهة الى حد كبير لسابقتها أبان الحرب الكونية الآولى ، ما يعكس الأفتقار الشديد الى الأيديولوجية، والأستراتيجية والأهداف المعلنة وما إلى ذلك من ضرورات وحدة الخطاب القومي الآشوري ورسم الخطوط العريضة للمشروع القومي الآشوري.

ربما ينظر البعض الى هذا الموضوع بأستغراب، والبعض الآخر بامتعاض، مقارنة توقيته بالظروف الحالية التي تمر بها الأمة الآشورية، بسبب الأحداث الأخيرة التي طرأت بعد الهجمة الشرسة على الشعب الآشوري في نينوى والقصبات المجاورة في سهلها، وما آلت إليه الهجمات المفاجئة على القرى الآشورية في منطقة الخابور مؤخرا، ولكنني أعود واكرر القول بأن البقاء في التفاعل مع النتائج والعمل على اساسها لن نحصد منه سوى الخسارة تلو الأخرى، وعليه فنحن كأمة بحاجة الى قراءة المسيرة القومية قراءة موضوعية، عقلانية، مسؤولة، بعيدا عن العواطف، لنقف على مكامن الخلل الذي يرافق كل تحركاتنا ، ونضع الحلول المناسبة له لكي لا نستمر في إهدار المزيد من الفرص الواحدة تلو الأخرى. فبغير ذلك لن نحقق شيء ملموس على ارض الواقع، بل ستزيد أمورنا تعقيدا يوما بعد يوم.

بعد هذه المقدمة، التي غالبا ما أشرنا الى معظمها في العديد من المقالات السابقة، أود الولوج في موضوع المقالة، تاركا هذه المرة الكنائس، والأحزاب السياسية ، وأبناء أمتنا في الكنيستين الكلدانية واليعقوبية (السريانية) ليتنفسوا الصعداء. لأدعوا جميعنا نحن من يفتخر بأنتمائه القومي الاشوري لنقف أمام المرآة، نتأمل كل ما يعكر جمال هذا الأنتماء، فهناك ما يقودنا الى الأهتمام بإعادة النظر في مفهوم أنتمائنا القومي الآشوري، ولو كنا صادقين في رؤيتنا فإننا سوف نلتمس بسهولة كبيرة العديد من تصرفاتنا التي ليست فقط لا تمت بصلة الى الآشورية، بل تعمل على إضعافها، وترسخ التشتت والعداء، وتسيء بشكل كبير الى أنتمائنا وهويتنا وحاضرنا ومستقبلنا الآشوري.

لا أكاد ارى أية ميزة بين من يدعون أنتمائهم الى الكلدانية كقومية، وبين الكثيرين ممن يدعون أنتمائهم الى الاشورية كقومية، لأن أنتماء الأثنين يعتبر أنتماء موروث، ( أي بمعنى آخر فأنا آشوري لأنني هكذا سمعت والدي يقول لي، وهكذا أنا كلداني لأنني سمعت والدي هكذا يدعو نفسه)، وليس أنتماء فكري، فلو كان الكثير ممن يدعون بأنتمائهم الى الآشورية كقومية قد ولدوا وترعرعوا في بيت ومجتمع كنسي كلداني أو سرياني، لكانوا اليوم كلدانا أو سريانا بالأنتماء القومي.

وإلا فكيف أستطاعت آلاف مؤلفة ممن يتفاخرون بأنتمائهم القومي الآشوري قبول التسمية المركبة بصدر رحب !! إذا لم يكن أنتمائهم القومي الاشوري مجرد أنتماء موروث مبني على العاطفة !!، وكيف يمكنهم السكوت وإن كان على مضض على إقصاء قضيتهم الاشورية وإحلال محلها أنتمائهم الديني المسيحي !!، وكيف يمكن للكثير ممن يفتخرون بأنتمائهم القومي الآشوري أن يتطاولوا معممين على أخوتهم بالدم من أتباع كنيستينا الكلدانية والسريانية ، ونعتهم بالمستعربين والمستكردين والطائفيين !!، هل هناك آشوري صادق يمكنه التجاوز على أخوه بالدم بهذا الشكل المقرف ؟، أنا لا أرى في من يفعل ذلك سوى عدواً لإنتمائه الآشوري بكل ما يعنيه هذا الأنتماء. لن أستشهد أكثر بأمثلة تثير الشؤم والحزن على أمة عظيمة كالأمة الآشورية، وصل أبنائها الى هذا الدرك، في مرحلة تُعد الأخطر في تاريخها المعاصر. كل هذه التشوهات ربما تثير حفيضتنا وأشمئزازنا، وربما نرفض وجودها، وربما لن نجد أثر لها، إذا ما نظرنا إليها بقلوبنا، ولكنها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار إذا ما نظرنا إليها بعقولنا.

آشوريون ونفتخر !! ولكننا نتخبط يمينا وشمالاً بفوضوية، نخلط الحابل بالنابل، نتجاوز الخطوط القومية الحمراء، لا بل أصبح لكل مجموعة منا خطوطا حمراء، على شاكلة الأجتهادات المذهبية في الأديان، ليصل المطاف بالبعض الى رسم حدود الأنتماء الآشوري بحسب رغباتهم وقناعاتهم المركونة على انتمائهم الآشوري السطحي الموروث، وإن لم نكن كذلك!! أفلا يكفي من يدعون بأنتمائهم الاشوري لكي يصنعوا ثورة من شأنها أن تنتزع حقنا القومي؟، ويقودوا قضيتنا القومية الآشورية مكملين مسيرتها الطويلة؟ بالتأكيد كان سيكفي عددهم ويزيد، ألا يدل هذا الغيض من فيض على أننا لسنا آشوريين حقيقيين ؟ أنا أعتقد بأنه يدل قطعيا على ذلك.

الآشورية أمة قبل أن تكون عرق، وهي فكر قبل أن تكون عاطفة، والأنتماء الحقيقي إليها هو أنتماء فكري، وليس قبلي أو عاطفي أو مناطقي. الأنتماء الى الاشورية له مزاياه وخاصياته، إن لم نمتلكها فنحن لسنا آشوريين حقيقيين، وإذا لم نكن آشوريين حقيقيين ! فباي حق نقاضي الآخرين ؟؟ هذه هي الحقيقة التي تعكسها لنا المرآة، فإن كنا صادقين بمشاعرنا علينا إعادة النظر في آلية أنتمائنا القومي، أما إذا صعب علينا قبول الحقيقة ، حينها لن يتغير في أنتمائنا شيء سوى القبيح الى اقبح.
لكل أمة مقوماتها ومزاياها، ونحن كسائر الأمم لدينا مقوماتنا الخاصة بنا، ولكننا نفقدها رويدا رويدا، الأرض، اللغة، العادات، التاريخ، لهذا بدأت معالم الأمة الاشورية تتشوه، ولنا قسط كبير من المسؤولية في ذلك.

لتكن آشوريا حقيقيا عليك ان تتقن لغتك كتابة وقراءة، وليس الأكتفاء بنطقها، ولتكن آشوريا حقيقيا فعليك ان تبحث في ثنايا التاريخ عن كل ما يتعلق بالأمة الآشورية، وتستخلص منه العبر، ولتكن آشوريا حقيقيا فعليك أن تعمل للحفاض على كل مؤسساتنا سواءً كانت قومية سياسية أو أجتماعية ثقافية أو دينية، فهي جميعها أملاك الأمة الآشورية وموروثها وعلينا دعمها وإصلاحها وليس فتح جبهات داخلية تزيد الأحتقان بين ابنائها وأتباعها، وإذا كنت ترغب أن تكون آشورياً حقيقياً فعليك التفاعل مع ما يجري على الساحة، والوقوف عن قرب من كافة الجهات الآشورية التي تعمل في مختلف المجالات لدعم الخطوات الصائبة، وردع كل ما لا ينصب في مصلحة الأمة الآشورية وحاضرها ومستقبلها، وإذا كنت ترغب أن تكون آشوريا حقيقياً فعليك أن تحترم ابناء أمتك أي كان أنتمائهم الكنسي واي كانت توجهاتهم، فإذا كنت تعتقد بانهم على خطأ وأنت على صواب فعليك تقع مسؤولية إقناعهم بالحقيقة التي تعتقد بأنك تمتلكها ، وليس بالتهجم وتوزيع الأتهامات والإهانات التي تزيد النزف من الجروح القديمة الجديدة التي لم تلتئم بعد، وإذا كنت ترغب أن تكون آشوريا حقيقيا فلا تتراجع وتقف جانباً في هذا الزمن الصعب، بل عليك العمل بأتجاه الإصلاح، بأتجاه بناء الأنسان الآشوري، بأتجاه بناء المؤسسة الآشورية ، بأتجاه بناء المجتمع الآشوري، وإذا كنت ترغب أن تكون آشوريا حقيقيا فأكسر قشور التبعية الشخصية والمؤسساتية ولا تجامل على حساب المصلحة القومية، وإذا كنت تواقاً لتكون آشوريا حقيقيا، فعليك أن تعمل على ترسيخ هذه المفاهيم بين أبناء الأمة الآشورية دون ملل، فنحن بحاجة الى مبشرين يجوبون أروقة الأمة الآشورية المظلمة لنشر الوعي القومي بين ابنائها، فبدون الوعي القومي لن يكون هناك أيمان بالقضية ، وبدون الأيمان لن نتمكن من تعبئة الجماهير الاشورية لتحقيق الممكن من الأهداف، وبدون ذلك لن نتمكن من الحفاض على وجودنا، وكل شيء سوف يذهب أدراج الرياح، ولن يرحمنا الوقت، ولن تبقى الفرص بأنتظارنا، وسنغدوا أمة تتبعثر أشلائها على وجه المعمورة.

سامي هاويل
سدني-أستراليا
16-3-2015

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.