الـوجــود الآشــوري وتحديــات المرحــلة (4)

بقلم سامي هاويل
الـوجــود الآشــوري وتحديــات المرحــلة (4)

03 / 03 / 2012
http://nala4u.com

لــم تعــاني أمــة علــى وجـــه المعمــورة عبــر الـتــاريـخ ويلات كتلك التي مرت بها الأمــة الآشـوريـة منــذ سقــوط كيــانهــا السياســي والسـلطـوي فــي نينــوى 612 ق م وبــابل 539 ق م. فبسبب الفــرق الشــاسـع في كافــة مجالات الحيــاة بينهــا وبيـن الشعــوب المجــاورة والذي يشهد له اليوم جميع المستشرقين وعلماء الآثار والتاريخ, تعرضــت حضارتهــا الى تشويه وتدميــر شامل من قبل الغزوات المتتالية,في الوقت الذي سرقت الكثير من تلك الحضارة لتدونها أمم أخرى من جديد كموروث لها. هذه الحملات الدموية على مر العصور ولأكثر من 2000 عام قطّعت هذه الأمة الى اوصال وجعلتها تعيش على شكل مجتمعات منقطعة عن بعضها البعض لفترات طويلة كما كان عليه الحال أيام حرب الخمسة قرون متتالية بين الأمبراطورية الرومانية والفارسية والتي لطالما كانت حدة سخونتها وشدتها تقع على الموطن الأصلي للآشوريين لتقسمها الى شطرين احدهما أصبح تحت حكم الرومان والآخر بقي تحت سيطرة الفرس, وقد حال الأنقطاع الطويل بين المجتمعين وتأثير المحتلين الى وضع فواصل بحكم طبيعة ثقافة المتسلط عليهم ليؤثر على عاداتهم وتقاليدهم لا بل فاق ذلك لتظهر لنا لهجتين وحرفين غربي وشرقي, كما لعبت الأنشقاقات الكنسية دورا سلبيا هي الأخرى فزادت حدة القطيعة بين ابرشيات الكنائس المختلفة لتمزق النسيج القومي وتبعثر الفكر النير الرامي الى توحيد الأمة الآشورية وحمايتها من الضياع والأنصهار في الأمم المجاورة. ومن الجدير ذكره هو الدور البارز الذي لعبته الكنيسة الغربية المدعومة بالبروبوكاندا الفرنسية في اشعال فتيلة الصراعات بين طوائف أمتنا الآشورية محاولة بذلك غزو كنيسة المشرق الرسولية وأضطهاد كل من لا يتبع لروما, وهذا جلي من خلال الضغط الذي مارسته فرنسا على الدولة العثمانية الملقبة (بالرجل العجوز حينها) في سبيل نشر مفاهيم المسيحية الغربية والضغط على كل من لا يتبعها من أبناء كنيسة المشرق, وما الحملات الدموية للمجرم بدرخان بك بأيعاز من الدولة العثمانية عام 1843-1848 على منطقة هكاري لأرضاء البروبوكاندا الفرنسية الا دليل صارخ على تسييس الغرب للمسيحية من أجل موطىء قدم في المنطقة. هذه المآسي والكثير غيرها لا مجال لذكرها في هذه المقالة أرغمت أبناء الأمة الآشورية الى الهجرة والتنقل من منطقة لأخرى مجاورة داخل موطنهم الأصلي أملا في أنهاء معاناتهم الطويلة والخلاص من الهجمات الشرسة التي كانت تلحق بهم والتي تقشعر الأبدان لدى سماعها.
وفي تاريخنا المعاصر وتحديدا منذ بداية القرن المنصرم, ومن خلال تجربة الآشوريين الطويلة والمريرة مع جيرانهم من الأكراد والأتراك والعرب والفرس خاصة بعد مذابح آشوريي الجبال أبان الحرب العالمية الآولى تلتها مذبحة سميل في العراق عام 1933 والصمت المطبق للغرب عليها بدأ نزيف الهجرة الى البلدان الغربية ( اوروبا وأميركا وكندا وأستراليا) أملا في وضع حد لويلاتهم التي أستمرت لأكثر من الفي سنة ضاع خلالها الملايين من أبناء الأمة الآشورية حيث سقط غالبيتهم شهداء والآخرون تم تعريبهم وتكريدهم وتتريكهم أبتداء بحملات المغول وبعدها الغزوات الأسلامية لمناطقهم التاريخية, وقد أستقر الآشوريين على شكل جاليات قريبين من بعضهم البعض في البلدان الغربية المختلفة ليكونوا شريحة مهمة ضمن شعوب هذه الأوطان وتفاعلوا مع شعوبها ليكونوا جزآ من نسيجها الوطني. وما أن ادركوا خطورة هذه المجتمعات الجديدة على هويتنا وخصوصيتنا القومية حتى باشروا في بناء مؤسساتهم القومية المختلفة التي لعبت دورا كبيرا في نشر الوعي القومي لحماية أجيالهم القادمة من الأنصهار والضياع بالرغم من طبيعة الحياة اليومية ومشاغل الحياة الشخصية للفرد الآشوري في هذه البلدان. اليوم وفي خضم الظروف الصعبة التي يمر بها أبناء الأمة الآشورية في الوطن وخطورة المرحلة التي تعصف بالقضية الآشورية ولكون مسؤولية حمايتها تقع على عاتق جميع ابنائها فمن الواجب عليهم العمل لصيانتها من الضياع في ظل تلاطم أمواج الصراعات الساخنة نتيجة السياسات الشوفينية والنزاعات الأقليمية والدولية التي تهيمن على المنطقة. ففي الوقت الذي أرغمت فعالياتنا السياسية في الوطن للرضوخ للواقع المزري وقبوله فمن غير المبرر ان يكون ذلك سببا في خمول المهجر الآشوري في هذه المرحلة التي نحن فيها الأحوج لأستغلال وتسخير كل امكاناتنا وطاقاتنا من أجل الضغط على صانعي القرار ومسوقيه الى الوطن من خلال التحرك على جميع المحافل الدولية وحكومات الدول الغربية مطالبين بحقوقنا المسلوبة والتي تقرها الأمم المتحدة بالأخص تلك التي تنص على حقوق الشعوب الأصيلة, ولكن بالرغم من المساحات الواسعة التي تتيحها لنا الحرية في البلدان الغربية فلم نشهد أي خطوة جديرة بهذا الأتجاه الا القليل جدا على مستوى مؤسسات أو أفراد, فلم تكن بالشكل الذي يلفت النظر ويؤثر على مراكز القرار, والأنكى من ذلك فأننا نتلمس اليوم من الشارع الآشوري في المهجر قبولهم بنظرية واقع الحال التي سوقها سياسيينا من الوطن الى المهجر. لمن الغريب أن نستسلم لواقع مرير يهدد كياننا كأمة ونحن في المهجر بعيدين عنه نعيش واقعا يختلف عنه تماما وظروف مؤهلة لتفعيل القضية الآشورية وتوحيد الجهد في الأطار القومي بعد أن أثبتت القوى العراقية بكافة تلاوينها فشلها في التعامل المنصف والعادل مع القضية الآشورية, ولا أعتقد أنها ستفعل ذلك اليوم ولا على الأقل في المستقبل المنظور فكل معطيات الثمانية سنوات الأخيرة تشير الى ذلك. أن عملية الخضوع الى واقع بعيد عن المهجر بآلاف الأميال تكمن في شحة الوعي القومي وقلة الدراية بماضينا ومراحله المختلفة وقرائتها بشكل صحيح لتوظيفها لمصلحة حاضرنا ومستقبل أجيالنا. أن الأدراك المتكامل للقضية القومية الآشورية والألمام بمفرداتها وتاريخها الطويل ومراحله المختلفة يولد الأيمان, وهذا الأيمان المطلق بالقضية الآشورية يبعث الأمل والثقة بالنفس في الفرد الآشوري, هذه العوامل مجتمعة يضاف اليها قراءة صحيحة للواقع ومعطياته ومعرفة تامة بالأمكانيات الذاتية المتاحة للأمة الآشورية والعمل على ايجاد الأصدقاء الحقيقيين للقضية الآشورية أقليميا وعالميا, كل هذه العوامل ستحدد المسار الصحيح للعمل القومي الآشوري ليكون أنطلاقة جديدة ذات مميزات وخصوصية تتلاقى مع المصلحة القومية العليا. لقد آن الأوان لتوحيد جهود كافة النشطاء والمهتمين لتوحيد الخطاب الآشوري القومي والسياسي وفق الأسس والمعايير القومية الصائبة والعمل على وضع حد للتجاوز الحاصل على الآشورية باعتبارها هوية شاملة, وردع محاولات أجهاض مسيرتها سياسيا وتشويهها وأضفاء الصفة الطائفية عليها. وبلا ادنى شك فان العمل القومي المبني على هذه الأسس سيكون قادرا على السير قدما وسيواجه كافة المعضلات موجدا لها حلول عقلانية تنصب في خدمة القضية الآشورية العادلة ومسيرتها النضالية.

ســامي هــاويل
سـدني / أســترالــيا

للمزيد; انقر على الروابط ادناه

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.