بقلم د.جميل حنا
علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (13)
25 / 11 / 2018
http://nala4u.com
(آشورالوطن حقيقة تاريخية وأزلية في الكون,كما الشعب الآشوري حقيقة تاريخية وأزلية.بلاد آشور والشعب الآشوري عنوان ورمز أرقى حضارة وثقافة عرفها تاريخ الإنسانية.التي بنت أعظم حضارة مزدهرة على أرض بلاد ما بين النهرين.والحقائق التاريخية تنطق بهاالحجارة والآثاروفن العمران والكتابات المكتشفةعلى أرضه.والمكتشفات العلمية والأدبية والفلكية والفلسفية وكافة العلوم الأخرى,التي منحت للبشرية جمعاء أعظم الخدمات الجبارة في سلم الرقي الثقافي والحضاري للإنسانية.والعلوم المزدهرة بكافة مجالاتها الأجتماعية والعسكرية وبناء الدولة والسلطة والقوانين والتعليم والفلسفة والآداب والفنون والعمران والعادات والتقاليد والأعياد والعائلة وعلوم البيئة والزراعة وأمورأخرى كثيرة كل هذه الأسس الحضارية فخر للإنسانية.وهذا الموروث الحضاري والثقافي لبلاد آشور فخروكنز وزينة مملوء به أشهر المتاحف ومعاهد الأبحاث التاريخية والجامعات العالمية العريقة)
المهن اليدوية
حضارة بلاد ما بين النهرين بنيت على منظومة حياتية كاملة في كافة المجالات لتوفير متطلبات العيش للناس في ذلك العصر.ولذا نجد الإهتمام يمتد إلى نواح ومجالات عديدة لتسهيل أمور الحياة ألى حد ما وتقديم الخدمات اللازمة لهم.وفي هذا الجزء سأتطرق إلى أهم المهن المتدوالة والمهارات الفائقة التي كان يتمتع بها الحرفيون, والخبرة العالية في تحويل المواد الخام إلى أدوات ذات فائدة كبيرة جداً.وحفظت بقايا تلك الأدوات التي صنعت بإيادً بارعة لنا كنزاً عظيماً من المعارف وكذلك نمط الحياة السائدة في تلك الأزمنة والكتابات التي دوّنت على الأجر.
لم يقتصر نشاط سكان بلاد ما بين النهرين على الزراعة والتجارة وحدها،بل كان مزاولة الحرف في درجة عالية من التقدم،وأعمال فنية وكتابات كثيرة تثبت ذلك من خلال الحفريات والعثورعلى بقايا اللقى التي تأكد على أهمية وانتشار المهن بشكل واسع في المجتمع.وفرت البيئة الطبيعية في بلاد ما بين النهرين البعض من المواد الخام التي استعملت كمادة أساسية في الحرف اليدوية.وكان الطمي مادة أولية متوفرة بكثرة وصنعت منها الآواني بأشكالها المختلفة وطابوق البناء وألواح الكتابة الشهيرة التي حفظت لنا إنجازات تلك الحضارة العظيمة وأشياء كثيرة أخرى.
سكان بلاد ما بين النهرين كانوا يعتقدون بأن المهن ممنوحة للبشرمن قوى خارجة عن الطبيعة،وهي هدية من آلهة أعماق البحر والحكمة، السومريون سموه (أنكي) والأكاديون (إيا) واعتقد به الحداد- البناء- الحذاء- بناء السفن- الحائك- الخزاف..الخ وهو شفيعهم.ويذكر الكاتب البابلي بيروسوس من القرن الثالث ق.م بأن “أوانيس” (الكائن السماوي الذي كان له شكل إنسان- سمكة).كائن من جسم السمك ورأس الإنسان،ويد الإنسان- وذنب السمك, خرج من أعماق مياه البحر في الأزمنة القديمة ومنح إنسان بلاد ما بين النهرين كل المعارف التي أحتاجها الإنسان.علم الناس على بناء المدن وتشييد المعابد والقصور والأبنية بمختلف المواصفات وأنواع الفنون والكتابة وتشريع القوانين والزراعة وأعمال قياس الأراضي ومنحهم قدرة التبصرالتنجيم وكل فروع المعرفة اللازمة للإنسان في حياته.
الحرف اليدوية التي كانت تزاول عرفت من وثائق الكتب المدرسية بعد الأكتشافات الأثرية التي أجريت في بلاد آشور,حيث صنفت الأعمال اليدوية التي كانت تدعي بأكادية (دُولي غاتي) وللقيام بهذه النشاطات المهنية,ولإنجازالحرف اليدوية احتاج الأمر إلى موارد الخام الأولية كما ذكر,وكان قسماً منها متوفر محلياً، وكان القسم الآخر يستورد من الخارج،وفيما يلي أهم المهن المعروفة في بلاد ما بين النهرين:
الطحان- الخباز- القصاب- الجعي (صانع البيرة) صناعة المواد الغذائية لعب دوراً هاماً في حياة الناس
وقد أولى أهمية لهذا القطاع حيث كان الخبزمادة غذائية أساسية وكان الفلاح (انجار) ينتج القمح والحبوب اللازمة لصناعة الخبز والطحان (أرار) كلمات معروفة حتى قبل العهد السومري وكذلك الفران (أنديب) منذ الألف الخامس ق.م كان يتم طحن الحبوب بواسطة الحجر بأن توضع كميات من الحبوب بين حجرين دائري الشكل وسطحه خشن (المجرشة)أو(كورستو’كورستا).وكانت تدار بقوة اليد بواسطة مقبض مثبت على الرحى, وهكذا كان يطحن الحبوب بفضل النتوءات والحفرالموجودة على سطح الحجر الصلب,ومازال هذا النوع من طحن الحبوب موجود حتى يومنا هذا,وخاصة في المناطق النائيىة. وكانت تستخدم أنواع أصغر لطحن التوابل. وكانت النساء تزاولن في المقام الأول مهنة الطحن وخاصة الخادمات والعبيدات منهن. لقد تم اكتشاف لوائح طينية يذكرهذه المهنه.وقد ورد في هذا اللوح ذكر للأجور من عهد السلالة الملكية الثالثة لـ أور:
(لقد سلم مانسوم ابن إراندا للنساء الطحانات أجرتهم وهي بمقدار 187 قوروش ملكي و 190 سيلا قمح حسب مقياس مانيا البرونزي,من العنبر الجيد للسيدة في شهر غود-بيار، بعد عام من تدمير قيماش)
الفران
كان الفران يقوم بتجهيز الخبز من الشعير على الأغلب وأحياناً من طحين القمح. حيث تخلط كميات معينة من الدقيق مع كمية الماء اللازمة وتعجن جيداً في آواني خاصة لهذا الغرض.وبعد ذلك يقطع من كتلة العجينة قطع صغيرة الحجم ويصنع صفائح توضع في الفرن على الحجرالموقد المسخن مسبقاً إلى درجات عالية أو كان يلصق بجدار الفرن كما قي حالة التنور في الوقت الحالي.وكان الخبز يصنع بأشكال وأنواع مختلفة، ولكل نوع من الخبز له تسمية خاصة، وعرفوا أنواع الفطائر،كما صنعوا الخبز الذي يدوم لفترات طويلة دون أن يتعفن أي “الباقسمات”, نوع من الخبز المجفف.وأصحاب محلات الحلوى صنعوا أنواع مختلفة من الحلوى والكعك وكان يخلط بالتمرأو يحشى بالتمر,وجميع هذه الأنواع تحضرفي الكثير من المجتمعات وخاصة في بلاد ما بين النهرين.
القصاب
كان القصاب يمارس مهنته بالقرب من البلاط الملكي والمعابد وكان يشرف على الذبائح التي تقدم في المعابد والتي تقدم الطعام في البلاط .وكان القصاب او الجزار يذبح المواشي بكافة أنواعها ويقطعها حسب الطلب بعد سلخها من جلدها، حيث كان الجلد يرسل إلى أماكن خاصة لتصنيعه,بعدما كان يعامل بمواد وطرق مختلفة ليكون صالحاً للتصنيع.وفي العصور المتأخرة كان القصاب يقوم بعملية الطبخ أيضاً بعدما تم توسيع المسلخ والحق به أقسام المطابخ المجهزة بأدوات وآواني الطبخ اللازمة والمواقد النارية لتحضير كميات كبيرة من الطعام.
الجعة (البيرة)
كان صانع البيرة الجعي يعمل بالقرب من المصانع الصغيرة المقامة بالقرب من المعابد والبلاط الملكي وكان عاملاً في خدمة المعبد والبلاط.وكان يسمى طباخ الجعة أو (رجل خبز البيرة) وكانت كميات البيرة المنتجة توزع في أغلبها على الخمارات التي كانت متوفرة ومنتشرة في كافة المدن في بلاد ما بين النهرين .وفي أغلب الأحيان كان أصحاب هذه المحلات نساء. وكانت هناك مراقبة شديدة على نوعية الإنتاج، وكانت القوانين تعاقب أصحاب المحلات عندما يكتشف أي غش في نوعية المشروبات.البيرة كانت من المنجزات الحضارية في المدن. هذا مقطع من نشيد نينكاسي:
(الجعة اللذيذة في كأس القصب،
تعال إلي أيها النادل ! الخمار، طباخ البيرة
دعني أن اسكب بحيرة البيرة الفياض
أريد المرح، أريد المرح
أشرب الجعة، وقلبي يسبح في غمرة الفرح
أشرب الكحول، أحلق في الهواء
قلبي مرح،
قلبي مملوء بالسعادة
شعور اللذة يغمر قلبي المريح)
الجعة كانت من المشروبات المتوفرة بكثرة في أنحاء الإمبراطورية وكان بمتناول الجميع وكانت أسعاره ملائمة لجميع فئات الشعب. وكانت صناعة البيرة معروفة أيضاً في العهد السومري وسميت البيرة باللغة السومرية (كاش) وبالأكادية (شيكارو))
جهزت الجعة من شعير الخبز المنقع في الماء ومن الملط (الشعير المنبت,براعم) كان يضع في إناء كبير عنقه رفيع،ونهايتها من الخلف ذو نهاية رفيعة تغرس في الأرض وكان وعاء صنع البيرة يسمى بالأكادية (نامزتو) لم تكن في تلك العهود حشيشه الدينار التي تكسب البيرة نوع من حرارة الطعم معروفة, لذلك تم تقمير الشعير بواسطة رماد ساخن وهذا كسبها نوع من المرارة. صنعت أنواع مختلفة من البيرة بيرة فاتحة اللون- بيرة مخمرة- بيرة بنية اللون- بيرة حمراء اللون وكانت هذه الأنواع تختلف بحسب طريقة الطبخ او التحضير ودرجات الحرارة ومدتها.تبين رسومات الألواح القديمة المكتشفة أثناء الحفريات بأن شرب البيرة كان يتم من نفس الإناء الذي تم تخمير البيرة فيه بواسطة قشة طويلة أو قصبة رفيعة (شلامونه). كما ذكر سابقاً كانت البيرة في متناول الجميع أي شراب عامة الشعب، والنبيذ شراب الملوك بسبب ارتفاع أسعاره وكانت صناعة النبيذ من العنب مهنة مفضلة ويحتاج إلى خبرة وذوق جيد.وكانت نوعية النبيذ تتعلق بأنواع العنب وطريقة التصنيع.وعصر العنب كانت مهنة خاصة،مثل استخلاص الزيت من السمسم.كان نوعية النبيذ على العموم جيد ومذاقه لذيذ، إلا أنه كان يستورد أحياناً بعض الأنواع من خارج الإمبراطورية, وكان النبيذ شراب دائم الحضور على مائدة الملك وعلى موائد الفئات الغنية من الشعب وفي المعابد.
الخزاف وحرق القرميد
طين الخزاف – كمادة خام أساسية في بلاد الرافدين استخدمت على نطاق واسع جداً.ونادراً قلما توجد مهنة تكون قريبة ومنسجمة مع الفنان مثل حالة التصنيع من طين الخزف,حيث تتحول إلى مادة مطاوعة تصنع منها الأشكال والأحجام والأنواع المختلفة من الأحواض الأدوات واللوازم البيتية.كما استخدم كمادة بناء بعد خلطة مع القش, وهذا النوع ما زال يستخدم في بلاد ما بين النهرين على نطاق واسع في وكان الطابوق يشوى أي يعرض إلى درجات حرارة عالية فيتحول إلى القرميد المحروق وتؤكد على ذلك المعطيات المتوفرة من قبل عصر شاروكين.وكذلك تم خلط الإسفلت مع الطين، وحصل على مادة فضية قاسية مثل الحجر.وشكل القرميد الذي أستخدم في البناء تغير حسب الزمان والمكان.صنعت قراميد مسطحة ومحدبة، في أوروك كان يفضل النوع الصغير من القرميد 6*6*16سم حتى 6*6*24سم وفي أماكن أخرى 9*9*18 حتى 7*47*47سم. وخلال مراحل التطور توصل حراقي القرميد في بلاد ما بين النهرين, إلى تصنيع ألوان مختلفة من الأنواع الكمالية أيضاً، وذلك بواسطة التشغيل على سطح القرميد استطاعوا أبراز أشكال ورسومات مزخرفة غنية.كان الفنانون يجهزون مخططات القراميد والتنفيذ كان مهمة الخزافيين أي حرفيي صناعة القرميد.صناعة الخزف كانت أكثر المهن انتشاراً، وتعود بداياتها إلى ما قبل التاريخ.والتسمية السومرية أيضاً تؤكد على قدمها لأن هذا التعبير كان مستخدماً لدى الشعوب الذين سبقوا السومريين. كثيرمن الخزافيين عملوا بدرجات عالية من الدقة وصنعوا أشكال فنية رائعة زينت بمشاهد معبرة عن حدث ما أو تم تزيينها برسوم ملونة.كان الطين اوالمادة الخام المستخدم في صناعة الخزف رافق حياة الإنسان في بلاد ما بين النهرين منذ الأزمنة الغابرة حيث صنع من الطين الأوعية وقسم من الأدوات التي كانوا يستعملونها في حياتهم اليومية منذ الولادة حتى بعد الممات.أي صنع منه المهد للمواليد الجديدة,كما صنع منه التابوت لدفن الموتى,على أقل تقديراستخدمه الأغنياء.وربما أهم إنجاز الذي ترك لنا معارف كثيرة عن تلك الحقبة هي صناعة الألواح الطينية التي دوّن عليها كل القضايا الهامة في حياة البلد والبشر والبلاط الملكي وسلالات الملوك, وكان الكاتب يجهزها بنفسه.وصنع من الطين ألعاب خزفية بأشكال مختلفة.
صناع البردي وتصنيع القصب
المعنى المستخدم لمفهوم كلمة (أدكوب) صانعي القصب مصدرها من العصرما قبل السومري.والقارب
جهز من القصب وفروع شجر الصفصاف على شكل سلة دائرية يكسوبجلد الحيوانات كما كان الجلد يكسو بطبقة من الأسفلت لتكون طبقة عازلة تمنع تسرب المياه إلى داخل القارب.بهذه الطريقة حصلوا على وسيلة نقل مائية سهلة التوجيه. ويورد ذكر للقارب في كتاب هيرودتوس (حرب الإغريق والفرس)
وجهزوا من القصب أدوات استعمال عديدة والكثير من اللوازم السكنية منها على سبيل المثال الستائر التي كانت بمثابة الأبواب أيضاً.واستعمل القصب كمشعل بعد ملئه بالإسفلت.القصب حل محل الخشب بشكل ممتاز في كثير من الحالات،بسبب عدم توفر الكميات الكثيرة من الخشب من أجل ابناء.
النجارة والموبيليا
كان النجارين كأفراد من الصعوبة أن يحصلوا على الخشب في بلاد الرافدين، لذلك كان الغالبية منهم يعملون لدى المعابد والبلاط. والكلمة السومرية نجارالمأخوذة من السكان الذين سبقوهم، والأكاديون يطلقون عليه نجارو وكانت هذه تسمية مشتركة على النجارين والموبيلجية صناع أثاث البيت.وبشكل عام كانت حرفة النجارة تضم صناعة الموبيليا وأثاث البيوت بكافة أنواعه وصناعة الأبواب أيضاً.وكان الأثاث من القطع الثمينة العائدة للسكن وتصنف في قائمة مستقلة أثناء توزيع الإرث أو أثناء البيع.وكانت صناعة السفن والعربات من مهمات النجار.
الحائك والنجار
الأخصائيين يبحثون في زمننا الحاضر عن جواب مقنع على السؤال التالي أيهما أقدم حرفة نسيج القصب أم نسيج الصوف أو الكتان؟
أما بهذا الخصوص فيعلق السيد اركي صالونين بسخرية، بأن حرفة الخياطة أقدم حرفة عرفتها الإنسانية، عندما –أكل الإنسان(آدم وحواء) من تفاحة المعرفة على حين غرة أدركوا بأنهم عراة، وذهبوا لحانوت شجرة التين. نعلم، بأن الإنسان البدائي استخدم جلود الحيوانات ليكتسي بها.
يمكن متابعة غزل ونسيج الصوف والكتان من العصورما قبل السومريين وكلمة الحائك إسبار أو أوسبار أيضاً قدم من الشعب الذي سبق السومريين، والأكاديون إسبارو.
والصوف المغُزل كان لونه طبيعي: الأبيض – الأسود – الأحمر البني – الأبيض والأسود – الرمادي الذي يجدل منه الخيوط. بعد ذلك تأخذ الخيوط المغزولة إلى المصبغة لإصباغها ولإضافة تأثيرعال على النسيج,كانت الخيوط تحبك في المصبغة بخيوط ذهبية. أما بشان غزل الكتان فإن المعلومات المتوفرة أقل عما يعرف عن غزل الصوف,وكان نسيج الكتان موضع تقدير،كُسيت تماثيل الآلهة بقماش الكتان.
والغالبية العظمى من غزل كميات الصوف كانت تتم بواسطة النساء الخادمات في المعابد. واستعمل لنسج الخيوط كرسي النسيج العامودي وكانت تظهر منه أجزاء صغيرة جداً فقط. وبعد ذلك يمر النسيج من عند المصنف الذي يحدد النوعية والكمية وحسب الألوان.
تم تحضير الأنواع المختلفة من الملابس من القبعة حتى الجوارب أي جميع أنواع الكساء اللازم.سكان بلاد ما بين النهرين كانوا يصدرون مودة الملابس إلى الأوطان المجاورة، وكان هناك إقبال شديد على منسوجات الملابس الرافيدية والملابس الجاهزة. ولم يبقى من القماش بلاد ما بين النهرين إلا جزء يسير لا يذكر يصعب تبيان الصورة الكاملة من خلال قطع قليلة باقية للألبسة للباس الناس.ولكن لحسن الحظ بفضل التماثيل والمنحوتات الجدارية يمكننا مشاهدة صورة كاملةعن ملابس ذلك العصر.
ورشات المغازل والنسج العاملة بالقرب من المعابد والبلاط، كان غالبية العاملين فيهما هم من النساء العبيد والخدم.وحسب الوثائق الموثوقة من العهد البابلي الجديد تأكد، بأن الحائكين تجمعوا في اتحادات (جمعيات روابط) مستقلة. وعمل بالمغزل نساء الفئات الغنية أيضاً وعملوا في مجال تطريز الملابس للملك أو لكبار رجال المعابد أولأنفسهم لتزيين ملابسهم بزهوة رائعة,وكان الون الأحمرالفاتح والأزرق الغامق لتنقيش الحواف من الألوان المرغوبة.
المنتوجات الجلدية
الحذاء والصندل لم يكن شائعاً قبل عهد حمورابي في بلاد ما بين النهرين إلا بشكل قليل،كان قبل ذلك يصنع ويستخدم أكثر في المناطق الجبلية.وكانت أفضل أنواع الأحذية تلك المجهزة في ميتان وتصنع للجيش إضافة ألى لوازم عديدة أخرى مثل الأحزمة، حزام الخوذة، الدروع، السوط، محفظ السهام، وأغمدة السلاح.كما صنع من الجلد أكياس للفضة ولحفظ أنواع مختلفة من الأدوات، وجهز من جلد الخَروف وعاء لنقل الماء ومنطاد السباحة، وهذا الأخير كان يتم نفخه بالهواء ويستخدم لتسهيل السباحة. كان الحذائون ومحضري الجلود يتحدون في جمعيات أو اتحادات حرفية. وقوانين حمورابي تطرق بالتفصيل إلى طبيعة عملهم وأجورهم.وكذلك بدأت تتطور صناعة الرقائق -البردي حيث بدأت الكتابة على هذه الرقائق وأتحد أصحاب هذه المهنة في نقابة حرفية حرة,مستقلة.
الحداد، سكاب المعادن- (السنكري)
لم تقتصر حرفة صناعة المعادن على مهارة يد العاملين وإنما تجاوزتها إلى مجال أرقى إضافة إلى صناعة المنتوجات المتتالية أبدع البعض بإنتاج قطع قليلة حسبت في عداد الأعمال الفنية وتركت عليها بصمات صانعها الفني.
أحد أهم الشروط التي وجب توفرها، في الحداد الذي يقوم بصب المعادن وتحضير السبائك المعدنية، (مبادئ علمية أساسية كيميائية والخبرة التكنولوجيا اللازمة بهذا الخصوص).وقد استخدم السكان انواع مختلفة من المعادن ومنها النحاس الذي كان يسمى بالسومرية (أورودو) بالأكادي (إيرو) وجلب من أرمينيا وعيلام وأسيا الصغرى إلى بلاد ما بين النهرين.منذ 4 آلاف عام قبل الميلاد يمكننا أن نتحدث عن العصر النحاسي. والعصر الحديدي منتصف الألف الثاني ق.م – نجد إشارة واضحة إلى الحديد في عهد حمورابي وفي بداية الألف الثالث قبل الميلاد أستخدم الأشوريون أفران صهر الحديد ورمز فرن الصهر مثبت في الكتابة المسمارية.كان الحديد في البدء غالي الثمن لأنه كان يجلب من المناطق المذكورة أعلاه، وسماه السومريون (هدية السماء) وأعطوه السمة السحرية انتشر استخدامه تدريجياً، وفي دور شاروكين عثر على كميات غير محدودة من أدوات الحديد: سلاح، سلاسل، مسامير، عدُّة..الخ. كما عومل القصدير،الرصاص، انتيمون (إثمد) مغنزيوم في سبائك , الصهر والمزج لكسب المعادن مواصفات خاصة.
من بين المعادن الثمينة كان الصائغون يعاملون الذهب والفضة بدرجات فنية عالية ويصنعون قطع فنية رائعة ترتقى إلى مستوى أعمال فنية ،وخاصة الذهب ذو النقاء العالي كان له قيمة عالية.وبسبب نوعية الذهب السيئة حدثت أزمة دولية آنذاك بين الكاشيين والفراعنة.لذلك نرى أحتجاج ملك الكاشيين بورنابورباش على نوعية الذهب المرسلة له من أمينوحوتب الرابع في رسالة تم العثور عليها في مكتبة العمارنة وقد ذكر فيها:
(وما يخص سفيرك الذي أرسلت معه 20 مانوم ذهب لم يكن ذهباً صافياً عندما وضع في الفرن لصهره، لم يبقى منه إلا أقل من 5 مانوم ذهب).
والحداد-ناباهو- كان يصنع الحديد (وكلمة سيموغ السومرية أتت من عهود قبل السومريين.والحداد كان حانوته دائماً بالقرب من بوابة المدينة وفي بورسيبا أطلقت على إحدى مداخل المدينة (باب الفرن)
في مثل هذه الأفران كان يتم صهر الفلذات لاستخلاص الحديد أو إعادة صهرالمعادن وصنع سبائك الحديد والرصاص، الرصاص والنحاس.
والحداد كان يصنع الأدوات الزراعية وأدوات القطع وفي المقام الأول السلاح وأدوات مختلفة أخرى. وتسمية كلمة ناباهوكانت ملازمة لكل الذين عملوا في حرفة (مجال المعادن النحاسي ناباهو سيباري – وصائغ الذهب ناباهو هوراسي أو كوتيمو أيضاً. وصانع السهام كان له اسم خاص.
قاطع الأحجار
قطع الأحجار(مقالع الحجر) لم تكن مهنة منتشرة بكثرة وإنما حمورابي يذكرهم في شريعته ويحدد طريقة دفع أجورهم. قاطع الحجر كان يحفر على الحجر كتابة ورسوم الأختام، والتي تعد البعض منها تحفة فنية.
بالإضافة لذلك جهزوا بواسطة المهارة اليدوية- أدوات مختلفة، مثل حفر حجر البازلت لطحن الحبوب، أواني مختافة، صحون، أكواب، هاون وأثاث العرش, والحفر على العاج كان يقوم بها أناس مختصين في هذا المجال.
الطلاب الحرفيين طلاب المهن
تعليم المهن المختلفة تطلب الأمر الذهاب إلى المدارس والتعلم ما يشبه إلى حد كبير المدارس المهنية في عصرنا الحاضر.وسنوات الدراسة اختلفت طول فترتها بحسب الحرفة التي كان الطالب يختارها.كانت حرفة البناء أطول مدة إذ تدوم لثمانية أعوام وأحياناً يصعب فهم لماذا احتاجت مهنة الغسل والتنظيف لستة أعوام من الدراسة للتمكن منها.ومهنة النجارونجار الموبيليا أحتاج الطالب إلى فترة دراسية على مدار خمس أعوام ليكون مؤهلاً في هذا الأختصاص.
والفران تعلم في المدارس خمسة عشرة شهراً. لقد عثر على بعض عقود الطلاب من العهد البابلي الجديد. كان أصحاب محلات العمل يأخذون الطلاب الخدم من مالكيهم، وكانوا يقدمون لهم الطعام يومياً وكان مجبراً بتأمين الملابس للمتعلم.بينما كان يلزم معلم المهنة نفسه، بأن يعلم الطالب المودع لديه حسب الفترة الزمنية المتفق عليها، وفي حال عدم تمكن الطالب من التعلم خلال تلك السنين يغرم المعلم بعقوبة مالية كبيرة.وفي عهد حمورابي عرفت طرق أخرى لتعليم المهنة بأن يتبنى صاحب العمل الطالب،وأما إذا لم يعلم الطالب بشكل جيد كان عقد التبني يلغى ويعود الطالب إلى بيت أهله – أسرته كما ورد في شريعة حمورابي (189-188).)
أجور العمل
بالرغم من وجود شرائع تحدد أجرة العامل إلا أنه لا يمكننا أن نأكد بأن العمال أصحاب المهن كانوا يحصلون على كامل حقوقهم ويتقاضون رواتب كافية.
إذا نظرنا إلى شريعة حمورابي الجزء الذي يخص الرواتب نشك بان تكون الرواتب عالية.الفقرة 274 من القانون يورد عشر مهن مختلفة، ويحدد للحرفيين رواتبهم اليومية ، وللأسف أن الألواح الطينية معطوبة في مواضع هامة إما أن تكون الأجرة واضحة والحرفة مفقودة وإما أن تكون الحرفة مبينة والأجرة غير واضحة، لذلك المعلومة المتوفرة الواضحة تعطينا نظرة عامة.
وأما الأجرة اليومية الواضحة فهي بالضبط صانعي الحبال 5-6 سي أوم (حبوب) فضة – النجار 4-5 “سي أوم فضة”. إذا قارن أجور المهنيين مع أجور العاملين بالزراعة، بالمقام الأول تلك الأجور التي كانوا يتقاضونها أثناء موسم الحصاد، نلاحظ الفرق كان الزراعيون يتقاضون أجورأعلى.ولكن أجرة الحرفيين كان أيضاً مرتبط بأهمية العمل وسرعة إنجازه.
الحرف في بلاد ما بين النهرين لم يكن مقتصراً على الرجال فقط كثيراً من المهن كانت تزاولها النساء أيضاً كالرجال.ليس فقط الحائكة والنساجة والطحانة والفرانة والطباخة وإنما نجد طباخة الجعة،والحدادة والصائغة أيضاً.
نقابات الحرفيين
في النصف الثاني من الألفية 2 ق.م كانت المدن في بلاد ما بين النهرين مكتظة بالسكان،والحرفيين الذين كانوا يعملون لصالح المعابد والبلاط.كانت حاجات سكان المدن المكتظة في تزايد مستمروكان لا بد من توفير متطلباتهم اليومية المعاشية والخدمية.ولذا نجد فئة الحرفيين عملوا على تأسيس جمعيات لتأمين التطوروالإزدهار الإقتصادي لمصلحتهم والمجتمع,وعن طريق الجمعيات كان الحصول أسهل على المواد الخام.وكان بإمكانهم تلبية الطلبات الكبيرة وتأمين متطلبات النوعية للعمل.سكن أعضاء الجمعيات الحرفية في أحياء معينة – خاصة في المدن وتسمى بعض الشوارع بأسماء الحرف,كما هو دارج في وقتنا الحضر,شارع النجارين,الحدادين الصاغة…ألخ
وجمعيات الحرفيين كانت تملك الأراضي الزراعية لتأمين حاجات أعضائها من المواد الغذائية لكي لا يضطروا إلى شرائها أو كانوا يحصلون على الأنواع المنتوجات بالتقايض. موضوع الجمعيات الحرفية والحياة التنظيمية لها موضع نقاش بين الأخصائيين بعلم الأشوريات.لم يتم حتى الآن التأكد من استقلالية تلك الجمعيات.كان على رأس تلك الجمعيات مفتش أوغولا (سومري) فالكوم (أكادي) وفي العهود الوسطى البابلية لم يعد له وجود،عوضاً عنه يظهر”رابي”, الذي يعني”معلم “الكلمة المتداولة بين الآشوريين في الكلام والكتابة حتى يومنا هذا.والصاغة كانوا يقومون بجميع مراحل العمل بدءاً من صهر المعادن حتى تحضير الشكل النهائي المطلوب,وكانوا يرصعون المعادن بالأحجارالكريمة.وجهزوا التماثيل اللازمة للطقوس،ويعملون على صيانة الحلى والمجوهرات بانواعها.مع زيادة إستيراد الأحجار الكريمة إلى البلد حصل الصاغة على كميات أكثرلتصنيعها بأعداد كبيرة مماثلة للأنواع التي ازداد الطلب عليها: القرائط – السوارت – السلاسل…الخ كانت تصب في قوالب محفورة في الحجر الكلسي.
تطلب من الصاغة كفاءات عالية من المهارة لتلبية حاجات ورغبات الناس،وخاصة إذا كان صاحب الطلب من المشاهيرفي المجتمعو وكانت الدقة وجودة العمل المنجز شرطاً لا بد منه.وهذا ما نشاهده في بعض الكتابات من ذلك الزمن.عندما طلب ( موراشو وأبناءه أصحاب البنك طالبوا بترصيع زُمُرد في خاتم الذهب,الصائغ قدم تأمين ضمانة بقيمة 10 مانوم فضة سيدفعها إذا سقطت الزمردة من الخاتم خلال عشرين عاماً).وما نعيشه اليوم في كافة بقاع العالم وخاصة الدول المتقدمة الضمانات او التأمين المقدم على الأجهزة وغيرها من المقتنيات ما هي إلا استمرارلما كان قائم في حضارة بلاد ما بين النهرين وأساس الغالبية الساحقة من الحرف اليدوية الأساسية وضعها ومارسها أبناء هذه الحضارة العظيمة التي قدمت خدمات إنسانية رائعة لكل البشر في الكون.
د.جميل حنا
2018-11-25
للمزيد; انقر على الرابط ادناه