بقلم سامي هاويل
لمـاذا الآشـوريـة ؟
12 / 03 / 2012
http://nala4u.com
سأحاول الدخول في أزمة التسميات عبر هذا العنوان لألقاء الضوء على هذا الجانب المهم الذي حوله البعض الى نقاش بيزنطي ينخز في الفكر القومي وينهك العقل الآشوري ويلهيه عن الأولويات التي تتطلبها هذه المرحلة من تاريخ أمتنا الآشورية بمختلف أنتماءاتها الكنسية, ولكن هذا الحوار ربما سيختلف شكلا ومضمونا عن ما نشهده ونقرأه على صفحات الأنترنت وبالأخص في مواقع أبناء أمتنا, ولأهميته رغبت في التطرق اليه بشكل موضوعي وأن كان مطولا بعض الشيء بحكم تأثيره الكبير على الشارع الآشوري.
بداية أؤكد على انني سأبذل جهدي لكي أجعل منه حوار هاديء مبني على حقائق ومعطيات تنصب أولا وأخيرا في مصلحة قضيتنا القومية لربما ستكون بداية موفقة لتداوله بشكل عقلاني, وهو حوار معني به كل من يؤمن بأننا امة واحدة لا تفصلنا حدود الأنتماءات الطائفية والعشائرية وتجزئنا الى امم. نعم أنها دعوة لكل مخلص وحريص على وجودنا ومستقبل قضيتنا القومية الوحدوية الصفة والجوهر ويؤمن بأن خلاصنا هو بالتجرد من عاطفة الأنتماء الكنسي والعشائري والحزبي. أنها مرحلة وضع النقاط على الحروف بشفافية مطلقة بعيدة عن عملية أرضاء هذه الكنيسة وتلك المؤسسة وذلك الحزب.
يذكر غبطة الكاردينال مار عمانوئيل دلي في أطروحته (المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق ) التي قدمها لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة اللاتران بروما عام 1958, في الصفحة “76” قائلا (وتجدر الملاحظة الى كلمة , آثور , في جدول عمرو في المخطوط العربي رقم 110 الورقة 177 في خزانة الفاتيكان مضافة فوق السطرلكنها بنفس خط الناسخ الأصلي) ويضيف (ان كتاب الآباء المذكور سابقا , عندما يذكر المطارنة الناخبين يضع في المرتبة الرابعة مطران آثور, دون التنويه بأربيل بينما في الصفحات اللاحقة عند كلامه عن تقدم المطرانيات يضع مطرانية أربيل في المرتبة الرابعة وهذا دليل على انه في عهد مؤلف هذا الكتاب كانت أبرشية أربيل تعني أبرشية آثور في الوقت نفسه ويعتقد المستشرق شابو بأن الأبرشية الكنسية آثور تكونت من توحيد مطرانيتي أربيل والموصل ) أنتهى الأقتباس , وهذا يدل على تداول ,آثور أو آشور, كمدلول لمنطقة تاريخية معينة أضافة الى أن سكانها من أبناء امتنا الآشوريين كانوا على دراية تامة بأنتمائهم القومي الآشوري ويفتخرون بهذا الأنتماء.
وفي هذه الأطروحة تحديدا الصفحة 143 يتابع غبطة الكاردينال مار عمانوئيل دلي قائلا ( ونلاحظ أن من بعده طيماثاوش الثاني (ت 1332 )يوقع ,, أنا طيمثاوس الجاثاليق بطريرك المشرق, حتى نصل الى أبينا البار مار يوحنا سولاقا الذي أسبغ عليه البابا يوليوس الثالث لقبا هو : بطريرك الموصل في آشور الشرقية) ويضيف في الصفحة 143-144 قائلا (في سنة 1565 اذ يكتب البابا بيوس الرابع الى خليفة مار يوحنا سولاقا وهو مار عبديشوع الجزري ,1555-1571, يلقبه بلقب وهو: بطريرك الآشوريين أو الموصل أي بطريرك الموصل في آثور الشرقية ) كما يضيف في الصفحة 144-145 مسترسلا ( بقي هذا اللقب :” جاثاليق بطريرك الموصل في آشور ” حتى أواخر القرن السادس عشر تقريبا اذ بدأ المرسلون والرحالون يجوبون في بلادنا الشرقية ويطلعون أكثر فأكثر على تقاليدها وريازة كنائسها وأصالة تراثها, فكتبوا تقارير عما رأوا وأطلعوا عليه من المعلومات التاريخية والدينية والجغرافية, جاء في كتاباتهم الغث والسمين. فقد أخطأوا عندما ظنوا ان بغداد هي بابل وان البطريرك الجالس في دير الربان هرمزد قرب ” آشور حاليا في الموصل في ديار بابل فخلطوا الحابل بالنابل , وخبطوا بين الشمال والجنوب وهكذا تغلب هذا الأسم الذي له جذوره في الكتاب المقدس أي “بابل”على سائر الأسماء, وباشرت روما على أثر التقارير التي تصلها والأخبار الحاملة أسم الديار البابلية منذ نهاية القرن السادس عشر وبدء القرن السابع عشر تطلق على البطريرك أسم ” بطريرك بابل على الكلدان ) كما يضيف غبطة الكاردينال في الصفحة 147 قائلا أن أحد المشتغلين في ميدان القانون الكنسي الشرقي وأسمه الأب كوروليفسكي قد كتب بحثا قي القانون المقارن عن البطاركة وأقترح فيه لقبا لرئيس الكلدان الأعلى وهو : مطران ساليق وقطيسفون رئيس أساقفة المشرق جاثاليق بطريرك بابل على الكلدان, ولكن بعد سنتين غير رأيه وعرض لقبا آخر فكتب جاثاليق بطريرك المدن الكبيرة ساليق وقطيسفون رئيس اساقفة المشرق, وأضاف قائلا أن لقب بطريرك بابل الحالي ليس جيدا ويجب تغييره.
كلنا على دراية بأن الأطروحة المقدمة لنيل شهادة الدكتوراه يجب ان تكون المعلومات فيها صحيحة وفي غاية الدقة وأتنمى من القراء والمهتمين بالشأن القومي الأطلاع على هذه المصادر الغنية بالمعلومات التاريخية التي تؤكد ورود الآشورية كمدلول لأرض وصفة قومية معروفة آنذاك.
كما ٍاترك لكم في نهاية هذه المقالة رابط لمحاضرة سيادة المطران مار سرهد جمو التي يتحدث فيها عن اللهجات في لغتنا وهو يقر وبحماس ملحوض في الجزء الخامس من الرابط أدناه بأننا آشوريين لذا أتمنى المشاهدة والأستماع الى الجزء الخامس من الرابط الأول أدناه.
والآن لنضع التاريخ القديم جانبا بكل ما يحمل بين طياته من أثباتات وأدلة دامغة على آشورية أنتماءنا القومي والحضاري ولنبحث في ثنايا التاريخ المعاصر مستخلصين من معطياته ما يخدم قضيتنا كأمة كان لها دور في أحداث عدة حلت على المنطقة والعالم . لقد دخلت المسيرة القومية الآشورية في مرحلة السبات لقرون طويلة في الوقت الذي كرس أبنائها جهودهم في نشر الرسالة المسيحية وقد حققوا في هذا المجال نجاحا كبيرا يشهد له التاريخ, ونتيجة ذلك لاقوا المرارة والقتل والتهجير والتنكيل بسبب أيمانهم المسيحي ليصبح أبناء الأمة الآشورية مقسمين الى مناطق جغرافية مختلفة ومجاورة لبعضها البعض بدآ بسهل نينوى صعودا الى مناطق نهلة وصبنا وبرور وزاخو والى طور عبدين وهكاري شمالا وسوريا غربا وصولا الى اورميا شرقا, كانوا يعيشون في قرى وقصبات متسلسلة ومجاورة لبعضها البعض على هذه الرقعة المعروفة تاريخيا بالمثلث الآشوري, وجريا وراء الصراعات الكنسية أشتدت القطيعة بين أبناء أمتنا الآشورية أجتماعيا وفكريا لفترة طويلة وحالت هذه العملية دون ان تتحقق الوحدة بين أبناء هذه المجموعات مما جعل أراضينا التاريخية سهلة المنال ومفتوحة امام الطامعين بهذه الأرض. من الجدير بالذكر هو اصالة انتماء هذه الأمة الى جذورها الآشورية القديمة لما تربطهم بها من عوامل ومقومات الأمة الواحدة كالأرض واللغة والتاريخ والثقافة والعادات والتقاليد المشتركة يضاف اليها أنتمائهم المسيحي كعامل اضافي لعمقه التاريخي بحيث نلاحظ ان كل من ترك كنيسة المشرق والمسيحية أنصهر في القوميات المجاورة كالعديد من العشائر العربية في العراق وسوريا بالأخص سكنة مناطق جنوب نينوى وداخلها وكركوك وغيرها من المدن والقصبات الآشورية القديمة.
عاش الآشوريين على أرضهم فترات مختلفة أتسمت الكثير منها بالهدوء والسكينة بالأخص في المناطق الجبلية بحكم الطبيعة الجغرافية وتميز ابنائها بشدتهم في مقاومة الهجمات الرامية الى أحتلال هذه المناطق ويشهد التاريخ على فشل تيمور لنك القائد المغولي المعروف بدمويته الدخول الى مناطق هكاري بالرغم من محاولاته المستمرة الا انها باءت بالفشل ومني جيشه بخسائر فادحة ارغمته الى الهروب وعدم التفكير مجددا بالعودة اليها. الى أن بدأت البعثات التبشيرية الغربية الى هذه المناطق بحجة نشر الدين المسيحي ولكن هذه البعثات وصلت الى المنطقة للتجسس والأطلاع على طبيعتها الجغرافية وسكانها لتبسط دول الغرب نفوذها عليها, وقد نشطت فرنسا وبريطانيا بشكل كبير في هذا المجال كونها كانت من كبرى دول أوروبا وأقواها. وبسبب الضعف المستمر والأنهيار البطيء الذي اصاب الدولة العثمانية بدأت تفقد سيطرتها على مستعمراتها ومنها هذه المناطق آنذاك فأستغلت فرنسا ذلك لتفرض عليها شروط اتاحة الفرصة لمبشريها للعمل بين أبناء الأمة الآشورية بغرض كثلكتهم, واستخدمت الضغط بالقوة في الكثير من الأحيان ضد كل من يرفض الكثلكة وما مذابح بدرخان بك 1843- 1847 التي وقعت في مناطق هكاري بايعاز من الدولة العثمانية الا دليلا على ذلك مقابل مساعدات تقدمها فرنسا للأخيرة.
أتسم القرن التاسع عشر بنمو الحركات القومية بين شعوب المنطقة فقد أخذت الكثير من هذه الصراعات طابعا قوميا, وكوننا أصبحنا أحد المحاور فيها بدأت قضيتنا القومية تأخذ مجددا مكانتها ليس بين الشعوب المجاورة فقط بل أقرت بها الدول الغربية ايضا أبتداء من مذابح بدرخان بك وسمكو الشكاكي وميركور ومذابحه في شقلاوة والمناطق المجاورة لها وصولا الى مذبحة سميل وصوريا والأنفال والى يومنا هذا. كل هذه الأحداث المأساوية أخذت طابعا قوميا وعرفت به قضيتنا بالقضية الآشورية وتم مناقشتها في عصبة الأمم ومؤتمرات دولية أخرى وتمخض عن ذلك أصدار قرارات دولية لحل المسألة الآشورية بدأ بضم ولاية الموصل الى العراق بحجة أسكان أشوريي هكاري فيها بجوار أبناء جلدتهم من آشوريي السهول بعد رفض الحكومة التركية أعادة أراضيهم التي عاشوا عليها مئات السنين وتلتها محاولات حل القضية الآشورية واسكانهم من جديد في مناطق نوهدرا ( دهوك ) وبعدها الخابور أضافة الى مشاريع أسكان الآشوريين في البرازيل وجزيرة غويانا البريطانية ولكن دون جدوى فقد بقيت هذه المسألة دون حل الى يومنا هذا وللأطلاع على قضية أسكان آشوريي الجبال الرجاء الأطلاع على الرابط الثاني أدناه.
أنني في الوقت الذي أكن فيه كل الأحترام لمشاعر أبناء أمتنا الآشورية في مختلف كنائسنا بمختلف التسميات التي دخلت عبر التاريخ وليس الغرض من هذه المقالة الغاء اية تسمية كما يروج لها البعض من المتسترين خلف خطاباتهم البكائية المشبعة بادعاءات التهميش واللألغاء والتأشور وغيرها من المصطلحات التي ليس لها وجود الا في مخيلتهم لكسب عطف أبناء أمتنا البسطاء ليشغلوهم بالجري وراء السراب في الوقت الذي يسيل لعاب هؤلاء القلة وراء وظيفة أو منصب في الداخل أو في أحدى سفارات عراق اليوم عراق الفوضى والفساد الأداري وبذلك يخدمون أعداء امتنا من الشوفينيين لتمرر الفرصة التي أوجدتها التغييرات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط والعراق خاصة.
وكما ذكرت أعلاه فأن قضيتنا القومية أخذت طابعها القومي الآشوري ولا يوجد أية اشارة الى مسمى آخر عبر التاريخ الحديث لذلك المنطق والمسؤولية التاريخية تفرض علينا الأبتعاد عن مشاعر الأنتماء الطائفي والكنسي والعمل الوحدوي لأيجاد الخطاب القومي الآشوري الذي سيكفل أحقاق حقوقنا القومية وحماية وجودنا على أرضنا التاريخية في عراق اليوم أملا في أن نعود يوما اليها وهذا من مستحقاتنا, وللقلة من المحسوبين على امتنا والمروجين لقوميات داخل جسد الأمة الآشورية أقول أن ميادين العمل مفتوحة أمامهم طولا وعرضا فليخرجوا من زوبعة خطاباتهم العدائية لكل ما هو آشوري وليشمروا عن سواعدهم وينزلوا اليها ويدافعوا عن أيمانهم القومي الجديد ذو الثماني سنوات أذا كانوا صادقين به حينها سنحترم أرادتهم وخياراتهم, وليعلموا بأن عمالقة الظلام وجلاوزتهم من قبلهم حاولوا طمس الهوية الآشورية فوقف في وجههم الأبطال من أبناء أمتنا من كافة طوائفنا أمثال آشور يوسف والملفان نعوم فائق وهرمز رسام ومار أدي شير ومار توما اودو ومار اوكن منا ومار روفايل بيداويد والأستاذ الكبير هرمز أبونا والكثير من العضماء الذين دخلت أسمائهم أنصع صفحات التاريخ ليفتخر بها أجيالنا القادمة كما نفتخر بهم نحن اليوم.
ان عملية اقصاء الآشورية خلال التاريخ المعاصر التي أستمرت الى يومنا هذا ليست الا محاولات لتغييب قضيتنا القومية والألتفاف على أستحقاقاتنا التاريخية, فقد أحيكت شتى المؤامرات على قضيتنا القومية في الآونة الأخيرة ومن بين اهم وأخطر هذه المحاولات كانت خلق صراع التسميات الذي أدخلنا في دوامة يشترط الخروج منها التحلي بالوعي القومي والألمام الكافي بأحداث التاريخ المعاصر والأرتقاء الى مستوى المسؤولية التاريخية بعيدا عن الأنتماء الكنسي والطائفي.
الرابط الأول
http://www.youtube.com/watch?v=Q6vxXmPLyAU&feature=related
الرابط الثاني
http://www.atour.com/government/un/20040404a.html
سامي هاويل
سدني / أستراليا