بقلم شذى توما مرقوس
وقاحة ـ قصة قصيرة جداً –
10 / 06 / 2018
http://nala4u.com
وَقَاحة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ قِصَّة قَصيرَة جِدَّاً ــ
بِقَلم : شذى توما مرقوس
الجمعة 7 / 7 / 2000
ــ أُنْظُري سَأَجْعلكِ تَمْرَحين قَلِيلاً …. أُنْظُري كيْفَ سأَسْخرُ مِنْهُ …
ــ لا …. لا …. لا تَفْعل هذَا ….. لا أُحِبُ السُخْرِيَة مِنْ الآخَرِين خصُوصاً وهم يَعْملُونَ حثِيثاً لِكسْبِ لُقْمَةَ عيْشِهِم .
سَحبَها بِقُوَّةٍ مِنْ يَدِها فأَصْبَحا واقِفينِ بِيْنَ حشْدٍ مِنْ النَّاسِ مُلْتَّفينَ حَوْلَ بَائعٍ مُتَجوِّلٍ يَعْرِضُ مُنْتَجاتِهِ مُزايَدَةً …..
فصَاحَ جون بِالبَائع وهو يَسْخَرُ مِنْهُ في قَرارَةِ نَفْسِهِ :
ــ أُعْطيكَ بِهذا عِشْرِينَ دِيناراً .
وَقَفَتْ تَشْهَدُ ذَلِكَ بِأَلمٍ وانْزِعاج ، حاوَلَتْ أَنْ تَلْفتَ انْتِباه البَائع حَتَّى لا يُصْغِي لِـجون تَارةً بِالإِشَارَة وأُخْرَى بِكلِماتٍ قَصِيرَة تَنْبِيهِيَّة ، ولكِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ في الضَجَّة تَنْبِيهها ، ولَمْ يَأْخُذ إِشَاراتَها على مَحْمَلِ الجَدِّ .
صَدَّق البَائع فصَاح :
ــ مَنْ يُزايد بِأَكْثَر ؟
فرَدَّ آخَر ، وزَادَ جون بَعْدَها ، وتَابعَ آخَر ، وزَادَ جون علَيْهِ ، وبَقِيَ يَلْعب هذِهِ اللُعْبَة القَذِرَة حَتَّى رَسَتْ علَيْهِ المُزَايدَة ، فإِذا بِهِ يَضْحك ويَقُول لِلبَائع :
ــ هَلْ صَدَّقْتَ أَنْ أَشْتَرِي هذِهِ البِضَاعة مِنْك …. إِنَّها لا تُساوي فِلْساً .
فقَالَ البَائع بِتَأَثُّرِ مَنْ نَالَ صَفْعة :
ــ لِماذَا إِذْن زَايدْتَ وأَبْدَيْتَ عكْسَ ذَلِك ؟
أَجابَهُ جون بِوقَاحة وهو يَضْحكُ ضَحْكة شرِيرَة :
ــ كُنْتُ أَسْخَرُ مِنْك فَقَط ْ…… أَتَسلَّى .
وكسَرَ الخَجَلُ مِنَ الحشْدِ الوَاقِف قَلْبَ البَائعِ المَسْكِين ، وشَعرَ بِرَغْبَةٍ عمِيقَةٍ في ضَرْبِ هذَا الرَجُلِ الوَقِح ضَرْباً مُبَرِحاً ، ولكِنَّهُ ولأَوَّلِ مَرَّةٍ انْتَبَه لِتَلامِيحِ وَجْهِ الزَوْجةِ الوَاقِفَة إِلى جِوارِهِ الغَيْرُ رَاضِيَةٍ عَنْ تَصَرُّفِ زَوْجِها الأَحْمَق ، ثُمَّ إِنَّهُ خَافَ على حاجِياتِهِ مِنَ السَرِقَةِ والكسْرِ لَوْ انْصَرَفَ لِعِراكِ هذَا الرَجُل ومُلاكمَتِهِ ، فصَاحَ مُتَألِّماً :
ــ اذْهَبْ … اذْهَبْ …. لا وَفَّقَكَ الله ولا عافَاكَ ولا بَارَكَ لكَ في رِزْقِك .
أَجابَتْ الزَوْجَة :
ــ إِنَّني أَعْتَذِرُ نِيابَةً عَنْهُ .
صَرَخَ جون بِوقَاحة :
ــ لا تَعْتَذرِي لِهذَا القَذِر .
ثُمَّ نَطقَ سَيْلاً مِنَ الشَتَائم والجمْهُور الوَاقِف آخِذاً بِهِ الاسْتِغْراب والعجَبَ ، فأَمْسَكَ البَعْضُ بِيدِ جون ودَفَعوهُ بَعيداً طالِبينَ مِنْهُ المُغادرَة ، ولأَنَّهُ كانَ جبَاناً ويَظُنُّ أَنَّ وجُودَ زَوْجتَهُ إِلى جانِبِهِ يَحْميهِ ويَجْعلَ الآخَرِين يَحْسِبونَ لَهُ حِسَاباً ، كما إِنَّ تَصَرُّفَهم مَعهُ يَكونُ بِحذَرٍ ، فلَنْ يَصْفَعوهُ إِنْ أَرادوا ذَلِكَ مَثلَاً … وإلخ ، في قَرارَةِ نَفْسِهِ كانَ يَسْتَقْوي بِاحْتِرامِ الآخَرِين لِزَوْجتِهِ ويَسْتَغِلهُ ، ويَحْتَمي بِها ، وهكذَا حاولَ التَظاهُر بِعدَمِ الامْتِثالِ لِمَا يَطْلبون وعدَمِ الخَوْفِ مِنْهُم وهو الجبَانُ الرِعْديد ، ورَأَتْ زَوْجتَهُ إِنَّ الأَمْرَ لَنْ يَنْتَهِ إِلاَّ إِذا تَدَخَّلَتْ فطلَبَتْ إِلَيْه المُغادرَة بِإِلْحاح فرَافقَها خائفاً مِنْ الجَمْعِ الغاضِب مُتَصنِّعاً الشَجاعة مُبَيِّناً لَهُم إِنَّه شُجاع لَنْ يُغادِر إِلاَّ رضُوخاً لِتَوسُلاتِ زَوْجتِهِ وعَطْفاً علَيْها فيَتْرُكهُم في أَمانٍ وهدُوء ….
ولَمَّا ابْتَعدَتْ بِهِ عنْ الجمْعِ الواقِف ظلَّتْ تَتَشَاجرُ معهُ وتُقَرِّعهُ بِصَوْتٍ عالٍ ، ولَمْ تَسْتَطِعْ كِتْمانَ غَضَبِها الشَدِيدِ مِنْهُ ، فَصَغُرَ كُلَّ أَمْرٍ في عيْنيها ولَمْ تَأْبه لِلنَاس الذِين كانوا يُراقِبونَ بِفضُولٍ شَدِيدٍ هذَا الشِجارُ العاصِف بَيْنَها وبَيْنَ زَوْجِها ، شَعِرَتْ بِأَنَّها تَكْرَههُ وتَكْرَهُ خِسَّتَهُ وحقَارَتَهُ ووَقَاحتَهُ ……
وحِيْنَ وصَلا مَحطَّة نَقْلِ الرُكّاب وكانَ الزُحامُ على أَشَدِّهِ تَوارَتْ في إِحْدَى مَوْجاتِ الزُحام المُتَدافِعةِ لِلصعُودِ إِلى الحافِلَة ، بَيْنَما كانَ هو يَصِيحُ خَلْفَها بِجنُونٍ وحركاتٍ هِسْتِيريَّة :
ــ انْتَظرِيني ….
كرِهتْ نَبَرَاتَ صَوْتِهِ ، شَعِرَتْ بِاشْمِئْزازٍ بَالِغٍ مِنْهُ ، هذَا الصَوْتُ صَارَ يُؤْذِي مسَامِعها ، وحِيْنَ قَذَفَتْها المَوْجَةُ المُتَزاحِمَة داخِل الحافِلَة قَالَتْ في نَفْسِها :
ــ إِنْ شِئْتَ انْتَظِرْ …. أَنا ماضِيَة .
تَحرَّكتِ الحافِلَة ولَمَحتْهُ واقِفاً بَيْنَ الحشْدِ على رَصيفِ الانْتِظار وعلامَات الجُبْن والوَقَاحة تَطْبَعُ تَفاصِيلَ وَجْهِهِ بِقُبْحٍ ووَضَاعة ….
ــ انتهت ــ