بقلم غسـان يونان
ضيــاع أمــة…
27 / 11 / 2005
http://nala4u.com
ببالـغ الأسـى والألـم نجهـز أنفسـنـا لاسـتقبال عـام وتـودع آخـر والأمـور على حالهـا والهمـوم في تزايـد وتفاقم. نحتفـل، نرقص، نغني، نشـرب الأنخاب، نتصارع في معظم الاحتفالات ثم لا نلبث أن نترك القاعات (الصالونات المسـتأجرة) على خلاف واختـلاف.!.
هـذا هو وباختصـار، واقع حالنـا منـذ عشـرات إن لم نقل مئـات السـنين، وفي كل مناسـبة جديدة ننسـى مآسـي وويلات سـابقتهـا أو سـابقاتهـا ممـا يجعلنـا سـخريـة للقـدر وللظرف ولأجيـالنـا، إذ لم نكن في يوم من الأيـام قادرين على أخـذ العـبر من أخطائنـا وتصرفاتنـا الصبيانيـة أو حتى من أخطـاء جيراننـا!.
وهل ثمـة من يقول بالتشـاؤم، تحديداً عندمـا يسـرد أو يوصف (دائماً بضم الواو) واقع الحال الذي نعيشـه؟! وهـل مطلوب منـا التهرب أو التسـتر على الواقـع اليومي الذي نعيشـه ونتظاهر تماماً كمـا نتمنى أن نكون!؟.
بالطبع آراء متناقضـة ومتباينـة في مجتمعنـا، ولا غرابـة في ذلـك كوننـا وبكل صراحـة، لم نكن يومـاً على قـدر من المسـؤوليـة سـواء كنـا في المعترك السـياسـي أو الحقل الديني أو المجال الثقافي أو أي شـيء آخـر، فالنتيجـة ظاهرة للجميـع ولا حاجـة للتسـتر أو رمي التهم أو حتى إلقاء اللـوم على هـذا الطرف أو ذاك، أو هـذه المؤسـسـة أوتلـك، فالغالبيـة العظمى من تلـك القيـادات قـد وقعـت ولا تزال تقـع في مطبـات وهفوات أقل ما يقال فيهـا بأنهـا مميتـة وقاتلـة ليـس بحق أنفسـهم وإنمـا بحق شـعبنـا بكل انتماءاتـه وتوجهـاتـه.
فطالمـا كانت نتيجـة عطاءات وتضحيـات عشـرات إن لم نقل مئـات السـنين مزيـداً من التقهقر والانهـزام والتقوقـع والضيـاع والتشـتت كما هو واقـع حالنـا اليـوم، طالمـا كنـا قادرين على إصدار الأحكام على كل تلـك القيادات والرجالات التي بسـببهـا تشـتتنـا وانهزمنـا وتفرقنـا.. واليـوم بالـذات، نرى، نقرأ ونسـمع عن الفضـائح السـياسـية وغير السـياسـية، عن الوحـدة والطوباويـة..
وفي الحقيقـة ليـست إلا شـعارات تعلمنـاهـا من جيراننـا ونرددهـا في لحظـات غضب أو حاجـة إلى المصفقـين للوصول إلى غايات لم تعـد بخـافيـة على أحــد. وبالرغـم من كل ذلــك (وللأسـف الشديد) نرى في صفوفنـا أنـاس ضعفـاء مهزومـين، قليلي الإيمـان، مزوري التاريـخ وبائعي الهـويـة يصفقون لتلـك القيـادات “الكرتونيـة”. أيـاً كانت هـذه القيـادات أو الزعامات.
فطالمـا هـؤلاء الرجـال مسـتمرون في قيـادة شـعبنـا نحـو الهـاويـة (أي المزيد من التشـرذم والتقـسيم)، نتسـاءل بألم وحسـرة وأسـى عميق عن أسـباب اسـتمراريـة البعض من أبنـاء شـعبنـا في التسـتر لهـؤلاء وعدم كشـفهم وكشـف عيوبهم وأخطائهم التاريخيـة لنجعلهـا سـويـاً بـدايـة انطـلاقـة تاريخيـة توصلنـا إلى تحقيق طموحات وتطلعـات أجيالنـا وذلـك أسـوة بباقي شـعوب المنطقـة.
نظـرة، ولو بخاطفـة، إلى باقي الشـعوب التي نتعايـش وإياهـا مرارة الزمن والتاريخ والجغرافيـا، لوجدنـا بأنهـا تتوحـد وتتكاتف لتكون قادرة على تأمين اسـتمراريـة وجودهـا المهـدد بالزوال، تتعلم من تجاربهـا وتأخـذ العـبر من أخطائهـا. أمـا نحن، ـ وعلى ما يبـدو ـ لسـنا إلا هواة في كل ما نقوم بـه، أجل كل ما نقوم أو حتى نفكـر بـه….
فبعـد أن اعتقدنـا بأننـا قادرون على دخول المعترك السـياسـي، ولمـا لا..!! طالمـا كل واحـد منـا في قرارة نفسـه هـو زعيم سـياسـي وقائـد روحي بحـد ذاتـه، وبمجـرد أن يطلق صرخـة واحـدة يسـتطيع ليـس فقط قلب الطاولـة على رؤوس المحيطين بـه من أبنـاء جلـدتـه وإنمـا علـى رؤوس معظـم قيادات المنطقـة برمتهـا، وفي هكـذا ظرف وجو وجرأة والتـزام، لا يسـعنا إلا أن نؤدي التحيـة إجلالاً وإكبـاراً لهكـذا فطاحل (أو لهكـذا هـواة!!!..) تمكنوا عن جـدارة من إيصـال قضيـة شـعبنـا وحقوقـه المشـروعـة إلـى وسـائل تخـدم مصالحهـم الذاتيـة ومصالح حاشـياتهم الظرفيـة متناسـين حكم التاريـخ ولعنـة الشـهـداء ويقظـة الشـعوب.
فانطرقـا من كل مـا ورد أعلاه، والـذي ينطبق دون شـك على (أغلبيـة) مؤسـسـات شـعبنـا (واللبيب من الإشـارة يفهم!).
إن زعامات شـعبنـا الآشـوري تعاني من الجمـود والركود والتخلـف (السـياسـي) وعدم النضوج الفكري والعقائـدي وذلـك منـذ عشـرات السـنين. لكــن أمل التغـيير والتجـديـد والعنفوان والتضحيـة سـيبقى في قلب كل واحـد منـا، فـرداً كـان أم مجموعـة أم حتى جمـاعـة ولا بـد من أن يـأتي وقـريبـاً ذلـك اليـوم الـذي سـنرى فيـه قائـد آشـوري يولـد من رحم كل هـذه المعاناة، هـذه المآسـي والويلات، هـذه الدمـاء والدموع، هـذه الجراح والأوجـاع، ويكـون عنـدئـذٍ قـادراً على نفض غبـار الحقـد والأنانيـة والبغضـاء عن مسـيرة نضالنـا ويعيـد إليهـا المجـد والعظمـة والحقوق المشـروعـة والـوحـدة المنشـودة.
إن شـعبنـا مؤمـن بمقومـات وجوده ومتمسـك بمبـادئـه منـذ آلاف السـنين وهـو ليـس بحـاجـة لشـهادة من هـذا الطرف أو ذاك، سـيمـا أن هؤلاء الأطراف كانوا السـبب في تقسـيمـه وتشـتيتـه وتهميشـه، فمـا نتعرض لـه اليوم من ظلم وغبن وتهميـش وتقـزيم (سواء من الداخل أم الخارج)، سـيجعل أبنـاءنـا (الجيـل الطـالع) أكـثر تمسـكـاً وإيمانـاً بمبادئنـا وحقوقنـا وشـهـدائنـا ومقومـات وجـودنـا ممـا يجعلنـا في نهـايـة المســيرة قادرين على اجتيـاز كل هـذه التجـارب والأخطـار وبالتـالي قـادريـن علـى المحافظـة على الأمـل بغـدٍ مشـرق بعـد طول ليـل قاتم.
غسـان يونان