بقلم سامي هاويل
في الوعي القومي الآشوري
29 / 04 / 2012
http://nala4u.com
يتوقف تقدم ورقي الأمم على مدى إدراك أبنائها لقضيتهم، وإلمامهم بتاريخهم ومراحله المختلفة، وتأثيراته سواء كانت إيجابية أو سلبية، والأستفادة من تلك المعطيات في بناء حاضر يدفع عجلة المسيرة القومية الى الأمام. ويتحتم على الطليعة، كأقل تقدير، دراسة الحاضر بواقعه أيا كان وإيجاد السبل والوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف وفق نهج قومي ناضج وموحد مبني على الأسس القومية الآشورية القويمة.
كما يشترط في عملية نجاح العمل القومي السياسي إعطاء الصورة الواضحة للقضية، محليا ودوليا، ليتم التعرف عليها وعلى معالمها وخصوصياتها وتطلعات أبنائها. وبذلك تتحدد المواقف تجاهها ليتسنى وضع آليات وبرامج سياسية تتناسب وتتفاعل مع الواقع وتخدم المسيرة القومية بشكل إيجابي. وهذه المسؤولية تقع على عاتق العاملين في الأحزاب والحركات السياسية بالدرجة الأولى. ولكن يبقى الوعي القومي بمثابة الأولوية التي يتحتم علينا الاهتمام بها والعمل على أيصالها الى الشارع الآشوري. وهذه عملية تتطلب جهدا كبيرا، وإرادة قوية، وإيمان مطلق بسمو القضية الآشورية ومسيرتها النضالية.
إن التأخر الشامل الذي حلّ بالأمة الآشورية بسبب تراكمات الزمن منذ بداية الانحدار المتمثل بسقوط الأمبراطورية الآشورية، مرورا بحقب زمنية ومنعطفات خطيرة ذاتية وموضوعية وصولا الى واقعنا المزري كان لها دور مؤثر في اضعاف الفكر القومي وسباته بالرغم من النشاط الملحوظ لرواد الفكر القومي الآشوري خلال القرنين المنصرمين، ودوره في تنشيط الحركة القومية الآشورية، لكنه ظل أسير الصراعات الداخلية الكنسية والمناطقية والعشائرية ناهيك عن العوامل الخارجية التي لعبت دورا سلبيا،هي الأخرى، في هذا الشأن. فنلاحظ انحسار هذا الفكر بين قلة قليلة من المهتمين بالشأن القومي، بينما بات غريبا عن الشارع الآشوري. وأصبح مفهوم الانتماء الى الآشورية مجرد انتماء سطحي تتغلب عليه صفة العاطفة. كما أن عملية خلط الأمور القومية بالانتماءات الطائفية والكنسية، ومحاولة إضفاء صفة القومية على الانتماء الطائفي تنصبّ، كليا، في مصلحة المذاهب وبعض رجال الدين، ولا تختلف في مضمونها وسلبياتها عما يحدث في الساحة السياسية القومية. إضافة الى هذا كله فهناك تأثير المدرسة الفكرية الشيوعية على جزء لايستهان به من الطبقة المثقفة لأبناء أمتنا الآشورية. وبذلك انعكست سلبا على الفكر القومي والمسيرة النضالية. ونلاحظ اليوم، بكل جلاء ووضوح، الدور الهدام الذي تمارسه بعض الكوادر البعثية والشيوعية، سابقا، التي لازالت متمسكة بجلودها وأفكارها الأصلية والناكرة لكل فكر قومي أي كان. والمتنكرة، اليوم، بقناع النهضة القومية المذهبية. هذا الدور الذي أثر ويؤثر، سلبيا، على العمل القومي الآشوري الذي لم ولا ولن يقبل بالتشويهات والعمليات الجراحية والتطعيم المذهبي التي يحاول البعض إجرائها لمقومات الأمة الآشورية المتمثلة بالانتماء فكرا وتاريخا ولغة وحضارة حاضرا ومستقبلا. كما نلاحظ تأثر هذا الفكر بالمدارس الحزبية والمصالح الذاتية حيث أصبح الانتماء الى العمل السياسي يتغلب على الانتماء القومي نتيجة الصراعات الحزبية خلال العقدين المنصرمين.هذا الصراع الذي أهدر الفرص الثمينة وأصبح اشتداده ذريعة للتلاعب بمقدسات الأمة الآشورية في سبيل تحقيق الممكن من المكاسب الحزبية. وبات الانتماء الحزبي بديلا للانتماء القومي. وغالبا ما نسمع ونقرأ عن عملية ربط مصير الأمة الآشورية وقضيتها بمصير حزب معين. وهذه ظاهرة سيئة جدا تنصبّ في خانة المصالح الحزبية ولا تخدم القضية الآشورية بأي شكل من الأشكال، لا بل تساعد على تشويه الفكر القومي وقدسية الانتماء إلى هذا الفكر. ولهذا نعيش اليوم في دوامة الصراعات الحزبية في ظل فقداننا رويدا رويدا لخصوصيتنا القومية وإهدارنا للفرص المتاحة الواحدة تلو الأخرى.
إننا اليوم بحاجة الى وضع خطط وأساليب عملية وبنّاءة في كيفية نشر الوعي القومي بين أبناء أمتنا الآشورية والذي يعتبر الحل الأمثل لتجاوز جميع أزماتنا الداخلية. وهو، بحد ذاته وبالتأكيد، سيكون انقلابا جذريا بدآ بالنفس التي يعكر صفوها وجوهرها القشور الصدئة المتراكمة عبر العصور جراء الصراعات الداخلية والتأثيرات الخارجية. كما سيكون بمثابة اهتزاز عنيف يطرح عنها كل الأدران التي لوثتها، ويقتلع منها الأنانية والمصلحة الذاتية، ويصقلها بالجرأة والابداع والتفاؤل. وبذلك سيقوي إرادة الأمة الآشورية ويوظد أواصرها لتتمكن من تحطيم واقعها البائس بيدها، وتبدأ نهضتها من جديد.
إن عملية نشر الوعي القومي الآشوري لا تتوقف على المؤسسات القومية والاجتماعية والسياسية والكنسية فحسب، بل تتعدى ذلك لتكون مسؤولية أخلاقية وتاريخية تلزم الإنسان الآشوري، وبشكل فردي، القيام بها من خلال احتكاكه ببقية الأفراد ابتداء بالعائلة ومايحيط بها من الأقرباء والأصدقاء والمعارف وصولا الى المجتمع ككل لتكون بمثابة ثورة حقيقية داخل الأمة الآشورية ترسخ الثقة بالنفس، وتقوي الإيمان بإمكانية تحقيق الأهداف القومية، وتقدس الانتماء القومي الآشوري لنفوت الفرصة أمام الهجمات الشرسة الرامية الى إضعافنا بالانقسامات المذهبية والعقائدية الدخيلة،ولنستطيع ردع وصد كل المحاولات التي تسخر القضية القومية الآشورية لتحقيق مآرب حزبية ومذهبية وشخصية ضيقة طالما عانى ويعاني من مخلفاتها شعبنا الآشوري المشتت في جميع بقاع الأرض، وبالأخص في أرض الآباء والأجداد، أرض الرافدين، بلاد آشور المقدسة.
سامي هاويل
سدني / أستراليا
تنويه (nala4u) ;لأهمية المادة…لذا تم إعادة نشرها مع التقدير.