الحقوق القوميـة.. ورجالات كنائسـنا..!!

بقلم غسـان يـونان
الحقوق القوميـة.. ورجالات كنائسـنا..!!

28 / 06 / 2005
http://nala4u.com

إن إبـداء الرأي في مجمل الأمور والتطورات المسـتجدة ضرورة وواجب وطني وقومي على حـد سـواء، خاصـة إذا ما كانت تلـك الأمـور متعلقـة بصورة مباشـرة بمصير شـعب بكاملـه، شـريطة أن تحافظ على الاحـترام المتبادل وتصون حق كل فـرد أو جمـاعة أو أصحاب توجّـه فـي حريـة الاختيـار ضمن الأطـر الديمقراطيـة والعادلـة والمسـاواة، بعيـداً عن الضغوطات والانفعـالات كـي نسـتطيع القول بأننـا شـعب حـر ديمقراطي متحضّر، صـاحب حضارة عريقـة وتاريـخ حافـل بالانجـازات التي لا زالـت المدنيـة تسـتعملهـا حتى يومنـا هـذا من أجل خـدمة البشـرية ورقيهـا، وبالتـالـي قـادر علـى اسـتمراريـة المحافظـة على مقومـات وجـوده كشـعب متجـذر في هـذا الشـرق منـذ آلاف السـنين، وكقوميـة آشـوريـة، حمل رايـة الدفاع عنهـا في كل ظـرف ومكـان وذلـك بالرغم من كل الصعاب التي تم مواجهتـا ضمن الإمكانيـات المتواضعـة، فتمكن شـعبنـا الآشـوري بجـدارة من المحافظـة على إرثـه الحضاري وهويتـه القوميـة ولغتـه السـامية في زمـن انقرضت شـعوب بأكملهـا وقامت على أنقاضهـا شـعوب أخـرى.!! ومعظم تلـك المعانـاة لم يكـن مصـدرهـا العـدو الخارجـي وإنمـا كانت محاولات دنيـئـة وبأدوات من الداخـل.

أمـا اليـوم، وبعـد كل هـذه التطورات والمسـتجدات على السـاحـة العالميـة عمومـا والشـرق ـ أوسـطية خصوصـا والعـراق تحـديـداً، وفيمـا كان ينتظـر شـعبنـا الآشـوري بفـارغ الصـبر، قطف ثمـار عطاءات وتضحيات أبنـائـه الأبـرار علـى مر عشـرات السـنين الأخـيرة، وذلـك أسـوة بباقـي مكونـات الشـعب العراقـي الشـقيق، انـبرت أصـوات مـن هنـا وأخرى من هنـاك، تنـادي بالإنعـزال والتقوقـع والتقسـيم ووصلت في الكثير من الأحيـان إلـى حـد تشـويـه التـاريخ وتـزويـره تحت حجج وذرائـع باتت اليوم أكـثر من أي وقت مضى، جليـة وواضحـة المرامي والأهـداف.

فمـا هـو حاصل اليـوم من هجمـة منسـقـة ومنظمـة من قبـل البعض علـى النيـل من تـاريخنـا وهويتنـا ولغتنـا… ليـس بريئـاً كمـا يحـاول البعض تفسـيره أو التسـتر خلفـه، وإذا ما بقيـنا أو بقيـت تنظيمـاتنـا السـياسـية تحلل وتسـتنتج هـذه المعطيـات أو الأفعـال بأنهـا بريئـة، فتلـك جريمـة أخـرى بحـق شـعبـنا ككل.

واسـتطراداً إلـى الحدثـين (بفتح الدال) الحديـثين (بكسر الدال) وليـس الأخـيرين.!! نـرى وبكـل وضـوح النوايـا المبيـتة لـدى بعض الجهـات الرسـمية من رجـالات كنائـسنـا الأجـلاء، والتي تنصب مباشـرة في خانـة حرمـان شـعبنـا الآشـوري من قطف ثمـار عطـاءات وتضحيات أبـنائـه. فـي وقت كنـا ننتظر الطعـنات من الأمـام بينمـا أتتنـا من الخلف.. إنهـا الحقيقـة وإنـه الواقـع الأليم الـذي يعيشـه كـل واحـدٍ منـا، في وقت كنـا جميعـا بحاجـة ماسـة غلى التكاتف والتآزر والتعاضد، لنشـكل قـوة متراصـة نتمكن من خلالها يـدا واحـدة وقلبـاً واحـداً، من تحقيق طموحات وتطلعات شـعبنا في أرض الآباء والأجـداد.

لكــن، ما ورد فـي رسـائـل غبطـة بطريركنـا مـار عمـانوئيل الثالث دلـّي من مطالبـة واضحـة وصريحـة بإدراج “القوميـة الكلـدانيـة” كثالث قوميـة بعـد العـرب والأكـراد فـي العـراق، وما لهـذه المطالبـة من معانٍ على الصعيدين الوطني والقومي. حيث أن هـذه الرسـائـل موجهـة بالـدرجـة الأولـى لكل اللـذين شـاركـوا وسـاهمـوا وعملـوا عـلى إنجـاح ما سُـمّي وقتـتئـذٍ بـ: [المؤتمـر الكلدانـي الآشـوري السـريـاني] فـي بغـداد منـذ أكـثر من عـام والـذي اعتمـد التسـمية “الكلدوآشورية” واللغـة “السـريانيـة”، وباتت هـذه الرسـائل وكأنهـا المسـمار الأخـير فـي نعـش المـؤتمر المـذكور، وقطـع الطريق أمـام رجال الفكـر والقلـم من فتح قنوات إعـادة مـد الجسـور من جـديد. أضف إلـى كـل ذلـك، ما ورد فـي محاضرة غبطـة بطريركنـا مـار زكـا عيواص، مـن أن “جميـع السـريـان عـرب.!!”.

فمن خلال هـذه الرسـائل والمحاضرات لآبائنـا الأجـلاء، نأسـف أن نقـول، بأن المسـقبل القـادم، لا يبشـر بالخـير إلا إذا مـا بزغ فجـر جـديد لجيـل واع مثقف جـديد، قـادر علـى كشـف الحقيقـة مهمـا كانت صعبـة وقاسـية.

فـأمـام كـل هـذه التحـديـات ومـا سـيتبعهـا لاحقـاً، يجب علـى كل المعنيين بالشـأن الآشـوري القـومـي العـام، أن يتحركـوا دون خجـل أو تـردد مـن أجـل اتخـاذ المواقف الشـجاعـة التي تصب فـي مصلحـة شـعبنـا ككـل، وأن لا يعتقـد أو حتى يفكـر هـؤلاء (السـادة المعنيـون بشـأننا) بأن أي تحرك مـن هـذا النوع سـيكون موجهـاً ضـد هـذا الطرف أو ذاك بقـدر مـا هـو فعـل إيمـان قـوي مـن أجل إحقاق الحق والوقوف جنبـاً واحـداً أمـام كل هـذه الاسـتحقاقات القادمـة وبالتـالـي تكملـة للمسـيرة المقدسـة التي راح ضحيتهـا مئـات الآلاف مـن الشـهداء على مـذابح الحريـة والكرامـة والعنفوان.

إذ بات واضحـاً للجميـع، بـأن ما كنـا نسـمعـه ونقـرؤه من توجهـات انفصـالية من قبل البعض، لم يكن على الصعيـد الفردي، خاصـة بعـد ما صـدر عن أرفـع الجهـات لـدى الكنيسـتين الكريمتـين، مـن دون أن يلقـى أيـة ردود رافضـة علـى الصعيـد الرسـمي من إخوتنـا بالـدم والـروح أبنـاء هـاتين الكنيسـتين.

فـالرؤيـة المسـتقبليـة (وللأسـف) تأخـذ منحىً خطـراً جـداً، وعلـى كل المسـؤولـين والمهتمـين بالشـأن الآشـوري العـام، أن يتحركـوا ضمـن الإمكانيـات المتـاحـة لهـم بكـل مسـؤوليـة وثقـة مـن أجـل إيضـاح الصورة تمامـا كمـا هـي وليـس كمـا يتمنـاهـا هـؤلاء (أي كمـا كـان جـاريـاً حتى الأمـس القريب). فالتهـرب من حمـل المسـؤوليـات أو إلقـاء اللـوم علـى هـذا الفريق أو ذاك، لـن يخـدم المصلحـة القوميـة لشـعبنـا الآشـوري، والحـل الوحيـد علـى مـا يبـدو، هـو بالتفـاف كـل المؤمنـين بالتسـمية التـاريخيـة الواحـدة لشـعبنـا، ورمـي الخلافـات الصغيرة جانبـاً وتحريك الملف على كل الصعـد.

لا تخـافـوا، إن إسـمكم هـو ملـك لكـم، ومـا من قـوة علـى الأرض تسـتطيع سـلبه منكـم، إلا إذا أنتم تنـازلتم عن هويتكـم وتاريخكـم ولغتكـم وأصالتكـم. فليـس بالضرورة أن تكـون هكـذا مطالب موجهـة ضدنـا أو سـتقف حجـرة عثرة أمـام نيـل حقوقنـا. لا بل، قـد تكـون عامل قـوة ودفـع من خلال إيجـاد قواسـم مشـتركـة فيمـا بيـننا حتى لـو لم يأتـي أوانهـا. فـدعوا إخـوة الأمـس يختـارون طريقهـم بأنفسـهم، ومـا من أحـد قـادر علـى فرض وصـايتـه أو رأيـه أو فكـره على الآخـر طامـا الأمـور بدت بهذا الشـكل. فـالـكل راشـد وواع بمـا فيـه الكفايـة والقـدرة على المطالبـة بحق تقرير مصيره وحريـة اختيـار انتمـائـه الوطني والقومـي تمـامـاً كمـا حصل منـذ مئـات السـنين في حريـة اختيـار المذهب أو حتى الـدين.

إن نيـل الحقـوق المشـروعـة، لا يـأتـي بالمسـايرة تـارة وطـأطـأة الرأس تـارة أخـرى. إن المطالبـة بحقوقنـا واجب مقدس على كل واحـد منـا، فمن غير الجائز والمنطق أن نسـمع أصوات من داخـل البيت الآشـوري وفي هـذا الظرف بالـذات، تتكلـم عن مبـدأ الأقليـة والأكـثرية (وكلامنا واضح لمتتبعي التطورات)، لأن القضيـة هـي قضيـة مبـدأ، وليـست من أجل تحقيق مكاسـب هنـا أو حصص هنـاك، وأمـا إذا كان البعض يتسـتر خلف هـذه الشـعارات، من أجل توسـيع الهـوة بين أبنـاء الشـعب الواحـد، فبإمكانـه تغيير أكـثر من هويتـه ليكون قـادراً علـى نيل أكبر عـدد من الحصص والمنافـع الشـخصيـة.!!.

إن تـاريخ الشـعوب أيهـا السـادة الأفـاضـل، ليـس ملـك لهـذه الزعامات أو تلـك، وإنمـا ملـك لشـعوبهـا التي لم تبخـل يومـا فـي الـذود عن حقوقهـا. والتـاريخ الآشـوري ملـك لأبـنائـه الأحـرار، ولا يحق لأحـد بعـد كل هـذه المسـتجدات والتطـورات أن يتفـرد فـي أخـذ القرارات المصيريـة دون العـودة إلـى باقـي المؤسـسـات السـياسـية والثقافيـة والإجتماعيـة والنخب المثقفـة.

غسـان يـونان

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.