الإبادة الجماعية الأشورية – مذابح السيفو
نالافوريو / خبر ارمني
28 / 03 / 2015
الإبادة الجماعية الأشورية، تعرف أيضا باسم مذابح السيفو، يقصد بها سلسلة الأعمال الوحشية والقتل المنظم والمتعمد التي شنتها قوات نظامية تابعة للدولة العثمانية بمساعدة مجموعات مسلحة شبه نظامية استهدفت مدنيين آشوريين/سريان/كلدان أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى. أدت هذه العمليات إلى مقتل مئات الآلاف منهم كما نزح آخرون من مناطق إقامتهم الأصلية بجنوب شرق تركيا الحالية وشمال غرب إيران، على وجه الخصوص مناطق طور عابدين وهكاري بالإضافة لتواجدهم بأعداد وإن كان باعداد أقل في مناطق مثل فان وسيرت وأورميا.
بدأت عمليات إبادة المسيحيين من غير الأرمن – حسب بعض الباحثين – سنة 1915 وبالتزامن مع بداية عمليات الإبادة الجماعية بحق الأرمن إلا أنها استمرت إلى العام 1920 في وقت كانت فيه الفظاعات ما تزال ترتكب بحق أخوتهم الأرمن وصولا للعام 1923.
أعداد الضحايا:
اختلف الباحثون في تقدير عدد ضحايا الإبادة الجماعية الأشورية (مذابح السيفو) ولكن يبقى الرقم المتفق عليه بين أغلب المهتمين في هذه القضية والمطلعين عليها هو 275.000 حيث يستندون في إحصائهم هذا إلى معاهدة لوزان، وإن كان البعض يرفع الرقم إلى 300.000 شهيد بالأخذ بعين الإعتبار عدد من المناطق العثمانية التي لم تشملها عمليات إحصاء أبناء الشعب الأشوري من قبل.
بالإضافة إلى الأشوريين السريان فقد تعرض أيضا عدد من أتباع الطائفة اليونانية في آراضي الإمبراطورية العثمانية إلى الإبادة الجماعية ويقدر عدد مجموع ضحايا المسيحيين على أيدي حكومة تركيا الفتاة قرابة 2.500.000 قتيل بينهم على الأقل 1.500.000 أرمني و500.000 يوناني. وفي وقت ينصب فيه اهتمام الباحثين الدوليين بالإبادة الجماعية الأرمنية يظهر عدد من خبراء الإبادات ليعلنوا أن العدد الأكبر من الضحايا التي قدمها الشعب الأرمني لا يلغي حقيقة كون الأشوريين أيضا قد تعرضوا لإبادة مماثلة، ممنهجة ومتعمدة.
الإعتراف الدولي:
لم تحظى مذابح السيفو باهتمام دولي، نقيض ما حصل في الحالة الأرمنية كما اسلفنا، وهو ما يعزوه البعض إلى عدم وجود كيان سياسي مستقل لهؤلاء أو عدم موافقة حكومات الدول العربية التي يشكلون هم (الأشوريون) شريحة كبيرة من أبنائها وفي بعض الأحيان سكان البلاد الأصليين لهذه الدول، عدم الموافقة على تولي الدفاع عن مأساتهم التاريخية في المحافل الدولية. إلا أن السنوات الأخيرة بدأت تشهد بعض الإهتمام الدولي بهذه القضية والبداية كانت من المؤتمر الدولي لدارسي الإبادات سنة 2007.
ففي كانون الأول 2007 أصدر المؤتمر الدولي لدارسي الإبادات، وهي المنظمة الأكاديمية الرئيسية دوليا في مواضيع الإبادات العرقية، وثيقة صوت عليها بالإجماع تدعوا إلى الاعتراف بالمجازر الآشورية، وأعلن فيها ما يلي:
“بحيثية كون إنكار الإبادة الجماعية هي المرحلة النهائية في فعل الإبادة الجماعية، وتكريس الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية، وتمهيد الطريق لجرائم إبادة جماعية في المستقبل؛
ولما كانت الإبادة الجماعية ضد الأقليات العثمانية خلال وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى تصور عادة على أنها حرب إبادة ضد الأرمن حصريا، وغياب الأعتراف بجرام الإبادة المتماثلة نوعيا ضد مسيحيي الأقليات العرقية الأخرى في الإمبراطورية العثمانية؛
فليكن واضحا أن المؤتمر الدولي لدارسي المذابح يعتبر الحملات العثمانية ضد الأقليات المسيحية في الإمبراطورية ضمن عامي 1914 و1923 تعتبر جرائم إبادة جماعية ضد الأرمن والآشوريين واليونانيين الأناضوليين والبنطيين.
وعلاوة على ذلك فليكن واضحا أن المؤتمر يطالب الحكومة التركية بالإعتراف بالإبادات الجماعية ضد هذه الأقليات، كما يطالب المؤتمر بنشر إعتذار رسمي والقيام بخطوات جدية من أجل تعويض المتضررين.”
في الـ 11 من مارس/آذار 2011 تبنى البرلمان السويدي مشروع قانون اعترف بموجبه بتعرض المسيحيين في ظل الإمبراطورية العثمانية لعمليات تطهير عرقي حيث أشار نص قرار إعتراف البرلمان إلى مقتل 2.750.000 من الأرمن والأشوريين (بما فيهم السريان والكلدان) واليونانين البنطق في عمليات لا يمكن أن توصف إلا بكونها إبادة جماعية منظمة. القرار تم الموافقة عليه بأغلبية الأصوات وبذلك حصلت السويد على شرف أن تكون البلد الأول الذي اعترف رسميا بالإبادة الجماعية الأشورية.
أما البلد الثاني الذي اعترف رسميا بمذابح السيفو فهي أرمينيا، حيث تبنى برلمانها يوم 24 مارس/آذار 2015، قبل شهر واحد من مئوية الإبادة الجماعية الأرمنية، وبحضور 117 عضو من أصل 131 (مجموع أعضاء البرلمان) وبعضم تقصد الحضور بالزي العسكري وبالإضافة لحضور مجموعة من ممثلي وأبناء الجالية الأشورية في أرمينيا، تبنى مشروع قانون أدان بموجبه ما تعرض له الأشوريين واليونانيين من إبادة جماعية مطلع القرن الماضي وحمل العثمانيين الأتراك المسؤولية على ما حدث، حيث جاء في نص القرار:
نص القرار الأرمني
إعلان صادر عن برلمان جمهورية أرمينيا بخصوص إدانة الإبادة الجماعية التي ارتكبها العثمانيون الأتراك بحق الأشوريين واليونان.
برلمان جمهورية أرمينيا،
– استناداً الى معاهدة “منع جريمة الإبادة ومعاقبتها” للأمم المتحدة في عام 1948، وكذلك اتفاقية “عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية” للأمم المتحدة لعام 1968.
– وكذلك انطلاقاً من علاقات الصداقة التاريخية التي تربط الشعوب الأرمنية واليونانية والآشورية..
يعلن إدانتة للإبادة اليونانية والآشورية التي ارتكبت من قبل تركيا العثمانية بين أعوام 1915-1923.
التوقيع:
رئيس البرلمان الأرمني، كالوست ساهاكيان
24 مارس/آذار 2015، يريفان
وكانت الطائفة الأشورية في أرمينيا قد رفعت صوتها عدة مرات مطالبة بإعتراف رسمي من أرمينيا بتعرض أجدادهم أيضا إلى إبادة جماعية مشابهة لما تعرض له الأرمن. ورغم أن أرمينيا كدولة كانت دائما تصف تعرض الأشوريين واليونانيين إلى مجازر على أيدي السلطات العثمانية إلا أنها لم تكن أبدا تعترف – من الناحية الرسمية على الأقل – بارتقاء هذه المجازر إلى مستوى الإبادة الجماعية المنظمة كتلك التي تعرض لها الأرمن.
ورأى بعض المراقبون أن قبول أرمينيا رسميا وصف “إبادة” لمآساة الشعبين الأشوري واليوناني اعتبر ردا طبيعيا على تركيا التي لا تقبل الإعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية.. وإن خطوة البرلمان الأرمني هذه تضع جريمتين إضافيتين “في رقبة” الأتراك العثمانيين والتي تعتبر خطوة مهمة، لأن أي اعتراف رسمي في المستقبل القريب أو البعيد من برلمان أي دولة أجنبية بالإبادة الجماعية الأرمنية ستتضمن على الأغلب إعترافات بتعرض اليونانيين والأشوريين أيضا للإبادة ذاتها.
النصب التذكارية الخاصة بمجازر السيفو
الحكومات الوحيدة التي تسمح للأشوريين والكلدان والسريان بإقامة نصب تذكارية لتخليد ضحايا مجازر السيفو هي كل من فرنسا، استراليا، السويد، بلجيكا، اليونان، الولايات المتحدة بالإضافة إلى أرمينيا حيث افتتحت الأخيرة نصبا تذكاريا لضحايا الإبادة الجماعية الأشورية سنة 2012 بحضور شعبي ورسمي بعد أن منحت للطائفة الأشورية في البلاد قطعة أرضا في وسط العاصمة يريفان لتخصص لهذا النصب والذي تشاهدون في الفيديو المرفق لقطات من توافد الجماهير الأرمنية والآشورية لوضع أكاليل الزهور عليها.
اكبر النصب التذكارية الخاصة بمذابح السيفو تتواجد في ضاحية فيرفيلد التابعة لسدني في استراليا حيث يقال أن 10% من سكانها ذو أصول أشورية، والنصب عبارة عن يد شهيد ملفوف بالعلم الأشوري ويبلغ ارتفاعه 4.5 مترا.
الإنكار الرسمي للإبادة الجماعية الأشورية:
تعتبر تركيا وأذربيجان الدولتان الوحيدتان اللتان تنكران حدوث مجازر في عهد الدولة العثمانية بغض النظر إن كانت بحق الأرمن أو غير الأرمن. فبحسب الدولة التركية لم تكن هناك خطة منظمة لإبادة الأرمن والآشوريين في اراضيها. كما تدعي أن الأعداد مبالغ بها وأن الجيش العثماني لم يكن له يد في قتل المدنيين. وقد وقع 69 من الأكاديميين الأمريكيين أبرزهم برنارد لويس على بيان موجه للكونغرس الأمريكي سنة 1985 يحثه فيه على عدم الأعتراف بالمذابح العثمانية ضد مواطنيها المسيحيين، غير أن 68 منهم سحبوا توقيعاتهم لاحقا بعد أن تبين بعد التحقيق بالأمر أن معظمهم تلقوا منح مالية من الحكومة التركية.
تختصر تركيا أسباب نقص أعداد المسيحيين في السنوات الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية بــ:
١) الصراع الطائفي والعرقي: كانت للكراهية المتبادلة بين الأرمن والأكراد الدور الأكبر في حدوث مجازر بين المسيحيين والمسلمين في تلك النواحي.
٢) المجاعة: العديد من الضحايا سقطوا نتيجة المجاعة التي شملت أجزاء من أوروبا والشرق الأوسط بنهاية الحرب، والتي تسبب بها الحصار الذي فرضه الحلفاء على واردات القمح إلى الدولة العثمانية وقيام هؤلاء بالاستيلاء على محاصيل الفلاحين في سوريا لاستخدامها في تموين جنودها.
قامت الحكومة التركية بتبني قرار “إهانة الهوية التركية” في 1 حزيران 2005، والذي يجعل الاعتراف بحدوث مجازر في عهد الدولة العثمانية جريمة يعاقب عليها القانون. وفي صيف 2011 تم كشف النقاب عن كتاب مدرسي في تركيا عن السريان وفيه يتم إنكار حدوث أي مجازر بحقهم خلال الحرب العالمية الثانية. يذكر الكتاب أن السريان طعنوا تركيا في الظهر وتحالفوا مع الروس، وأنهم لا زالوا “عملاء بيد الدول الغربية”. وجهت عدة منظمات حقوقية انتقادات إلى الكتاب المدرسي بسبب محتواه الذي وصف بالعنصري.