بقلم : مال اللـــه فــرج
Malalah_faraj@yahoo.com
جراحـات الوطـن وعشـقه ..فـي (تيــم) جورجينـا بهنـام حبابــة
18 / 12 / 2019
http://nala4u.com
بعد مخاض طويل وعسير اغتنت الساحة الادبية باطلالة مولودها الجديد على الحياة ممثلا بالمجموعة القصصية الاولى للقاصة الزميلة جورجينا بهنام حبابة التي حملت عنوان (تيم وطن).
وضمت هذه المجموعة (11) قصة قصيرة بمواضيع وعناوين ومعالجات مختلفة ، لكن ما يربط بينها خيط اشبه بالحبل السري الذي يربط الجنين برحم امه ، حيث يدور هذا الخيط الادبي الذي صيغ باحكام حول اسوار القصص ومتعرجات احداثها وتصرفات شخوصها ومواقف ابطالها ليشي بعد ذلك بمدلولاته الحقيقية وهو يضعنا في خلاصة هذا التنوع القصصي بثراء سرديته وجزالة معانيه وواقعية معظم الاحداث في مكنوناته بجراحات شخوص وعوائل في ازمنة وامكنة مختلفة تتشكل عبر نسيجها سواء الحدثي المباشر منها او الايحائي او السردي لوحة سريالية تتداخل بين خطوطها وتقاطعاتها ومنحنيات دوائرها المنغلقة على نفسها وعلامات الاستفهام والتعجب فيها تحمل عنوانا كبيرا ومريرا ومفجعا وموجعا ذلك هو (فجيعة شعب ومأســاة وطن).
في ضوء ذلك فاننا من خلال وقوفنا في موانئ هذه المجموعة القصصية التي تحاول الاحاطة بجراحات الوطن ومحاولة ايقاف نزفه كأني بها تنسج من خفق القلب ونبض الروح منديلا من المحبة والالم والاسى لتجفيف دموعه ومسح معاناته واعانته برغم الجراح على الوقوف ثانية وهي تهمس له عبر(الاستهلال ) الذي ارادته البوابة المفضية الى عالمها القصصي ، حيث تناجي الوطن الذي منحها اسمه وتاريخه وهوية الانتماء المصيري اليه قائلة :
(ان اشتهت غيرك العين
دعوت عليها ان ترمدا
ان هفا لغيرك الفؤاد
ورام غير هواك هوى وتشددا
سألت الله ربي وخالقي
ان يمحو من الارض ذكري
فاغدو نسيا منسيا وافنى ، بل أؤدا)
وبذلك فاننا نجد انفسنا عبر ايحاءات هذه القصص وتفاعلات الاحداث فيها ومواقف ابطالها نقف ازاء طاقة سردية وادبية مرهفة الاحساس ، عميقة الخبرة ، قادرة على الامساك باهتماماتنا لتدخل بنا عبر بوابة النص الادبي الرفيع الذي ياخذ شكل الهموم الاسرية والاجتماعية في ظاهره لتلقي بنا بين ثنايا وتداخلات المشهد الوطني الساخن بكل تحدياته الملتهبة وتداعياته المتشابكة المتوزعة بين افرازات العنف والارهاب والاختطاف والتهجير والنزوح والغربة وكذلك الضائقة المالية التي القت بضلالها القاسية حتى على احتفالات الاطفال باعياد ميلادهم لتحرمهم منها.
ففي قصتها (اخوة يوسف)التي تروي واحدة من اقسى الفواجع الانسانية ليس على صعيد الحدث وانما من خلال الحدث على الصعيد القيمي والاخلاقي حيث يقذف التطرف المتشدد والممنهج بمن يسقط بدياجيره نحو التنكر لكل القيم الانسانية والمجتمعية والاسرية حتى ليمسي من السهولة عليه ممارسة ابشع جرائم الغدر ضد اقرب الناس اليه ، وها هو (يونس) ، صنيعة اعتى تنظيم ارهابي ممثلا بـ(داعش) يقلب ظهر المجن لاقرب الناس اليه وهما جارته التي ارضعته وامست بمقام والدته الثانية واخيه في الرضاعة ايضا (يوسف) وهو يجبرهما دون اي وازع من قيم او من اخلاق او من ضمير، على الرحيل عن دارهما حفاة الاقدام امعانا في اذلالهما وتهجيرهما بسبب الاختلاف الديني ، وكأني بها تستصرخ الضمير الانساني ان احذرو من التطرف قبل ان ينهش بانيابه الدموية كل القيم الانسانية وفي مقدمتها حقوق الانسان.
اما في قصتها (بين الشمس والثلوج) فقد توقفت القاصة ازاء واحدة من ابرز المعضلات الانسانية التي افرزتها الظروف الوطنية المعقدة ممثلة بالتشظي المأساوي الذي ضرب الاستقرار العائلي بعنف وادى الى تناثر الاخوة والاخوات والاهل والابناء بين الدول والقارات بحثا عن الامن والامان والاستقرار لاسيما وان سيوف التهجير والنزوح قد لعبت لعبتها القذرة تجاه هذا المكون وذاك ، وهنا تتوقف القاصة جورجينا بهنام برهافة الاحساس لترسم بنبض يقطر حزنا صورة مؤلمة لمرارة الغربة وهجرة الاهل وتعلقنا باصوات حبيبة ننتظرها على احر من
الجمر لتأتينا من هذه القارة او تلك لاحبة ارغمتهم الظروف الصعبة بتعقيداتها على الرحيل عنا وامسى نبض المحبة الذي يربطنا بهم عبر المحيطات والقارات اشبه بالحبل السري الذي يربطنا بلائحة الانتظارعلى الموبايلات لاصوات حبيبة نتلهف على الاستماع اليها وهي تأتينا من البعيد البعيد لتؤجج فينا كوامن الاشتياق ولهفة الحنين.
من جانب اخر ، وعبر قصتها (بيجامة ابو كريم) ، تعيدنا في حواراتها عبر اللهجة الموصلية الشعبية المحببة التي استخدمتها الى اجواء ام الربيعين ومعالمها وتاريخها وحضاراتها وكنائسها ونبض المحبة والاشتياق الذي يشدنا اليها حيث تخيلت نفسي وانا اطالعها وكأنني (امشي في محلة غاس الكوخ واغوح الى شارع النجفي وافوت على مدرسة المنذرية الابتدائية وازور بيعة الطاهرة ومار اشعيا والتقي الخوري افرام رسام رحمه الله وبعدين اغوح الى باب الطوب واعبغ الجسغ العتيق).
لقد نجحت ، بل تميزت القاصة الزميلة جورجينا بهنام في صياغة نصوص ابداعية تنسج من الهموم والمشاكل والتداعيات الاسرية هموم وطن ومعاناة شعب والاهم من هذا وذاك انها نجحت في رسم تفاصيل خارطة من المحبة تربطها بهذا الوطن الذي منحها هوية الانتساب اليه تاريخا وحضارة ومصيرا.
بيد ان هنالك ملاحظات لابد من الاشارة اليها :
1ــ خلو المجموعة من صورة الاديبة ومن سيرتها الذاتية اذ من حق القارئ ان يعرف لمن يقرأ.
2ــ كلمة التقديم للاستاذ ياسين النصير تحت عنوان (اطلالة على مساحة مشغولة) كانت مسهبة واحتلت مساحة (9) صفحات فمالذي تركه للقارئ ليستكشفه بنفسه؟؟؟
3ــ اختيارها لمفردات لغوية صعبة الفهم بالنسبة للقارئ العادي ذو الثقافة المتوسطة مما يستلزم منه غالبا الاستنجاد بقاموس لغوي ليتمكن من فك (الغازها) وتلمس مضامينها ، فان كانت تكتب (للنخبة) الادبية فلا بأس بذلك ، اما ان كانت تكتب لمختلف المستويات الثقافية فان عليها كما ارى اعادة النظر بمثل تلك التعقيدات.
ختاما ، اهنئ من الاعماق الزميلة جورجينا بصدور مجموعتها القصصية الاولى هذه ، املا ان تكون (اول الغيث) الذي يقود لانهمار المزيد من نتاجاتها المبدعة التي تغني واقعنا الثقافي.
مال اللــه فــرج
17 / 12 / 2019