الديمقراطية والعنف في بلاد ما بين النهرين

بقلم د.جميل حنا
الديمقراطية والعنف في بلاد ما بين النهرين

26 / 09 / 2019
http://nala4u.com

الديمقراطية هذه الكلمة الساحرة رغب الإنسان بها منذ العهود القديمة وطبقها كأداة لتحقيق إرادة الشعب في السلطة وإدارة شؤون الدولة . وطبقت الديمقراطية كدواء لمعالجة القضايا الاجتماعية بالطرق السلمية . والطريق إلى تطبيق الحياة الديمقراطية لم يكن في الماضي والحاضر ولن يكون في المستقبل مفروش بالورود , ولم يكن كذلك في أي عهد من العهود أو في أي مجتمع كان.جميع الشعوب التي حققت بناءا لمجتمع ا لديمقراطي خاضت ثوراتها , وقدمت الدماء والدموع والتضحيات الجسيمة والنضال الشاق وتجاربها الخاصة للوصول إلى الديمقراطية المنشودة .

وإن مسيرة الحياة الديمقراطية في العديد من البلدان لم يشهد استقرارا وثبات النهج بل تعرضت التجربة والحياة الديمقراطية إلى انتكاسات , وضربت في الصميم ديمقراطيات ناشئة أو حرفت من جوهرها النبيل , لتتحول إلى وسيلة اضطهاد تستعمل ضد من يشكلون أقلية ضمن الكيان الاجتماعي أو السياسي والحزبي , وضد الشعوب الأقل عددا التي تشكل جزء هاما من كيان الوطن .وتستخدمها القوى السياسية المسيطرة على مقدرات الشعوب التي تمثل الغالبية في المجتمع كأداة قمع ضد الشعوب الأقل عددا ولفرض هيمنتها وزرع الفتن والخلافات الاجتماعية لتضمن أحكام سيطرتها على السلطة السياسية على الجميع . وذلك من الفهم الخاطئ للديمقراطية الصحيحة أو التعمد للفهم الخاطئ لمعنى الديمقراطية , لأن الديمقراطية لا تقر بأن يقرر أي شعب مهما كثر عدده بأن يقرر حق تقرير المصير لأي شعب آخر مهما قل عدده وأنمى الديمقراطية نقيض ذلك تضمن حقوق متساوية للجميع .

والجميع في بلدان الشرق الأوسط يبحث عن الديمقراطية الحقيقية المفقودة في بلدانه البائسة الرازحة تحت السلطة المطلقة للفرد أو العائلة أو الحزب أو القومية أوالدين. وكل من يملك السلطة في هذه البلدان يتفاخر بديمقراطيته الخاصة المفصلة على قياسه لتنسجم مع مأربه وسلطانة المطلق ومع طبيعة الأهداف الفئوية الضيقة .

وبكل أسف وألم شديد نحن أبناء الأمة الآشورية بمختلف أبناءة من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة المشرقية والكنيسة الكلدانية وفئات آخري من هذا الشعب الذي هو جزء هام ولكنة يشكل الآن عددا أقل من أبناء القوميات الأكثر عددا في وطنه الأم وذلك بسبب المذابح الكثيرة التي تعرض لها خلال عهود طويلة و وبسبب الاضطهاد الديني والقومي والعنف السياسي وانعدام الديمقراطية الحقيقية في هذه البلدان . والشعب الآشوري الذي يعيش في كيان دول عديدة في المنطقة مثل العراق وتركيا وسوريا وإيران بعد أن قسم وطنه التاريخي بلاد ما بين النهرين على هذه الدول ,وهو يعاني من كل أنواع الاضطهاد وبدرجات متفاوتة في هذه البلدان على المستوى الرسمي والشعبي .

اللجوء إلى العنف بأشكاله المختلفة كان وما زال أكثر بكثير من اللجوء إلى الأساليب الديمقراطية. وكان العنف المدمر سيد الموقف في كافة المراحل التاريخية .وكلما حدث خلاف خارجي أو داخلي كانت تفتعل أزمات وتوجه الاتهامات الباطلة وكان أهل السلطة يلتجئون إلى ارتكاب المذابح الجماعية كما حصل في تركيا أثناء الحرب العالمية الأولى .وما يجري في العراق هو دليل آخر على زيف الادعاء بالديمقراطية حيث عمليات القتل والتهجير والاستيلاء والاغتصاب على الممتلكات واحتلال مزيد من الأراضي وإجراءات الصهر وإلغاء الهوية القومية لهذا الشعب . وأصبح العنف وسيلة مقبولة ومرسخة في النهج الديني والقومي والسياسي لكل أولئك الذين يملكون عصابات وميليشيات الأجرام والإرهاب للقضاء على أبناء الشعوب الأقل عددا دينيا وقوميا . العنف والعنف وحده هو منطق هذه الغالبية بحل الأزمات القائمة في المجتمع دون أن يخطر على بالها بأن الديمقراطية الحقيقية هي الحل الأنسب للجميع بدون اللجوء إلى العنف . لأن الموروث في عقليتها وثقافتها مبني على العنف .العنف والديمقراطية مبدءان متناقضان. ولو استعانت هذه القوى إلى الحلول الديمقراطية ووضعتها في المسار الصحيح ,واستخدمت كأداة يمكنها الحد من الأزمات والخلافات القائمة في المجتمع وخاصة في المجتمعات متعددة الأديان والأثينيات العرقية كمجتمعاتنا في بلاد ما بين النهرين وعلى أرض آشور .لتمكنا تجنب الكثير من المآسي التي نعاني منها وأمكن تقديم الحلول المناسبة بدون اللجوء إلى العنف كما يحصل وخاصة على أرض العراق.وكما أن الديمقراطية أداة لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وقيادة البلد وتداول السلطة وحل الأزمات بالطرق السلمية وأمور آخري كثيرة .وعدم التمسك بمبادئ القيم الديمقراطية يترك أثار سلبية كثيرة في حياة المجتمع والفرد.

وكذلك الديمقراطية تحتاج إلى ضمانات لحمايتها والحفاظ عليها من انقضاض أعدائها عليها . وتطبيق الديمقراطية يحتاج إلى هذه الضمانات ليتم على أساسها بناء نظام الحكم والمؤسسات واللجوء إليها أثناء حدوث الأزمات والخلافات وفي الظروف الطبيعية . والشعوب بمعظمها تعمل على تطبيق الديمقراطية في مجتمعاتها ,لأنها تمنحها حقوقا كثيرة وتحافظ على كرامته وتزيل الرعب من القلوب . وهذه الديمقراطية التي نبحث عنها لتطبق في حياتنا تحتاج إلى وضع آليات لنظام الحكم الديمقراطي و تداول السلطة سلميا ,إظهار دور ومواقف القوى السياسية في المجتمع والتزامها بالقيم الديمقراطية لحماية الديمقراطية ,وتطبيقها تطبيقا فعليا صحيحا يضمن الاعتراف بالتنوع العرقي الأثني والديني والسياسي ويضمن للجميع حقوق متساوية بدون نقصان بغض النظر عن العدد لأن الحقوق في المجتمعات الديمقراطية لا ينتقص منها بسبب العدد . وهنا يأتي دور النخب السياسية التي تؤمن فعليا وبدون مراوغة ببناء مجتمع ديمقراطي حقيقي .

والأمر الأخر المهم لحماية الديمقراطية بناء دولة القانون وذلك من خلال التشريع السليم القائم على أساس المبادئ الإنسانية وبناء مؤسسات القضاء المستقل عن السلطات التنفيذية . وتشريع قانون علماني يدين التمييز العنصري بكافة أشكاله وغير خاضع لنفوذ الأغلبية .وسن قوانين واضحة تنظم شؤون الحياة وتحدد العلاقة بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية .وعدم سن قوانين تتعارض مع المواثيق والمعاهدات الدولية بشأن حقوق الإنسان .

القوانين التي تؤمن حرية الرأي لأنها الضمانة العملية لحماية الديمقراطية و الحرية الشخصية في غاية الأهمية لأن قمع الحريات الشخصية يؤدي إلى بناء شخصية ضعيفة غير واثقة من ذاتها ومحكومة بعوامل الخوف والرعب ولا يمكن إن يساهم بشكل فعال في بناء المجتمع . حماية الأفراد من الظلم والاضطهاد والاعتقال التعسفي , ومنع التعذيب الجسدي والنفسي وإلغاء كل الأساليب التعسفية والاستبداد , والالتزام بالمواثيق الدولية التي تحرم (( كل تمييز بين البشر بسبب العرق واللون والجنس أو اللغة أو الديانة أو الآراء السياسية أو بسبب المنشأ الوطني أو الطبيعي أو مكان الولادة والثروة الفردية )) وسن قوانين حماية الملكية الفردية والعامة. وتأمين الحقوق القومية وحرية ممارسة الشعائر الدينية كما تؤكد على ذلك المواثيق الدولية ((لكل إنسان الحق بالتمتع بحرية الفكر والضمير والديانة وبحرية الرأي والتعبير ونشر أفكاره بأية وسيلة وبحرية الاجتماع والانضمام إلى أية تنظيمات سلمية ))

إن الالتزام بهذه القيم يؤسس إلى بناء علاقة متينة بين مختلف شرائح المجتمع .ويعزز العيش المشترك بين الأديان والقوميات والثقافات المختلفة المكونة للطيف الوطني .بالطبع إذا كانت القناعة قائمة على أساس الوعي بأهمية الديمقراطية الحقيقية في المجتمع بين أبناء الوطن الواحد ولأجل مصلحة الوطن .ومن هذا المنطلق وانسجاما مع مبادئ القيم الديمقراطية الحقيقية ندعو إلى إيقاف العمليات الاستبدادية وتزوير الحقائق التاريخية وكافة إجراءات التتريك والتعريب والتكريد بحق الشعب الآشوري بمختلف تسمياته المذهبية .

د.جميل حنا

تنويه (nala4u);لأهمية المادة…لذا تم إعادة نشرها مع التقدير.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.