بقلم د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
الرأي القانوني في إقالة محافظ نينوى
24/ 03 / 2019
http://nala4u.com
إبتداءً يقتضي القول إن إقتراح رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بإقالة محافظ نينوى نوفل العاكوب لا علاقة له بمأساة (حادث العبّارة) التي وقعت يوم ٢١/٣/٢٠١٩، فكتاب اقتراح مجلس الوزراء المرقم م. ر. و./د 6/3/4069المؤرخ في ٢٣/٣/٢٠١٩ يتضمن إتهام المحافظ المذكور بالتسبب بهدر المال العام والاستغلال الوظيفي، ولو كان قرار إحالته للإقالة قد تم وفقا لتهمة (الإهمال أو التقصير المتعمدين في أداء الواجب والمسؤولية.)، لكان الأمر يبدو رداً على تقصيره في الحفاظ على أرواح ضحايا الحادث. ومن هنا يبدو الضعف القانوني لدى رئيس الوزراء وطاقم مكتبه ومستشاريه القانونيين. علما إن التهمة المشار اليها بكتاب مجلس الوزراء أعلاه، تضع رئيس الوزراء نفسه تحت طائلة الإتهام في التستر على تصرفات المحافظ طيلة هذه الفترة، لا سيما وإنه سبق وان أثيرت حول المحافظ ضجة إهانته ومحاولة ضربه لأحد المعلمين، وقضايا أخرى كثيرة تمت تسويتها والتستر عليها، كما أثيرت حوله شبهات فساد كثيرة، وقد تم استدعائه إلى مكتب رئيس الوزراء نفسه الذي قابله بتاريخ ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٨، والتقى في اليوم ذاته بأعضاء مجلس المحافظة وبضمنهم المحافظ ذاته. كما سبق لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إن إلتقاه أيضا في تموز 2018، ويبدو أن هذه اللقاءات ليست للمحاسبة الإدارية والتحقق من الأداء الوظيفي الأمثل، بل للمجاملة أو لأغراض أخرى.
ورغم تصريحات العديد من النواب وخاصة نواب محافظة نينوى، إلا إن رئيس الوزراء ظل متمسكا به حتى وقوع الكارثة ليتهمه ليس بحادثة العبارة كما أشارت وسائل الإعلام، نظرا لتزامنها مع الحادث، وإنما بالفساد الإداري والمالي، وهنا يضع رئيس الوزراء نفسه شريكا له في الجريمة ذاتها. كما أن إجراءات سحب يد المحافظ المذكور، أو تقليص صلاحياته قد طرحت قبل حادث العبارة بأربعة أيام، ولكن دون جدوى.
إن إقالة أي محافظ في العراق تستند إلى نصوص قانون المحافظات رقم 21 لسنة 2008، والأصل أن يُقال المحافظ من ثلثي أعضاء مجلس المحافظة، وهذا ما نصت عليه المادة 7 / ثامنا /1 على ما يلي:
ثامناً:
1ــ استجواب المحافظ أو أحد نائبيه بناءا على طلب ثلث أعضائه وعند عدم قناعة الأغلبية البسيطة بأجوبة المستجوب يعرض للتصويت على الإقالة في جلسة ثانية ويعتبر مقالا بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس ويكون طلب الإقالة أو التوصية بها مستندا على أحد الأسباب الحصرية الآتية:
أ ـ عدم النزاهة أو استغلال المنصب الوظيفي.
ب ـ التسبب في هدر المال العام.
ج ـ فقدان أحد شروط العضوية.
د ـ الإهمال أو التقصير المتعمدين في أداء الواجب والمسؤولية.
وقد سعى المجلس أكثر من مرة لذلك، ولكن المحاصصة الحزبية والصراعات الطائفية حالت دون ذلك.
كما تنص المادة 7 الفقرة ثامنا / البند 2 على جواز أن تكون الإقالة بقرار من مجلس النواب، حيث نصت الفقرة المذكورة على ما يلي: ” لمجلس النواب إقالة المحافظ بالأغلبية المطلقة بناءاً على اقتراح رئيس الوزراء لنفس الأسباب المذكورة أعلاه.”
كما يجوز للمحافظ المذكور أن يقدم إستقالته من منصبه، وهذه تختلف عن الإقالة.
وهكذا نرى أن كل هذه التهم لا علاقة لها بمأساة نهر دجلة التي تسببت بغرق 187 شخصاً حسب بعض التقديرات.
أما ما يتطلبه قرار مجلس النواب لإقالة المحافظ المذكور فهو شرط تحقق الأغلبية المطلقة أي النصف + 1، وذلك يعني تصويت 165 عضوا من مجموع 329 نائب لإقالته. وهذا يخضع لمساومات الكتل السياسية الكبيرة والأحزاب السياسية الفاسدة، وفقا لموقفها من فساد المحافظ، واعتمادا على التعليمات الخارجية التي تفرض عليها من الدول ذات النفوذ السياسي في العراق وفِي مقدمتها إيران وتركيا وحتى الولايات المتحدة.
يضاف إلى كل هذا وذاك، إقتناص هذه الأحزاب الفاسدة للفرصة، والاصطياد في الماء العكر لترشيح أحد اتباعها، وطبعا هذا يخضع لسوق المزايدات المالية وليس الولاء الوطني قطعا، وقد صرّح النائب عبد الرحيم الشمري عن إن سعر منصب محافظ نينوى قد وصل في سوق المزايدات السياسية إلى 10 مليون دولار أمريكي. أن هذا يذكرنا ببيع منصب والي بغداد وبقية المناصب الأخرى أيام الدولة العثمانية قبل أكثر من قرن حيث كان يمنح لمن يدفع أكثر للخليفة العثماني، ومن البديهي أن يبدأ هذا الوالي عهده بالسرقة والرشوة وإبتزاز المواطنين وفِي مقدمتهم التجار، وهكذا. أما اليوم، فأن هذا المبلغ يذهب إلى إيران مباشرة لأنها تبحث عن أي مورد مالي للتخفيف من أثار العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها، ونظرًا لنفوذها الطاغي بعد تحرير الموصل من داعش عام 2017، وسيطرة الميليشيات الموالية لها على المحافظة، كما إن المكاتب الاقتصادية للأحزاب السياسية، وهي مكاتب متخصصة في إستحصال الأموال باي طريقة أو وسيلة سواء أكانت قانونية أو غير قانونية لغرض تمويل أحزابها ودعم إيران اقتصاديا، حتى لو أقتضى الأمر خطف المواطنين ومطالبة ذويهم بفدية كبيرة، حيث اصبح المواطن مجرد سلعة يمكن بيعها والمتاجرة بها، وهذا ما كانت تقوم هذه الأحزاب نفسها قبل أن تستلم السلطة، ويمكن في هذا المجال إستذكار حادثة إختطاف الصيادين القطرين في العراق ومطالبة قطر بفدية بلغت ٨٠٠ مليون دولار. وهذه التصرفات غير المشروعة هي ما زادت من معاناة المواطن في هذه المحافظة أضعافا مضاعفة، لا بل أن كثير من العوائل المتحرك منها والتي عادت إليها قبل سنة، اضطرت للمغادرة مرة أخرى نحو كردستان العراق، حيث الأمان.
واليوم يخضع موقف محافظ نينوى لعدة احتمالات منها:
1. استقالة المحافظ ذاته.
2. إقالة المحافظ بقرار من ثلثي أعضاء مجلس المحافظة.
3. إقالة المحافظ بقرار من الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان، وقد طرح الموضوع على جدول أعمال المجلس لهذا اليوم.
4. هروب المحافظ، وهو أسلوب تمارسه الكتل السياسية بدفع من إيران، لتلافي فتح ملفات الفساد التي يكون الكثير منهم شركاء فيها، ولغرض عدم الإشارة لأسلوب منح المنصب أصلا بالرشوة أو المحاصصة، وعادة ما تقام ضدهم تهم كيدية وأخرى صحيحة، يشارك في ذلك، القضاء العراقي الذي أصبحت العديد من قراراته مثار شبهة، ومما يطعن في نزاهتها، ويثار الشك حولها عند إلغائها لاحقا، وربما بعد سنوات طويلة، ومن ذات القضاء الذي اتهمه، كما حدث مع القاضي رحيم العكيلي، مع إختلاف الدعوى ضد كل منهم. وهذا الأسلوب قد طبق بحق الكثيرين مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي وخميس الخنجر وغيرهم الكثير، مع إمكانية إسقاط كل التهم ضدهم وإعادتهم عند الحاجة إليهم.
5. وهناك احتمال أخير، وهو أن يقدم المحافظ تنازلات جديدة لإيران، أو حتى أن يزور الولي الفقيه في إيران، ليصدر فتوى العفو عنه، ويرفقها بأوامره وتعليماته لأتباعه في العراق. كما حدث عن إتهام العديد من السياسيين وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب السابق سليم الجبوري عام 2015، عند إتهامه بالفساد من قبل وزير الدفاع آنذاك خالد العبيدي داخل مجلس النواب، فزار إيران وإلتقى المرشد الأعلى خامنئي وحصل على صك الغفران، وعاد للعراق، فنظر القضاء في قضيته وأصدر قراره بتبرئته في 17 دقيقة فقط.
وفي كل الأحول، فإن للمحافظ المقال أن يطعن بقرار الإقالة لدى محكمة القضاء الإداري خلال 15 يوماً من تاريخ تبلغه به، وتبت المحكمة بالطعن خلال 30 ثلاثين يوماً من تاريخ إستلامها الطعن، وعليه أن يقوم بتصريف أعمال المحافظة خلالها. وهذا ما نصّت عليه البند 5 من الفقرة ثامنا، من المادة 7 من قانون المحافظات المنافذ.
إن هذا هو الحال في العراق في الوقت الحاضر، للأسف الشديد، نتمنى زواله سريعا، وفِي ذات الوقت لا يسعني شخصياً إلا أن أقدم أصدق التعازي لأهالي ضحايا العبّارة تغمدهم الله برحمته، وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.
الدكتور رياض السندي
دكتوراه في القانون
في صبيحة 24 آذار 2019