بقلم غسان يونان
لغـة التخـاطب الخـشــبـيـة..؟
28 / 06/ 2005
http://nala4u.com
إن لغـة التخاطب الخشـبية الـتي يتـداولهـا البعض، إن كـان من خلال الكتابات أو إصدار البيـانات التي تتعرض لتشـويه وتزوير التـاريخ الآشـوري من لغـة وهـويـة وتراث عريـق إلـى الإنسـان بقيمـه ومبادئـه وأخلاقـه. إلا هجمـة منظمـة وموجهـة من قبل البعض للنيـل من الشـعب ككل بحضارتـه العريقـة ليُصـار بالتـالي إلى تفتيت البنيـان وتقسـيمه المقسـّم فيـه إلى أصغر من دويلات مذهبيـة طائفيـة عشـائريـة.
لكــن هـذا التاريـخ العظيـم، لم ولـن يكن في يوم من الأيـام حكـراً على فئـة دون أخرى، بقـدر مـا هـو مُلـك لجميـع أبنـائه وبكل انتماءاتـهم وتوجهـاتهم التي ضربت الرقم القياسـي من حيث العـدد!!.
إن الهجمـة المركـزة على تاريخنا وهويتنا وحضارتنا ولغتـنا لم تكن وليـدة الصدفـة بقـدر ما هي نتـاج عمل دؤوب ومنسـق من قبل البعض، فتاريخ معظـم دعـاة الانفصـال والتقسـيم والانتقـال من موقع إلى آخـر حسـب المصالـح الشـخصيـة، معروف وواضح للجميع.
فيَوم كان شـعبنا (بكافـة مؤسـسـاته السـياسـيـة) يقاوم ويدافع من جيـل إلـى جيـل ومن منطقـة إلـى أخرى للحفاظ على مقومـات وجـوده، كان هـذا البعض مرتميـاً في أحضان العرب والعروبـة، لا يعرف أو يتعرف حتى على انتمـائـه المذهبي. وفجـأة، وبسـحر سـاحر، انطلق من خلال كتاباته وبيـاناتـه يعمـل ليـس من أجل تغـذيـة الشـعور والحـس الوطني والقـومـي وإنمـا من أجل زرع بـذور الفـرقـة والإنقسـام. وبـدل أن تتسـارع الجهـات أو المرجعيـات المعنيـة بالشـأن القومي إلـى حلحلـة العقـد، بات البعض منها يفتخـر بتغذيتهـا وإرشـادها وتوجيهها.
صحيح أن المرحلـة صعبـة وقاسـية، والسـبب عائـد إلى كونهـا من ضمن البيت الواحـد، لكـن هذه المحاولات اليائسـة، سـوف تتحطم دون أدنى شـك، في أول مواجهـة أو تجربـة مع محرّكيهـا ومموليهـا.
“إن هكذا توجهـات أو دعـوات انفصاليـة، لن تخـدم أي طرف أو جمـاعة أو تنظيم، وإنمـا سـتضر حتى بمـا ينادي بهـا هـؤلاء. فلكل فئـة أو جمـاعة أو فرد، حريـة التعبير في الرأي والفكر والمعتقـد، وأمـا أن يُفسّـر أو يعتقـد هـذا البعض بهذه النظريـة أو تلـك حسـب مزاجـه الشـخصي أو نتيجـة للتـأثـيرات المحيطـة بـه، فتلـك مأسـاة بحق الشـعب ككل وتجنىٍ على التاريخ بكل مـراحلـه.
إن نضـال أجـدادنـا على مر التاريـخ ، لم يمـر في أيـة مرحلـة مشـابهة للتي نحن فيهـا اليـوم، حيث كان الاسـتبسـال في الدفـاع عن حقوقـهم ووجودهـم في كل مراحـل تاريخـهم دون تـردد أو تـذمـر. ولم تـكن يومـاً تلـك المطـالب فئـويـة مذهبيـة وإنمـا وطنيـة قوميـة.
وللأسـف نقـول، بـأنه وخلال كل تلـك المراحـل العصيبـة التي دُفـع ثمنهـا دمـاً ودمـوعـاً ودمـاراً لا نـزال نعـاني تبعـاتـه حتى اليـوم، لم يُسـمع صوت واحـد من هـؤلاء الدعـاة، يسـاهم بمـا تيسـّر له من إمكانيـات إيجـابيـة أو حتى معارَضة مطالب آبائنـا وأجـدادنـا الشـرعية تحت التسـمية القـوميـة الآشـورية. والنضـال الذي يمثلـه شـعبنا اليوم في مواطنه عمومـاً وأرض الوطن (العراق) بشـكل خصوصـاً، يأتـي مكمـلا ومتممـا لتلـك المسـيرة المقـدسـة، حيث المطالب ذاتـها والتسـميـة القوميـة نفسـها رغـم كل محـاولات التتريك والتعريب والتكـريد. والسـؤال الـذي يطـرح نفسـه هو، لمـاذا يحاول البعض اليـوم، التهجـم أو التجني من أجل عرقلـة المسـيرة الوطنيـة والقوميـة التي حافظنـا عليـها كـأمـانـة ونحـاول اليـوم إيصـالهـا تمـامـاً كمـا هي لأجيالنـا من بعـدنا وذلـك إجـلالاً وإكبـاراً لشـهدائنـا الأبـرار، الـذين يعـود لهم الحق دون سـواهم في كتـابة التـاريخ، والتـاريخ مُـلك للشـعب بأكملـه وليـس مُـلك للأشـخاص”؟!.
وفـي هذه اللحظـة بالـذات، تراودني كتـابات وآراء بعض (فقهـاء) الثقـافـة والتـاريخ والجغرافيـا وحتى الديموغرافيـا، تصوير الأمـور بهـذه الخفـة والبسـاطة من خلالها التركيز على عوامل مذهبية فئويـة، كأن يُقـال بأن الأكثريـة المسـيحية في الوطن تنتمي لهذه الكنيسـة، وعليـه، فعلى باقي الفئـات الرضوخ لذلك وتغيير التاريخ والهويـة و..و.!! ويذهب فريق آخر إلى حد القول، بأن لا علاقـة تاريخيـة ولا رابط بين مكونات شـعبنا.!! و أحيانـاً أخـرى، بـأن الآشـوري الثـائر الـذي التجـأ إلـى دول الجـوار لا يحق لـه التـدخـل في شـؤون الوطـن..!! إلى ما هنالك من دعوات متنـاقضـة ومخـالفـة للتـاريخ والواقـع والمنطق. بينمـا بـاقـي القوميـات تعمـل جـاهدة من أجل لـملمـة شـتاتها.
وهنا يتوجب عليـنا أن نقـول الحقيقـة ونعيشـها ونتصـارح مع ذواتنـا وبالتـالـي مع الأطراف الأخرى، وهذا ما يجب أن يقوم بـه كل فرد منـا، إذا كنا فعـلاً نطمـح إلى تحقيق الحد الأدنى من تطلعات شـعبنا. فالحقيقـة يجب أن تقـال كما هي، لا أن نتسـتر خلف شـعارات براقـة، من أجل تمرير مشـاريع أكبر بكثير مـن حجمنـا، والتي قـد توصلنـا ـ لا سـمح الله ـ إلى الهاويـة، وسـاعتئـذٍ، يكون قـد فات الأوان وضاعت الفرصة التاريخية التي نعيشـها. وبمعنى آخـر، أن نصارح بعضنا البعض، لا أن نسـاير بعضنا البعض على حسـاب الشـعب.
إن الانتمـاء القومـي أيها السـادة، لن يأتي فرضـاً على هذه الفئـة أو تلـك، بقـدر ما هو شـعور داخلـي يسـتحيل محـوه أو تغـييره بمقال من هنا أو بيـان آخـر من هناك. وهـذا لا يعني إطلاقـاً، تهجمـا على أيـة جهـة أو طائفـة كما سـيحاول البعض تفسـير كلامنا هذا من أجل كسـب عاطفي وضمن دائرة معيـنة.
وأمـا أن نرى الأمـور بالمنظار الـذي نصنعـه نحن لأنفسـنا كي نرى الأشـياء من حولنـا كما نتمنى رؤيتهـا، فتلك مصيبـة ليس على مسـتوى هؤلاء (الكتـّاب!) بقـدر ما هي جريمـة بحق شـعب بكـاملـه.
لقـد تمكن أجـدادنـا من الدفاع عن وجودهم واسـتمرارية بقائهم بالرغم مـن كل المراحل التاريخية القاسـية التي عانوا منهـا. وإيمانـنا قوي بقـدرة أحفاد هؤلاء الجبابرة من التغلب مجـدداً على تلك المحاولات المسـتحدثـة ضمن البيت الواحـد. وأمـا القـدرة على التغلب، فتأتـي من خلال التوعيـة الوطنية والقوميـة، والجلوس حول طاولـة مسـتديرة يتفق الكل على تقديم الأفضل لأبنـاء شـعبنا في مواطنـه وعدم إفسـاح المجال أمام التدخلات الخارجيـة السـلبيـة بكل أشـكالهـا. لا بـل، تـرك البـاب مفتوحـاً للغـة المنطق البنـاء والاحـترام المتبـادل إن كـان في كتـابـاتنـا أو لقـاءاتنـا أو أي نشـاط نقـوم بـه، عنـدئـذٍ، سـنكون قادريـن علـى إيجـاد القواسـم المشـتركة لنلتـف حولهـا ونعمـل من أجل تحقيقهـا، كونهـا الحجـر الأسـاس في إعـادة ترميم الهـوة بين أبـناء الشـعب الواحـد.
إن المقـالات أو البيـانات الإسـتفزازيـة التي تصـدر من هنـا أو هنـاك، “أو حتى الردود التي سـتأتي علـى رؤيـتنـا هذه” سـتؤدي في النهايـة إلـى زعزعـة الثقـة وعرقلـة المسـيرة المقـدسـة التي آمن بهـا شـعبـنا بكل انتماءاتـه وتوجهـاتـه.
فمثـلاً، عنـدمـا يفتح المجـال في حريـة التعبـير عن الرأي والرأي الآخـر من خلال المواقـع الحزبيـة أو الثقافيـة أو الاجتماعيـة أو حتى الخاصـة، لا يعني بأي شـكل من الأشـكال أن يحاول البعض صب جام غضبـه على هذه المجموعـة أو تلـك بمجرد الاختـلاف في الرأي أو وجهـة النظـر على الصعيـدين الوطنـي والقومـي. وإلا فلا معنى لتلـك الحريـة الممنوحـة لهؤلاء الكتـاب أو غيرهم. لا بل، يجب على المشـرفين أو القيـّمين علـى هذه المواقـع العمـل قـدر الإمكـان علـى وضع ضوابـط أو خطوط حمـراء، لا يُسـمح لأي كـان بتجاوزهـا، تكون تلك الخطوط بمثابـة قواسـم مشـتركـة تتبـناهـا الأغلبيـة العظمـى مـن مؤسـسـات شـعبـنا، ولو على الصعيـد الإعـلامي بـدايـة، لتكون بمثابـة الدرع الحصين لمقومـات وجودنـا وبالتـالي إفسـاح المجـال أمـام المخلصين الشـرفـاء والغيـارى على المصلحـة الوطنيـة والقوميـة لشـعبـنا.
غسان يونان