الموضوعية والخيار الاستراتيجي في طرح المؤتمر الآشوري الموسع في السويد..

بقلم د.جميل حنا
الموضوعية والخيار الاستراتيجي في طرح المؤتمر الآشوري الموسع في السويد , المنعقد تحت شعار “آشور فخر العراق ,العراق وطن الآشوريين”

28 / 12 / 2006
http://nala4u.com

البركان الذي أنفجر في التاسع من نيسان بسقوط النظام الديكتاتوري في عام 2003 في العراق أحدث صدمة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق .وبدأت الأحداث تتسارع في بلاد مابين النهرين وخاصة على أرض آشور. وهذا البركان المدوي أحدث فجوة كبيرة في كيان دولة العراق , وكاد أن يقسم الوطن الواحد إلى كيانات عديدة . وفي الواقع العملي وإن لم يكن معلنا رسميا فأن العراق أصبح مقسم بين الكيانات التي تملك الميلشيات المسلحة وتفرض نفسها بقوة السلاح والقتل والاضطهاد وتزرع الرعب في نفوس كل من لا ينتمي إلى هذه الفئات , وتفرض حالة التعصب القومي والديني المليء بالعنف والشوفينية . وتعمل القوى المسيطرة على مقدرات العراق حاليا على إلغاء الوجود القومي والديني للآشوريين الذين هم السكان الأصليين للعراق ,ويسكنون هذه الأرض منذ آلاف الأعوام . وأن هذا الواقع الأليم الذي فرض على العراق له انعكاسات سلبية على واقع الشعب الآشوري , وذلك لارتباط القوى المسيطرة على الوضع العراقي الحالي التي لا تملك مشاريع وطنية متكاملة تهدف الحفاظ على وحدة ا لتراب الوطني العراقي , بل تعمل هذه القوى على تنفيذ مصالحها الفئوية الضيقة وعلى تنفيذ المصالح الإستراتيجية للدول التي لها نفوذ كبير في منطقة الشرق الأوسط , وهكذا تتداخل طموحات القوى الداخلية مع مصالح الدول المؤثرة في مراكز القرار السياسي . والتناقض بين مختلف العوامل و التأثيرات الداخلية والخارجية يفرض واقعا أليما على حياة الشعوب في العراق وخاصة الشعب الآشوري الذي لا يملك قوة عسكرية , وليس له موقع بارز في إستراتيجيات الدول المتصارعة في المنطقة .وعدم الاهتمام بقضية الشعب الآشوري يعود إلى أسباب موضوعية تتعلق بطبيعة الأنظمة الديكتاتورية ومصالح الدول الكبرى ,وذاتية تعود إلى غياب المشروع القومي المتكامل لدى الغالبية الساحقة من الأحزاب السياسية لشعبنا التي لم يكن لها مطالب إستراتيجية قومية بعيدة المدى, ولم تتجاوز مطالبها سوى بعض الحقوق الثقافية المحددة التي لا تحيي الأمة . وكانت التغييرات الجذرية بعد سقوط النظام الديكتاتوري أحدث انقسامات جديدة في كيان الأمة الأشورية وذلك تلبية لرغبات وضغوطات بعض الأحزاب الكردية من أجل تحقيق أهدافها على أرض آشور والقضاء على الكيان والهوية القومية الآشورية ووجد البعض من أبناء شعبنا فرصة لتحقيق مأربهم الشخصية النفعية , وأصبحوا أداة تستعملها القوى التي تقف عائقا بتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الآشوري بتقرير مصيره أسوة ببقية مكونات المجتمع العراقي على قدم المساواة .

أن الشعوب الطامحة إلى الحرية لم يكن طريقها إلى التحرر من الظلم والاضطهاد مفروشا بالورود في أي عهد أو مجتمع كان . طريق الخلاص كان مليئا بروح التضحية والشهادة والفداء لأجل تحقيق الأهداف .ومن أجل إزالة الواقع المرير الذي فرض بالعنف والقتل والتهجير ألقسري ولذا لم يبقى أمام الشعب الآشوري سوى العمل الجاد للتخلص من هذا الواقع المأساوي ,والسير في طريق العظماء من أبناء هذه الأمة أمثال الشهيد فريدون آتورايا , والقائد العظيم آغا بطرس , والشهيد ماربنيامين شمعون وكل الشخصيات والوفود المشاركة في مؤتمر السلام بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التي طالبت بالحكم الذاتي لآشور آنذاك وتحقيق العدالة والمساواة والحرية والحقوق القومية لأبناء الأمة الآشورية أو الاستسلام لواقع الأمر المرير الذي سيؤدي إلى الفناء وإنهاء الوجود القومي للشعب الآشوري بانتماء مختلف مكوناته من أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية , والكنيسة المشرقية , والكنيسة الكلدانية .

وانطلاقا من هذا الواقع المرير , وفي مثل هذه الظروف الصعبة والمعقدة في العراق , عقد المؤتمر الآشوري الموسع في السويد . لبحث أوضاع شعبنا الأليم وإيجاد السبل والمقترحات الملائمة للخروج من هذا النفق المظلم , وإنقاذ هذا الشعب وهويته ووجوده القومي من الانصهار والفناء الكلي نتيجة السياسات الشوفينية التي تمارس بحقه . خلال ثلاثة أيام من 15-17 كانون الأول 2006 تباحث المؤتمرون الذين يمثلون أحزاب وتنظيمات سياسية ومؤسسات وناشطين أوضاع شعبهم المأساوي . وذلك نتيجة الغبن والتهميش وحرمانه من حقوقه القومية والتقسيم الذي فرض علية .
ناقش الممثلون في هذا المؤتمر وبعمق أوضاع العراق الداخلية والعوامل الخارجية المؤثرة فيه .
وطرحت هذه القوى بعض المقترحات والحلول لأبناء شعبنا ووضعت أهداف مصيرية , ستعمل على تحقيقها مع كافة أبناء شعبنا وقواه السياسية ومؤسساته المتنوعة الحريصة على مصير ومستقبل الشعب ألأشوري , وبتأييد وتضامن قوى داخلية على الساحة العراقية . والعمل على كسب التأييد العالمي وخاصة الدول المؤثرة في الوضع العراقي . وهذه الأهداف الرئيسية هي :

أولا – الإقرار بأن الآشوريين هم الشعب الأصيل في العراق . وذلك انطلاقا من الحقائق التاريخية والحضارية والثقافية الممتدة عبر آلاف السنين بأن هذا الشعب الذي شيد أحدى أعظم الحضارات العالمية في العراق يسكن هذه الأرض منذ أكثر من خمسة آلاف عام , وهذه الحقائق تنطق بها الحجارة والآثار المكتشفة في هذه البقعة من العالم . وتأكد على ذلك أمهات المكتبات والمتاحف العالمية بما تحتويه من كنوز بلاد ما بين النهرين وخاصة تلك التي اكتشفت في أرض آشور. وكما يؤكد على ذلك مئات المؤرخين والكتاب العالميين من مختلف الجنسيات والأديان في العالم أجمع . إن الإقرار بالحقائق التاريخية والمطالبة بتطبيق ذلك في دستور العراق لا يعتبر مطلبا غير واقعي .

ثانيا- المطالبة بتثبيت الآشورية في الدستور العراقي كهوية قومية شاملة . الأمة الآشورية أمة عريقة ويشهد التاريخ والعالم على ما قدمته للبشرية جمعاء من مختلف أنواع العلوم والمساهمة الفعالة في بناء المدنية العالمية . هذه الأمة تعرضت خلال ألفين وخمسمائة عام منذ سقوط نينوى وبابل وفقدان السلطة السياسية المركزية الموحدة إلى غزوات خارجية كثيرة وقسمت الإمبراطورية بين الفرس والبيزنطيين ,والانقسامات المذهبية الدينية ومن ثم الغزو الإسلامي والحملات الصليبية والغزوات المغولية والتترية والعثمانية وحملات التبشير ونتيجة ذلك تعرض هذا الشعب إلى القتل والاضطهاد والعنف وتغيير الكثير من أبناءة دينه ومذهبة وهويته القومية إنقاذا لحياته . وبسبب هذه العوامل تعرض الشعب الآشوري إلى ‘انقسامات مذهبية منذ القرون الأولى لاعتناقه الدين المسيحي وتم تجزئة هذا الشعب بين كيانات دول عديدة مما ترك أثرا نفسيا كبيرا علية , وأضعف قوة الشعب الآشوري بتجزئته . والعمل بتدمير وإنهاء الهوية والوجود القومي الآشوري , وتقسيمه إلى كيانات مذهبية وأضعافه وإنهاء حقه الشرعي التاريخي والحالي بأن يكون له حقوق قومية متساوية كبقية مكونات المجتمع العراقي .

ثالثا – الإقرار بإقامة إقليم آشور. هذا المطلب هو إحياء للمشروع القومي الآشوري الذي طرح من قبل العظماء من أبناء الأمة بمختلف مذاهبهم في الثلث الأول من القرن الماضي . وقدم من أجل ذلك قوافل الشهداء . ومنذ أن تأسست دولة العراق الحديث في عام 1921 قدم أبناء هذه الأمة قوافل الشهداء من أجل تحرره وساهموا بكل أخلاص وبكل ما يملكونه من جهود جسدية وطاقات عقلية هائلة ببناء الوطن العراقي .وشارك الكثير من أبناء الشعب الآشوري في الحركة الكردية في عام 1961 من أجل الحصول على حقوقه القومية . وقدم هذا الشعب عشرات الآلاف من الشهداء في الحروب التي خاضها نظام صدام مع إيران والكويت . وتعرض أبناء الشعب الآشوري إلى مذبحة في سيميلي عام1933 وكذلك مذبحة صوريا 1969, وكذلك تهجير قسري من قراه والاستيلاء عليها سواء كان من الأكراد أو من قبل السلطة المركزية في عملية الأنفال 1988 . وساهم الشعب الآشوري مع بقية القوى الوطنية العراقية ضد نظام صدام الديكتاتوري حتى سقوطه على يد قوات الاحتلال الأمريكية في التاسع من نيسان 2003 . وانطلاقا من هذه الحقائق المذكورة ,فأن لهذا الشعب الحق بان يعيش حرا على أرضة التاريخية , وانسجاما مع ما طرحة الدستور العراقي بالمساواة بين كافة أبناء الوطن بدون تمييز وضمن الرؤية المطروحة في ا لدستور ذاته بالفيدرالية التي يجب أن يكون حقا لكل مكونات الشعب العراقي .

كل أبناء الشعب العراقي مهما كان انتمائه القومي أو الديني أو المذهبي له الحق بأن يعيش بكرامة وأن تكون حقوقه الطبيعية محفوظة . لأن قوانين الطبيعية والنواميس والشرائع الدينية وكل المواثيق والمعاهدات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان , والغالبية الساحقة من القوانين الوطنية تقر بحقوق الشعوب في تقرير المصير والمساواة بين كافة مكونات الوطن بغض النظر عن العدد .

أن هذه القرارات التي أتخذها المشاركون في المؤتمر منسجمة وتنطلق من الحق الذي منحة الدستور العراقي لكافة مكونات الوطن بالرغم من إجحافه بحق الشعب الآشوري وكذلك منسجمة مع كل المواثيق والمعاهدات الدولية . وتأتي هذه القرارات المصيرية ليس من منطلق سياسي قد يتبدل ويتغير بتغيير الواقع السياسي . إن هذه القرارات تتعلق بمسألة البقاء أو الفناء . لأن الأرض هي الأم الحاضنة التي تجمعنا سويا وتحافظ على وحدتنا وعدم اندثارنا ,والإقرار بالهوية القومية الآشورية لضمان عدم انصهارنا وإنهاء وجودنا , والإقرار بأصالة الشعب الآشوري لضمان الحقوق القومية والمساواة التامة مع كافة مكونات المجتمع العراقي .
أن اتخاذ هذه القرارات الهامة يأتي من الشعور بالمسؤولية نحو مصير ومستقبل هذا الشعب والمحافظة على كيانه وهويته من الانصهار. أن متخذي هذه القرارات المصيرية يدركون الصعاب التي تقف عائقا أمام تنفيذها , ولكن الاستسلام لواقع الأمر المرير سيكون مدمرا حتما .
ولذا علينا اتخاذ مواقف تاريخية جريئة وصائبة تكون على مستوى المرحلة المصيرية بالنسبة لنا جميعا , ونضع جميعا خلافاتنا السياسية والشخصية جانبا لأجل المصلحة القومية العليا ولأجل الحفاظ على كيان امتنا , ونتضامن كلنا من أجل أن نحكم أنفسنا حسب قوانيننا التي ستكون الضمانة الرئيسية للمحافظة على وجودنا بمختلف انتماءاتنا المذهبية . توحيد الجهود في هذه المرحلة المصيرية يجب أن تسموا فوق كل الاعتبارات .

د.جميل حنا
28/12/2006

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.