قوانين الجنسية في العراق وهواجس التعديل المقترح

بقلمد. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
قوانين الجنسية في العراق وهواجس التعديل المقترح

16/ 03 / 2019
http://nala4u.com

– مقدمة
أثيرت في الآونة الأخيرة حملة من الإنتقادات شنَّها ناشطون عراقيون على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والصحف ردَّا على مقترح البرلماني العراقي لتعديل قانون الجنسية العراقي النافذ رقم 26 لعام 2006، والذي صيغ أصلاً لإضفاء الشرعية على الحكومات التي جاءت مع الاحتلال الأمريكي للعراق منذ 2003 وحتى الآن، لا سيَّما وأن معظمهم يحملون جنسيات أجنبية مزدوجة أو متعددة.
ولغرض تسليط الضوء على هذا المقترح، فإنه يقتضي بحث الموضع من الناحية القانونية.

– الأسس القانونية للجنسية
إبتداءً، تقوم الدولة على ثلاثة عناصر أساسية، هي: الإقليم، والشعب، والحكومة، ويضيف لها بعض الفقهاء القانونيون عنصراً أخر، وهو السيادة، بإعتبار أن لا قيمة لأي حكومة بدون سيادة، ولهذا يقال دولة ذات سيادة، واي إخلال بسيادة الدولة يجعلها دولة ناقصة السيادة، كما في حالة الدول الواقعة تحت الإستعمار أو الإنتداب في القرن الماضي والتي تحررت جميعها قبل نصف قرن. كما يجعل من تلك الحكومة ضعيفة وغير قادرة على إتخاذ قرارها بشكل مستقل بمعزل عن التأثيرات الداخلية والخارجية.
ويتم تحديد الشعب من خلال جنسية الدولة التي تبين أفراد شعبها الذين يخضعون لها ويتمتعون بالإمتيازات الممنوحة لهم، ويلتزمون بالإلتزامات المقررة عليهم.
فالجنسية هي أداة لتوزيع الأفراد في العالم، بحيث يمكن معرفة القانون الذي يخضع له الشخص في جميع تصرفاته، بمجرد معرفة جنسيته، سواء تلك التصرفات الصادرة عنه داخل دولة الجنسية أو في أي دولة أخرى في العالم.
وتعرف الجنسية بأنها: رابطة قانونية وسياسية ومعنوية (روحية)، تربط الفرد بدولته، وتنظم كل تصرفاته بموجبها. ووسيلة الإثبات فيها داخل نطاق الدولة هي وثيقة الجنسية (شهادة)، فيما تكون وسيلة الإثبات خارج نطاق الدولة إستنادا إلى وثيقة السفر (الجواز). وهذا يفسر لماذا يكون أول سؤال توجهه الشرطة وحتى المواطنين في أي بلد في العالم لأي شخص يصادفهم وهو: ما هي جنسيتك؟
ويمكن توضيح عناصر هذا التعريف في أن الشخص يخضع لقانون دولته، ومن خلال جنسيته تترتب عليه مجموعة من الحقوق، مثل التعيين في الوظائف العامة، والتي تشترط أولا أن يكون المتقدم لها حاصلا على الجنسية الوطنية، وكذلك التقدم للدراسات الجامعية والعليا، وغير ذلك. وفيما يخص العلاقة السياسية، فإنها تتضمن مجموعة من الحقوق السياسية، مثل ممارسة حق الإنتخاب والمشاركة في الانتخابات، وكذلك حق الترشح على المناصب السياسية، مثل الترشح لعضوية البرلمان، والمجالس المحلية الأخرى، وكذلك الإنضمام للأحزاب السياسية والجمعيات المختلفة أو تأسيسها، وأخيراً الإنضمام للنقابات المهنية، مثل نقابة الأطباء والمحامين والمهندسين وغيرها. أما الإلتزامات التي ترتبها الجنسية على الفرد، ففي مقدمتها أداء الخدمة العسكرية والدفاع عن الوطن في حالات الطوارئ، وإلتزامه بالقوانين الداخلية، وخضوعه للقضاء الوطني عن الجرائم التي يرتكبها داخل إقليم الدولة، وغالبا ما يحال الفرد لمحاكمته حتى عن الجرائم التي يرتكبها في الخارج لدولة الجنسية وفق قواعد وإتفاقيات تسليم المجرمين، بإستثناء حالات الإختصاص المكاني للجريمة، أو الإختصاص الشامل لقوانين العقوبات في كل بلد، وذلك في حالات معينة مثل الإرهاب وتزوير العملة للدولة التي يتواجد فيها، وما إلى ذلك من تفصيلات قانونية، لا مجال لسردها هنا.
وتختلف الجنسية عن التجنس، فالأولى حالة مقررة بموجب القانون وتدعى ب (الجنسية الأصلية) وهي التي يحصل عليها الشخص الطبيعي بقوة القانون دون حاجة إلى تقديم طلب أو موافقة الدولة وذلك لحظة ولادته، مثل المولود من أبوين عراقيين فإنه يعد عراقيا بالولادة. أما التجنس فهو حالة إختيارية يقوم بها الفرد بإختيار الجنسية التي يرغب بحملها وتسمى ب (الجنسية المكتسبة) وهي الجنسية اللاحقة أو الطارئة وتقوم على شرطين رئيسيين، هما : إرادة الشخص طالب التجنس وموافقة الدولة التي يرغب في اكتساب جنسيتها وغالباً ما يرتبط هذا الأمر بمصلحة الشخص طالب التجنس، وهي بمنزلة أدنى من الجنسية الأصلية، والتي عادة ما تمنح بناءً على طلب يقدمه الشخص طالب التجنس، ووفقا لشروط يحددها القانون، وبعد مدة معينة من الإقامة للتأكد من ولاءه وإنسجامه مع المجتمع الجديد، وهي عادة تكون بالسنوات، والأكثر شيوعا هي مدة الخمس سنوات، كما في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وهي مدة عشر سنوات في القانون العراقي (وفق م 6 من قانون الجنسية النافذ). وأكثر المدد من هذا النوع هي في سويسرا لمدة 13 سنة، وفي دولة لايخشتنشتاين أطول مدة لمنح الجنسية للأجانب هي 25 سنة من الإقامة المتواصلة. وتختلف الجنسية المكتسبة عن الأصلية، في أن المكتسبة يجوز سحبها وعودة الشخص لجنسيته الأصلية، بينما الأصلية لا يجوز سحبها، لإن ذلك يخالف إلتزاما دوليا في عدم خلق حالة عديم الجنسية.
أما تفسير الرابطة المعنوية أو (الروحية) فذلك يعني الولاء لدولة الجنسية والشعور بها ومشاركتها الأفراح والمآسي، مثل تشجيع فريق كرة القدم الوطني، ومواساتها في حالات الكوارث والفيضانات والحرائق. والسؤال الأكثر رواجا في مقابلات منح الجنسية في أميركا وبعض الدول الغربية هو: إذا ما نشبت حرب بين بلد الجنسية وبلد دولتك الأصلية، فإلى جانب من تقف وتحارب؟ وبالتأكيد فإن الجميع يقول: سأقف إلى جانب البلد الجديد وأحارب بلدي الأصلي، لإنه بخلاف ذلك سيرفض طلبه في الحصول على الجنسية الجديدة. وهذا يفسر سبب عدم ولاء العراقيين الذي إكتسبوا الجنسية الأمريكية والبريطانية والفرنسية لبلدهم الأصلي العراق عند عودتهم إليه بعد عام 2003. ويمكن اليوم الإستدلال على ذلك اليوم بسهولة من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، وقد سبقت الولايات المتحدة جميع الدول، فقررت منذ بداية عام 2018 أن يبين المتقدم للجنسية صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي لتدقيقها والتثبت من ولاءه الروحي. ومن أعقد هذه الحالات ما وجدته شخصيا في سويسرا، حيث يطلب من الشخص المتقدم للجنسية معرفة إمكانية إعداد الأكلة الشعبية الأشهر فيها وهي الجبنة المطبوخة (الفوندو).
وسعت الأمم المتحدة منذ قيامها على ثلاثة مبادئ بهذا الصدد، تضمنتها المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، وهي: أن يكون لكل شخص جنسية ما، لأنه بخلاف ذلك يكون عديم الجنسية، ويجب أن تكون جنسية واحدة لا متعددة، لأنه في هذه الحالة نكون أمام مزدوجي الجنسية أو متعددي الجنسية. إلا أن هذا المبدأ قد إنتهك بداية من الولايات المتحدة الأمريكية التي تسمح للشخص بالإحتفاظ بجنسيته السابقة، إضافة للجنسية الأمريكية. وثانيا، جواز تغيير الشخص لجنسيته بالتخلي عنها وعودته إليها. وأخيرا، عدم حرمان الشخص من جنسيته، إي إسقاطها، كما كان يجري سابقا بحق المعارضين السياسيين فتم إسقاط الجنسية عن بعض الأشوريين عام 1933 وعن اليهود عام 1950. وكذلك عن بعض المعارضين السياسيين.
وعلى الرغم من أن الدولة حرة في إختيار مواطنيها، فأن الفقه القانوني الدولي قد حدد أسس منح الجنسية لأي دولة في العالم، وبعض الدول قد تجمع بينهما، وهما:
1. رابطة الدم.
2. رابطة الإقليم.
ويمكن توضيح هذين الأساسين بشكل مبسط، وهو أن حق الدم يستند إلى منح الجنسية إستنادا لجنسية الوالدين أو أحدهما. وهذا ما أخذت به جميع قوانين الجنسية في العراق. ومعظم دول العالم تعتمد هذا الأساس لمنح جنسيتها للحفاظ على قومياتها الوطنية، وللحفاظ على اللحمة الوطني وإنسجامها المجتمع، وخشية من ذوبان العنصر الوطني الأصيل نتيجة لإزياد العنصر الأجنبي أو المكتسب، وهذا يبرر قرار جميع دول الجامعة العربية في عدم منح الفلسطينيين جنسية أي دولة عربية مهما طالت مدة إقامتهم فيها، تجنبا لذوبان الشعب الفلسطيني.
وكما أسلفنا، فإن الدول لا تمنح جنسيتها للمقيمين على أراضيها إلا بعد فترة طويلة، تجرى فيها عدة إختبارات وتوضع فيها شروط معقولة مثل دخول البلد بصورة مشروعة ومن المنافذ الحدودية والمطارات الدولية، وأن يكون خاليا من الأمراض الإنتقالية كما في العراق، وبعضها صعبة مثل تعلم اللغة وأداء الإمتحان فيها كما في أميركا وفرنسا وغيرها، وكذلك عدم إرتكاب جرائم ومخالفات طيلة فترة الإقامة. وكانت سويسرا من أعقد الدول في هذا المجال، حيث كانت تراقب المقيم طالب الجنسية وتمنع تجنسه إذا إرتكب مخالفات مرورية بسيطة، مثل العبور من غير المناطق المخصصة لها، أو قيادة السيارة بسرعة، وهكذا. لذا تتميز رابطة الجنسية بأنها تقوم على الشعور الوطني.
أما رابطة الإقليم فتستند إلى حق الإقامة على إقليم الدولة أو ما يعرف برابطة التوطن. وهذا ما تأخذ به بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وكندا. وهو أساس منح الجنسية للدول الحديثة والتي يكون إقليمها واسعا، وأحيانا بحجم قارة بأكملها مثل أميركا وأستراليا وغيرها. وهي غالبا لا تتكون من قومية واحدة متجانسة، ويشكل المهاجرين إليها نسبة كبيرة من أبناء شعبها. وهكذا يمنح المولود جنسية الدولة بمجرد الولادة على إقليمها، حتى لو تمت الولادة على متن طائرة محلقة فوق إقليم الدولة أو باخرة في مياهها الإقليمية.

– قوانين الجنسية في العراق
وفي العراق، فإن المشرع العراقي وفي كل قوانين الجنسية الأربعة وتعديلاتها قد أخذ برابطة الدم بإستثناء جنسية التأسيس، والجنسية الممنوحة للعرب والتي إعتمدت على حق الإقليم لتحديد مفهوم الشعب، وهذه القوانين هي:
1. قانون الجنسية في العراق رقم 42 لسنة 1924.
2. قانون الجنسية في العراق رقم 43 لسنة 1963.
3. قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم 5 لسنة 1975.
4. قانون الجنسية في العراق رقم 26 لسنة 2006.
وعند تأسيس دولة العراق الحديث عام 1921 إعتمد أول قانون للجنسية في العراق، وهو قانون رقم 42 لسنة 1924 والصادر في 6/8/1924 على أساس حق الإقليم إمتثالا لنصوص معاهدة لوزان (30-36) التي حددت الدول الجديدة التي إنسلخت عن الدولة العثمانية وإستقلت حديثا لتحديد شعبها، فنصت المادة الثالثة من قانون الجنسية على أن ” كل من كان في اليوم السادس من آب 1924 من الجنسية العثمانية وساكنا في العراق، تزول عنه الجنسية العثمانية ويٌعد حائزا الجنسية العراقية إبتداءً من التاريخ المذكور”. ولهذا ما زالت الكثير من شهادات الجنسية فيي العراق تشير على جنسية الأب أو الجد بعبارة (تبعية عثمانية).
وبإستثناء جنسية التأسيس فقد أخذ القانون بحق الدم لمنح الجنسية العراقية، بعد أن أسس لجنسيته الجديدة، فنصّت المادة الثامنة منه على أن، يعتبر عراقيا:
(أ‌) كل من كان له حين ولادته بصرف النظر عن محلها، والد عراقي بعلة تولده في العراق أو إكتسابه الجنسية العراقية بطريق التجنس أو بالطرق المبينة في المادة الثالثة والرابعة والخامسة.
(ب‌) كل من وُلِد في العراق وبلغ سن الرشد إن كان والده مولودا في العراق وكان مقيما به عادة حين ولادة أبنه.
ومنذ ذلك التاريخ شاعت عبارة أن (أبن العراقي عراقيا) وهي دلالة على رابطة الدم والنسب، وجنسيته أصلية.
أما حالة التجنس أو (الجنسية المكتسبة) فقد حددت المادة العاشرة منه على ما يلي:
“من تمت فيه الشروط الآتية من غير القاصرين له أن يطلب شهادة تجنس بالجنسية العراقية بالكيفية الآتي بيانها:
(أ‌) أن يكون بعد بلوغه سن الرشد قد جعل محل إقامته المعتاد في العراق لمدة ثلاث سنوات مضت قبل طلبه مباشرة.
(ب‌) أن يكون حسن الأخلاق.
(ج) أن يعتمد الإقامة بالعراق.
وهكذا نجد أن مدة التجنس في العهد الملكي هي الإقامة لمدة (3 سنوات)، ومبرر ذلك أن العراق أعلن دولة ذات سيادة في عام 1921، وصدر قانون الجنسية عام 1924، إي أن القانون إشترط الإقامة منذ قيام دولة العراق، وما يليها.
وبعد قرابة 40 عاما صدر القانون الثاني للجنسية في العراق وهو قانون رقم 43 لسنة 1963، وإستند إلى رابطة الدم في منح الجنسية العراقية، حيث نصّت المادة 4 منه على أن: –
“يعتبر عراقيا:
1 – من ولد في العراق أو خارجه لأب متمتع بالجنسية العراقية.
2 – من ولد في العراق من أم عراقية وأب مجهول أو لا جنسية له.
3 – من ولد في العراق من والدين مجهولين ويعتبر اللقيط الذي يعثر عليه في العراق مولودا فيه ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك.”
هذا فيما يخص الجنسية الأصلية، أما الجنسية المكتسبة فقد حددت المادة مادة 8 منه شروط ذلك، وكما يلي: –
“للوزير أن يقبل تجنس الأجنبي بالجنسية العراقية بالشروط التالية: –
1 – أن يكون بالغا سن الرشد.
2 – دخل العراق بصورة مشروعة ومقيما فيه عند تقديم طلب التجنس.
3 – أقام في العراق بصورة مشروعة مدة عشر سنوات متتاليات على الأقل سابقة على تقديم طلب التجنس.
4 – أن يكون حسن السلوك والسمعة ولم يحكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف.
5 – أن تكون له وسيلة جلية للتعيش.
6 – أن يكون ملما باللغة العربية أو أية لغة محلية معترف بها قانونا.
7 – أن يكون سالما من الأمراض والعاهات الجسمية والعقلية.”
ونجد أن القانون قد رفع مدة الإقامة من 3 سنوات في العهد الملكي إلى 10 سنوات في العهد الجمهوري.

أما قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم 4 لسنة 1975 والصادر في 11/1/1975، فلا يثير أي مشكلة لإنه يتضمن مادة واحدة موضوعية إلى جانب مادة النشر الشكلية. وكان من الأفضل إضافة هذه المادة اليتيمة إلى قانون الجنسية في صيغة تعديل. وتتضمن المادة 1 منه على ما يأتي:
“يجوز لوزير الداخلية منح الجنسية العراقية لكل عربي يطلبها، إذا كان قد بلغ سن الرشد، وكان حسن السلوك والسمعة، دون التقيد بشروط التجنس الواردة في الفقرة (1) من المادة الثامنة من قانون الجنسية العراقية رقم (43) لسنة 1963 المعدل، ويستثنى من ذلك الفلسطينيون ما لم يصدر قانون أو قرار تشريعي خاص بخلاف ذلك.”
ولا تحتاج هذه المادة لشرح أو تفسير، فالأسباب الموجبة لصدوره كافية تماما لتوضيح الغرض منه، وهو بناء أسس الوحدة العربية، كما جاء في خاتمته: “بالنظر إلى إن قانون الجنسية العراقية وتعديلاته لم يول منح الجنسية العراقية للعرب الأهمية الملائمة له ولم يؤكد الدور الذي يضطلع به العراق في مجال السياسة القومية في الوطن العربي، وحيث إن التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب القائد لنظام الحكم في القطر العراقي كان قد أكد على أهمية هذا الدور في توثيق الصلات مع الأخوة العرب في أقطارهم المختلفة، وبناء الأسس الموضوعية لقيام الوحدة بين الشعب العربي في جميع أقطاره لإزالة الحدود المصطنعة التي اقتلعها المستعمر.
من اجل ذلك. وكخطوة أولى على هذا الطريق، صدر هذا القانون المتعلق بمنح الجنسية العراقية للعرب، على أن يستثنى من ذلك المواطنون الفلسطينيون ما لم يصدر قانون أو قرار تشريعي خاص بخلاف ذلك.”
وهذا القانون الملغي كان يتعارض مع قرارات جامعة الدول العربية التي تقضي اتفاقية الجنسية المعقودة بين دول الجامعة العربية لسنة 1954، في مادتها السادسة على أن: (لا يُقبل تجنس أحد رعايا دول الجامعة العربية بجنسية دولة أخرى من دول الجامعة إلا بعد موافقة حكومته وتزول عنه جنسيته السابقة بعد اكتسابه الجنسية الجديدة).
ولا يشكل هذا القانون اليوم أية أهمية تذكر عند دراسة قوانين الجنسية في العراق، سوى على الصعيد الأكاديمي.

وبعد 43 عاماً أخرى، صدر قانون الجنسية المرقم 26 لسنة 2006 الصادر من 7/3/2006، وقد أعتمد القانون أسساً جديدة للجنسية تختلف عن القانونين السابقين في العهد الملكي والجمهوري، ويمكن تسمية القانون الجديد بقانون عهد الاحتلال. وقد راعى القانون الجديد حالة دخول العراق عدد من الأجانب أو حاملي جنسيات أجنبية من أصول عراقية. كما راعى القانون أيضا حالة أعادة الجنسية لمن سحبت عنهم في ظل النظام السابق، مثل العراقيين من أصول إيرانية، والكرد الفيليين الذي سحبت عنهم الجنسية العراقية عشية الحرب العراقية-الإيرانية عام 1980 والتي إستمرت لثمان سنوات. بالإضافة إلى تسهيل حالة التجنس، بعد دخول الكثير من الإيرانيين للعراق دون تأشيرة دخول، وخاصة في مواسم الشيعة الدينية لزيارة العتبات والأضرحة في العراق والإقامة فيه بشكل غير شرعي، بعد أن أصبح الحكم بيد الطائفة والأحزاب الشيعية في الأساس.
وإذا كان القانونين السابقين قد إعتمدا حق الدم في منح الجنسية العراقية، فإن القانون الجديد قد إعتمد حقي الدم والإقليم لمنح الجنسية العراقية.
فقد نصت المادة 3منه على أن:
“يعتبر عراقياً:
أ-من ولد لأب عراقي أو لام عراقية.
ب-من ولد في العراق من أبوين مجهولين ويعتبر اللقيط الذي يعثر عليه في العراق مولوداً فيه ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك.”
ولا نجد ضرورة لمنح الجنسية إستنادا إلى حالة الأم بهذا الشكل المطلق، في حالة كون الأب معلوماً ويحمل جنسية معينة، لأن المولود عادة ما يتبع الأب، بل إن حتى الزوجة تتبع زوجها وليس العكس. كما إن منح الجنسية إستنادا إلى حق الدم للمولود من عراقية وأب مجهول طالما تمت الولادة في العراق، يعتمد أساسا حق الدم المعزز بحق الإقليم، فالمولود يعدُ عراقيا إذا ولد من أب أو أم كان أحدهما عراقي الجنسية، ولم يحصل على جنسية أخرى بسبب مجهولية الأب أو لكونه عديم الجنسية، ولكن إذا كان الأب معروفا ويحمل جنسية معينة، فإن فرض الجنسية العراقية عليه إستنادا لجنسية الأم، قد يخلق حالة إزدواج الجنسية إذا ما إكتسب الطفل جنسية الأب والأم معا. مما يقود إلى حالة تنازع القوانين بينهما. وهذا ما عالجته المادة 4 من القانون بقولها:
“للوزير أن يعتبر من ولد خارج العراق من أم عراقية وأب مجهول أو لا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد إلا إذا حالت الظروف.”
وهذه المادة هي تكرار للمادة الخامسة من قانون عام 1963، التي نصّت على أن يعتبر عراقيا: ” للوزير أن يعتبر من ولد خارج العراق من أم عراقية وأب مجهول أو لا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد.” سوى إضافة عبارة مشوهة في نهاية المادة وهي (إلا إذا حالت الظروف). وتبدو نهاية هذه المادة مبتورة، وكان من الأفضل إستكمالها بعبارة (دون ذلك) لتكتمل الجملة ويتم المعنى.
وهذه الحالة أصبحت مستقرة في معظم قوانين الجنسية في العالم، وقد أخذ بها المشرع المصري في قانون رقم 26 لسنة 1975، حيث نصت المادة الثانية منه على أن:
“يكون مصريا: 2- من وُلِد في مصر من أم مصرية ومن أب مجهول النسب أو لا جنسية له”.
أما حالة التجنس، أو الجنسية المكتسبة، فقد كرر القانون الجديد بالمادة 6 نفس الشروط الواردة بالمادة 8 من قانون 1963، بقولها:
” المادة 6 أولا: للوزير أن يقبل تجنس غير العراقي عند توافر الشروط الآتية:
أ- أن يكون بالغا سن الرشد.
ب-دخل العراق بصورة مشروعة ومقيما فيه عند تقديم طلب التجنس ويستثنى من ذلك المولودون في العراق والمقيمون فيه والحاصلون على دفتر الأحوال المدنية ولم يحصلوا على شهادة الجنسية.
ج-أقام في العراق بصورة مشروعة مدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب.
د-أن يكون حسن السلوك والسمعة ولم يحكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف.
هـ-أن يكون له وسيلة جلية للتعيش.
و-أن يكون سالما من الإمراض الانتقالية.”

وكل ما جاء به قانون الجنسية الجديد لعام 2006 والنافذ، هو:
أولا. إزدواج الجنسية للعراقي
وهي حالة إرتضاها دستور العراق الجديد لعام 2005، بنص المادة 18/رابعاً بقولها: “يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً التخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون.” ومع ذلك لم يتخلى أي مسؤول عراقي طيلة 16 سنة الماضية عن جنسيته الأجنبية، بإستثناء رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي تخلى عن جنسيته البريطانية عند توليه المنصب في أواخر عام 2018.
حيث نصّـت المادة 10 منه، على ما يلي:
” أولا: يحتفظ العراقي الذي يكتسب جنسية أجنبية بجنسيته العراقية ما لم يعلن تحريريا عن تخليه عن الجنسية العراقية.
ثانيا: تطبق المحاكم العراقية القانون العراقي بحق من يحمل الجنسية العراقية وجنسية دولة أجنبية.”
والحقيقة، إن هذه المادة مشوَّهة ومن المعيب والمخجل تواجدها في إي قانون للجنسية في العالم، للأسباب التالية:
1. أن الفقرة أولا من هذه المادة تقود إلى حالة إزدواج الجنسية، وهي حالة غير مرغوب فيها في القانون الدولي الخاص، لإنها تقود إلى إنقسام الولاء الوطني. ورأينا أن حكام العراق الجدد من مزدوجي الجنسية، لم يكونوا حريصين على مصالح العراق وحقوق العراقيين وثرواته الوطنية، مما قاد إلى كوارث متتالية منذ 2003 وحتى يومنا هذا.
2. إن ذلك يستتبع قيام حالة قانونية شاذة، تسمى (تنازع القوانين)، ففي حالة إرتكاب الشخص لأي جريمة، فعلى أي قانون ستجري محاكمته؟ هل على القانون العراقي أم قانون الجنسية الأجنبية؟ وهذا ما قاد بالفعل إلى هروب العديد من المسؤولين الذي يحملون جنسيات أجنبية على جانب جنسيتهم العراقية. إن الحل الذي قدّمته الفقرة ثانيا من المادة 10 في أعلاه، هو حل غير عملي ومرفوض من الكثير من الدول التي يحمل العراقيين جنسيتها. فلا يمكن للقضاء العراقي تطبيق القانون الوطني على متهم يحمل جنسية أجنبية. وتشير تلك المعلومات إلى أن أبرز تلك الشخصيات هم: رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، الحامل للجنسية القطرية، فيما يمتلك رئيس الجمهورية السابق فؤاد معصوم والقيادي السابق في التيار الصدري بهاء الأعرجي، ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري، والقيادي السني صالح المطلك، بالإضافة إلى رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الجنسية البريطانية.
وكان وزير الخارجية إبراهيم الجعفري قد أعلن سابقًا أن أكثر من 32 سفيرًا عراقيًا من أصل 66 يحملون جنسية مزدوجة، وهو ما أثار الجدل حينها عن هذا العدد الكبير في السفراء العراقيين مزدوجي الجنسية.
وقد قدّم نواب عراقيون قانون مزدوجي الجنسية إلى البرلمان عام 2009 لكن مجلـس النواب في دوراته السابقة وخلال 9 سنوات لم يتمكن من التصويت عليه، بسبب الخلافات والتقاطعات بين الأحزاب السياسية.
وتمثل الجنسية المزدوجة الأخرى للمسؤولين العراقيين حصانة من الملاحقات القضائية والقانونية في حال ثبت تورطهم بملفات فساد إداري أو مالي، كما حصل مع الكثير منهم.
وتمكن محافظ البصرة ماجد النصراوي الذي يمتلك الجنسية الأسترالية من الهرب، العام الماضي، بعد صدور أوامر قضائية بمنعه من السفر والتحقيق معه بشأن ملفات فساد متورط فيها مع نجله.
كما تمكن وزراء سابقون من الهرب اعتمادًا على ما توفره الجنسية الثانية من دعم وحصانة، كما حصل مع وزراء التجارة، والدفاع، والكهرباء السابقين على التوالي عبد الفلاح السوداني وحازم الشعلان وأيهم السامرائي، وغيرهم، ولم تتمكن السلطات العراقية من ملاحقتهم قضائيًا باعتبارهم مواطنين في دولة أخرى.
3. إن الإجراء الذي نصت علية الفقرة ثانيا من المادة المذكورة، هو إجراء غير واقعي وغير مطبق عمليا، بقولها (ما لم يعلن تحريريا عن تخليه عن الجنسية العراقية). فنادراً ما يلجأ العراقي المتجنس بجنسية أجنبية إلى التنازل عن جنسيته العراقية تحريريا، ولا تتطلب الدول الأجنبية أو تشترط ذلك غالباً.
وتسري هذه الحالة أيضا على الزواج المختلط للمرأة العراقية، حيث نصت المادة 12 منه على أنه: “إذا تزوجت المرأة العراقية من غير العراقي واكتسبت جنسية زوجها فأنها لا تفقد جنسيتها العراقية ما لم تعلن تحريريا تخليها عن الجنسية العراقية.”
ثانيا. إستعادة الجنسية العراقية للعراقيين من أصول إيرانية
حيث نصت المادتان 17 و18 على ما يلي:
” المادة 17 يلغى قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم (666) لسنة 1980 وتعاد الجنسية العراقية لكل عراقي أسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب القرار المذكور وجميع القرارات الجائرة الصادرة من مجلس قيادة الثورة (المنحل) بهذا الخصوص.
المادة 18أولا: لكل عراقي أسقطت عنه الجنسية العراقية لأسباب سياسية أو عنصرية أو طائفية أن يستردها بتقديم طلب بذلك وفي حالة وفاته يحق لأولاده الذين فقدوا الجنسية العراقية تبعا لوالدهم أو والدتهم أن يتقدموا بطلب لاسترداد الجنسية العراقية.
ثانيا: لا يستفيد من حكم البند (أولا) من هذه المادة العراقي الذي زالت عنه الجنسية بموجب أحكام القانون رقم (1) لسنة 1950 والقانون رقم (12) لسنة 1951.
وقرار مجلس قيادة الثورة المشار إليه في م 17، هو القرار المنشور في الجريدة الرسمية/الوقائع العراقية ذي العدد (2776) والمؤرخ في 26/5/1980 والقاضي بإسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي من أصل أجنبي إذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة وتخويل وزير الداخلية صلاحية إبعاد كل من أسقطت عنه الجنسية العراقية ما لم يقتنع بناءً على أسباب كافية بأن بقاءه في العراق أمر تستدعيه ضرورة قضائية أو قانونية أو حفظ حقوق الغير الموثقة رسمياً.
وبهذا تكون هاتين المادتين من قانون الجنسية لعام 2006، قد أعادت الجنسية العراقية للعراقيين من أصول إيرانية سبق أن قرر قرار مجلس قيادة الثورة في أعلاه (عدم ولائهم للوطن والشعب) حتى دون أن يبرأهما القانون الجديد أو القضاء العراقي. ويبدو هنا التأثير الإيراني بصدد هذه الحالة. وهذه المادة، بطبيعة الحال، لم يقصد منها معالجة حالات سحب الجنسية عن كل العراقيين لإنصافهم، بدليل إن القانون قد إستثنى في م 18/ثانيا، يهود العراق الذين نزعت عنهم الجنسية العراقية وصودرت أملاكهم في عام 1950. على الرغم من إن الدستور الجديد لعام 2005 قد أعطى جميع الذين سحبت منهم الجنسية العراقية حق إستردادها في حالة ولادتهم في العراق، بقولها:
” ثالثاً:
أ ـ يحظر إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي بالولادة لأي سببٍ من الأسباب، ويحق لمن أسقطت عنه طلب استعادتها، وينظم ذلك بقانون.”
وهكذا يبدو نص المادة 18 الفقرة ثانيا من قانون الجنسية العراقي رقم 26 لسنة 2006 مخالفا لنص المادة 18 الفقرة ثانيا/ أ من دستور العراق النافذ لعام 2005. فحق إسترداد الجنسية عن المولود في العراق قد ورد على الإطلاق، وإن تنظيمه بقانون لا يعني حرمان فئة معينة منه، وإنما يقصد ب (التنظيم) بيان الإجراءات الواجب إتباعها في ذلك، لإن القانون لا يلغي نصاَ دستورياً، إستناداً لمبدأ سمو الدستور وأعلويته على جميع القوانين في الدولة. وهذه حالة لم ينتبه لها المشرع العراقي، على ما يبدو.
ثالثا. الطعن بقرارات عدم منح الجنسية
حيث نصت المادتان 19 و20 من القانون المذكور على جواز الطعن بقرارات وزير الداخلية في رفض منح الجنسية العراقية لطالب التجنس. وكما يلي:
” المادة 19تختص المحاكم الإدارية في الدعاوى الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون.
مادة 20 يحق لكل من طالبي التجنس والوزير إضافة إلى وظيفته الطعن في القرار الصادر من المحاكم الإدارية لدى المحكمة الاتحادية.”
وهذا ينسجم مع توجه دستور العراق الجديد لعام 2005 الذي نص في المادة 18/سادسا منه على ما يلي:
” سادساً: تنظم أحكام الجنسية بقانون، وينظر في الدعاوى الناشئة عنها من قبل المحاكم المختصة”.
وهذا يقدم ضمانات لطالبي التجنس في العراق، وبما ينسجم مع المعايير القانونية الدولية.
– التعديل الأول المقترح لقانون الجنسية
بعد هذا الإستعراض الموجز لقواعد الجنسية وأحكامها العامة، وقوانينها الخاصة بالجنسية في العراق، لتوضيح أهمية الجنسية كأداة لتوزيع الأفراد في العالم وكرابطة قانونية-سياسية-روحية تربط الفرد بدولة معينة، وعوداً إلى التعديل مثار الجدل، فإن التعديل المذكور هو التعديل الأول لقانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 النافذ، هو مشروع قانون قدمته حكومة حيدر العبادي عام 2017، وموجود على موقع مجلس النواب العراقي ضمن مشروعات القوانين التي لم تُشَّرع بعد، وقد جرت قراءته قراءة أولى في اللجنة الأمنية البرلمانية، بينما المفترض أن تتم قراءته ومناقشته في اللجنة القانونية البرلمانية، وهذه مخالفة إجرائية إبتداءً.
يتضمن التعديل المشار إليه على 10 مواد قانونية جاءت لتعدل المواد 2، 4، 5، 6، 7، 11،13 و17، وأخيراً إلغاء البند (ثانياً) من المادة 21.
والمواد المثيرة للجدل هي: 2، 3، 4، 5، 6، 7، و8. ويمكن إبداء عدد من الملاحظات من الناحية القانونية على عمل المشرع العراقي، فيما يخص مسائل الجنسية، وكما يلي: –
1. عدم تفريق المشرع العراقي بين الجنسية الأصلية (العراقي) والجنسية المكتسبة (المتجنس).
2. عدم الدقة في معالجة حالات الزواج المختلط بين عراقي أو عراقية بأجنبي أو أجنبية، فهذه الحالة لها أحكامها الخاصة في القانون الدولي الخاص.
3. ضعف معالجة حالات إسترداد الجنسية للعراقي الذي فقدها أو تنازل عنها.
4. التكرار في مواد التعديل، وحتى في قانون الجنسية النافذ لعام 2006.
5. خلق حالة إزوادج الجنسية بدفع من السياسيين الأجانب في العراق بعد 2003، مما يتعارض مع قواعد القانون الدولي، ويدخل العراق في إشكالات قانونية دولية لاحقاً.
6. يبدو إن المشرع العراقي لا يفرق بين الجنسية والإقامة ويخلط بينهما كثيرا.
7. يخلط المشرع العراقي بين حالات قانونية متعددة ومختلفة وإن بدت متشابهة، مثل اللاجئ والمهَاجر والمُهجَّر (أو النازح).
8. الخلط بين إكتساب الجنسية وإستردادها. فالإكتساب يتم لأول مرة، بينما الإسترداد يكون لجنسية أصلية جرى التنازل عنها أو فقدها لسبب من الأسباب. وفي الحالة الأولى يكون أجنبيا وفي الثانية سبق له وإن كان عراقيا.
9. عدم تحديد تعريفات للمصطلحات الواردة في التعديل، لإزالة اللبس والغموض وتحديد المقصود بها. وعادة ما توضع التعاريف في المادة الأولى من القانون.
وسنناقش هذه المواد بشيء من التفصيل كما وردت في مسودة التعديل المشار إليه في أعلاه.
(1) إلغاء نص المادة 2 من القانون النافذ ويحل محلها نصا يكرر المادة السابقة وليس يلغيها، بل يضيف لها نصا مستحدثا ليكون الفقرة أولا من المادة المذكورة، ويصبح النص القديم فقرة ثانية. وكما يلي:
” أولاً: – كان عثماني الجنسية وساكناً في العراق هو أو أحد والديه أو جده ابتداءً من يوم 23/8/1921 لغاية 6/8/1924.
ثانياً: – حصل على الجنسية العراقية بموجب أحكام قانون الجنسية العراقية
رقم (42) لسنة 1924(الملغى) وقانون الجنسية العراقية رقم (43) لسنة 1963(الملغى) وقانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم (5) لسنة 1975 (الملغى)وقرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) الخاصة بمنح الجنسية العراقية.”
وهذا نص زائد، وهو نص توضيحي أكثر منه نصاً قانونياً، لأن ما مذكور في أولا أعلاه كان موجوداً في ظل القانون الأول لجنسية التأسيس رقم 42 لسنة 1924، كما مرّ شرحه سلفاً. وربما قصد به معالجة خطأ المشرع في قانون الجنسية النافذ والذي ألغى القانون المذكور، دون الإشارة إلى عدم الإخلال بحقوق العراقيين الذي إكتسبوا الجنسية وفقاً للقوانين السابقة، وخاصة جنسية التأسيس. وبالتالي لا مبرر لإعادة التذكير بعراقية من كان عثمانيا وساكنا في العراق عند إقامة دولة العراق الحديث. كما إنه يخلق مشكلة قانونية تتمثل في تعدد جنسية التأسيس في العراق، كما أشار لها بعض القانونيين في بحوثهم عام 2014.
(2) تلغي المادة 2 من التعديل المقترح، نص المادة (4) من القانون النافذ، فتصت مادة التعديل على ما يلي:
” للوزير أن يعدّ مَن ولد خارج العراق من أم عراقية وأب غير عراقي أو لا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تأريخ بلوغه سن الرشد إلا إذا حالت الظروف الصعبة دون ذلك بشرط أن يكون مقيماً في العراق وقت تقديمه طلب الحصول على الجنسية العراقية.”
ولو دققنا نص المادة 4 من القانون النافذ وقارنَّا بينها وبين المادة 2 من التعديل، لرأينا أنها تكرر نفس الصياغة بإستثناء عبارة مضافة هي (وأب غير عراقي)، وهذا مما يخلق مشكلة قانونية جديدة هي (إزدواج الجنسية)، بدلاً من أن يحلَّ المشكلة. وكما أسلفنا، إن معظم قوانين الجنسية ومنها قانون الجنسية المصري لعام 1975 المشار إليه سابقا تعطي الجنسية لأولاد المرأة المتزوجة من أب مجهول أو عديم الجنسية. وعلَّة ذلك، هو عدم وجود جنسية أخرى يمكن للأبناء أن يحصلوا عليها من أبوهم، فتكون جنسية الأم بمثابة حل لمشكلة إنعدام الجنسية للأولاد. أما إذا كان الأب ممن يحملون جنسية أجنبية (غير عراقية مثل جنسية الأم) فلا مبرر لمنحهم الجنسية العراقية، ولربما يحصلون على جنسية الأب والأب معا، وهنا نكون أمام حالة إزدواج الجنسية.
(3) المادة 3 من التعديل، زهي أخطر مواد مشروع التعديل، فقد ألغت المادة (5) من القانون النافذ وحلت محله ما يأتي:
” للوزير أن يُعد عراقياً مَن ولد في العراق وبلغ سن الرشد فيه من أب أو أم غير عراقيين مولودين فيه أيضاً وكانا مقيمين فيه بصورة معتادة عند ولادة ولدهما بشرط أن يقدم الولد طلباً بمنحه الجنسية العراقية.”
وهذه أغرب مادة وجدت في كل قوانين الجنسية في العراق، وتقضي بمنح الجنسية العراقية للمولود في العراق من أبوين غير عراقيين بشر ولادة أحدهم في العراق والإقامة فيه.
أن المشرع بهذه المادة من التعديل، يسعى لنسف أساس الجنسية في العراق القائم على رابطة الدم، وإحلال رابطة الإقليم أو (التوطن) محلها. ولعمري هذه المادة لم يكتبها إلا أجنبي مقيم في أمريكا أو بريطانيا، ومتأثراً بحق الإقليم. ولكن ذلك سيقود إلى تمزيق المجتمع العراقي وإفقاده لإنسجام نسيجه المجتمعي، ويقود على القضاء على وحدة الشعب، من خلال منح الجنسية لأجانب ولدوا في العراق سابقا، وعادوا للإقامة فيه لاحقاً.
وكان نص المادة 5 من القانون النافذ ينص على منح المولود في العراق الجنسية العراقية إذا كان الأب فقط غير عراقي، بقولها:
” للوزير أن يعتبر عراقيا من ولد في العراق وبلغ سن الرشد فيه من أب غير عراقي مولود فيه أيضا وكان مقيما فيه بصورة معتادة عند ولادة ولده، بشرط أن يقدم الولد طلبا بمنحه الجنسية العراقية.”
إن مثل هذه الحالات يجب أن تتم معالجتها من خلال قانون الإقامة في البلد المعني، وليس قانون الجنسية. وبعد مضي مدة معينة يحددها من الإقامة المتواصلة، جاز لوزير الداخلية منحه الجنسية العراقية عند طلب المقيم.
(4) تنص المادة من التعديل المذكور، على إلغاء المادة (6) من القانون النافذ وإحلال محلها ما يلي:
” المادة ـــــ6ـــــــ أولاً: للوزير أن يقبل تجنس غير العراقي عند توافر الشروط الآتية: –
أ. أن يكون بالغاً سن الرشد.
ب. دخل جمهورية العراق بصورة مشروعة ومقيماً فيها عند تقديم طلب التجنس ويستثنى من ذلك المولودون في العراق والمقيمون فيه.
جـ. أقام في جمهورية العراق بصورة مشروعة مدة لا تقل عن (10) عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب ويستثنى من ذلك المهجر قسراً على ألا تقل مدة إقامته عن (1) سنة واحدة.
د. أن يكون حسن السلوك والسمعة ولم يحكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف.
هـ. أن تكون له وسيلة جلية للعيش.
و. أن يكون سالماً من الأمراض الانتقالية.
ثانياً: لمجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير قبول تجنس غير العراقي إذا كان يؤدي خدمة نافعة للبلد وتقتضي المصلحة العامة ذلك شرط إقامته في جمهورية العراق مدة لا تقل عن سنة.
ثالثاً: لا يجوز منح الجنسية العراقية للفلسطينيين ضماناً لحق عودتهم إلى وطنهم ويستثنى من ذلك المرأة الفلسطينية المتزوجة من العراقي وفقاً لمبدأ وحدة العائلة.
رابعاً: لا تمنح الجنسية العراقية لأغراض سياسة التوطين السكاني المخل بالتركيبة السكانية في العراق.
خامساً: يعاد النظر في جميع قرارات منح الجنسية العراقية التي أصدرها النظام السابق لتحقيق أغراضه.”
ومادة التعديل هذه، هي تكرار للمادة (6) الحالية في القانون النافذ، بإستثناء عبارة (ويستثنى من ذلك المهجر قسراً على ألا تقل مدة إقامته عن (1) سنة واحدة).
وهذه المادة تثير الإستغراب كثيراً وتكشف عن الجهل القانوني للمشرع العراقي وضعف الوعي القانوني لدى معظم نواب البرلمان في العراق منذ 2003 وحتى يومنا هذا.
فمن المعيب أن لا يفرق المشرع بين (اللاجئ) و(المهجر). فالأول هو شخص أجنبي دخل البلاد هربا من بلده الأم خشية تعرضه لخطر يقود إلى فقدانه لحياته. أما المهجَّر، فهو عراقي أصلا هجر من منطقته بسبب الطائفية التي تعرض لها العراق منذ 2004 وحتى الآن، وبالتالي فإن التسمية الأصح له هي (نازح) الذي نزح من منطقته لمنطقة أخرى داخل الدولة. أما المهاجر حالة قانونية أخرى تشير إلى (الهجرة) وتتحقق عند رغبة الشخص بالإنتقال والإقامة والعيش في دولة أخرى، دون أن يرافق ذلك أي تهديد لحياته. لذا فإن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة الهجرة الدولية غير معنيتين بحالة المهجَّر (أو النازح) داخل بلده، لأن ذلك مسؤولية مفترضة على عاتق الدولة والحكومة في توفير الأمن والأمان وإزالة أسباب التهديد، وإعادة المهجرين لمناطقهم، وبخلاف ذلك، فإن التقصير الحكومي قائم وواضح.
ومن المضحك المبكي أن هذه المادة من مشروع القانون، تقلص شرط الإقامة للمهجر إلى سنة واحدة بدلاً من (10) سنوات. وهل يحتاج الوطني في أي بلد الإقامة سنة واحدة لمنحه الجنسية التي أصلا منحها له القانون؟
أما إذا كان المشرع يقصد بمصطلح (المهجر) السوريين في مخيمات اللجوء في العراق، فإن الوصف القانوني لهم هو (لاجئين) وليس مهجرين. لإن اللاجئ هو وصف دولي، في حين إن المهجر وصف داخلي. أما إذا كان يقصد بذلك العمال الأجانب العاملين في العراق (كالبنغاليين مثلا)، فهؤلاء مقيمين، ولهم جنسيتهم الوطنيين، ولا يجوز فرض أي جنسية أخرى عليهم، لأن ذلك يقود إلى خلق أزمة سياسية دولية مع دولتهم الأصلية بنغلاديش.
(5) أما المادة 5 من التعديل المذكور، فتقضي بإلغاء المادة 7 من القانون الحالي وإحلال محله ما يلي:
” للوزير أن يقبل تجنس غير العراقي المتزوج من امرأة عراقية الجنسية إذا توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في البند (أولاً) من المادة (6) من القانون
على ألا تقل مدة الإقامة المنصوص عليها في الفقرة (جـ) منه عن (2) سنتين مع بقاء الرابطة الزوجية.”
ولم تأتي هذه المادة بجديد سوى تقليص مدة بقاء الرابطة الزوجية من 5 سنوات إلى سنتين. وحتى في هذه لم يكن مشرع التعديل موفقاً، فمعظم قوانين الجنسية في العالم، تجعل هذه المدة 3 سنوات، للحفاظ على العنصر الوطني وخاصة فئة النساء من المتلاعبين والمحتالين والمتسلقين بقصد الحصول على الجنسية، وهي في هذه الحالة المرأة العراقية المتزوجة من أجنبي، وهي حالة تعرف في القانون الدولي الخاص ب (الزواج المختلط).
(6) إن المادة 6 من مشروع التعديل، فتقضي بإلغاء نص المادة (11) من قانون الجنسية النافذ، وتحل محله النص التالي:
” أولاً ـــ للمرأة غير العراقية المتزوجة من عراقي أن تكتسب الجنسية العراقية وفقاً للشروط الآتية:
أـــ تقديم طلب إلى الوزير.
ب ــــ مضي مدة لا تقل عن (2) سنتين على زواجها وإقامتها في العراق.
جـ ـــ استمرار قيام الرابطة الزوجية حتى تأريخ تقديم الطلب ويستثنى مــن ذلك المطلقة أو المتوفى عنها زوجها وكان لها من مطلقها أو زوجها المتوفى ولــد.
ثانياًــــ لمجلس الوزراء باقتراح الوزير منح المرأة غير العراقية المتزوجة من العراقي الجنسية العراقية بناءً على طلبها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة على أن تكون مقيمة في العراق مدة لا تقل عن سنة واحدة.”

وهذه المادة تختلف عن سابقتها في طرف العلاقة الزوجية، حيث يكون الزوج عراقيا متزوجا من غير عراقية. ولم تأتي هذه المادة بجديد أيضاً سوى تقليص مدة بقاء الرابطة الزوجية من 5 سنوات إلى سنتين، علما إن الزوج العراقي هو الطرف الأقوى في العلاقة الزوجية، وحتى مدة السنة من الإقامة والسنتين من الزواج كافية لمنحها الجنسية العراقية بناء على طلبها، شريطة أن تكون مقيمة في العراق. لأن الزوجة عادة ما تكتسب جنسية زوجها وإن كانت أجنبية.
وكان قانون عام 1963 الملغي، يجيز للأجنبية المتزوجة من عراقي أن تكتسب جنسية زوجها دون مضي مدة معينة، ومن تاريخ موافقة الوزير. وقد ما نصّت عليه المادة 12 منه بقولها:
“مادة 12
1 – إذا تزوجت المرأة الأجنبية من عراقي تكتسب الجنسية العراقية من تاريخ موافقة الوزير، ولها أن ترجع عنها خلال ثلاث سنوات من تاريخ وفاة زوجها أو طلاقها أو فسخ النكاح، وتفقد جنسيتها العراقية من تاريخ تقديمها طلبا بذلك.”
(7) تقضي المادة 7 من التعديل، بإلغاء نص المادة (13) من القانون النافذ، والخاصة بحالات إسترداد الجنسية العراقية بعد التنازل عنها أو فقدها. فنصّت على ما يلي:
” يلغى نص المادة (13) من القانون ويحل محله ما يأتي: –
المادة ــــــ13ـــــ
أولاً ــــ للمرأة العراقية المتخلية عن جنسيتها العراقية وفقا لأحكام البند (أولاً)
من المادة (10) والمادة (12) من هذا القانون، طلب استردادها في احدى الحالات الآتية: –
أـــــ إذا منح زوجها غير العراقي الجنسية العراقية.
ب ــــ إذا تزوجت من شخص يحمل الجنسية العراقية.
جـ ــــ إذا انتهت العلاقة الزوجية بزوجها غير العراقي بالوفاة أو الطلاق أو التفريق بحكم قضائي.
ثانياًـــــ تعاد الجنسية العراقية في الحالات المنصوص عليها في البند (أولاً) من هذه المادة من تأريخ تقديم الطلب على أن تكون موجودة في العراق.”
وهذه المادة تعطي الحق للعراقية التي تخلت عن جنسيتها العراقية حق إستردادها في حالات ثلاث في أعلاه دون التقيد بمدة معينة شريطة أن تكون موجودة في العراق.
(8) تقضي المادة 8 من المشروع المذكور، إضافة البند (ثانياً) إلى المادة (17) من القانون، لتقرأ على النحو الآتي: –
” يُعد عراقي الجنسية كل مَن كان من أفراد الكُرد الفيليين ومسجلاً في سجلات الأحوال المدنية لعام 1957 أو أي تعداد سابق له ويتم التعامل معهم على وفق أحكام المادة (3/أ) من قانون الجنسية العراقية.”
ونص المادة 17 من القانون الحالي لعام 2006، قد أعطت لهم هذا الحق حصراً دون الإشارة لهم صراحة. ويبدو إن المشرع قد إستشعر الحرج آنذاك، وذكرهم بشكل مؤارب، في حين رفض إستعادة اليهود العراقيين لجنسيتهم التي فقدوها عامي 1950و1951، بقولها: “يلغى قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم (666) لسنة 1980 وتعاد الجنسية العراقية لكل عراقي أسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب القرار المذكور وجميع القرارات الجائرة الصادرة من مجلس قيادة الثورة (المنحل) بهذا الخصوص.”
وهذا النص الإضافي يعد نصاً توضيحيا لنص المادة 17 من القانون النافذ، وكل ما فعله مشرع التعديل هو ذكر المشمولين بهذه المادة حصراً، وهم الكرد الفيليين، وهم من العراقيين من أصول إيرانية. لذا أثار هذا النص لغطاً وجدلاً كبيرين. فقد سبق الذكر، أن الكرد الفيليين قد غادروا العراق بموجب قرار مجلس قياد الثورة المنحل (666) لسنة 1980 قبل بدء حرب الخليج الأولى (العراقية-الإيرانية) بثلاثة أشهر.
وسبق القول، إن قرار مجلس قيادة الثورة المشار المذكور، هو القرار المنشور في الوقائع العراقية، الجريدة الرسمية بالعدد (2776) والمؤرخ في 26/5/1980 والقاضي بإسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي من أصل أجنبي إذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة وتخويل وزير الداخلية صلاحية إبعاد كل من أسقطت عنه الجنسية العراقية ما لم يقتنع بناءً على أسباب كافية بأن بقاءه في العراق أمر تستدعيه ضرورة قضائية أو قانونية أو حفظ حقوق الغير الموثقة رسمياً.
وبهذا تكون هاتين المادتين من قانون الجنسية لعام 2006، قد أعادت الجنسية العراقية للعراقيين من أصول إيرانية والتي سبق أن قرر قرار مجلس قيادة الثورة في أعلاه (عدم ولائهم للوطن والشعب). وهذا ما يقتضي سرد تاريخي موجز للكرد الفيليين إعتمادا على مصادرهم، لتوضيح الصورة وتقريبها، دون الإساءة إليهم.

فالأكراد الفيليون هم من سكان المناطق الوسطى والجنوبية. وكان تمركزهم في المناطق الحدودية المحاذية لإيران، مثل خانقين ومندلي. ومن المعلوم أن أكراد الشمال أغلبهم من السنة وتحديدا من أتباع المذهب الشافعي. أما أكراد الجنوب والوسط العراقي فهم من أتباع المذهب الشيعي الإمامي الإثنى عشري.

وتعود مأساة الكرد الفيليين إلى ذلك الصراع السياسي الطويل الذي دار بين الدولتين العثمانية والفارسية والذي أدى إلى منح أبناء العراق حرية المفاضلة بين التبعية الإيرانية والتبعية التركية فكان أن اختار كثير من الشيعة العراقيين التبعية الإيرانية تخلصا من التجنيد الإجباري للدولة العثمانية، ومن بينهم الكرد الفيلييون. حتى أن المس بيل السكرتيرة الشرقية لدار الإعتماد البريطاني في العراق، قد ذكرت في أكثر من موضع من رسائلها المنشورة بأن مشكلة الشيعة هي الأخطر في العراق تشكيل الحكومة، وإن “إحدى الصعوبات هي إن جميع رجال الشيعة البارزين في المدن، أو كلهم تقريبا، هم من رعايا إيران، ويجب أن يحملوا على التجنس بالجنسية العراقية قبل أن يتمكنوا من إشغال الوظائف الرسمية في الدولة”. (رسالتها إلى والدها في 1 تشرين الثاني 1920).
كان تعداد الكرد الفيليين بحدود 70 ألف شخص عامي 1970-1971، وقد تم تهجيرهم منذ عام سبعينيات القرن الماضي لأسباب عديدة، في مقدمتها، تبعيتهم الإيرانية، ثم إنتماءهم لإحزاب معارضة مثل الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني، ومعاداتهم للتطلعات القومية العربية منذ ثورة 14 تموز 1958، وأخيرا التأثير الاقتصادي المتنامي لهم، خاصة بعد ترحيل يهود العراق عام 1950، فأصبحوا القوة الاقتصادية الأولى في العراق. ومع ذلك لم يقبلهم نظام الشاه في إيران آنذاك فعادوا إلى العراق بعد وقت قصير.
وفي 1 نيسان عام 1980 سارت أمور الكرد الفيليين في منحى خطير، عندما حدث تفجير إستهدف نائب رئيس الجمهورية العراقي طارق عزيز أثناء زيارته للجامعة المستنصرية في بغداد وعند البوابة الرئيسية للجامعة مما أدى إلى وفاة طالبة عراقية تدعى (فريال) وطالب أخر، وجرح عدد من الطلاب. وفي مساء نفس اليوم أعلن التلفزيون الحكومي الرسمي إن من قام بالعملية هو طالب من التبعية الإيرانية يدعى (مير علي) أو (غلام علي). وجرى إستهداف موكب تشييع الطالبين أيضا. وفي اليوم الثالث حضر صدام شخصيا إلى الجامعة ووقف خطيبا في الساحة القريبة من البوابة الشرقية للجامعة وكان يحيط به مجموعة من أفراد المخابرات والطلبة البعثيين. وهدد –وسط التصفيق والهتافات – بأنه سوف يثأر لكل قطرة دم أريقت على ثرى الجامعة. ثم غادرها على عجل.
وعلى أثرها أصدر صدام أمراً بجمع مئات من تجار العراق في قاعة الشعب في بغداد يوم 7/4/1980 بحجة منحهم إجازات استيراد جديدة، احتفاءً بميلاد حزب البعث… وكان أكثر من أربعمائة تاجر من الدرجة الأولى من الكرد الفيلية، في تلك القاعة التي ضمت حوالي تسعمائة تاجر من حاملي هوية غرفة التجارة من الفئة (أ) لكبار التجار.
أفتتح الإجتماع نائب رئيس الجمهورية طه ياسين رمضان، بخطاب عنصري قاسٍ ضدهم، ثم أوعز إلى جنوده لإخراج التجار من الكرد الفيليين من الباب الخلفي لقاعة الاجتماع، وتوجهت بهم الباصات وعلى الفور، إلى الحدود العراقية الإيرانية لطردهم من وطنهم العراق وهم لا يحملون، إلا هوياتهم ومفاتيح سياراتهم. لقد تم إسقاط الجنسية العراقية عنهم وعن نصف مليون كردي فيلي آخر، بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المشار إليه في أعلاه، وتم تجريدهم من جميع الممتلكات والبيوت، والوثائق الثبوتية وشركاتهم ومتاجرهم العامرة ومصانعهم المنتجة.
وقد جرى حجز مئات الآلاف من العوائل الكردية الفيلية في بغداد والكوت وخانقين والحي وبدرة وجصان والبصرة وديالى وميسان والكوفة والناصرية خلال الأشهر التالية. وأودعوا في سجون ومعتقلات النظام في الكاظمية والفضيلية وصدر القناة وأبي غريب والحبانية وسجون ومعتقلات محافظات واسط وبابل والبصرة وديالى والناصرية وميسان والكوفة والحي وخانقين ومندلي وغيرها. أعقب ذلك عمليات تهجير واسعة لمواطنين من التبعية الإيرانية، كما تصاعدت حدة الخطاب الإعلامي المضاد لطهران إلى أن نشبت الحرب في أيلول 1980. (أنظر، عبد الجبار منديل، تفجيرات الجامعة المستنصرية ومحاولة اغتيال طارق عزيز – ذكريات شخصية، موقع الحوار المتمدن في 13/5/2008). ولم يعودوا للعراق إلا بعد عام 1991 في إقليم كردستان العراق عند إقامة الملاذ الأمن لهم بقيادة قوات التحالف الدولي، ثم عادوا إلى بقية مدن العراق بعد غزو الولايات المتحدة للعراق في نيسان 2003، وحتى يومنا هذا.
– خاتمة
وأخيرا، تبدو الأسباب الموجبة لمشروع قانون التعديل هذا، على العكس من مضمونه. فقد جاء فيها “نظراً لظهور مشاكل ومعوقات عند التطبيق العملي لأحكام قانون الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006 ولغرض وضع المعالجة القانونية لتلك المشاكل والمعوقات وتسهيل الإجراءات للمواطن ولغرض منع ازدواجية الجنسية لغير العراقي الحاصل على الجنسية العراقية، ولغرض إنصاف شريحة من المستحقين للجنسية العراقية المتضررين في ظل النظام البائد. شرِّع هذا القانون”.
والحقيقة إن هذا التعديل إنما يخلق مشكلات جديدة كثيرة بدلاً من حلِّ المشكلات السابقة. وإنه لا يسهل الإجراءات لحصول المواطن العراقي على جنسيته، كما إنه لا يمنع حالات إزدواجية الجنسية بل يزيدها، بدليل أن الكثير من المسؤولين العراقيين هم من مزدوجي الجنسية إبتداء من رئيس الوزراء والوزراء، فالسفراء والمدراء العامون. وإن مشروع التعديل يحابي شريحة معينة هي الكرد الفيليين من أصول إيرانية على بقية شرائح المجتمع العراقي، ويبدو التأثير الإيراني واضحا جليا فيه.
إن هذه المحاولة ليست الأولى، فقد سبقتها محاولات أخرى، عندما قام ممثل العراق الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف سابقا محمد علي الحكيم (وزير الخارجية الحالي) بالمصادقة على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف أثناء انعقاد الدورة الاعتيادية العشرون والخاص بالحق في الجنسية: النساء والأطفال، والذي صدر في 16/تموز/2012، حيث نصت الفقرة 4 من القرار المذكور على أن المجلس ( يشجع الدول على أن تيسر، وفقا لقانونها الوطني، حصول الأطفال على جنسيتها عندما يولدون على أقاليمها أو لمواطنيها المقيمين في الخارج ويكونون من غير ذلك عديمي الجنسية). وكان القصد من القرار هو صهر مواطني الدول العربية من خلال منح الجنسية لكل من يولد على إقليم الدولة حتى لو كان والديه من الأجانب، وهكذا فان أي أجنبية تدخل العراق وهي حامل وتلد على الإقليم العراقي حتى لو كانت الولادة قد تمت في طائرة محلقة في الأجواء العراقية، فان على الحكومة العراقية أن تمنحها الجنسية العراقية إسوة ببقية العراقيين. وبرغم من التحذيرات الكثيرة التي أبديتها له، عندما كنت نائباً للسفير هناك، وأتذكر تماما إنه بعد التوقيع على الوثيقة قال لي شخصياً في مكتبه، بعد تنبيهه بمخاطر ذلك مستقبلا: بأن ذلك سيمنح الجنسية العراقية للمولود من إي إيرانية حامل تدخل العراق في زيارة دينية وما أكثرهن، وتضع طفلها داخل العراق. وإعتقدت في حينها إنه أخطأ لعدم معرفته بالقانون العراقي، ولكن يبدو لي الأن إنه قد تعمد ذلك بتأثير من السفير الإيراني هناك، الذي كان يتمتع بنفوذ كبير عليه، لا سيما وقد عرفت لاحقاً، أن عائلته من أصول إيرانية. (أنظر، مقال د. رياض السندي-سفير ضد الدولة التي يمثلها، على موقع كتابات في 30 نيسان/أبريل 2014).
والأخطر من كل ذلك، إنه ينسف أساس الجنسية العراقية القائمة على رابطة الدم، وبذلك يمزق النسيج الاجتماعي العراقي. ويقضي على أحد العناصر الثلاثة لقيام الدولة، وهو عنصر (الشعب)، فالدولة مثل القِدر تستقر على ثلاثة أركان، أو كما تسمى بالعربية الفصحى ثالثة الأثافي. وهذا سيقود بلا شك، إلى إنعدام الاستقرار المجتمعي، ويؤدي بالتالي إلى تقسيم الدولة، لا سمح الله.
حفظ الله العراق والعراقيين.

الدكتور رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
كاليفورنيا في 16/3/2019

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.