بقلم الدكتور محمد البندر
لابد من تدويل قضية الكلدوآشوريين في العراق
اقول بداية للمعترضين على تدويل القضية الآشورية إن القضية العراقية برمتها مدولة وخارجة عن إرادة الدولة العراقية منذ سنين طويلة ، والحديث عن سيادة عراقية وطنية في الوقت الراهن مجرد لغو فارغ . فشمال العراق منذ التسعينات كيان مستقل بدون إنفصال ، وللأكراد جيشهم وأعلامهم التي ترفرف على مبانيهم الرسمية وقنصلياتهم الخاصة بهم ضمن التمثيل الدبلوماسي العراقي الخارجي ، ولا يستطيع اثخن سياسي عراقي إنكار الدور الإيراني في العراق ، أما هيئة علماء المسلمين وهي أحد ممثلي سنة العراق فلا ترى حرجاً من دعوة جيوش الدول العربية لدخول العراق لحماية السنة ، وتقوم المناطق السنية بفتح حدود العراق الغربية أمام مئات الإنتحاريين العرب وغيرالعرب وإيوائهم لتدمير أهداف عراقية ، ومازال العراق يعمل الى اليوم بموجب تفاهم النفط مقابل الغذاء والدواء مع الأمم المتحدة ، و تمسك الولايات المتحدة لحد اليوم أهم ملف يهم السيادة الوطنية وهو الملف الأمني وتمنع الحكومة العراقية من تصفية بؤر الإرهاب الذي ينطلق من المناطق السنية بحجة تحقيق التوازن الطائفي في العراق، ويرعى السفير الأمريكي مفاوضات تشكيل الحكومة والبرلمان.
برزت الى السطح بعد التاسع من نيسان 2003 حالة حادة من الإصطفاف القومي والطائفي لم يشهدها العراق من قبل ، فالتناقضات البنيوية الخطيرة في الدولة العراقية التي كانت مخفية بعناية في العمق قد أطلت براسها بكل قوة ، وأصبح اقوياء العراقيون مشغولين بصف أنفسهم في مدارات إثنية ودينية ومناطقية دون أن يكون لهم أية تجربة في ثقافة التعامل مع بعضهم البعض، فما أن سقطت دولة الإمتيازات الطائفية التي كانت تتحكم في رقابهم حتى إنهمكوا بشكل عشوائي بتصفية ثاراتهم القديمة ، وشرعوا بانتزاع مايمكن إنتزاعه منها، وفرض حقائق على الأرض قبل أن يشتد ساعد الدولة الجديدة، وأدت الطرق الوحشية للمقاومة التي تبديها قوى النظام القديم الى ظهور هاجس أمني خطير يعزز حالة الخوف ويوسع مساحتها عند العراقيين الذين اندفعوا أما الى التمترس ضمن حدود الجغرافية “المحلية” دفاعاً عن النفس أو الى محاولة زيادة المكاسب على حساب الآخرين .
فالشيعة في الجنوب والوسط الذين وقعوا تحت تأثير الأحزاب الإسلامية القادمة من إيران تحولوا بعد تخلصهم من سيطرة الدولة الطائفية من شريحة مظلومة الى شريحة ظالمة عندما أظهروا عضلاتهم لمن هو أضعف منهم في مناطقهم ، فضيقوا على المسيحيين أكثر مما فعل اي نظام آخر في العراق ، ومنعوهم من ممارسة طقوسهم الدينية والثقافية ، ومارسوا سياسة التطهير العرقي ضد طائفة الصابئة المندائيين دافعين بهم الى خارج في مناطق سكناهم التاريخية التي قطنوها لآلاف السنين ، وضايقوا العرب السنة في جنوب البصرة والزبير، وصادروا الكثير من جوامعهم تمهيداً لطردهم من البصرة بحجة إيوائهم للإرهاب وهي تهمة تتطابق في الخطورة مع التهمة التي يوجهها العرب السنة الى الشيعة في مناطقهم كعملاء للمحتل أو كفرة وهي التهمة الأبشع. ومن غرائب الصدف أن يشترك سلفيو الوهابية من السنة مع متعصبي الشيعة رغم كل خلافاتهم في نظرة واحدة الى المسيحيين العراقيين تشوبها فوبيا التوجس والريبة من مؤامرة ” للصليبية الصهيونية ” العالمية ضد العراق.
أما القوى الكردية فهي أكثر المستفيدين والرابحيين من عملية إعادة هيكلة الدولة العراقية الجديدة من سائر بقية المكونات العراقية الأخرى. فإضافة الى ما حققوه طيلة الثلاثة عشر سنة الأخيرة من وضع سياسي واقتصادي مريح وحماية امريكية دائمة فقد دخلوا عملية بناء الدولة العراقية الجديد متوحدين غانمين وغير خاسرين كغيرهم ، ولم يكونوا كالشيعة مرهقين حتى الموت من حروب مدمرة أعقبها حصار مريع في حاجة الى إنتزاع أو تثبيت حقوق لإنها محفوظة لهم أصلاً ضمن منطقة الملاذ الآمن المحمية أمريكياً، بل اغتنموا الفرصة لتحقيق مالم يحلموا بتحقيقه وهو توسيع دائرة حقوقهم كأقلية في العراق الى أكبر مدى ممكن لتتناسب مع طموحاتهم كدولة لكردستان الجنوبية في توجه ذو طابع هجومي توسعي بالمقارنة مع الدفاع الإنكفائي للشيعة، فأوصلوا حدود دولتهم الإدارية الى مشارف بغداد ، عند خانقين وبدرة وجصان في محافظة الكوت، ويمضون قدماً – مستفيدين من تمزق العرب في صراع مذهبي سني شيعي في العمل بهمّة على إلتهام الموصل وجعلها ضمن حدود هذه الدولة ، وفي خضم عملية الإلتهام هذه إبتدع الأكراد السياسيون الأكراد مصطلحات جديدة فأطلقوا على شمال العراق صفة الإقليم ” الكردستاني” وليس ” الكردي” ليعطوا إنطباعاً إن منطقتهم ليست كردية قحة بل منطقة متعددة الأديان والأقوام، فأوجدوا بمصطلح ” الكردستاني” تخريجاً لغوياً جيو- اثنوغرافي للانتماء الإثني الجديد لمنطقتهم حيث يتحول الكلدوآشوريين الى ” أكراد مسيحيين ” أو كردستانيين ناطقين بالسريانية ، وعرب الموصل الى كردستانيين ناطقين بالعربية، وينطبق هذا التخريج على عرب وتركمان كركوك “الكردستانية”.
وهذه التغييرات الجارية في الجغرافيا الإدارية والسياسية في عموم العراق تقوم بها قوى سياسية معروفة تشارك في العملية السياسية ولها ممثلين في البرلمان وتعلن في النهار إلتزامها بالدستور وبالشرعية الوطنية وتسلك في الليل سلوكاً بعيداً كل البعد عن الشرعية والدستورية ، وهوسلوك أناني ونفعي ضيق يستهدف الى إستحواذ مايمكن إستحواذه من العراق قبل أن يتمزق نهائياً.
وأزاء هذا الوضع المضطرب الذي تلتهم فيه الحيتان الوطنية الكبيرة صغار العراقيين المستضعفين بدون رادع دستوري أو موقف أخلاقي يوقفهم عند حدهم لابد لهؤلاء ” الصغار” من صياغة إستراتيجية دفاعية واضحة تأخذ بنظر الإعتبار المخاطر الكبيرة التي يتعرضون لها ، وتضع خطط لحماية نفسها من خطر البلع في ظل حمى المزايدات والمساومات السياسية بين الكتل السياسية، على توزيع الحصص والمناطق ، وإبتلاع كركوك أكبر مثال على ذلك ، فهذه المدينة العراقية العريقة بتركمانها وعربها وآشورييها وأرضها وتاريخها تحولت الى أرض عقارية أو ملك طابو يستخدمها أحد مرشحي الأحزاب الفائزة كرشوة للقادة الأكراد في أحدى الصفقات السياسية للحكم.
أما مايتعلق بالكلدوآشوريين وهم أكثر فئات الشعب العراقي تضرراً قديماً وحديثاً ، فبعد أن طردوا من أراضيهم وجردوا من تاريخهم وهويتهم تعريباً وتكردياً وأسلمة وهجرة فموقفهم ودورهم في البناء الجديد للدولة العراقية لايكاد يُرى بالعين المجردة بسبب عدم وجود إستراتيجية شاملة توحد الخطاب الكلدوآشوري في الوضع الجديد في العراق بأكمله. فهم كأقلية مضطهدة ومظلومة سواء كانوا في عراق العبودية أوالحرية معاً يحتاجون الى إستراتيجية دفاعية مدروسة بشكل جيد.
لست آشورياً ولا كلدانياً لكني عراقي أتحسس آلامهم سيما وأننا تقاسمنا المظالم سوياً وواجبي الوطني يحتم علي أن اشير الى بعض المحاور الضرورية في هذه الإستراتيجية:
• على الصعيد المحلي يجب الأخذ بسياسة خذ وطالب… ورفع الصوت الآشوري الخجول حالياً الى وتيرة أعلى بكثير عبر تنويع أساليب المطالبة ، والتعلم شيئاً مما يمارسه الجميع من “قذارة ” في العمل السياسي لأن العمل الصادق لا يجدي نفعاً مع اللصوص الوطنيين الذين يعملون بخطابين مختلفين: المشاركة في عمل الحكومة وأجهزة الدولة ، والعمل على الأرض على نحو نحو مغاير تماماً لما يقولونه ويصرحون به علناً ، فمن جانب تبذل القوى الشيعية وممثلوها جهوداً مضنية في شرح أفضلية نظام الفيدرالية والتعددية والشفافية والديمقراطية في الدولة العراقية الجديدة للجمهور الشيعي في وسائل الإعلام ، لكن قواعدها على الأرض منهمكة من جانب آخر في إقامة دولة الفقيه الدينية بشكل موازي للدولة الحالية في مناطق الجنوب والوسط ، ولا يختلف الوضع في المناطق السنية التي شهدت تأسيس إمارات طالبانية.
• على الصعيد الدولي ينبغي تدويل القضية الآشورية ببعديها الديني والإنساني… ينغي تهيئة الراي العام المسيحي العالمي لقبول فكرة تدويل القضية الاشورية جدياً، فلا يستطيع الآشوريون والكلدان لحالهم من مواجهة المسلمين المختلفين بينهم دائماً المتوحدين دائماً ضد المسيحيين بدون دعم خارجي قوي ومؤثر، فالإنتماء للمسيحية كان وراء القسم الأكبر مما تعرض له الآشوريون والكلدان من مظالم على مدى التاريخ ، و فـقد ُظلموا من قبل الرومان الوثنيين لأنهم أول شعب إختار المسيحية ديناً توحيدياًً في القرون الميلادية الأولى، وبعد أن تحول الرومان من الوثنية الى المسيحية إضطهدوا الآشوريين طائفياً لأنهم يتبعون كنيسة أخرى وهي الكنيسة النسطورية أحد أقدم الكنائس في العالم ، وحارب الفرس الآشوريين في عقر دارهم بلاد الرافدين بتهمة قريبة من التهمة التي توجه حالياً للشيعة العراقيين وهي الولاء لإيران حيث إتهم الفرس الآشوريين بالولاء للإمبراطورية البيزنطية المسيحية ، وبعد الفتح الإسلامي الذي لم يقاومه المسيحيون أملاً في الخلاص من ظلم الفرس بدأت عملية الأسلمة والتذويب التدريجي والتعريب لهم تحت إسم ” أهل الذمة ” ، فلم تمض عدة قرون حتى أصبح الآشوريون المسيحيون الذين كانوا غالبية سكان العراق والذين يطلق عليهم المؤرخون الإسلاميون إسم ” النبط ” أو حتى ” علوج النبط ” محصورين في زوايا جغرافية ضيقة ، ولم يحل القرن الخامس عشر حتى حلت الكارثة الكبرى بقدوم تيمور لنك من إيران للعراق فاتحاً وصاباً جام حقده على المسيحيين وحدهم رغم أنه لم يكن مسلماً ، واضطرت البطرياركية الآشورية للإنتقال من مركزها في الموصل الى جبال حكاري الحصينة ، وهو الإنتقال الثاني لها بعد المدائن أو طيسفون العاصمة التاريخية للساسانيين الفرس والمركز الرئيس للبطرياركية منذ نشوء المذهب النسطوري. ورغم تحصنهم بجبال هكاري المنيعة فلم يمنع ذلك من تعرضهم لهجوم القبائل الكردية البدوية التي كانت تقوم ” بغزوات السلب والنهب المنظمة على مناطق الآشوريين وقراهم ومزارعهم على امتداد قرنين من الزمن حتى وصلت ذروتها الى أواسط القرن التاسع عشر على يد رؤساء بعض الإمارات الكردية ومنهم بدر خان البطل القومي الكردي الذي ارتكب أبشع المجازر ضد الآشوريين . وكان نزوح الآشوريين من حكاري نحو الحدود الإيرانية في الحرب العالمية الأولى ، ومن ثم الى شمال العراق في العشرينات أحد أكبر المحن الآشورية ، ولم تمض سوى عشر سنوات حتى حلت نكبة بشعة أخرى وهي نكبة سميلي عام 1933 تحت ذرائع كاذبة لفقها الحكم الملكي ضد الآشوريين ومطالبهم العادلة في التمتع بنوع من الإدارة الذاتية ، وأوكل تنفيذ المجزرة الى البطل القومي الجديد ” بكر صدقي ” وراح ضحيتها الآلاف من الأبرياء الآشوريين ، كما عبر آلاف آخرين منهم الى سوريا. وفي عهود تنامي المقاومة الكردية ضد الحكومات العراقية وقعت القرى الآشورية بين ناري الحكومة العراقية والبيشمركة الأكراد ، ونالت حصة الأسد في المعاناة والإضطهاد ، فالبيشمركة يجبرون سكان القرى الآشورية على إيوائهم بدون مقابل ويتهمونهم بالتعامل مع الحكومة العراقية إن رفضوا ذلك ، وتوجه لهم الحكومة العراقية تهمة إيواء المتمردين الأكراد وما يترتب على ذلك من قمع وتدمير. ولما حصل الأكراد على منطقة الملاذ الآمن بعد حرب الخليج ، وفازوا بحريتهم لم يدعوا الآشوريون يذوقون شيئأً من ” شهد ” الحرية الذي يستحقونه لما دفعوه من ثمن باهض لمشاركتهم في الكفاح. نعم سمحوا لهم بالتدريس باللغة السريانية التي أصبحت مسمار جحا ، لكنهم لم يحصلوا على حقوقهم القومية والثقافية ، ولم تعد لهم قراهم المهجرة ، أو تلك القرى المستولى عليها من قبل الأكراد. ووصلت مآسي الكلدان والآشوريون الى الذروة بعد سقوط نظام النظام، فسبب غياب القانون وسيادة شريعة الغاب مارست القوى المنتصرة حرباً ضد الضعفاء ، فتعرضوا الى سياسة التطهير العراقي والديني من مناطقهم التقليدية في بغداد وغيرها كالدورة والكرادة والمسبح والحبانية ، وفجروا الكنائس المسيحية والأديرة ، فأضطرت عشرات الآلاف من العوائل المسيحية تحت ضغط الإبتزاز والضغط والخطف الى ترك العراق الى الدول المجاورة في سوريا والأردن في عملية قذرة سكت عنها السياسيون العراقيين كلهم بشكل مخجل.
كل هذه البشاعات التي يندر أن تعرض لها شعب آخر تبين شدة الإستهانة بحياة الآشوريين والإستفراد بهم لأنهم مسيحيين يقفون وحيدين أمام أعداء شرسين شرس يبررون الظلم بنصوص إلهية منزلة منتقاة بعناية لا تقبل التأويل ، ومما يزيد الطين بلة هو إزدياد المشاعر الدينية لدى أغلبية المسلمين شيعة وسنة وإزدياد إحتمالات العودة الى احكام الشريعة الإسلامية ومعاودة إعتبار المسيحيين ” كأهل ذمة ” مجدداً وإنزالهم الى درجة أوطأ في حقوق المواطنة مما ستكون كارثة جديدة تضاف الى كوارث الاشوريين الأخرى ، ولذلك لا يمكن التعويل بأي حال من الأحوال التعويل على الذئاب في حماية الخراف، ومادامت محاربة المسيحيين العراقيين أحد الأهداف الوطنية للأحزاب العراقية فلابد من القيام بحملة واسعة لإيجاد آلية دولية لحماية المسيحيين تدور حول محورين : إنقاذ الآشوريين والكلدان وغير المسلمين وضمان حقوقهم ووضعهم القانوني من آفة حكم الشريعة الإسلامية التي يرفضها أيضاً 70% من العراقيين المسلمين ، وثانياً إقامة منطقة آمنة تتمتع بالحكم أو التسيير الذاتي . لقد قامت المنظمات الدولية والأمم المتحدة بالتدخل في السودان لحماية سكان دارفور من إضطهاد عصابات المد الإسلامي الصولي، وتستطيع هذه المنظمات أن تقوم نفس الدور في حماية الآشوريين الذي تعرضوا الى ظلم أكثر بشاعة من الدارفوريين.
لابد في هذا الصدد من حملة وطنية وعالمية لفضح مسلسل التهجير القسري والتطهير العرقي والخروقات الخطيرة التي يجري ضد المسيحيين في قراهم في الشمال وفي مناطقهم في الجنوب والوسط على حد سواء تُعزز بالحقائق والأرقام ، والإتصال برجال الدين الشيعة والسنة ومرجعاتيهم ومحاولة إستحصال فتاوى دينية منهم تحرم المساس بالمسيحيين والتعرض لهم، ومادام أية الله علي السيستاني قد أصدر فتوى منذ ايام بعدم التعرض للفلسطينيين في العراق ، فمن الأجدر أيضاً إصدار فتوى بتحريم المساس بالمسيحيين والصابئة وغيرهم فهم من أبناء البلد.
• وحدة الصف الوطني… الآشوريون والكلدان ليسوا صغاراً وليسوا لقمة سهلة الإبتلاع إذا عرفوا كيفية إستخدام مصادر قوتهم ، وأحد مصادر هذه القوة هي الوحدة في الصف الآشوري والكلداني وفق مبادئ عامة تراعي خصوصيات كل طرف. وفي هذا الإطار لابد للكنائس الآشورية المختلفة وبالأخص الكنيسة الأم كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكلدانية وبقية الكنائس أن تتوحد في موقف مشترك تحتمه خطورة مخطط إقتلاع الآشوريين والكلدان نهائياً من العراق.
وللآشوريين والكلدان منظمات عالمية سبقت وأن لعبت دوراً كبيراً في إيصال الصوت الآشوري الى المحافل العالمية ينبغي تفعيل دورها من جديد . فمنظمات مثل المؤتمر القومي الاشوري ومطكستا وغيرها تستطيع أن تعمل الكثير من أجل القضية القومية العادلة.ولابد لوسائل الإعلام الكلدوآشورية جميعها بصحفها وإذاعاتها وفضائياتها أن تأخذ دورها الحقيقي في فضح مايجري من ظلم وتعدي
• الإستقلالية الكاملة ، وفك الإرتباط بآليات العمل السياسي الحالية في العراق. إن إستقلالية القرارالآشوري أمر جوهري وحاسم في طرح قضية آلام الأمة الآشورية التي لا ينبغي لها بعد الآن أن تتحمل وتسكت في إنتظار الديمقراطية القادمة للذئاب الأقوياء، فعلى جميع القوى الآشورية أن ترى حجمها الحقيقي خارج قبة البرلمان العراقي الحالي ، وأن تنأى بنفسها عن جو المناورات السياسية الخالي الذي لا يصب إلا في صالح الأقوياء ، وعليها أن تراهن على دعم المؤسسات العالمية كالفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وغيرها ، والعمل على جعلها عناصر ضاغطة على الجو السياسي العراقي لأنتزاع حقوق الآشوريين والكلدان ، فمالذي حصده الآشوريون من التعامل مع الأكراد ؟ هل عادت لهم قراهم السابقة ؟ هل تم تعويضهم عن أيام الكفاح وإستضافة البيشمركة ؟ هل انتهى مسلسل التهجسر والتطهير العرقي هناك ؟ ألم يحصل المزيد من التكريد بعد خروج الحكومة العراقية في التسعينات ؟ ألم يجبر الأكراد الكلدان والآشوريين على رفع العلم الكردي وتريد النشيد القوي الكردي “أي رقيب” حتى في مناطق سهل نينوى التي لاتقع إدارياً ضمن مايسمى بكردستان العراق ؟ هل نص الدستور العراقي الجديد على أحترام الديانة المسيحية كأكبر ثاني دين في العراق؟
• الملاذ الآمن أو الحكم الذاتي . كثر الحديث مؤخراً عن مفهومي الملاذ الآمن أو الحكم الذاتي التي اختلفت التقديرات بشأنهما بين الآشوريين بين رافض ومحبذ. ومن المفيد التنويه بأن فكرة إقامة الحكم الذاتي في المناطق الآشورية لم تكن جديدة في التاريخ السياسي للآشوريين فقد طرحت منذ العشرينات من القرن الماضي وكانت تنطوي على مبادرة إيجابية من قادة الاشوريين أنفسهم لإيجاد علاقة حقوقية قانونية دستورية تنضم شكل العلاقة مع الدولة العراقية وتضمن حقوق وواجبات الآشوريين كمواطنيين عراقيين بدون أن يمثل هذا تهديداً لوجود الدولة العراقية أو محاولة لتقسيمها مثلما كان العروبيون المتعصبون يزعمون. وتعتبر فكرة الحكم الذاتي أول محاولة رائدة في الفكر السياسي في هذا المجال ليس في العراق فحسب بل في المنطقة بأكملها ، لكن هذه الفكرة الجديرة بالإحترام ولدت قبل أوانها فلم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة ، ومن الناحية الزمنية فقد ظهرت الفكرة في وقت غير ملائم كان فيه الفكر السياسي في العراق وفي المنطقة عموماً يمجد فكرة الدولة المركزية ذات القبضة الحديدية ، وكان النموذج الذي بناه كل من رضا شاه في إيران وكمال أتاتورك في تركيا يُعتبر الأفضل لدى السياسيين العراقيين ولذلك نُظر الى فكرة إقامة الحكم الذاتي للاشوريين من خلال منظار ضيق كإحدى محاولات ” الأطراف” لشق عصا الطاعة على ” بغداد” . و نظرة واحدة للمطالب الآشورية التي رفعها المار شمعون الى الحكومة العراقية التي ثار حولها الكثير من اللغط تبين عدالة هذه المطالب التسعة التي لم تكن تهدد الكيان العراقي قط.
1. أن يتكون وطن الآثوريين من مناطق زاخو ودهوك وعقرة والعمادية حيث تكون هذه المنطقة سياسياً وإدارياً منطقة آثورية ، وتكون شبه لواء ملحق بلواء الموصل مركزه دهوك ، وتحت متصرف عربي ومستشار بريطاني.
2. يجب تشكيل هيئة لإيجاد أراضي مناسبة وكافية مع إيجاد المبالغ اللازمة من المال ، على أن تسجل الأراضي بأسماء أفراد الآثوريين .
3. ترجيح الآثوريين على غيرهم في الوظائف الإدارية ، وتكون السريانية اللغة الرسمية لهذه المنطقة .
4. على العراق الإعتراف بالسلطتين الزمنية والدينية للمار شمعون ، وأن تمنحه الحكومة وسام الشرف للخدمات التي قدمها شعبه للعراق ، وتقديم منحة سنوية له .
5. أن يكون للآثوريين ممثل في مجلس النواب .
6. إنشاء مدارس تدرس فيها اللغتان السريانية والعربية معاً.
7. تأسيس أوقاف لرجال الدين الآثوريين .
8. تأسيس مراكز صحية في المنطقة الآثورية .
9. عدم مصادرة أسلحة الآشوريين .
لايجد المرء في هذه المطاليب ” الخطيرة ” ما يشير الى خطر داهم يهدد وحدة الدولة العراقية وسيادتها آنذاك ، فالخلل لايكمن في “عناد” الآشوريين بل في طبيعة العقلية الإستحواذية لهذه الدولة العلمانية في مظهرها الخارجي والطائفية في جوهرها. وقد يعترض أحد على مطلب الحفاظ على السلاح الآشوري ويراه تحدياً للسلطة المركزية وأجهزتها، فليس الآشوريون وحدهم من كان يحمل السلاح بل العراق كله كان يعيش في ذلك الوقت، كما اليوم ، في غابة من السلاح الذي يمتلكه الأفراد والجماعات والعشائر العربية والكردية على حد سواء فلماذا يُطالب الآشوريون وحدهم بنزع سلاحهم ؟
وبالطبع فإن وضع الآشوريين اليوم يختلف بالكامل عما كان عليه في ثلاثينات القرن الماضي فأكثر المناطق التي ورد ذكرها في مذكرة المار شمعون قد خلت من ساكنيها الأصليين الذين اختاروا مابين الإنتقال الى المدن الكبرى او الهجرة الى اوربا والأمريكتين ليس ضعفاً بالروح الوطنية لكن المضايقات والتحديات التي كانوا يتعرضون لها لم تبق ِ لهم خياراً آخر غير الهجرة فإن كان مطلب إقامة منطقة للحكم الذاتي للكلوآشوريين منطقياً ومقبولاً فماهي ملامحه وشروطه وآفاق تحقيقه؟
بالطبع لايسعى الاشوريون في مشروعهم هذا الى التجاوز على الآخرين والتعدي على حقوقهم بل أن كل مايريدونه هو الحفاظ على وجودهم كقومية كبقية القوميات تعيش على أرضها وتمارس حياتها بوحي من تقاليدها الإجتماعية. وإذا قارنا هذه المطاليب المشروعة بما حصل عليه الأكراد منذ التسعينات وحتى اليوم من حكم شبه مستقل مستند الى وزارات وبرلمان ومؤسسات ذات أعلام كردية ، وجيش مسلح لاينقصه سوى الطائرات المقاتلة والأسطول فلايبقى أذن أي مبرر لدمغ حركة الآشوريين بالإنفصالية ، في حين كانت شروطهم مخففة كثيراً عن شروط ووضع الأكراد الحالي ، فقد قبلوا أن يحمكهم متصرف أو محافظ عربي مسلم ضمن أطار الدولة العراقية وقبلوا باللغة العربية الى جانب اللغة السريانية في المدارس ، وطالبوا بممثل واحد فقط في البرلمان .
د.محمد البندر
الحوار المتمدن
2006 / 5 / 5
****************************************
تنويه; موقع http://nala4u.com يتبنى التسمية الاشورية وغير ملزم ما يسمى بكردستان ولاهمية المادة..لذا تم اعادة نشرها مع التقدير .